هذه هي المهارات التي تحتاجها إن أردت أن تُعلِّم نفسك بنفسك

مساء الخير،

طرحت علي الأستاذة هناء بارك الله فيها هذا الموضوع:

ولننقل سؤالها نصًا هنا ثم نجيب عليه بعون ذي الحَوْل والطَوْل لا إله إلا هو:

صباح النور.. ان أمكن (مهارات تساعدنا على التعلم الذاتي) مع خالص الشكر مقدمًا

يتبين لكم أنه لا بد أولًا أن نعرف ما هو التعلّم الذاتي.

ما هو التعلّم الذاتي؟

في كتاب أسس وأساليب التعلم الذاتي نقرأ:

مفهوم التعلم الذاتي Self Learning
يعد مصطلح التعلم الذاتي من المصطلحات التي شاعت…ونظراً لحداثة مفهوم التعلم الذاتي…فقد ظهرت له تعريفات عديدة…ومن أهم هذه التعريفات ما يلي:
عرّف رونيتري 1981 Rouwntree التعلم الذاتي على أنه العملية التي يقوم فيها المتعلمون بتعليم أنفسهم بأنفسهم مستخدمين التعليم المبرمج أو أي مواد أخرى أو مصادر تعليم ذاتية لتحقيق أهداف واضحة دون مساعدة مباشرة من المعلم…
وقد عرّف صلاح مراد، محمد محمود مصطفى 1972 التعلم الذاتي على أنه القدرة على حل المشكلات والقدرة على الإحساس بالأشياء الهامة والمناسبة في التعلم، والإلمام بمصادر المعرفة والقدرة على استخدامها والمهارة في تنظيم الموقف والأنشطة التعليمية والاعتراف بالمسؤولية وتحملها في عملية التعلم، والمهارة في اتباع التعليمات والقواعد بمرونة، وحب الاستطلاع والانفتاح على الخبرات والمعلومات الجديدة، والمبادأة [أظنه يقصد المبادرة] في حل المشكلات وإنجاز العمل وبذل الجهد والمثابرة لتعلم الأشياء الجديدة والمعقدة والثقة بالنفس وفهم الذات والدافعية الذاتية على إشباع الذات.

وقد ركز هذا التعريف على مهارات التعلم الذاتي وأسس وأساليب التعلم الذاتي…

أسس وأساليب التعلم الذاتي د. طارق عبد الرؤف عامر ود. إيهاب عيسى المصري، دار العلوم للنشر والتوزيع، ص ص 14،15– التغميق مني

عن نفسي أعجبني تعريف رونيتري الذي جعلته بلون غامق أعلاه. لكن تعريف صلاح مراد ومحمد محمود مصطفى يضمّ المهارات اللازمة للتعلم الذاتي وسنعتمدها وأشرحها من عندي.

المهارات اللازمة للتعلم الذاتي

وفق تعريف صلاح مراد ومحمد محمود مصطفى للتعلم الذاتي هناك على الأقل 11 مهارة لا بد منها للتعلّم الذاتي، وهذه المهارات قد تتشابك مع بعضها البعض وتتداخل. وسنمرّ عليها بعون المولى واحدةً واحدة.

وقبل أن نبدأ أخبرك أن كل هذا الذي أدناه عضلاتٌ ذهنية يمكن أن تقوّيها كما تقوّي العضلات الحقيقية بالتمرّن والتدرّب المستمر، حتى إن كنت لا تملكها الآن.

القدرة على حلّ المشكلات

إن القدرة على التفكير الإيجابي ورصد المنح في رحم المحن والتركيز على الحلّ لا المشكلة. مهارة عظيمة ستنفعك في حياتك كلها وليس في التعلم الذاتي وحسب. ولتطوير هذه المهارة عليك بـ:

ذات مرة دعت الجمعية الأمريكية لعلم النفس وليام جيمس ليلقي محاضرة بشأن آرائه عن حصيلة الخمسين سنة الأولى من الدراسات النفسية.

فما كان منه إلا أن قال لهم: “عمومًا؛ يصبح الناس مَا يظنّونه عن أنفسهم”.

ثم غادر وليام.

وليام جيمس يُصرِّح «عمومًا؛ يصبحُ الناس مَا يظنُّونه عن أنفسهم»

القدرة على الإحساس بالأشياء الهامة والمناسبة للتعلم

وهي مهارة من أعظم المهارات. قد تسألُ مثلًا لماذا من بين مليون دورة وتخصص، اخترتُ أن أدرسَ هذه الأيام دورة الجانب التقني من مجال تحسين محركات البحث؟

الجواب هو أن لدي:

  • مصفوفة قيم
  • أهداف وفق منهجية سمارت
  • لائحة بالأولويات

لا بد أن يكون لديك أنت كذلك هذه العناصر. فتكون لديك مصفوفة قيم وأهداف وفق منهجية سمارت ولائحة بالأولويات.

الإلمام بمصادر المعرفة والقدرة على استخدامها

مصادرُ المعرفة كثيرة في عصرنا لدرجة أنها أصبحت فيضانًا وكما يقول حكيمُ تويتر نافال رافيكانت:

لا أكثر وفرةً من مصادر التعلّم، فالإنترنت مليئة بها. إنما ما يفتقر له معظم الناس الرغبةُ في التعلّم.

نافال رافيكانت

وحلّ كثرة المصادر ووفرتها وتشتت الطالب في نظري هو التعلّم على يد مرشد يقوده ويحدد له ما يحتاجه من مصادر تنفعه هو بالذات في حالته ووفق ظروفه.

وهذا ما أفعله مع طلبتي وزملائي في رديف فانتهز الفرصة وأنقذ نفسك من الطوفان المعلوماتي واركبَ معنا سفينةَ النجاة منه:

المهارة في تنظيم الموقف والأنشطة التعليمية

وهي مهارة تتعلق بتنظيمك الذاتيّ لحياتك. فتتمتع بـ:

  • تنظيم حاسوبك ومكتبك وملفاتك
  • تخصيص وقت محدد للتعلم كل يوم وإن قَصُرَ
  • تهيئة نفسك ومكانك لجوّ التعلّم وتحضير ما تحتاجه لذلك (دفع اشتراك إنترنت، تنظيم حاسوبك وتثبيت البرامج..إلخ)

الاعتراف بالمسؤولية وتحملها في عملية التعلم

وهذا برنامج عقليّ ينبغي أن تُثبّته في ذهنك وهو كما يلي:

  • لستَ ضحيةً لأحد لا للظروف ولا لوالديك ولا للحكومة ولا للعالم
  • تحمّل مسؤولية نفسك الكاملة فأنت مسؤول كليًا عن نفسك بعد بلوغك السنّ القانوني
  • الأعذار والحجج التي تضعها كي لا تتعلم إنما هي أعذار واهية وحجج متهاوية فلا تتبع هواك
  • ما تحققه من إنجازات ونجاحات فمن الله وتوفيقه ثم اجتهادك أما فشلك فمن نفسك قطعًا ولا دخل للظروف والحكومة والعالم فيه

على سبيل المثال. من ليس لديه كهرباء وإنترنت فيمكنه التعلم من الكتب والملفات المحملة مسبقًا، ومن ليس لديه حاسوب يمكنه التعلم بالهاتف في البداية.

راجع المهارة الأولى والتي ملخّصها رصد الحلول في رحم المشكلات وتحويل المشكلات إلى فُرص تنفعك وتنفع غيرك.

المهارة في اتباع التعليمات والقواعد بمرونة

وهذه المهارة قريبة مما نسميه الآن: التفكير خارج الصندوق. فتكون لديك قدرة على المرونة في التعلّم ولهذا وضعت تحت كلمة مرونة سطرًا لتأكيد أهميتها.

  • ليس لديك برنامج وورد مايكروسوفت كي تكتب أو تطبّق درسًا استخدم فيه المعلّم الوورد؟ تستخدمُ مستندات غوغل.
  • تحقق نفس النتيجة باستخدام أداة مختلفة عما درسته: مثلا تستخدم أداة Ahrefs بدل Semrush في تتبع الروابط الخلفية. مع أن الدرس الذي درسته مثلًا استخدم أداة Ahrefs فقط.

حب الاستطلاع والانفتاح على الخبرات والمعلومات الجديدة

وهو ما أسميه الفضولُ الحميد، والإنسان فضوليّ بطبعه. وتطوير الفضول الحميد سهلٌ لكن الناس لا يرغبون بذلك. وهو كما يلي:

  • الإنسانُ فضوليّ بطبعه
  • قلل فضولك تجاه الأشخاصِ
  • سيزداد تلقائيًا فضولك تجاه الأشياء والمعلومات والمفاهيم

المبادرة في حل المشكلات وإنجاز العمل

أعدُّ المبادرة والارتجال والتركيز على إتمام المهام مهارات عظيمة في الحياة إجمالًا، وفي التعلّم الذاتي بالتحديد.

وهي تابعة للمهارة الأولى وهي رصد الفرص في رحم المشكلات. فتسعى دومًا للتفكير: ما المخرج من المأزق الذي أنا فيه؟ وما حلّ المشكلة التي أعاني منها؟

اعلم يا رفيق. أن الاقتصاد برمّته وملياراته وتريليوناته مبني على شركات لا تبيع على اختلافها إلا شيئًا واحدًا: حلّ مشكلات عملائها.

بذل الجهد والمثابرة لتعلم الأشياء الجديدة والمعقدة

يعرفُ من يرغبُ حقًا بالتعلّم الذاتي:

  • أن قطار التعلّم والزيادة في العلم لا محطة وصول فيه
  • أن التعلّم يأخذ وقتًا بل عمرًا
  • أنه يتطلب بذل الجهد فمن ضيّع وقته لن يكون في الحياة كمن درس سبعين درسًا في لغة بايثون

ولذا يسعى من يرغب بالتعلّم الذاتي إلى تعويد نفسه على بذل الجهد فيدرس مثلًا 15 د كل يوم ثم نصف ساعة ثم ساعتين ثم يثبت على ذلك إلى ما شاء الله فيحقق مراده.

الثقة بالنفس وفهم الذات

تنبع الثقة من النفس من الثقة بالله، إذ من عرف نفسه عرف ربّه، ومعرفة النفس ضمن فهم الذات فلما تفهم ذاتك وأنك إنسان فانٍ ضعيف عارٍ جائع وأن مصدر كل النعم هو الحقّ تعالى عرفت قدرك جيدًا.

فإن عرفت قدرك وأنك مُمكن كنتَ عدمًا أوجدك الله وسيتوفاك إليه عند بلوغ الأجل وفي وقت معلوم لديه، قلّ انزعاجك من الناس ومن الدنيا.

فإن وصلت لهذه المرحلة انساقت لك نفسك فأجبرتها على ما تريد، فإن النفس إن لم تجبرها على ما تريد قادتك في مفاوز الشهوات حيث حادي العيس هناك هو هواك.

وإليك هذه المعلومة عن الهوى: أن الهوى إلهٌ زائف وحادي عيس سيء الصوت ويؤمن بفكرة أن كل الطرق تؤدي لجهنم.

فأهواء البشر وشهواتهم مع أنها مختلفة إلا أنها جميعًا تؤدي إلى الحُفرة الممتلئة لهبًا أو ما يسميها إخوتنا المسيحيين: بحيرة النار والكبريت.

سيساعدك كذلك في فهم الذات القراءة في علوم النفس وأنماط الشخصية. مع أن هذه الأنماط ليست دقيقة إلا أنها ستساعدك فعلًا. ولن يعرفك أحد أبدًا كما ستعرف نفسك.

الدافعية الذاتية على إشباع الذات

ها هنا سينفعك الشعورُ بالمتعة أثناء التعلّم على رغم الصعوبات.

إن عملية التعلم عملية صعبة وكما قلتُ في إحدى حلقات يونس توك. وصف أحدهم عملية تعلمه للبرمجة على أنها “تشبه تجرّع الحنظل” ومع ذلك لدينا شخصيّة في تراثنا العربي اسمها آكل المُرار واسمه الحقيقيّ الحارث بن عمرو. لذا: إن كان التعلّم تجرُّعَ حنظلٍ كُن أقوى من الحارث ومن عنترة وأنشد معه:

لا تسقني ماء الحياة بذلة *** بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

وأنا أعتقد أنه ينبغي علينا أن نسمي أكابر المبرمجين في العالم بهذا اللقب:

آكلي المرار، المُبرمجين في الأسحار، المُجافين للأنام، بغية بناء منتج يغيّر العالم

مع ذلك المتعلم ذاتيًا يعلم أنه لو كان العالم مثاليًا واكتساب المهارات والمعلومات سهل لما أصبح للمهارات والمعلومات قيمة فإنما القيمة نابعة من صعوبة هذا الطريق. إذ لا يصبر عليه إلا قلة.

في حالة البرمجة مثلًا لا عجب أنه ليس هناك إلا فئة ضئيلة جدًا من المبرمجين لا تتجاوز 0.3 % من مجموع البشر!

مع الإيمان أن وقتك ثمين. ولا وقت لديك لمجالس الغيبة والنميمة ومسلسلات شاهد وتوافه نتفليكس وألعاب مارك زوكربيرغ وصحبه. ارتفعت ثقتك بنفسك وعودّت نفسك على التعلّم فاستمعت به فإن النفس تتعوّد والعقل بعد ممانعة يهدأ وينقاد لك. والله الموفّقُ.

تم المقالُ بحمد المولى.

إن أعجبكَ شاركه ولك الأجر؛ أو اشترك في رديف ولك أجران.


يونس يسأل: أحببتُ أن أستشهد بأبيات لعالم مسلم قالها لكني لم أجدها لأني لا أذكرها وفحواها: أنه بلغ ما بلغه من علم لسهره واجتهاده في حين كان الآخرون ينامون ويلعبون. ويخاطبُ من سأله: فكيف إذن تريد أن تبلغ ما بلغتُ وأنتَ هكذا وأنا هكذا؟ إن عرفت الأبيات اكتبها في تعليق تكرّمًا.


أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر

5 رأي حول “هذه هي المهارات التي تحتاجها إن أردت أن تُعلِّم نفسك بنفسك

  1. سهري لتنقيح العلوم ألذّ لي .. من وصل غانية وطيب عناق
    وتمايلي طربا لحل عويصة .. أشهى وأحلى من مدامة ساق
    وصرير أقلامي على أوراقها .. أحلى من الدوكاء والعشاق
    وألذ من نقر الفتاة لدفها .. نقري لالقي الرمل عن أوراقي
    أأبيت سهران الدجى وتبيته .. نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي

    للزمخشري

    Liked by 4 people

  2. المبادأة هي المبادرة x pro 😅 الفرق بين المبادر والمبادئ أنا المبادئ هو من ينشأ الفرصة التي يبادر لها، أما المبادر فيتصدى أولًا للفرص الموجودة.
    أما بالنسبة للشعر فوجدت هذا قريبا من المعنى المراد:
    وَاهْجُـرِ النَّـومَ وَحصِّلهُ فمـنْ * * * يَعـرفِ المْطلُـوْبَ يَحقِرْ ما بَـذَلْ
    لاَ تَقـلْ قَـدْ ذَهَبـتْ أربـابُهُ * * * كُلُّ مِـنْ سارَ عَلى الـدَّربِ وَصْـلْ
    شكرا على تدوينة اليوم.

    Liked by 1 person

    1. تصورت بالفعل أن لها علاقة بالشروع في شيء والبدء فيه والأبيات التي ذكرتها قريبة جدًا لكنها ليست هي مع ذلك وجدتها أثناء البحث وكنت سأستشهد بالبيت التالي منها أول المقال

      اطلب العلم ولا تكسل فما أبعد الخير عن أهل الكسل

      شكرًا لتعليقك

      Liked by 1 person

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s