كيف تُميّز بين الترجمات الجيدة والرديئة ومن يخوّل له ذلك؟

مساء السعادة والترجمة،

عندما تقرأ “كليلة ودمنة” فغالبًا لن ترى مشكلة في الترجمة، بل لعلك لا تعرف أساسًا أنها مترجمة وستقول أن ابن المقفع وهو كاتب بليغ وذو أسلوب رائع ولسان عربي مبين أدى ما عليه من واجباتٍ كاملة تجاه الترجمة. غير أن البيروني له رأي آخر.

أعتقد أن أول من لفت انتباه الباحثين -خاصة المستشرقين منهم- على احتمال إقحام هذا الباب [باب برزويه] إلى كليلة ودمنة، وأنه ليس إلا زيادة من ابن المقفع نفسه، هو أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني (توفي 440 هـ)، وذلك بقوله:
“وبودي أن كنت أتمكن من ترجمة كتاب “بنج تنتر” وهو معروف عندنا بكتاب “كليلة ودمنة”، فإنه تردد بين الفارسية والهندية ثم العربية والفارسية على ألسنة قوم لا يؤمن تغييرهم إياه كعبد الله بن المقفع، في زيادة باب “برزويه” فيه، قاصدا تشكيك ضعيفي العقائد في الدين، وكسرهم للدعوة إلى مذهب “المنانية”، وإذا كان منهما فيما زاد، لم يخلُ عن مثله فيما نقل” (من كتاب تحقيق ما للهند من مقولة…للبيروني)
من كلام البيروني يمكن استفادة ما يلي:
1) إنه كان يرغب في ترجمة جديدة لـ”كليلة ودمنة”، ولم يتسنَّ له ذلك، ونحن لا نعرف الأسباب التي منعته وحالت دونه.
2) اتهامه المباشر والواضح لابن المقفع أنه زاد باب برزويه كله في الكتاب وليس بعضه، أو أضاف إليه أشياء من عنده مع وجوده
3) أن ابن المقفع قد بث في هذا الباب مبادئ الديانة المانوية خاصة، وفي سائر ما ترجم عامة.

أنس المنقطعين لعبادة رب العالمين تأليف المعافى بن إسماعيل الموصلي، دراسة وتحقيق: الدكتور رضا أحمد إغبارية، ج1، دار الكتب العلمية. ص 35 – التغميق مني

من هذه المقدمة تدرك أن الترجمات السيئة ليست ظاهرة حديثة بدأت لما دخل “أطفال حديثي التخرج من أقسام الترجمة” ميدان الترجمة كما يظن بعض دكاترة الترجمة في عصرنا. بل هي مشكلة عويصة بدأت منذ بدأ مجال الترجمة في الأصل.

لا يسلم من الخطأ في النقل والترجمة أحد. فحتى القديس جيروم نفسه وهو شفيع المترجمين لدى المسيحيين والمؤيد بروح القُدس عندهم ارتكب أخطاء في ترجمته للكتاب المقدّس. أما المسلمون فاستراحوا وأراحوا وسمّوا كل ترجمة للقرآن إنما هي “ترجمة لمعاني القرآن” ولا تعبّر عنه كما هو ومن رغب بمعرفته فليتعلم العربية، وأن كل ترجمة للقرآن فهي اجتهاد من المُترجم لا أقلّ ولا أكثر.

والآن إلى موضوع المقال 👇

اقترحت عليّ الأستاذة Baali rokaia هذا الموضوع فشَكَر الله لها، إن رغبت في تلقي تقييمات لترجمتك وتعلم أساسيات الترجمة اشترك في رديف 👇

تغريدة رقية

لننقل سؤالها نصًا هنا ونجيب عليه بعون الحي الذي لا يموت:

كيف يمكن التمييز بين الترجمة الجيدة والترجمة السيئة؟ وهل كل شخص يستطيع تمييزها عند القراءة؟

جدول المحتويات

  1. جدول المحتويات
  2. كيف يمكن التمييز بين الترجمة الجيدة والترجمة السيئة؟
    1. شروط لكي تحكم على الترجمة
    2. أمثلة واقعية على أخطاء الترجمة
  3. علامات ركاكة الترجمات
  4. بورخيس يصرّح ساخرًا: الأصلُ أحيانًا غير وفيّ للترجمة!!
  5. شروط المترجم الجيد

كيف يمكن التمييز بين الترجمة الجيدة والترجمة السيئة؟

الجواب: يمكنك إن كانت لديك الأدوات. فمثلما وضعوا لمفسّر القرآن شروطًا وللفقيه المجتهد شروطًا، هناك شروط لمن سينقد الترجمات ويحكم عليها.

شروط لكي تحكم على الترجمة

  1. إتقان للغتين قدر الإمكان والسعة
  2. مطالعة عدة كتب لأساطين الفصاحة في اللغتين (المنقول عنها والمنقول لها)
  3. متابعة لتطورات اللغتين (الهدف والمصدر)
  4. إلمام عظيم بالثقافتين المنقول منها والمنقول إليها
  5. خبرة وإلمام وإن قلّ بموضوع المادة المترجمة
  6. سعة إطلاع شاملة (موسوعية)
  7. منطق (حس سليم) ومهارات تحرٍ وتحقيق فالبحث عن أصول كلمة مثلًا يشبه السعي وراء مُجرم في أحيان كثيرة

ولا عبرة بكلام من لم تتحقق فيه الشروط كأن يكون قارئًا عاديًا فكثيرًا ما نرى قرّاء جهلة يحكمون على كتاب بترجمة ركيكة لأنه صعب الفهم والأصلُ هو الصعب أساسًا وقد اجتهد المترجم وتعب جدًا في نقله وليس من مهامه تيسير الأساليب الصعبة أساسًا؛ فترجمات كانط وترجمات هايدغر ودريدا وغيرهم من ذوي الأساليب الملتوية والكتابة العسيرة مشكلتهم أنفسهم هم وليس من المترجمين غالبًا ونعم يقع مترجموهم في أخطاء كثيرة لكن نشكرهم على اجتهادهم.

معظم الناس يركزون على لغة المُترجم في حين أن زيادة فصل كامل في كتاب أو إنقاص عدد كامل من الفصول والأوراق أو تغيير الحقائق كلها من علل الترجمة. وهذه العلل تطال الكل وليس فقط الدخلاء على الترجمة والمبتدئين فحتى الهيئات المرموقة التي يشرف عليها بروفيسورات ودكاترة وما يسمون “أساطين” في اللغة والترجمة تخطئ أخطاء فادحة في أحيان كثيرة ولنأخذ أمثلة واقعية.

أمثلة واقعية على أخطاء الترجمة

مثلًا المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وسلاسله الغنية عن التعريف مثل عالم المعرفة جهد مشكور ويثابون عليه بعون الله لكن مع ذلك عندما ترجموا كتاب الكون لكارل ساجان (في الصفحة 215 من النسخة العربية) الصادرة عن سلسلة عالم المعرفة (178) حذفوا سؤالًا هامًا ورد في النسخة الإنجليزية الأصلية والمحذوف هو “من أين جاء الإله؟” (مصدر المعلومة: كتاب من خلق الإله: سياقات السؤال، ونقد الإجابة السائدة، السيد علي الحسيني ص 17)

والمثال الآخر الأخطاء التي اعتورت مختلف ترجمات المترجمين لأعمال إدوارد سعيد وهي مفصّلة لحد بعيد في هذا المقال: ترجمة لا تَعرف عبد الرحمن الراشد ولا أنَّ الكويت في الشرق الأوسط! ونقد إبراهيم الكوني غير المُنصف ولا العادل لترجمات الدروبي ونقد عماد حلمي العتيلي المُنصف لترجمات الدروبي، والكثير جدًا غير هذه الأمثلة.

وفي مقال عماد حلمي الذي أشرنا له يطرح الكاتب سؤالًا له صلة شديدة بسؤال اليوم:

هل يحقّ لقارئ النص المُترجَم أن ينقُد النصّ وكاتِبَهُ؟ هل يكون لمِثل هذا النقد أي قيمة من الأساس؟! لا يمكنني أن أدّعي أنني أملك إجابة لهذا التساؤل.

مشكلة الترجمة.. هل قرأنا دوستويفسكي حقّاً؟ – عماد حلمي العتيلي

برأيي الشخصي لا يحق للقارئ ضعيف الثقافة الحُكم على الترجمات. لفقدان الشروط المذكورة أعلاه. مع ذلك هناك علامات عامة لركاكة الترجمات يمكن للجميع رصدها حتى دون استيفاء الشروط التي ينبغي أن تجتمع في من ينقد الترجمة.

علامات ركاكة الترجمات

  1. الإكثار من كلمات تمّ ويتم وقد تم دون الحاجة لذلك
  2. الإكثار من كلمة يمكن
  3. استخدام: الخاصة بك والخاص بك في حين لا حاجة للمترجم بذلك فبدل قول: كومبيوتر الخاص بك اُكتب مباشرة حاسوبكَ أو حاسوبكِ
  4. استخدام قام ويقوم دون الحاجة لذلك. مثلًا قام بفتح الباب في حين يمكنك أن تكتب مباشرة: فَتَح الباب
  5. النقل الحرفي الصِرف: مثل ترجمة it’s raining cats and dogs بإنها تهطل قططًا وكلابًا بدل: إنها تهطل بغزارة أو أمطرَت من أفواه القِرَب [المغني الأكبر (إنجليزي/عربي)]

بورخيس يصرّح ساخرًا: الأصلُ أحيانًا غير وفيّ للترجمة!!

أيضًا من جهته خورخي لويس بورخيس الأديب الذي لم يكن ليزعجه الأخطاء الشنيعة التي ارتكبها المترجمون في حقّ كتبه عند ترجمتها للفرنسية والإنجليزية كان يمازحُ الناس عندما يجد عملًا مُترجمًا ذو أسلوب راقٍ -حتى وإن خالفَ الأصل ذاته وتصرّف فيه المترجم- أن “الأصل غير وفيّ للترجمة!!” (مصدر: في غابة المرآة: دراسات عن الكلمات والعالم؛ ألبيرتو مانغويل، ترجمه عن الفرنسية: سلمان حرفوش، دار كنعان ص81)

ولعل في كلام بورخيس هذاعزاء عظيمًا للمترجمين لا سيما من يخطو أولى خطواته فيبثّ في نفسه الثقة وأنه لا كمال إلا للحق تعالى.

ولأن معرفة الجيد يؤدينا لمعرفة الحسن فلنعرف شروط المُترجم الجيد ونختم بها.

شروط المترجم الجيد

ويؤكد ديداوي ذلك معتبرا أن المترجم الجيد يجب أن تتوفر فيه:

1. همة المبدع، و
2. إخلاص الملتزم، و
3. حبّ العالم، و
4. اطلاع المجتهد، و
5. وفاء الغيور،

لكي يكون نافعاً في عمله. لكن واقع الترجمة العربية يبين أن يزاولها لا يصلح غالباً لها، وهي تعاني من هاوية الهواية وانحراف الاحتراف.

واقع التقييم الترجمي بالبلدان العربية وسبل استلهام التجربة الترجمية التراثية: حلقة الكندي ببيت الحكمة نموذجا، هند بن محجوب دراغومان – المجلة الدولية لدراسات الترجمة، مج 12، العدد 13، مايو 2022، ص 99

وبحث الأستاذة هند بن محجوب الذي اقتطفنا منه شروط المترجم بحث ماتع ممتاز عليك به لزيادة ثقافتك من ناحية تقييم الترجمات.

فهذا هو جواب الأستاذة رقية. تم المقال بحمد الله.

طالع أيضًا عن الترجمة في هذه المدونة:


أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر


يونس يسأل: من هو المترجم العربيّ الأحبّ لقلبك؟


حقوق الصورة البارزة: Photo by Etienne Girardet on Unsplash

رأيان حول “كيف تُميّز بين الترجمات الجيدة والرديئة ومن يخوّل له ذلك؟

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s