مساء الحياة الطيبة،
اقترح عليّ الأستاذ العزي هذا الموضوع فشَكَر الله له.
لننقل اقتراحه نصًا هنا ونجيب عليه بعون الحيّ الذي لا يموت.
أيش رأيك تكتب عن معنى “الحياة الطيبة”؟
جدول المحتويات
معنى الحياة الطيبة
معنى الحياة الطيبة عندي هو أن تكون في حالة سلام وتصالح مع نفسك (بدنًا وروحًا) ومع العالمين أجمع (بشرًا وحيوانات وجمادات) قدر الإمكان. والسبيل لتحقيقها الاعتناء بجوانب أربع من حياتك وفق ترتيبها وهي الجانب الصحي ثم العقلي ثم الروحي ثم المالي.
تمهيد ومقدمة للموضوع
في حال لم تؤمن بأن السعادة اختيار كما يعتقد كثير من الناس منهم نافال رافيكانت، وخبير التسويق العالمي سيث غودين، وكل صاحب تجارة في العالم أجمع أيًا كانت ديانته فلن ينفعك هذا المقال.
وسبب أن كل صاحب تجارة وخدمة لا بد أن يؤمن ولا يشكك في قضية:
السعادة اختيارٌ
هو طبيعة التجارة نفسها. إن كنت تبيع قطعة أثاث من منزلك مرة واحدة فقط ففي مُكْنتك ألا تؤمن بالقضية أن السعادة اختيار. لكن لو كنت تاجرًا أيًا كان ما تبيعه فلا مناص البتة من الإيمان بها وتصديقها.
وذلك أن التجارة تحوي في بطنها قضيتان مُسلَّمتان إن لم تقبلهما بطلت تجارتك:
- أن منحى الأمور يمكن -والأرجح- أن يمضي نحو الأحسن
- أن مما يساعد على مضيّ الأمور نحو الأحسن هو: منتجنا وخدماتنا
ولنأخذ أمثلة:
- وكالة سفر وسياحة
- دورة رقمية
- مرهم للبشرة
فلو مثلًا كان صاحب وكالة السفر لا يؤمن بالقضايا أعلاه بطلت تجارته فهو لا بد أن يأمل أن تذهب الجائحة ويعود الطيران لما كان عليه، وأن تتحسن الظروف وإلا لا بد أن يغير قطاعه كليًا وحتى لو غير قطاعه ففي القطاع الثاني لا بد أن يؤمن بالقضايا أعلاه.
نفس الشيء من ناحية صاحب الدورة الرقمية. إن كان يؤمن أنه لا مفرّ من إصلاح الأمور بالعلم. فإذن لن يستطيع إقناع أحد بشراء دورته إذ لا بد له أن يؤمن أن دورته جزء من عملية تغيير أمور المشتري نحو الأحسن. ومن ثم تحقيق سعادته بصورة أو بأخرى.
وهكذا الأمر مع مرهم البشرة. إن كان صاحب مصنع المرهم يعتقد أنه لا غدَ مُزهر ولا مستقبل مبشّر، وأن البشر مُدانون بالشقاء فلن ينتظر الغد كي يأتي عمّاله لأنه “مفيش فايدة” أصلا مما يؤدونه من عمل. وسينزلق لحفرة اكتئاب لا مخرج منها. لذا توجب عليه أن يؤمن بأن مرهمه على الأقل يحدث خيرًا في العالم فيجمّل زوجة، ويرضي مراهقة، ويزيد من نسبة الحسن في سكان العالم إجمالًا والحسن والجمال رؤيته تنعش النفس فتتحقق السعادة وإن بصورة نسبية.
لذا إن رغبت أن ترى جُمهورا ممن يؤمن أن السعادة اختيار حتى وإن لم يعرفوا ذلك فتابع المستثمرين بأنواعهم الملائكة منهم والشياطين، وأصحاب الشركات الناشئة وأي شخص له عمل تجاري وإن صَغُر.
وقد صدق الصينيون لما قالوا في أمثالهم:
إن لم تكُ بشوشًا طلق المحيا لا تفتح محلًا تجاريًا
غنيّ عن القول أن إيمان من يؤمن بهذه القضية أي أن السعادة اختيار لا يعني عدم مرورهم بفترات حزن ولاجدوى وأزمات نفسية لكنها تمرّ ومجمل حياتهم -إن استمروا في التجارة- هو أن السعادة يمكنك أن تكون قرارًا وأن الحظ يمكن صنعه وأن أمره بيد المرء.
والتجارةُ من أعظم المفاهيم النافعة في العالم. ومن عظمتها أن الحقّ تعالى وفي عدة مواضع شبّه الدين بالتجارة الرابحة.
السبب الثاني في أن السعادة اختيار. هو ملخص علم النفس وبحوثه ففي نهاية المطاف ما هو ملخّص هذا العلم الذي يبحث -بنظري- في تحقيق السعادة الإنسانية؟
تابع القراءة لتعرف 👇
ملخص الخمسين سنة الأولى من بحوث علم النفس
ذات مرة دعت الجمعية الأمريكية لعلم النفس وليام جيمس ليلقي محاضرة بشأن آرائه عن حصيلة الخمسين سنة الأولى من الدراسات النفسية.
فما كان منه إلا أن قال لهم: “عمومًا؛ يصبح الناس مَا يظنّونه عن أنفسهم”.
ثم غادر وليام.
مصدر: كتاب الحرب المقدسة للعبة الغولف كفاح لعبة من أجل البقاء في عصر العلم برتّ كايرغاليس عبر نشرة: Monday Musings (4/12/21)
وبرأيي الشخصي هذا هو ملخص علم النفس مطلقًا سواء بعد خمسين عامًا أو مئة أو أكثر.
كيف تعيش حياة طيبة؟
اعتن بصحة بدنك: بدنك مطيّتك في درب الحياة
لن تنفعك سيارة فيراري لو كنت عاجزًا عن قيادتها، ولا التمتع بنزهة في حدائق قصرك الغنّاء التي تجري الأنهار من تحتها إن كنت لا تستطيع المشي خطوتين وراء بعض.
الصحة مصدر عظيم للسعادة وأساس ضروري لها. ومُعظم الناس لا ينتبه للسعادة إلا عندما تُفقد والصحة نعمة إن لم تحمدها فقدتها وكما قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم إن ذهبت عنك النعمة -لسوء معاملتك لها إن تصورتها شخصًا فهي هنا تعبير مجازي- غادرتك ولم تعد أبدًا إلا برحمة من الله.
وترياق بقاء النعم هو معرفة ما أنت فيه من نعم وستكتشف أنك غارق فيها، فتحمد فتسعد أكثر وتبقى نعمك ويزيدك الحقّ تعالى. ولهذا أجمع العقلاء في عصرنا -من الملاحدة والمؤمنين وغيرهم- على فائدة الامتنان (الحمد لدينا نحن المسلمون) صحيًا ونفسيًا وفي العلاقات وكلّ شيء. ومع أن هناك من يشكك في جدوى الامتنان إلا أن الدلائل كلها تشير إلى أنه نافع ومُجدٍ. طالع الجانب المشكك في جدوى الامتنان: هل الامتنان يزيد حقًا السعادة؟: أظن أن الأدلة العلمية على نفع الامتنان ليس في معظمها إلا سراب [نشرة DYNOMIGHT]
الامتنان لا يعني بأي حال من الأحوال أنك غبي خانع للقلة المُسيطرة. فبعض الناس يفكّر: لماذا أمتن على الماء وهنا ثلة من الأوغاد هم من قطعوه. التفكير الثورجي هذا لا ينفع في الامتنان لأنه لا يتعلق به.
كيف تتغلب على شعورك بعدم الاستحقاق؟
الامتنان ليس توقيعًا من المرء بأن الحياة متألقة ورائعة وهناك قوس قزح والأرانب تتقافز والتيليتابيز تفعل أشيائها غير المفهومة. بل يعني: أنك سعيد بأن (الكون/بوذا/التاو/المسيح/يهوه أو الله) منحك هذه النعمة رغم أنه كان من الممكن ألا تُمنح. أما رئيس الوزراء ورئيس الحيّ ومدير مصلحة المياه فلا علاقة لهم بالامتنان هنا.
اعتن بصحة عقلك: فلا حياة طيبة لمُضطربٍ
في عالمٍ يندر فيه ألا تجد من لم يحترق وظيفيًا ويغرق في طوفان المعلومات، وتتلاعب فيه الشبكات الاجتماعية بمشاعر الناس وصحتهم العقلية والنفسية، لا بد أن تولي حرصًا أكبر لصحتك العقلية وذلك بـ:
- تطالع عن الموضوع وتتبع نصائح الخبراء فيه
- ألا تخجل من طلب المساعدة في مجال الصحة العقلية من متخصص فهو ليس عيبًا
اعتن بحياتك الروحيّة فالدين هو الترياقُ للأزمات الوجودية
ما هي الأزمة الوجودية
وفق الدكتور شهاب الدين الهواري في كتابه عن قرب:
وأحبّ تعريفَ الأزمات الوجودية على كونها عُسر الهضم الوجودي فما هي إلا أنّ أخدهم قضم من الحياة قضمة احتشى بها حلقه؛ فعجز عن هضمها لاستخلاص المعنى. وعلى صعوبتها، تحمل داخلها فرصةً عظيمة للنمو بقدر ما فيها من الحياة.
كتاب عن قرب قصاصات عني وعنك وعن الحياة، الدكتور شهاب الدين الهواري، عصير الكتب للنشر والتوزيع ص 322 – التغميق مني
أما القدرة على التناغم مع الكون فستحمل لنا الحماية ضد عسر الهضم الوجودي هذا، وعليه قامت فلسفة الامتنان، بعملها على استزراع علاقةٍ طيبة مع الحياة والكون برؤية الجمال في الوجود، فلسفة تنشغل بتفقد الحاضر عن افتقاد الغائب. وكأنها تغريدةٌ في طريق تلمُّس المعاني الجزئية التي يضج بها الكون.
وتشبيه الدكتور شهاب الدين الهواري الأزمة الوجودية بعُسر الهضم الوجودي وعجز الإنسان عن استخلاص المعنى من الوجود، تشبيهٌ في محلّه لأنه مماثل لما كتبه ابن عربي الحاتمي الصوفيّ في رسالته المعنونة بالرسالة الوجودية حيث شبّه حقيقة أن الكلّ (ما في العالم) واحد ولا وجود لشيء غيره سبحانه -مع ما ينجرّ عن ذلك من تناقضات عظمى وأسئلة لا حصر لها أجاب معظمها في رسالته الوجودية- باللقمة التي يعجز 99.99 بالمئة من الناس عن استساغتها وبلعها ووجود قلّة من العارفين فقط الذين تتسع حلوقهم لما هو أوسع من الكونين حيث يتقبلون ويبتلعون (معرفيًا) الكون بما فيه على عِظم حجمه المعرفيّ المعنويّ.
وعلى الجملة: وجود الأشياء وجوده بلا وجودهم، فلا تقعن في الشبهة، ولا تتوهمن بهذه الإشارات أنّ الله تعالى مخلوق، فإنّ بعض العارفين قال: «الصوفي غير مخلوق»، وذلك بعد الكشف التام وزوال الشكوك والأوهام، وهذه اللقمة لمن كان له حلق أوسع من الكونين، فأما من كان حلقه كالكونين فلا توافقه، فإنها أعظم من الكونين.
الرسالة الوجودية في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» مع جملة من الرسائل الأخرى تأليف: الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي الحاتمي، تحقيق الدكتور عاضم الكيالي، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، 2004م ص 43 – التغميق مني
وعلى الجملة: فاعلم أنّ الرائي والمرئي، والواجد والموجود، والعارف والمعروف، والموجِد والموجَد، والمدرِك والمدرَك واحد يرى وجوده بوجوده، ويعرف وجوده بوجوده ويدرك وجوده بوجوده، بلا كيفية إدراك ورؤية ومعرفة، وبلا وجود حروف صورة الإدراك والرؤية والمعرفة، كما أنّ وجوده بلا كيفية، ومعرفة نفسه بلا كيفية، وإدراك نفسه بلا كيفية، فرؤيته نفسه بلا كيفية.
وكما ترى ظهور الامتنان في نص شهاب الدين الهواري شاهد على نفع “الامتنان” العميم كما ذكرنا أعلاه. فلا ذكر لحلول الأزمة الوجودية دون المرور على الامتنان. وذلك لفعاليته العظمى.
لا يحسن بالمرء أن يكون دون دين أو منظومة فكرية تقوم مقام الدين. وذلك لأن هذه البنى المعرفية تحميه من الانهيار الذهني وتخلق التماسك والصمودَ النفسي في حياة الإنسان.
فالزم دينك والتزم بتعاليمه قدر استطاعتك تسعد.
اعتن بحياتك المالية: فالمالُ خيرٌ
يعبّر العرب عن المال بلفظ الخير، وأكثر استعمال القرآن للخيرإنما هو بقصد المال.
وإدارة المال (وهو موضوع حقل محو الأمية المالية) مهارة منفصلة عن التخصصات. وهي مثل الأمية التقنية والنظافة الشخصية وغيرها. مهارات ضرورية تُتعلم إلى جانب التخصص الرئيسي.
لذا ستجد دومًا في أي تخصص مهما كان يجني صاحبه مُفلسين لا مال لهم؛ وهذا الفقر اختياري لانعدام الثقافة المالية والتربية المالية ووجود الأمية المالية.
36% من الأمريكيين ممن يتقاضون رواتب 100 ألف$ سنويًا أو أكثر يعيشون من الراتب للراتب. الأدهى أن عددهم تضاعف مرتين عمّا كانوا عليه عام 2019
هذا يدعونا إلى الفكرة 👇
💡 ما لم يمحُ المرء أميته المالية لا يهم كم يتقاضى. سيظل فقيرًا

والتربية المالية شيء يُضاف لحياة المرء. فكما أنك لا تولد مُتقنًا لقيادة السيارات والجرارات. لا تولد وأن تجيد إدارة المال. فوجب أن ترفع أميتك المالية. والإنترنت الآن مليء بما يثقفك ماليًا فعليك به. من ذلك حساب الأستاذ طالب بن طالب.
والثقافة المالية ستعلمك كيف تجني المال وكيف تديره وكيف تنوّع مصادر دخلك وتحمي نفسك وإرثك من تقلبات الأسواق بالاستثمار والأدوات المالية الأخرى.
ملاحظة: الجوانب الأربع وفق ترتيبها مقتبسة من الفيديو أدناه والشرح المستفيض منيّ بعون من الله وفضله.
تم الجواب بحمد الله، إن أعجبك المقال شاركه ولك الأجر أو شاركه واشترك في رديف ولك أجران.
أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر
يونس يسأل: هل اخترتَ أن تكون سعيدًا أم أنك من حزب أن السعادة تتحقق بأمور خارج ذاتك تجعلك سعيدًا؟
حقوق الصورة البارزة: Photo by Anurag Gautam on Unsplash