مراجعة كتاب “هايدغر وسؤال الحداثة” + مقترح بحثيّ للفلاسفة العرب

كأس شاي دون نعناع –ليش؟- مش متوفر لدى البائع

جلوس على الكرسي.

لنطقطق بعض الكلمات عن كتاب رائع قرأته عنوانه “هايدغر وسؤال الحداثة” للباحث المغربي الدكتور محمد الشيكر

اعرف ان العنوان مخيف نوعا ما لجيل الألفية لكنه فعلا ليس كذلك وساضع ملاحظاتي بشكل نقاط:

الكتاب ومع ان عنوانه يحتوي امرين قد لا تهتم لهما –مع انه يجب عليك ان تفعل لاسباب سنذكرها فيما بعد- وهما هايدغر والحداثة الا انه اوسع افقا بكثير من هذين الموضوعين.

  • الكتاب يتطلب نوعا ما فهما اوليا لمصطلحات الفلسفة العامة مثل اللوغوس – الميثوس (الأسطورة) وما إليها. مع انك لن تجد فليسوفا يوافق اخوه الفيلسوف على هذه المصطلحات لكنك خذلك نظرة عامة عليهم بالانجليزية الفرنسية او العربية ايا يكن.
  • بصدد النقطة الاولى لم اجد كثيرا من المشاكل في فهم المصطلحات لانها منتشرة ومستخدمة في الكتب الا اني لم افهم ما يقصد بالدوكسا التي تكررت كثيرا نوعا ما في الكتاب بحثت في غوغل كتب ووجدت التعريف التالي: الدوكسا.png
  • الكتاب يحوي تحليلا مهما جدا للحداثة (سيعرفك عليها من مختلف الجوانب وتنتهي بان يكون لك فكرة واضحة الى حد بعيد عن هذا المفهوم) وهو بالمناسبة لا يفرض عليك رايا واحدا او تعريفا دقيقا هو يعرض لك افق الحداثة او لنقل (والافق كلمة علقت فيّ جراء مطالعته) مجال الحداثة وانت تختار ما تريد ان تنظر لها به.
  • الكتاب يحتوي تحليلا مهما ايضا عن ما بعد الحداثة وكشف تنويري (من الانارة وليس من عصر الانوار) عنها بحيث تصبح فاهما الى حد بعيد عما نتكلم عندما نحكي عن هذا المصطلح.
  • الكتاب يقدم تلخيصا غير مخل ولا اختزالي لفهم نيتشه وان كان بالاساس حسب قراءة هايدجر له – لكن ليس دائما- فقد اورد الكثير من قراءات الاخرين لنيتشه كما انه تبرز بين السطور قراءة الباحث الشخصية له. القسم للي يحكي عن نيتشه سيعطيك تصورا واضحا عنه وكما رايت مع ان اسم هذا الفيلسوف الغاضب المتفجر لا يرد في العنوان
  • الكتاب يقدم تلخيصا غير مخل لفكر هايجر العام وعلاقته بالعديد من المواضيع: الحداثة –التقنية- ما بعد الحداثة –ديكارت- نيتشه –عصر الأنوار – ألمانيا – الشعرية (اي الشعر والفن).
  • الكتاب قصير وليس ضخما لكنه دسم ومتخم بالمراجع وموثق جيدا جدا
  • لغة الباحث أروع ما يكون وفي الحقيقة هي في قمة الابداع وترجماته للمقتطفات والاقتباسات يعتبر تحفة لي بالنسبة لي كمترجم. استخدامه للعربية وتطويعها في شرح اعقد مفاهيم هايدغر المعروف بعادته في ايلام رؤوس الخلق بلغته المبلبلة المحيرة والغامضة شيء اعتبره إعجازا فلسفيا مع ان البعض سيرى هذه مبالغة. لكني ادرك كمية الابداع والجمالية عندما اراها.
  • بهذا الصدد مع اني لا اعرف عن الكاتب شيئا الا اني اتوقع ان الكتاب عل الاقل استغرق منه عشرة سنوات من العمل (تخمين شخصي).
  • تعليقي على الكتاب “مرجعية لا غنى عنها في المكتبة العربية” “عمل فلسفي ولغوي بارع جدا” “تحليل لا نظير له” وهو حجرة اساس في صرح التأويل المغربي للفلسفة الألمانية بحق.

 

الآن لماذا يجب على الألفي (من جيل الالفية) ان يهتم بهايدجر؟

سؤال صعب لو طرح علي قبل ان اقرأ كتاب الباحث محمد الشيكر لما اجبت عنه لكن الان لدي تصور واضح عن الاجابة وهي كالتالي:

مع اني قرات الكثير عن الحلول النفسية والفلسفية للتغلب على الاثار السلبية للتقنية في عصرنا الا ان جميع المقاربات والطرق كانت تفتقر في نظري الى فهم حقيقية لماهية التقنية ولذلك تصبح الطرق المقترحة ي مثلا “تنظيم الوقت” و “الهجرة من فيسبوك” و”قطع الاتصال” الخ. لكنها ليست حلا على لمدى البعيد خاصة مع انتشار الشبكات ودخول الواقع الافتراضي.

من هنا اعتقد انا اي مقاربة لاجتناب مساؤي التقنية دون فهم حقيقي لماهيتها لن يوصلنا الى اي مكان.

في هذا السياق انا على علم ان التقنية التي يتحدث عناه هايجر ميكانيكية وقديمة في معظمها حتى مع حضوره عصر الالكترونيات الى حد ما وشهوده للصراع البارد بين قطبي التقنية (امريكا) وروسيا في ذلك الوقت

الا ان مقاربته للتقنية تمثل حلا بالنسبة لي ومن وجهة نظري لتجنب مساوئها والاستفادة من مزايها.

حسب كتاب محمد الشيكر لا يعتبر هايدجر كل تقنية شرا لكن معظمها كذلك لسبب انها تريد السيطرة على الطبيعة وتنصيب الانسان سيدا لها وهذا مشكلة لانه يسبب اغتراب الانسان عن نفسه اولا ولان الانسان جزء من الوجود وكونه يصبغ كل ملمح منه بالانسانوية ويضع طابعه عليها سيحرمه من فهم الكثير من تصورات الوجود غير الانسانية.

لذلك فالتقنيات التي لا تضر بالطبيعة (وغالبها يدوي لنقل مثلا عصا تساعد نبتة متسلقة على التسلق) والتي توضع حتى ولو لم يكن الهدف منها تعزيز سيطرة الانسان على الطبيعة هي تقنيات جيدة

في حين ان مراقبة الطبيعة ومحاولة السيطرة عليها والهيمنة عليها قسرا بالتقنية مضر.

من جانب اخر يرى هايجر ان الفلسفة ككل والفكر الانسان ناهيك عن التقنية لا يجب ان تتمحور حول الانسان ولا العقل بل يجب ان تتمحور حول الوجود والكينونة ومقتضياتها. بمعنى اخر الانسان جزء من الوجود ولا يجب ان يكون ملكا له او مسيطرا عليه بل راعيا له فحسب فهذه هي مكانته المميزة.

ومن هنا وهذه الإضافة من عندي الآن لما تقرأ في توصيف الشركات الحديثة انها (متمركزة او متمحورة حول العميل) customer centric  ندرك حجم التشويه الذي حدث للوجود حسب وجهة نظر هايدجر وذلك لسببين اولا

  • تحويل الانسان إلى عميل
  • مَحورة منتجات التقنية السيئة حول هذا العميل

بالتالي نحن بصدد وصول الوجود الى الانسان الحالي مشوهاً تشويهاً مزودجا اولا التشويه الذي وقع للوجود عبر التقنية الحديثة السيئة (ومعظمها كذلك مهما كانت قيمها تبدو جذابة ) ومن ثم التشويه الثاني الذي حصل لجوهر الانسان جراء تحويله لمستهلك-عميل.

(المقترح البحثي) من هنا انادي طلبة الفلسفة العرب إلى استكشاف حلول هايدجر لاستخدام التقنية المعاصرة بمعنى ان نسقط مفاهيم هايدجر على الوضع الحالي للتقنية لنخرج بمنهجيات هايدجرية من شأنها أن تساعدنا على فهم ماهية وجوهر التقنية الحديثة ومن ثم التخلص من سلبياتها والاستفادة من ايجابياتها.

والله الموفق.

شكرا محمد الشيكر لقد دخلت بجدارة إلى لائحة الامتنان خاصتي.

 

 

 

رأي واحد حول “مراجعة كتاب “هايدغر وسؤال الحداثة” + مقترح بحثيّ للفلاسفة العرب

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s