هذه التدوينة برعاية نشرة الأحد البريدية من إعداد الأستاذ علي عسيري وهي نشرة تشبه قرصات شاورمر لكنها للتسويق. اشتركوا فيها وشكرًا للدعم.
مساء الخير والسرور،
اقترح عليّ الأستاذ حامد الخطيب هذا الموضوع فشكر الله له وبارك فيه. حامد مشترك في رديف فاشترك أنت كذلك في رديف.
لننقل نصّه هنا ونجيب عليه بعون القويّ المتين:
لأي مدى صناعة المحتوى متعبة أو تستنفذ الذهن؟
أفضل جواب لهذا هو أن نبحث ماذا يحدثُ لدماغك عندما تكتب، ولهذا الغرض حاول مارتن لوتز (Martin Lotze) دراسة ما يحدث عندما يكتب البشر؛ لكنه وجد صعوبات بالغة في مسح أدمغة المشاركين في الدراسة أثناء الكتابة فعليًا حتى انتهى به المطاف لإعداد مكتب خاص لهذه التجربة.
كما أن المشاركين في الدراسة الأولى لم يكن لهم سابقة في الكتابة الإبداعية لذا يقرّ مارتن أن الجزء الأول من دراسته محدود مع ذلك أدعوك لمطالعة المقال الذي يلخّص نتائج الدراسة: هذا ما يبدو عليه دماغك أثناء الكتابة [The New York Times]
ما يحدث في أدمغة الكتّاب المبتدئين [ليس لديهم خبرة سابقة في الكتابة الإبداعية]
في دراسته آنفة الذكر، طلب الدكتور مارتن من 28 متطوعًا أول الأمر أن يستنسخوا نصًا (فقط يعيدون كتابته) وذلك كي يكون لديه مرجع للدراسة.
ثم أظهر مارتن للمتطوعين بضعة أسطر من قصة قصيرة وطلب منهم إنهائها بكلماتهم هم. كان المتطوعون يفكّرون لوهلة ثم يشرعون في الكتابة الإبداعية لفترة تناهز الدقيقتين.
وأظهرت الدراسة أن بعض مناطق الدماغ تصبح نشطة أثناء الكتابة الإبداعية لكن هذه المناطق لا تنشط أثناء الاستنساخ (نقل النصوص كما هي).
وأثناء تفكير المتطوعين قبل أن يتمّوا القصة من عندهم أصبحت بعض مناطق الدماغ المسؤولة عن المعالجة المرئية نشطة لدى المتطوعين ما يرجح أنهم كانوا يشاهدون في مخيلتهم ما كانوا يرغبون في كتابته.
حريّ بالذكر أن بعض المناطق الأخرى من الدماغ كذلك أصبحت نشطة أثناء شروع المتطوعين في الكتابة ما جعل الدكتور مارتن يظن أن أحد هذه المناطق -وهو الحُصَين (hippocampus)- نَشِط لأنه يسترجع معلومات من عالم الواقع يستخدمها المتطوعون في كتابتهم.
ما يحدث في أدمغة الكتّاب المتمرّسين [لديهم خبرة في الكتابة الإبداعية]
وما سبق جرّبه الدكتور مارتن على أناس لم يسبق لهم الكتابة الإبداعية ولأنه يريد دراسة دقيقة وشاملة أعاد التجربة بدعوة كتّاب متمرّسين ووجد أن أدمغة الكتّاب ذوي الخبرة تعمل فعلًا بصورة مختلفة حتى قبل أن يضعوا القلم على الصفحة.
فأثناء التفكير فيما يكتبون كان الكتّاب المبتدئون يفعّلون المراكز البصرية في أدمغتهم في حين أظهرت أدمغة الكتّاب المتمرسين نشاطًا أكثر في الفصوص المتعلقة بالخطاب والكلام.
بهذا الصدد يقول الدكتور مارتن “أظن أن كلا المجموعتين تستخدمان استراتيجية مختلفة”؛ من الممكن أن الكتّاب المبتدئين يشاهدون قصصهم مثل فلم داخل أدمغتهم في حين يحكي الكتّاب المتمرسون قصصهم بصوتٍ داخليّ.
وأثناء شروع المجموعتين في الكتابة ظهرت فروقات أخرى كذلك منها أنه وعميقًا داخل أدمغة الكتّاب المتمرسين نشطت منطقة من الدماغ تسمى النّواة المُذَنَّبة في حين أن هذه المنطقة لم تنشط لدى المبتدئين.
والنّواة المُذَنَّبة جزء من الدماغ مألوف لدى العلماء من أمثال الدكتور مارتن الذي يدرسُ البشر البارعين في أحد المجالات. حيث يؤدي هذا الجزء من الدماغ دورًا جوهريًا في المهارات التي تترسخ بالممارسة بما في ذلك أنشطة مثل ألعاب الألواح (مثل الشطرنج…)
وعندما نبدأ في تعلّم مهارة من المهارات مثل العزف على البيانو أو لعب كرة السلة. نبذل نحن البشر قدرًا كبيرًا من الجهد الواعي لكن ومع الممارسة تصبح هذه الجهود أكثر تلقائية والنّواة المُذَنَّبة وما جاورها تبدأ في إدارة نشاط الدماغ عند حدوث هذا التحوّل (أي من بذل الجهد عن قصد إلى بذل الجهد بتلقائية).
تلقى بعض العلماء هذه الدراسة بترحاب فيما ارتاب ستيفن بينكر (Steven Pinker) منها وجادل أنها تعاني من نقائص وقال أنه لو مسحنا دماغ الكاتب الفرنسي المعروف مارسيل بروست أثناء كتابته روائعه فسنرى أن دماغه لربما فعّل المناطق المسؤولة عن التذوّق عندما يكتب عن تذكّره لطعم كعكة في حين قد ينشّط كاتب آخر مناطق الصوت لأن ذلك يتماشى مع أسلوبه.
وختم ستيفن بينكر كلامه بأنه من العسير للغاية دراسة العملية الإبداعية علميًا.
كتابة أكثر تعني دماغًا معافى
في مقال آخر أحدث مما سبق عنوانه كيف تؤثر الكتابة على دماغك وفق العلم؟ إليك ما يحدث عندما تكتب [The Writing Cooperative] نقرأ:
كتب باري غوردُن (Barry Gordon) وهو متخصص في علم الأعصاب الحيوي (neurobiologist) أنه وحينما تكتب يكون دماغك “نشطًا كليًا معظم وقت الكتابة، وقد تبين أننا نستخدم فعلًا كل منطقة من مناطق أدمغتنا تقريبًا وأن معظم فصوص دماغ من يكتب نشطة معظم وقت الكتابة” ولأن معظم أجزاء دماغ الكاتب منخرطة في هذا النشاط فإن الكاتب ينتفع بهذه المنافع:
- يطوّر الكاتب مهارات تنظيمية تنجم عن صياغة أفكار والخواطر وترتيبها
- يعزِّز الكاتب التفكيرَ المنطقي ومهارات حلّ المشاكل
- يتسنى للكاتب أن يستخدم كثيرًا من الكلمات والألفاظ المختلفة مما ينمّي حصيلته اللغوية من المفردات
كيف [وكم كلمة] تكتب دون أن تحرق الخلايا العصبية في دماغك؟
لنعد لسؤال الأستاذ حامد ونحاول الإجابة عليه بعد هذه المقدمات اللازمة.
لأي مدى صناعة المحتوى متعبة أو تستنفذ الذهن؟
صناعة المحتوى لا سيما النصيّ مهنة مثلها مثل غيرها من المهن البدنية. تتطلب بذل الجهد وترهق البدن والذهن على حد سواء. لكن مع
- معدّل كلمات معقول تنتجه يوميًا و
- مع تغذية جيدة وحمية غذائية مناسبة و
- حمية معلوماتية وممارسة للرياضة و
- تعزيز للجانب الديني الروحي (الذكر والصلاة)
ستكون بخير ألا ترى أني أنتج المحتوى منذ سنين والحمد لله أنا بخير وكله من فضل الله.
أما إن كنت تحكي عن صناعة المحتوى عمومًا فهي كذلك متعبة وتستنفذ قِوى الذهن ولهذا لا غرابة أن صنّاع المحتوى يقضون 70 ساعة أسبوعيًا في الإنتاج و90 بالمئة منهم أصيبوا بالاحتراق الوظيفي وفي ذات المقال ذكرت الحلّ كذلك.
كم عدد الكلمات المعقول والصحيّ الذي ينبغي أن ينتجه كاتب المحتوى يوميًا؟
والبحث في هذا الموضوع مهم للجواب لأنه عندما نعرف القدر المعقول من عدد الكلمات الواجب إنتاجه يوميًا يكون لدينا فكرة عمّا يمكن إنتاجه يوميًا دون أن نستنزف الذهن ونرهق الدماغ كثيرًا.
وعندما بحثت عن المعيار والقدر المعقول وفق جهة معتمدة مثل نقابة أو جمعية أو اتحاد أو ما شابه لم أجد لكني وجدت هذين المقالين ومن أحدهما وهو الثاني ثم من تجربتي سأحدد الرقم:
أخذت الأرقام التسعة عشر في المقال الأول وجمعتهم وقسمتهم على 19 لتأتي النتيجة أي المتوسط:
1754 كلمة
وهو قدر معقول لكاتب يحترف الكتابة. وشخصيًا أكتب ما بين 500 لـ1500 كلمة يوميًا بحمد الله ويمكن أن نفصّل هنا فنقول:
- إن كانت كتابة المحتوى مهنتك الرئيسية (حتى لو تعدد العملاء) فإن إنتاج ما بين 1500 إلى 1800 كلمة يوميًا قدر معقول من العمل وفي النطاق المقبول
- إن كانت كتابة المحتوى عمل جانبي فوق عملك الفعلي فإن كتابة ما بين 350 وحتى 800 كلمة يوميًا قدر معقول من العمل
ماذا نلخصُ من هذا؟
- الكتابة ومع أنها نشاط ذهني بالأساس إلا أنها عملٌ مثله مثل غيره من الأعمال البدنية مثل الرياضة
- بالممارسة تتحسن مهارة المرء في الكتابة وتصبح أقلّ صعوبة عليه
- المعدّل المعقول لإنتاج النصوص كل يوم هو نحو 1800 كلمة للكاتب الذي مهنته الرئيسية كتابة المحتوى و800 كلمة للذي يكتب بصفتها مهنة جانبية
- أعط بدنك حقّه فإن العقل السليم فعلًا في الجسم المعافى السليم
- عندما تكتب ينتفع دماغك كثيرًا بالفعل فللكتابة إذن فوائد صحية إذ تنشّط الدماغ المسؤول عن تدبير بدنك
- يميل بعض الكتّاب المتمرّسين للتشاؤم والعدمية لأن فحوصات الدماغ أظهرت أنهم ينشّطون النّواة المُذَنَّبة في أدمغتهم أثناء الكتابة، والنّواة المُذَنَّبة مسؤولة عن التشاؤم
انتهى المقال بحمد الله، إن أعجبك شاركه ولك الأجر، أو اشترك في رديف ولك أجران.
أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر
يونس يسأل: كم كلمة تكتب وتنشر يوميًا؟
سؤال #2: ما الفرق بين المخ والدماغ؟