الجميع يريد قضاء شهرَ عسلٍ مع الشغف لكن قلّةٌ من يبقى معه عمره كلّه

مساء الخير عليكم،

اقترحت عليّ الأستاذة مريم الهاجري هذا الموضوع فبارك الله فيها:

فأقول في الجواب مستعينًا بالحي الذي لا يموت أن الظروف التي تمنع الشخص من تحقيق أهدافه ومتابعة شغفه نوعان. أحدهما فقط مقبول والآخر غير مقبول.

فالظروف منها ظروف قاهرة حقيقية وهي نادرة ومع حدّتها هي لا تمنع أصحاب الهمم العالية من تحقيق ما يريدونه مثل قصة جان دومينيك بوبي الذي أصيب بالشلل ولم يكن يستطيع الحركة أو الكلام لكنه كتب رواية كاملةً برمش عينه اليسرى أو قصة العربيّ الرائع مصطفى الطيب صاحب مدونة علوم الذي كان يبرمج مع أنه مصاب بكسرٍ.

في هذا المقال ستجد عزيزي القارئ جدولًا به فرق بين الظروف القاهرة والظروف المفتعلة كيف تجاوزت مطبّات المزاجية والانشغال الشديد في رحلتي للتدوين 788 يومًا دون انقطاع؟ ولمن يرغب فإن الجدول المعني أدناه لكن أنصحك بمطالعة المقال المذكور لأنه نافع.

تكلمت أيضًا عن موضوع الظروف القاهرة في حلقة من حلقات يونس توك وها هي هنا فاستمع إليها وشاركها مشكورًا: الظروف القاهرة، وهل هي تمنع حقاً من تحقيق الإنجازات؟ (يونس توك الحلقة 25)

وعودة لسؤال الأستاذة مريم ونصّه كاملًا:

فقد الشغف نتيجة الظروف
إذا كنت ذو أهداف وشغوف بتحقيق النجاح، متفائلا.. ثم نتيجة الضغوط الحياتية تفقد الشغف .. وتقوم بالواجبات فقط.. وتؤجل كل شيء إلى أجل غير مسمى!

والجواب هو: ليس بالضرورة أن تفقد شغفك نتيجة الظروف لأن الشغف الذي لا يصمد أمام الظروف ليس شغفًا يستحق أن تنفق عمرًا فيه.

فإذن نُحدد هنا: ما نوع الظروف الذي أدّت لفقدان الشغف؟ وسنتكلم عن الحالتين.

في حالة الظروف القاهرة

وهنا حلّها الانتظار حتى تمرّ والظروف القاهرة حالات واقعية وليست نفسية وأمثلتها: الاختطاف، والاحتجاز، والولادة والتعرض لإصابات والحوادث والأمراض الحادة وما شابه وقاكم الله وعافاكم.

أما غيرها مثل التنمر الالكتروني وحديث الكنّة وقول فلان فيك بما حطّم معنوياتك ومزاجك اليوم فليست ظروفًا قاهرة بل هشاشة نفسية. ويمكن تقوية النفسية بالتديّن والتأمل وممارسة تمارين تقوية الثقة بالنفس ومراجعة الأطباء النفسيين ولا عيب في ذلك.

فإن قلت أنك أنت يا يونس كتبت نفسك أنك إن تألمتَ من الرفض فألمك لا يقلّ عن الألم الجسدي الحقيقيّ: وفق العلم وأنت لا تحسّ بي ولا تفهم ولا أحد يشعر ما أشعر به.

أخبرك نعم كتبت ذلك لكن أخبرك أن هذا نكد وسلبيّة وقد قرأت في مكان ما لا أذكره الآن أن أقصى فترة يتحمل فيه الأصدقاء نكد وسلبية صديق لهم هو شهر (الذي يتحمل شهرًا بطل) ثم يتركونك وقد لاحظت من تجارب حياتي أن الذي يغرق في حزنه لا يتحمّل شخصًا آخر غارقًا في حزنه ويقول لك أريد الاهتمام بي أنا فقط وأن يلتف العالم حولي ليرضيني والعالم لن يفعل ذلك أبدًا.

وسبب هذه العلّة هي الأنا لهذا وجب قتلها وقتلها يكون بالتديّن لأن فيه طرقًا شتى لمحاربة النفس الأمّارة بالسوء وكذلك بتقنيات علم النفس والتأمل وما شابه من التمارين، وأوصي كذلك بكتاب كتاب الغرور (والأدق الأنا) هو العدو للمؤلف: ريان هوليداي.

بقول هذا قلنا أنه حتى في الظروف القاهرة بعض الناس يفعلون العجب فكن منهم ولا تتخاذل.

توصيات سريعة لتواصل متابعة شغفك وإن عاندتك الظروف:

  1. خفّض توقعاتك جدًا -من ناحية كم شخصًا تابعك وكم شخصًا قرأ محتواك إلخ…وغير ذلك- فانخفاض التوقعات دواء ناجع يقيك الإحباط
  2. مارس الحمد والشكر والامتنان فقد قال سيدنا علي كرم الله وجهه وَمَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ.
  3. افعل لأجل الفعل ذاته (مُخلصًا النية لله) ولا تطلب الثمرةَ فعليك العمل وعلى الله أن يمنحك الثمار (تذكّر حديث الفسيلة يوم القيامة…) في الحقيقة أوصيك هناك أن تحفظ سورة الواقعة لأنها إضافة لخاصية أن مداومة قرأتها تقيك الفقر: هي تعطيك خلاصة النقطة هنا. أنه لا حول ولا قوة إلا بالله فأنت تفعل والله هو سبحانه من يعطي ثمرة الفعل.
  4. افعل الخير وأدخل السعادة لقلوب الآخرين فهذا مما يرفع معنوياتك ويبقيكَ متفائلًا وافعل ذلك كل يوم ولو بابتسامة أو كلمة طيبة أو جبر خاطر.
  5. خصصّ 30 دقيقة (مهما كان حجم انشغالك ستجد 30 د من وقتك كل يوم وإن بحرمان نفسك من التسلية) لممارسة شغفك ولا شيء آخر.
  6. جد صحبة صالحة رقميًا أو واقعيًا. نوصيك هنا تشترك في رديف كي نصحبك في رحلتك لتحقيق أهدافك وإيقاد شعلة شغفك.
  7. ذكّر نفسك دومًا بأهدافك في الحياة (علقها في مكان تراه كل يوم) قلها لنفسك أمام المرآة واُذكر الله كثيرًا فهو أحسن توكيد نفسيٍّ.

في حالة الظروف غير القاهرة

وهي هنا معظم حالات الناس وإن أنكروا ذلك وهي أن ظروفهم أعذار لا أكثر. والظروف هنا قد تتراوح من “مليش نفس أدوّن اليوم أو أسجّل حلقة بودكاست”، أو “الطقس لا يناسبني”، إلى “معنوياتي منخفضة بسبب كلام فلان”، أو “الشبكات الاجتماعية أتعبتني نفسيًا”، أو “لدي أطفال ولدي دوام ولدي جامعة…”

وجميعها ظروف غير قاهرة إذ أن الشغف لا يتطلب لكي تبقى شعلته متأججة إلا ثلاثين دقيقة كل يوم من ممارسته.

إن كان لك شغف (كتابة، تصميم، برمجة، تعلم لغة جديدة…) يكفي أن تمارسه (علنًا على تويتر مثلًا) 30 د فقط في اليوم وتستمر إلى ما شاء الله

والجميع حتى أكثر الناس انشغالًا لديه 30 دقيقة كل يوم، فإن لم تكن لديك فالكارثة ليست في فقدانك الشغف إنما في إدارة رديئة جدًا للوقت.

وكتب إدارة الوقت والدورات والمجتمعات المخصصة لذلك كثيرة فعليك بها وأوصيك هنا بمجتمع حظوة.

فإن تمكنت من إدارة وقتك وتنظيم أفكارك وحياتك فحتى لو كانت لديك ظروف (وهي غير قاهرة فهي ليست حجة في تخليك عن أهدافك) ستستطيع إتمامها وإن ببطء شديد ولا بأس في البطء فاللافعل أسوأ منه.

إن الشعف الحقيقي هو الذي تمارسُه والظروف تُعاندك. فإن واتتك الظروف فما ثمّةَ شغفٌ حقيقيّ.

مرّة شاهدت فلمًا (أو مسلسلًا؟) نسيتُ اسمه كانت فيه خبيرة تفكيك قنابل تُفكك قنبلة في تدريبٍ، وكانت في قمّة التركيز لما أتى أحدهم وصرخ وشتتها عمدًا، فانزعجت وقالت له شتت تركيزي فكيف سأعمل فقال لها المشرف: لا بأس لكن عليك أن تعملي حتى في بيئة بها ضجيج لأن ذلك قد يحدث أي ماذا بالفعل لو كانت المتدربة تفكك قنبلة وتحرك راكون أو جرذ كبير أو حدث ضجيج ما في تلك الحالة الواقعية؟ هل ستفزغ وتفجّر نفسها ومن حولها؟

نفس الشيء أقوله لك..

لا بد ألا يكون شغفك هشًّا لا يصمد أمام الظروف.

يمكنك الكتابة أو الترجمة أو التدريب أو ما شابه حتى ولو كان لديك أطفال صغار.

يمكنك متابعة شغفك ولو كان لك أب متسلط أو زوج متطلب أو كلاهما.

يمكنك الكتابة من مرأب أي غاراج (كما أفعل أنا الآن)

يمكنك الكتابة وأنت لاجئ مُحتجز ترسل نصوصك عبر واتساب ويفوز عملك بأرفع جائزة أسترالية

يمكنك الكتابة برموش عينيك بل برمش واحد فقط من رموش عينيك.

يمكنك متابعة شغفك وإن أنهكتك الظروف.

نعم أنت تستطيع.

أنت تسأل: لماذا ينبغي أن يكون متابعة الشغف صعبًا؟ لماذا لا ينبغي أن أتبع شغفي وبيُسر وسهولة؟

وأسألك: لو كان الأمر يسيرًا سهلًا فما معناه؟

ما قيمته؟

ما المغزى الذي يحمله؟

لا شيء وقتها.

لأن السهل واليسير الجميع يستطيعه إنما البطولة في الاستمرار رغم الظروف.

انتهى المقال بحمد الله، إن أعجبك شاركه مع غيرك ولك أجر، أو اشترك في رديف ولك أجران.


أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر


يونس يسأل: وأنت ما شغفك وهل منعتك الظروف عنه؟ وكيف تجاوزتها؟ احكِ لنا قصّتك

رأي واحد حول “الجميع يريد قضاء شهرَ عسلٍ مع الشغف لكن قلّةٌ من يبقى معه عمره كلّه

شاركني أفكارك!