أهلا بكم ومساء الخير،
طرحت عليّ المترجمة سمية حبتور (أوصيك باقتناء ترجماتها) هذا الموضوع فبارك الله فيها:
وقررت بعون الله الكتابة عن 5 أفكار أؤمن بها وليست محددة بسنة معينة، وهذه الأفكار هي:
يتسم العالم بالوفرة والتوسّع الدائمين
إضافة لأن العالم الواقعي المادي يتوسّع بالفعل، فيما يسمى بتوسّع الكون، فإن المفاهيم والأفكار والثروات كذلك لا تنفد.
لذا لا أؤمن أن هناك مصادرَ محدودة، لا من ناحية المادة ولا من ناحية المعنى.
ولا أؤمن أن الاقتصاد كعكةٌ ذات حجم محدود من أخذ منها حَرَمَ غيره من نصيبه بل العالم بما فيه الاقتصاد مائدةٌ إلهية لا تنفد.
إن تكلمنا من ناحية المادة، سنعرف أن سببَ فكر المحدودية والندرة نابع من جهلنا بما في العالم وتنوعه ووفرته.
من ذلك على سبيل المثال لو تحدثنا في عنصر الأكسجين سنجد أن الطبقة العليا من سطح القمر فيها لوحدها من الأكسجين ما يكفي لرفد 8 مليارات شخص للمئة ألف سنة مقبلة.
فضلًا على أن مخاوفنا نابعة -وركّز معي هنا- من أنها مبنية على معطياتنا العلمية الحالية، فمثال لو خشيتَ مرضًا معينًا لا علاج له حاليًا، ثم اكتشفت أن له علاجًا سهلًا وناجعًا ودون أضرار فسترتاح، ماذا أراحك هنا؟ ما أراحك هنا هو معلومة، ومخاوفنا الجماعية الآن بصفتنا بشرًا مبنية على ما نعلمه الآن وهو محدود جدًا ذلك أننا لا زلنا نجهل الكثير عن عالمنا المادي مثل:
- مع أن قُطر قمر أوروبا (أحد أقمار المشتري) ربعُ قطر الأرض إلا أن المحيط المائي الذي فيه، به من الماء ضِعفَا ما تحتويه جميع محيطات الأرض. ما يحل مشكلة المياه نهائيًا لو وُفقّ البشر للتعاون وإرسال مراكب تأتي به.
- ليس لدى البشر خرائط مفصّلة إلا لما نسبته 5 بالمئة فقط من إجمالي قاع البحار والمحيطات.
- حتى بعد قرون من المجهودات المبذولة، لا زال 86 بالمئة من الكائنات الحية التي تعيش في الأرض غير مُصنّفة علميًا. وتقدِّر إحدى الدراسات الحديثة أنه يعيش على كوكبنا نحو 8.7 مليون نوعٍ من الكائنات الحية. هذا يعني أن العلماء لم يصنّفوا علميًا ويصفوا وصفًا كاملًا (ناهيك عن دراسة) إلا أقلّ من 15 بالمئة من مجمل الأنواع الحيّة الآن.
بقول هذا وفي ظل أخبار بوجود حشرات تأكل البلاستيك وفطريات لا تتحمل الإشعاعات داخل محطة تشيرنوبل النووية المهجورة وحسب بل وتأكل الإشعاعات وتزدهر في ذلك الوضع؛ كما أن البكتيريا المُعدَّلة تستطيع أن تُحوِّل النفايات الغازية، مثل ثاني أكسيد الكربون، لمواد كيميائية نافعة بكميات كبيرة.
ففكّر معي: لعل كل مشاكل البشر الحالية مثل الاحتباس الحراري والتلوث تكمن لدى كائن حيّ لمّا نعرفه بَعْدُ.
في المجال التجاري: لا وجود للمنافسة
لا أؤمن بوجود منافسة، ذلك أن من جذور المنافسة عقلية الندرة ونظرية الكعكة المحدودة (من يأخذ نصيبًا يحرم آخر) التي تكلمنا عنها أعلاه.
وبدل المنافسة والتزاحم أؤمن بوجود بدائل ومنافسين مثلما كتبَ جَيسون في هذا المقال فعليك به لأنه يطابق وجهة نظري حول الموضوع: فكِّر في عملك التجاريّ على أنه بديلٌ وليس منافسًا…، وطالع أيضًا مقالي الآخر عن المنافسة: كيف نتنافس تنافسًا شريفًا بصفتنا كتّاب وكاتبات محتوى؟
الزمن الماضي لم يكن بذاك الجمال. وعصرنا ليس نهاية التاريخ
الفرق بين الحماقات التي يفعلها الجيل الحالي من جيل الألفية وجيل زد على تيك وتوك وحماقات الأجيال الأسبق. هو أن حماقاتنا نحن وللأسف موثقة. لكن لو خالطتَ -كما فعلتُ- العديد من أفراد الجيل السابق كبار السن ستعرف أن الحماقات والجرائم والتصرفات اللا أخلاقية وكل الكذب والخداع والغشّ كانت موجودة إلا أنه لحسن حظهم لم تكن موثّقة أي مسجلة في مكان ما.
لهذا في الدول العربية يندرُ أن تشير بصدق وموثوقية لمبنى وتخبرني من يملك هذا؟ كما يندر أن تجد شخصًا أو كيانًا يوثّق بدقة تناسب العصر الديون والمخرجات والمدخلات المالية ولهذا نحن في فوضى منقطعة النظير في مجال الإرث وملكية الأراضي والمنازل وما شابه.
شخصيًا وللعجب أرى أن النظام المالي والتوثيق في عصر الراشدين والأمويين والعباسيين أدقّ ومناسب للعصر أكثرَ من نُظمنا الحالية المعتمدة على خلط كل شيء والغموض واللا شفافية وعدم توثيق الديون كما أمرنا الشرع الحنيف. والله المستعان.
هذا من جانب المال وقس عليه في كل الجوانب الحياتية الأخرى وستجد صدق ما أخبرتك به.
الملخص: لم يكن الزمن الذي سبقنا جميلًا إنما جماله لو كان له جمال كامن في الستر الذي أسبله الحقّ على خطايا هؤلاء القوم الذين إن سألتني ما أعظم حماقاتهم؟ أجبتك: ما يعاني منه الجيل الحالي الآن. فالأوضاع والكوارث والمصائب وقلة التربية وما شابه لم تنشأ من العدم إنما هي نتيجة منطقية لتفاهة الجيل الأسبق وكسلهم وعدم خوفهم من الله تعالى وتسببهم بمعاناة كبرى للجيل الحاليّ.
الروبوتات لن تقضي على البشر
الأسهلُ من صنع روبوت واقعيّ يغسل وينظف ويطبخ ويطهو البيتزا، أن تصنع روبوتًا افتراضيًا تكون أجوبته معقولة على أسئلتك ونحن الآن في 2022 وأعظم ابتكار في الروبوتات الافتراضية وهو جي بي تي 3 لا زال غبيًا بقدر يصعق العقل. طالع: إلى أي مدى الذكاء الاصطناعي جي بي تي 3 صادقٌ في إجاباته؟
ومن هذا أني مرة كنت أقرأ الأخبار التقنية ووجدت أن أحد الروبوتات الواقعية التي تشبه ميزان الوزن وتدور في المنزل لتنظف القاذورات أدرجت أخيرًا في تحديثها الأخير تجنب براز الكلاب أكرمكم الله.
وقد أدهشني هذا وخطر لي سؤال: الذين دفعوا من قبل ماذا دفعوا مقابله؟ شخصيًا لو لم يكن بذكاء تجنبه بل وتنظيفه براز الكلاب والقطط لن أدفع فيه المال.
لكن هذا غير غريب لأن الناس تشتري هذه الأجهزة بنظري ليظهروا للعالم أنهم مواكبون للعصر وأنهم “كوول”، وتقنيون، ومن هذا أيضًا ذاك الذي اشترى سيارات تسلا ودفع 10 آلاف دولار لتحديثات السائق الآلي التلقائي ولم يحصل إلا على سيارة عندما تُشغّل قيادتها الآلية تتجه بك مباشرة لتصدمك بعمودٍ اسمنتي.
لا ندري قد تكون الروبوتات هنا تفعل ذلك عن عمد، فلربما الروبوتات حقًا ترغب بإفنائنا لأننا عبء على الكوكب؟
استطراد جانبي عن جهاز غبيّ آخر يزعم أنه يفهم اللهجة الخليجية (غير الموجودة بنظري)
حتى جهاز إيكو من أمازون الذي يدعي فهمه للأشياء. اقرأ أدناه إحدى المراجعات عنه في متجر أمازون السعودية وسترى بنفسك مقدار غبائه.
إضافة إلى أنه لن يكون كما ترغب. لا أرى حاجة لجعله يفهم اللهجة الخليجية بالذات، فبنظري لا وجود لشيء اسمه لهجة خليجية. إي نعم هناك لهجة نجدية، ولهجة أهل القصيم، ولهجة إماراتية. لكن لا وجود لشيء اسمه لهجة خليجية.
قد تسأل: لكن يونس هذا ادعاء كبير. كيف تعرف أن لهجة ما غير موجودة؟
أجيبك معرفة ذلك سهل.
هناك بالفعل لهجة سوفية (من وادي سوف الجزائر) وهناك لهجة ليبية. وكي نعرف أن لهجة معينة موجودة أو لا. أجرِ الاختبار التالي:
- حضّر صورَ 100 غرض من الأغراض (فواكه، أشياء، كائنات…)
- اعرضها على شخص من منطقة معينة وقل له ما اسم هذا الشيء؟
- اعرض نفس الشيء على شخص آخر لا صلة له بالأول لكنه من نفس المنطقة
- في حال كان التطابق أكثر من 75 بالمئة فهناك لهجة لتلك المنطقة
- في حال كان التطابق أقل من 75 بالمئة فليس هناك لهجة لتلك المنطقة
وها هنا أزعم أنك لو عرضت 100 غرض على أفراد من مختلف الدول الخليجية لن يكون التطابق أكثر من 75 بالمئة. وبالتالي:
لا وجود لشيء اسمه لهجة خليجية.
ما يسميه الناس الآن لهجة خليجية، هو لهجة هجينة. مجرد توليفة لغوية غرضها “تمشية الحال” و”التسليك” ولا تصلح أن تُدمج في نمط الحياة، وقد ظهرت للتفاهم بين الدول الخليجية. وهي دائمة التطوّر. ومن المفترض ألا نعززها بالتقنية، لأنها لا تحتاج تعزيزًا.
ولو دخلت صفحة جهاز الإيكو نفسه سترى أن هناك عبارة تقول أليكسا، شغّلي سورة الفاتحة.

وهذا حسنٌ. ما نحتاج تعزيزه هنا هو الفصحى لا غير. وإلا؟
نكمّل في هذا الاتجاه وسنرى بعضهم سيطالبون بترجمة الكوميديا الإلهية لدانتي وأعمال شكسبير للهجة أهل القصيم.
لربما كذلك نجد في إيكو Skill تترجم لك أشعار المعري للهجة النجدية. لم لا؟
من يدري؟ إن بطن مثل هذا المستقبل تحوي الكثير. لكن لا رغبة لي برؤية “مُخرجاتها” لأني على علم مسبق بماهيتها.
وهكذا بدل أن نخصص الجهد لترجمة أكبر عدد ممكن من الأعمال للعربية الفصحى، سيحدث برج بابل جديد، ونعكف تملؤنا الحمية والعصبية نترجم من جديد الأعمال للهجاتنا المتفرقة.
على الجانب سيسعدني متابعة “تحديث” هذا الجهاز لرؤية كيف سيواكب ما يسميه “لهجة خليجية”. وسيسعدني أكثر أن أرى ردود فعل الناس على اختيار الجهاز لفظة بدل أخرى دون سبب وجيه!
مشكلة هذه التقنيات الصوتية واللغوية أنها لا تستفيد من أي دراسات حقيقية في علم اللسانيات. من يُشرف عليها؟ الله أعلم لكن أقطع جازمًا أن ثقافته اللغوية واللسانية جدُّ محدودة.
لذا الملخص هنا: لا ما زال أمامنا سنوات ضوئية لنصل لصنع شيء مشابه للروبوت ديفيد في فلم بروميثيوس.
حتى ذلك الحين ها نحن عالقون مع مساعدات صوتية سخيفة لا تفقه شيئًا.
الجديد لن يمحي القديم
يظن الكثيرون أن سبوتيفاي وأنغامي ستقضي على الحاجة لأسطوانات الفينيل، مع ذلك هذا غير صحيح. فهي قطاع يزدهر الآن بالفعل في 2022. طالع: أسطوانات الفينيل تشهد أكبر نمو للمبيعات لها منذ 1991، حيث اشترى الأمريكيون لوحدهم 2.1 مليون أسطوانة في الأسبوع الذي ينتهي بتاريخ 23 ديسمبر.
ربما تختار غرضًا تظن أنه انقرض بالفعل، وتسألني ماذا عن شرائط الكاسيت؟ أخبرك أن تطالع هذا الخبر: ازدهار مبيعات الكاسيات: انبعاث هذا القطاع من جديد سببه جامع تحف فنية من هونغ كونغ وشركة تسجيلات موسيقية، وأزيدك: ما دام توم هانكس حيًا لن تختفي الآلات الكاتبة.
ماذا عن قطاع المطبوعات؟ نقرأ في توقعات قطاع الصحافة للعام 2022 من قِبل الخبراء:
إننا نشهد بالفعل عودة للمطبوعات، لكن ليس على الوجه الذي تتصوره.
توقعات قطاع الصحافة للعام 2022 من قبل الخبراء عبر أحد أعداد النشرة البريدية Sentiers
و في عام 2022 سنشهد صدور المزيد من مجلات المجتمعات التي تُطلق بصفتها سبيلًا فعّالا يجعل الأخبار أيسر من ناحية الوصول لها، ويعطي الفرصة لتقول الأصوات المتنوعة الأخرى كلمتها، ويساعدنا على التعاون مع المجتمعات لإنتاج الأخبار: ليس الناشرين لوحدهم فقط بل إنتاجها معًا بتعاون من قِبل الجميع
وبصورة عامة: كل ما هو قديم لن يختفي ويبطل. ما دام هناك أفلام تاريخية وجامعو تُحفٍ.
سيأخذ القديم دورًا آخر لا مانع.
سيتغير موضعه وتقل أو تزداد شعبيته لا مانع.
لكنه لن يختفي. ولا تدع أحدًا يقنعك بالعكس.
لذا:
- الطُرز القديمة للسيارات لن تختفي بل وحتى قطع غيارها*
- الكاسيت -وما أدراك- لن يختفي
- قطاع الطباعة لا بأس عليه اقتصاديًا ولا زال بخير
- بل أن حتى ألعابًا مثل لعبة Tamagotchi التي شكلت ظاهرة في تسعينات القرن الماضي عادت الآن بعد 20 سنة كاملة
ابقوا بخير، مودتي.
انتهى المقال، أرجو أن يعجبكم.
شاركوا المقال ولكم أجر، أو اشتركوا في رديف ولكم أجران.
أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر
يونس يسأل: ما الأشياء العتيقة من جيل سابق لا زلت تحتفظ بها حتى الآن؟
*وفق أحد أعداد نشرة theCLIKK أنفقت نتفلكس على حلقات مسلسل Stranger Things 4 ما قدره 30 مليون دولار لكل حلقة. وفقًا لوول ستريت جورنال. وهذا المسلسل التي تجري أحداثه في حقبة الثمانينات يعج بالسيارات والأغراض من تلك الحقبة. الفكرة هنا أن نتفلكس تخطط -إن لم تفتح بالفعل- ما يشبه المتنزهات الواقعية التي يمكن لعشّاق المسلسل دخولها بالتذاكر حيث يتجولون في عالم المسلسل العائد لتلك الحقبة. والذي يؤدينا إلى الاستنتاج أن السيارات من تلك الحقبة لن تختفي قريبًا.