كيف تنحسر هيمنة مايكروسوفت شيئًا فشيئًا على سوق البرامج المكتبية في الصين؟

مساء العلوم الصينية،

تدوينة اليوم تاريخية تقنية بامتياز سنتحدث فيهما عن مقالين جديران بالمطالعة ونقتطف منهما ما يشوّق لقرائتهما، والاقتطافات لا تغني عن المطالعة الكاملة التي تمنحكم مقابل وقتكم ثراءً معرفيًا.

في أمريكا، ونظرًا لأن الصين كدولة أصبحت في بعض نواحيها تقارع الولايات المتحدة، والعديد من الناس يرونها الدولة التي ستهيمن على العالم مستقبلًا، يتابع الناس المثقفون هناك والمهتمون بالشأن الصيني عدة منشورات إنجليزية تُترجم أبرز الأخبار الصينية وتحللها وتقدمها -مقابل المال طبعًا- للمشتركين، من بين هذه المصادر موقع ذا واير تشاينا؛ ونشرة تشاينا تُوك التي يعدّها جوردن شنيدر Jordan Schneider.

الملخص قبل أن نذهب للمقالين المعنيين: هناك الكثير من العلوم النافعة باللغة الصينية وقد وُجدت هذه المنشورات مثل ذا واير تاشينا وتشاينا توك -وغيرهما الكثير- لإمداد القارئ بالإنجليزية ببعض منها، وهذا لاضطرارهم لذلك لأنه لا وجود لها خارج اللغة الصينية، هذا فيما يرى البعض لدينا أنه لا داعي للترجمة للعربية ولا إنتاج العلم بها ويدعون للتحدث والكتابة باللغات الأجنبية؛ فسبحان الله: أمم تعتز بلغاتها وتفخر بها وترتقي بها وأمم تنزل بلغاتها السامية مكانة الساميّة عِرقًا للحضيض؛ والله يفعل ما يشاء ويختار.

المقال الأول: حزمة أوفيس مايكروسوفت مقابل حزمة كينغ سوفت المكتبية دبليو بي إس

في المقال الذي كتبه جوردن شنيدر بعنوان حرب البرمجيات الصينية: حزمة أوفيس من مايكروسوفت مقابل حزمة كينغ سوفت وورد [ChinaTalk] نقتطف:

في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)، بعد 30 سنة من تأسيسها، دخلت شركة كينغ سوفت للبرمجيات بورصة شنغهاي ستار (أحد فروع بورصة ناسداك). وجمعت إثر ذلك 640 مليون دولار وحاليًا تُتداول أسهمها بقيمة سوقية إجمالية للشركة قدرها 10 مليارات دولار. والغربيون -والكثير من الصينيين الذين يعرفون منتجاتها- يرونها مجرد شركة صينية أخرى مقلدة حيث أن منتجها دبليو بي إس أوفيس ليس إلا تقليدًا لحزمة برامج مايكروسوفت أوفيس مع بعض التحسينات التي لا تُذكر.

لكن أحد المُدوِّنات الصينية التي تكتب باسم مستعار تخبرنا لماذا قصة كينغ سوفت ذات أهمية. كتبت هذه المدونة واسمها المستعار الأخت دان دان مقالًا عن “التاريخ الخفي لسنوات منتج دبليو بي إس WPS في السوق” وفيه قالت أن شركة كينغ سوفت “وبسبب حزمة دبليو بي إس، أجبرت مايكروسوفت على أن تتقاتل على احتكار السوق ليس في الصين فحسب بل في السوق العالميّ للمنتجات البرمجية المكتبية”. وتعدّ أخطاء شركة كينغ سوفت المبكرة في معركتها مع مايكروسوفت أحد أعظم سناريوهات “ماذا لو” في تاريخ التقانة الصينية، وانبعاث الشركة من جديد قصة لافتة للانتباه وجديرة بالإعجاب حقًا.

قصة بداية حزمة دبليو بي إس المكتبية أسطورية هي كذلك. ففي عام 1988، أمضى شيو بوجون (Qiu Bojun) أكثر من عام منعزلًا، كتب فيها 1.25 مليون سطر برمجي لينشئ بمفرده أول معالج نصوص صيني. [في التدوينة الصينية تقول الكاتبة أن ذلك تسبب في دخوله المستشفى ثلاث مرات بسبب التعب والنظام غير الصحي الذي كان يحيا وفقه فقد كان يعمل ليل نهار ويتناول المعكرونة سريعة التحضير وينام عندما يُقهر من التعب وحتى في المستشفى كان لا زال يتشبث بحاسوبه]

التغميق مني

ما نتيجة هذا الجهد؟ أصبح هذا البرنامج القائم على نظام تشغيل دوس (DOS) عام 1993 مستوليًا على 95% من الحصة السوقية للبرامج المكتبية في الصين.

في المقال الإنجليزي ستجد تفاصيل الصراع بين برنامج دبليو بي إس ومايكروسوفت، حتى أنه ووفق لمجلة فورتشن (Fortune Magazine) فإن

“بيل غيتس قال حينها… أنه إن كان الصينيون سيقرصنون البرامج على أية حال فهو يفضل أن يقرصنوا برامج مايكروسوفت” بمعنى أن بيل غيتس في صراعه مع برمجيات دبليو بي إس فضّل أن تقرصن برامجه على أن يخسر السوق الصيني.

مع تفاصيل أخرى تحاوزتها وتجدها في المقال المصدر، انتشرت برمجيات مايكروسوفت المقرصنة لدى الجميع في الصين، ثم بدأت الشركة في عرض تنويهات بأن البرنامج لن يعمل إن لم تشتري نسخة، وهذا ما سبب هلعًا وقلقًا حتى أن خبير الحاسوب ني غوانغ نان (Ni Guangnan) من الأكاديمية الصينية للهندسة صرّح علنًا أن الصين رهينة لدى شركة مايكروسوفت.

وهو على صواب لأنه إن لم يكن المستخدم يتحكم في البرنامج كليًا، فلا وجود لأمان معلوماتي حقيقيّ.

عندئذ، بدأت برمجيات دبليو بي إس تغير الوضع القائم. وكما كتبت الأخت دان دان، ساعد عقد من الحكومة قيمته 5 ملايين يوان (نحو $710,000) شركة كينغ سوفت على درء شبح الإفلاس (الذي ساهمت فيه مايكروسوفت). وقد قاد لاي جون (الذي سيؤسس مستقبلًا شركة شياومي) جهود شركة كينغ سوفت لإعادة تطوير دبليو بي إس من الصفر للمستخدمين الذين تعودوا الآن على برنامج وورد.

وقد أسهم إطلاق حزمة WPS2005 والقرار الذي تلى ذلك بتوفير نسخة مجانية للاستخدام الشخصي من دبليو بي إس، المنتجَ على إيجاد موضع قدم في السوق. وقد جعلت قدرة الشركة -على تقديم سعر أقلّ بكثير من مايكروسوفت وتوفير مزايا تماثل تقريبًا جميع المزايا التي توفرها حزمة مايكروسوفت المكتبية- برمجيات دبليو بي إس منتجًا ذا تنافسية عالية لدى الشركات والمكاتب الحكومية التي تتخذ قرارات الشراء بناء على التكلفة.

في عام 2011، دفع لاي جون، الذي كان وقتها يترأس شركة شياومي (Xiaomi)، ويشغل أيضًا منصب رئيس مجلس الإدارة في شركة كينغ سوفت، الشركة للاستثمار في برمجيات الهاتف المكتبية. بفضل هذا القرار، سبقت برمجيات دبليو بي إس المكتبية حزمة أوفيس من مايكروسوفت في تسويق منتجاتها على هواتف أندرويد بأربع سنوات. والآن تفخر شركة كينغ سوفت بعدد مستخدمين نشطين شهريًا إجماليه 310 ملايين شخص على مستوى العالم وعقود حكومية في أكثر من ثلاثين مقاطعة وشراكات مع 69 شركة صينية ضمن تصنيف فورتشن 500. وفي ظل السياسات الصينية الأخيرة الهادفة لاستبعاد البرامج الأجنبية من جميع مكاتب الدولة، لا تتوقع شيئًا عدا زيادة عدد هذه العقود مع شركة كينغ سوفت (لذا يمكننا القول وداعًا يا ويندوز 10: إصدار الحكومة الصينية).

حري بالذكر أن برمجيات دبليو بي إس لها حضور كبير خارج الصين حيث أن لديها 80 مليون مستخدم نشط شهريًا لبرامجها يتركز معظمهم جنوب شرق آسيا، حيث استفادت الشركة من شعبية هواتف شياومي الذكية هناك. منذئذ اتبعت شركات التقنية الصينية الكبيرة الأخرى خطى برمجيات دبليو بي إس فعلى سبيل المثال هناك تطبيق لارك Lark المُطور من قبل شركة بايت دانس (المالكة لتيك توك) والذي تهدف به إلى مقارعة برنامج سلاك في السوق العالمية.

المقال الثاني: برنامج جدول البيانات فيزي كالك الذي غيّر وجه الاقتصاد

في المقال شقّ الطريق نحو المعرفة بالاستعانة بجدول بيانات: قبل جيل مضى، أطلقت أداة واحدة القوى الكامنة لنمذجة الأعمال التجارية وخلقت الطفرة الريادية التي حولّت اقتصادنا [Backchannel] يحكي لنا الكاتب ستيفن ليفي قصة برنامج VisiCalc وكيف غيّر جذريًا الطريقة التي تسير بها الأعمال التجارية الأمريكية ومنه نقتبس:

لأول مرة في التاريخ، أصبح في متناول أيدي رجال الأعمال وسيلة متطورة ومرنة لأخذ تصور عن جميع المتغيرات الحسابية، من أسعار الفائدة إلى مساحة المستودعات، وهي الحسابات الحاسمة التي وفقها تزدهر الأعمال التجارية أو تتدهور.
هكذا أضحى ممكنًا ترجمة أعمال كبرى الشركات، وأكثرها تنوعًا وبصورة أنيقة إلى نماذج قائمة على جداول بيانات، حيث أن كل خانة من الجدول كانت بمثابة كوّة تطل على حقائق هامة أو ارتباطات حاسمة كانت من قبل مُغفلة أو مجهولة.
وهذه النماذج لم تكن تُستخدم فقط لتتبع المعاملات بل كانت تستخدم كذلك لتحليل طبيعة العمل التجاري ذاته. هذا ما مكّن رجال الأعمال من أن يحسبوا آثار التغيرات المفاجئة في منظومة عمل الشركة (مثل حصول انخفاض في سعر الفائدة الرئيسي على سبيل المثال) ومكنهم كذلك من تجربة مختلف السناريوهات (مثل توسيع خط الإنتاج أو حدوث اندماج مع شركة أخرى)، كل ذلك بيُسر وسهولة لم تكُن مُتصورة قبل خمس سنوات مضت وحسب. (تاريخ كتابة المقال نوفمبر 1984)
وقد بيعت أكثر من مليون نسخة من برامج جداول البيانات تتجاوز قيمتها 250 مليون دولار في الولايات المتحدة هذا العام. (تاريخ كتابة المقال نوفمبر 1984)
وها نحن الآن نرى مدراء تنفيذيين في الشركات وتجّار جملة وتجّار تجزئة ومالكي أعمال تجارية صغيرة يتحدثون عن ماجرياتهم التجارية وفق فاصل تحوّلي: قبل الجدول البيانات الإلكتروني وبعده.
وها نحن نسمعهم يستشهدون بالمكاسب الهائلة التي منحهم إياها البرنامج من حيث الإنتاجية. وها هم يتحدثون عن قدرتهم على تسيير تجاراتهم بصورة أيسر، ومعرفة أعمالهم أعمق والتخطيط بصورة أصوب، وعن مقاربة نشاطاتهم على نحو أكثر إبداعًا.

ستيفن ليفي

لا تغادر قبل أن تطالع…

الصين تقترب من الصدارة في الإنفاق البحثي

العملاق الآسيوي يأخذ الإنفاق على العلوم بجدية بالغة.

توصية: قناة العاشرة صباحاً على التلغرام للكاتب هزاع بن نقا وهي قناة تقدم مقالًا كل يوم تقريبًا لا يتجاوز حجمه شاشة الجوال وتتمحور المواضيع حول الشأن الاجتماعي وتطوير الذات وقضايا الشباب، انضم للقناة الآن. ⭐⭐⭐⭐⭐

يونس يسأل: ما هي البرامج والتطبيقات صينية الأصل التي تستخدمها عدا تيك توك؟


أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر


حقوق الصورة البارزة: Photo by Li Yang on Unsplash

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s