السلام عليكم ورحمة الله،
اقترح عليّ الزميل مجتبى الركابي -ووافقه إسلام شحاته– هذا الموضوع فشكرًا لهما:
حكايتي مع المشي
في الحقيقة حتى قبل العامين، كنت أمشي كثيرًا، واقع الأمر أني أعدّ نفسي من أعظم المشّائين في الجزائر. سمعتُ بالفعل عن آخرين يمشون كثيرًا هنا وهناك أخبرني عنهم أصدقائي أثناء المشي لكن في مدينتي وادي سوف والجنوب الشرقي للجزائر أظن أني رقم 1. ومستعد لأي تحديات تُثبت ذلك.
لذا كنتُ دائمًا أمشي…
المشي لدي ليس بديلًا عن شيء آخر، سمعت حكايات من الجيل الأسبق عن مشّائين عظام يقطعون مسافات تتجاوز المئات الكيلومترات ولربما سمعتم أيضًا أنه وحتى وقت قريب أي ما بعد الحرب العالمية حجّ كثير من الناس مشيًا على الأقدام.
لو كنا في بلاد عربية مستقرة وسمح الزمان لحججت واعتمرت ماشيًا وعدت ماشيًا.
الأمر الذي أنا متيقن منه أن أهم شوط سأمشيه وأستمتع به جدًا وأتعبد المولى سبحانه به هو الطواف والسعي بين الصفا والمروة.
لذا قبل العامين، كنت أمشي مع كل شخص يريد المشي معي، مشى معي بضعة ناس لكن لم يلتزموا. بعضهم فهم الحكمة من المشي لكن لم يستطع إدراجها كليًا في حياته مع ذلك كل فرصة تتاح له يأتي ويمشي معي.
في العالم المثاليّ الذي أريده، لا يوجد مقاعد للدراسة وصفوف دراسية بل هناك دروب للمشي يعلّم فيها الأستاذ طلبته وهم يمشون، في العالم المثاليّ الذي أفكر به حجم المدارس ضخم يفوق العشر كيلومترات من ناحية الطول ذلك أنه كما قلت: هي دروب للمشي وليس أقسامًا.
وهذه ليست فكرة مبتكرة فالمشّائية من المشي مدرسة فلسفية معروفة لأرسطو الذي كان يلقي حكمته ماشيًا.
أما لمَ حسبت السنتين مع أني مشيت قبلها كثيرًا؟ السبب أنها تزامنت مع بداية كتابتي اليومية مثل هذا المقال فأصبحت أوثّق هكذا عرفت بالفعل أني مشيت عامين كل يوم دون انقطاع.
كيف بنيت عادة المشي؟
يشتهر عن الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه مقولته التالية:
كل الأفكار العظيمة تولد أثناء المشي
وهذا الاقتباس وجدته لما بحثت في كتب غوغل بعبارة: «المشي + نيتشه» وستجد في النتائج ما يسرّك والاقتباس أعلاه مقتبس من كتاب مصادر الأفكار المبتكرة دليل المبدعين لمنابع الأفكار القوية تأليف: الدكتور سائر بصمه جي دار الكتب العلمية وعنوانه لوحده مع الاقتباس سيدلك على علاقة قوية بين التفكير والإبداع والمشي.
وجوابًا عن مقطع سؤالك أقول: في حقيقة الأمر بُنيت عادة المشي لدي من الممارسة وليس من تخطيط مسبق. وذلك كما يلي:
- عندما مشيتُ لفترة كنت أحس بالمتعة ومنافعه البدنية والذهنية دون أعرف ما هي تحديدًا
- ثم قرأت عن منافع المشي فكريًا وطبيًا وهي كثيرة بالنسبة للفكر يمكنك قراءة هذا المقال الطويل والماتع الذي كتبه فادي توفيق في مجلة القافلة عن المشي أنت تمشي إذاً أنت تكتب، أما منافعه الطبية فلا حاجة للاستشهاد بمصادر لأن الجميع متفق عليها ومتوفرة بكثرة ببحث سريع. لكن مقال مجلة القافلة ذلك قد لا تجده ببحث عام لذا وجب ذكره وأوصيك بقراءته فعلا
المقال ليس هو من أقنعني بالمشي لأني لم أجده إلا عندما قررت الكتابة عن المشي اليوم بل هو مقال يجمع ما قرأتُ معظمه في أماكن متفرقة أخرى من قبل فهو مقال جامع نافع في موضوع المشي والتفكير وهو يلخص لك منافعه الذهنية.
- هكذا بُنيت عادة المشي لدي والصورة أدناه توضّح ذلك بإيجاز:
لماذا المشي بالتحديد عن بقية الرياضات؟
لا أعتبر المشي رياضة بحدّ ذاته، إنما أراه كما يلي: أنه هو الحدّ الأدنى للحركة البدنية التي يتطلبها جسدي. لذا للحفاظ عليه قويًا لا بد أن أتحرك. والحركة المفضلة لدي هي المشي. لذا أمشي.
لاحظ أن ثمار صحة البدن جرّاء المشي المستمر واضحة وملموسة ذلك أني طيلة العامين ومع أني مرضت أحيانًا إلا أنني لم أصب بمرض تمنعني حدّته عن عدم المشي يومها. والحمد لله.
لربما يقول الأطباء لك أن كيلومتر واحد يكفي وزيادة يوميًا. لكن هذا العدد من الكيلومترات هو ما يريح جسدي أنا.
أما بخصوص الرياضات الأخرى فقد رغبت في السباحة، وحاولت تعلمها لكني فشلت ومن ثم توقفت مؤقتًا عنها.
والرياضات الأخرى أراها خطرة لا سيما في هذه المنطقة التي أعيش بها فمعظمهم لا يجيدون ما يلعبون، فلعب كرة القدم مثلًا يرفع حظوظك في تعرّضك للكسر والكدمات إلخ..
شخصيًا لو كان لي أن أختار من الرياضات سأختار السباحة لأنها متكاملة مع المشي، وأختار ركوب الخيل كذلك، وربما الرمي بالسهام والرمح لأنها تشغّل عضلات اليد والذراعين.
لذا جوابًا عن هذا المقطع: لا أرى المشي رياضة بحدّ ذاته بل هو ما يكفي من حركة يطلبها الجسد البشري ولا مانع أن يسميها الآخرون رياضة لا أمانع. الفكرة أني لو رغبت في رياضة أخرى وأدرجتها في حياتي فلن يختفي المشي. لأني لن أستبدله وأقول: أنا أمارس السباحة الآن فلا داعي لأن أمشي فرياضة واحدة تكفي. من هذه الناحية أنا لا أعتبره رياضة بالنسبة لي مع أنه في حقيقته حركة بدنية فيمكن عدّه رياضة.
هل يأخذ من وقتك أم هو جزء من يومك كالصلاة والغذاء؟
يأخذ المشي (7 كلم) حوالي الساعة إلى الساعة ونصف حسب سرعة المشي. لذا ساعة ونصف يوميًا أراها متاحة لكل شخص.
قد تتعجب لكني أعتبر المشي ترفيهًا. المشي ترفيه جيد أطالب به لو فقدته. يعني سيكون يومي ناقصًا دون مشي.
وبما أني لا أنفق وقتًا على أمور أخرى كالألعاب ونتفلكس ولمّات الأصحاب التي لا ضرورة لها وفيها كثير من الغيبة والنميمة، وغيرها من مضيعات الوقت فأنا لا أجد أي مشكلة في تخصيص وقت للمشي.
ملاحظة هامة بخصوص التوقيت
لاحظتُ أني لما أثبّت توقيت الممارسات مثل: دعني أتمشى كل يوم الساعة 6 مساء مثلًا أو بعد المغرب. أو دعني أدوّن كل يوم الساعة 6 فجرًا مثلًا. لا أنجح في الالتزام بالموضوع.
ولهذا لا تراني أنشر في نفس الوقت في مدونتي ذلك أن يومي مثل هذا العصر سائلٌ ومتحرّك بالتالي أنا أضع الشرط أن أتم المهمة في حدود 24 ساعة. بمعنى أن أدوّن هذا اليوم ولا تهم الساعة وأن أمشي هذا اليوم ولا تهم الساعة؛ وهذا ما نجح معي للتدوين والمشي.
أخيراً ماذا تفعل مع المشي؟ تستمع لبودكاست، تتأمل؟ لا تفعل شيئًا فقط مشي؟
أولًا كما قلتُ أعلاه أحبّ المشي مع الآخرين والتحدث معهم، كنت أمشي مع بعض الأصدقاء قبل العامين لكن لم أجد من يلتزم معي. مع ذلك هم لما يتصلون بي -وصدّق هذا- يعني في أحيان عدّة أنني أمشي بالفعل أكثر من 20 كلم في ذلك اليوم وأوصلهم لمنازلهم على الأقدام.
وها هنا ملاحظة مهمة. السيارة إدمان. في حال أدمنت عليها كما فعل بعض الأصدقاء سيصعب عليك المشي. لذا شخصيًا أنصح بأن يؤجل المرء -إن لم يكن بحاجة ماسّة للسيارة- شراء سيارة، فالبدائل الأخرى أصبحت كثيرة جدًا وأيًا كان ما تحتاجه من نقل وتنقل ستجد من يوفره مع ميزة أنك لن تنفق شيئًا في صيانته.
الآن حتى عندما يأتي أصدقائي بالسيارة أجعلهم يركنونها ونتمشى.
لكن طوال العامين السابقين وجدت أخي أيوب ملتزمًا معي بالمشي ولهذا فهو كذلك مشى معي لفترة عامين 7 كلم يوميًا. أيوب لديه قناة على يوتيوب اسمها قناة موثوق التعليمية. فادعموه واشتركوا فيها.
بالنسبة لما أفعله هو الحديث مع أخي: وغالبًا يتمحور حول ما يلي:
- بما أنه يوتيوبر أخبره بأي مقال أو تحديث قرأته عن يوتيوب ويخبرني هو كذلك بما نشره
- أتحدث عن تدوينة اليوم وما نشرته
- مواضيع متفرقة عفو الخاطر وأي معلومات أو أحداث تهمّنا نحكي عنها
لذا لا أستمع للبودكاست، في الواقع لا آخذ الهاتف أساسًا. أنا أعتبر المشي لدي فسحة انقطاع عن الإنترنت. قد يقول لك الناس قد تحدث طوارئ. ربما. لكن حتى لو حدثت فأيوب يأخذ الهاتف أو الصديق الذي أمشي معه وطوال العامين لم يحدث أي طارئ ولله الحمد أثناء المشي حيث يحتاجون التواصل معي فورًا.
أفضّل حتى لو تمشيت وحدي ألا أرتدي أي جهاز قابل للارتداء ولا أحمل الهاتف فقط نقود قليلة عادية لربما أحتاجها، وبطاقة الهوية التي غالب الأمر أنسى أخذها. لكني أتذكرها أحيانًا.
وأين تمشي جغرافياً حديقة؟ متنزه؟
أبشر. إليك بالتفصيل المسار التي أتبعه يوميًا. في خريطة غوغل:
في 90 بالمئة من الحالات أتبع هذا المسار. وهو أرصفة الطرقات. يعني رصيف الطريق. وهو غير صالح للمشي. ذلك أن مفهوم قابلية المشي (Walkability) الذي يعني جعل المدن صالحة لمشي البشر لمّا يصل بعد لمسؤولي الجزائر.
حدّ علمي لا يوجد متنزه في منطقتي، هناك حديقة لكنها بعيدة وتفتح وتغلق وفق هوى مسؤوليها، والوصول لها نفسه يعني أن تمشي نصف نصيبي اليومي من المشي كما أن إدارتها لا تعجبني وهي فوضوية ولن يفهم الناس لماذا تتمشى هناك. لأن الناس تذهب هناك كي تجلس وتأكل وتستمتع بالهواء العليل والأشجار. فأن تتمشى هناك لن يعجبهم فيما أظن.
انتهى المقال بحمد الله.
أرجو أن يكون المقال قد أجابك عن سؤالك.
شاركه مع أصدقائك ولك أجر، أو اشترك في رديف ولك أجران.
أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر
يونس يسأل: ما علاقتك مع المشي؟
أحب المشي لكن ليس بهذا الالتزام.. تقريبا أمشي كثيرا عندما أجتمع بأصدقائي يوم الجمعة..
إعجابLiked by 1 person
حفظك الله وأصدقائك
إعجابLiked by 1 person
المشي رياضة ونشاط رائع، لكن للأسف لا أجد له وقت والسيارة لا تشجعني على ذلك، أمشي كثيراً عندما أسافر، خصوصاً عندما لا أسافر بالسيارة
المشكلة أننا في العاصمة لا يوجد لدينا مكان مناسب للمشي، ونحن نسكن تقريباً في المنتصف، وإذا حاولت أن أمشي بين اﻷحياء فسوف أجد كلاب وأنا أخاف جداً منها، خصوصاً في وقت الصباح فهي لا تترك شخص يعبر بجوارها.
بعد تدوينتك هذه سوف يكون المشي هدف جديد من أهداف السفر خارج العاصمة، سوف أضع هذا النشاط في الحسبان إذا سافرت بإذن الله
إعجابLiked by 1 person
إن شاء الله
كل من يمشي ولديه سيارة فهو بطل حقيقي
على ذكر الكلاب مرة كنت أمشي في مكان فيه الكلاب الكثيرة وكنت وحدي وفي الظلام كنت أسمع الموسيقى ولم أنتبه لنباحها كانت تمشي خلفي مثل القافلة وأنا لا أعرف ثم انتبهت فالتفت قليلا ورأيتها خلفي فلم آبه وأرجعت السماعة ومشيت بنفس الوتيرة دون إسراع أو إبطاء تبعتني قليلًا ثم انصرفت من هناك حذفت ذلك الطريق من قائمة الطرق التي أمشي فيها ليلا
الأماكن المزدحمة بالفعل تصعب المشي لا سيما العواصم والعواصم لا بد من السيارة قطعا لأنها ليست شيء كمالي وقتها.
نسيت أن أذكر أعلاه أنه وأثناء المشي أحيانا كثيرة يتوقف أصدقاء ومعارف بسياراتهم ظانين أني أريد توصيلة فأشكرهم وأعتذر أني خرجت أساسا للمشي لكنهم يتعجبون من بعد المسافة بنظرهم لأنهم يعرفون أين أسكن
بصورة عامة وخلاصة: المشي لذة تجعلك تحمد الله عز وجل في كل خطوة من الخطوات
أشكرك لتعليقك يا طيب
إعجابLiked by 1 person