هذه التدوينة برعاية نشرة الأحد البريدية من إعداد الأستاذ علي عسيري وهي نشرة تشبه قرصات شاورمر لكنها للتسويق. اشتركوا فيها وشكرًا للدعم.
هذه التدوينة مُهداة إلى الزميل حامد الخطيب؛ اُطلبوا خدماته فهي احترافية وقد طلبت بعضها بنفسي ولمستُ الجودة. وهو هذه الفترة يقدّم عينات مجانية لمن يطلبها. فجرّب قبل التعاون معه تجاريًا وستعجبك بإذن الله.
مساء السعادة والثراء،
تكلمت في لقائي مع الأستاذ أبو بكر في بودكاست ماذا بعد!: مستقبل التدوين «كيف تصنع محتوى يجيب فلوس»؟ عن أن الاشتراكات هي المستقبل وستستلهم العوالم، وتكلمت كذلك من قبل عن ضرورة تبني رواد الأعمال في مجال المحتوى والمنتجات الثقافية هذا النموذج من العمل التجاري واستشهدتُ بتجربة رياض الريس عام 1988 في مجلته الناقد وهي تجربة جديرة بأن تحتذى وتُبعث من جديد في عصرنا.
وها هو خبر جديد عن آبل أنها تعتزم إطلاق اشتراكات لهواتفها الآيفون: شركة آبل ستبيع هواتف آيفون بنظام الاشتراكات في غضون عامٍ من الآن [نحكي عن الهاتف الماديّ بحد ذاته وليس اشتراكات في خدمات إلكترونية مثل التخزين السحابيّ لديها وغيره].
واليوم سنتحدث عن شاعر تمكن من أن يصبح ثريًا ويبني فيللا جميلة بمشاريع قائمة على الاشتراكات كل ذلك في العام 1713 وليس 2022.
اقتبستُ القصة من عدد حديث من نشرة Mason Currey وهذه هي المقتطفات التي أراها تلخّص القصة وأوصيكم بمطالعة العدد كاملًا:
ألكسندر بوب (Alexander Pope) [1688–1744]
لُقِّب ألكسندر بـ”أول رجل أعمال من بين جُملة الشعراء الإنجليز”، وهو لقب مميز اكتسبه بفضل مشروع نشر نفّذه العام 1713، عندما كان ابن 25 ربيعًا فحسب.
حدث هذا بعد عام واحد من نشر بوب ملحمته الساخرة The Rape of the Lock التي حققت نجاحًا فوريًا؛ لكن في ذلك الزمان، لم تكن المنشورات الأكثر مبيعًا تجعل مؤلفيها أثرياء.
في ذلك الوقت، عادةً ما كان المؤلفون يبيعون أعمالهم إلى ناشر (بائع كتب) مقابل مبلغ يُدفع مرة واحدة، الأمر الذي كان يتيح لبائع الكتب أو الناشر طبع العمل وبيعه مرارًا وللأبد.
حينها لم يكن هناك دُوْر للنشر كما نعرفها الآن، فبائع الكتب (الناشر) كان فردًا غالب الأمر. وعَنى هذا أن أي كتاب ينجح يعني عوائد مُجزية للغاية تُصبّ في جيب بائع الكتب.
وملحمة The Rape of the Lock باعت ثلاثة آلاف نسخة في أربعة أيام فقط، ولم يجنِ منها كاتبها أي شيء عدا المبلغ الأول المقطوع الذي سُدد له. وقد لخّص الشاعر بوب في رسالة له لصديق هذه الحالة في دوبيت (بيتان من الشعر) قائلًا:
ما يخسرهُ الشاعرُ، يربحه بائعُ الديوان
ترجمة إبداعية: يونس بن عمارة
لذا تأثّل القوّادون، وأفلسَ الشجعان
بعد أن أدرك لا إنصافَ هذا النظام، طفق الشاعر بوب يبحث عن نموذج عمل تجاري بديل، ورأى فرصته في نظام عمل الاشتراكات.
بحلول أكتوبر 1713، أعلن بوب عن مشروعه: سيشرع الشاعرُ في نشر ترجمة جديدة لإلياذة الشاعر هوميروس، وسيتلقى المشتركون في مشروعه مجلدًا واحدًا كل عام على مدار ستة أعوام، بسعر جينه واحد للمجلد الواحد. وقتها كان الجنيهُ يساوي جنيهًا إسترلينيًا واحد وشلنًا واحدًا. ولتقريب القيمة من الأفهام كان الجنيه وقتها يشتري لك قبعة رفيعة الطراز من جلد القندس أو دزينة من دروس اللغة الفرنسية.
لكن كيف سيستطيع شاعرٌ غير ثرّيٍ مثل بوب أن ينتج الكتب الحقيقية (من الورق والحبر) التي خطط لبيعها بنظام الاشتراكات؟
ها هنا أثبت الشاعر الشاب أنه رجلُ أعمالٍ متمرّس. فبُغية إنتاج الكتب، عقد بوب صفقة مع بائع كتبٍ اسمه بَرنابي برنارد لينتو (Barnaby Bernard Lintot).
ووفق شروط الصفقة، سيتلقى بوب مبلغًا أوليًا مقطوعًا قدره 200 جنيه مقابل كل مجلد من ترجماته، وهذا الجزء من الصفقة مثل أي صفقة معهودة في ذلك الوقت تجرى بين بائع الكتب والمؤلف.
أما الجزء المبتكر فهو أن الشاعر بوب سيتلقى أيضًا 750 نسخة إضافية من الكتب المطبوعة للتوزيع الحصري حيث يرسلها للمشتركين في مشروعه، وهذه النسخ بالذات لن تطبع إلا على “أفخر أنواع الورق وأجوده… مع زخارف تسرّ الناظرين وحروف أولى منقوشة على النحاس” فضلًا عن هذا، لا يحقّ للناشر لينتو أن ينشر طبعاته إلا بعد شهر على الأقل من صدور طبعات مشتركي بوب.
وما تقرأه الآن ليس بعيدًا عما يحدث في منصات التمويل الجماعي كما نشهدها اليوم.
فهذه المواد الإضافية الخاصّة، والطبعات الحصريّة، وشعور المرء بتمويل مشروع وهو يُنشئ، كل هذه العناصر الجديدة ودون علم منه تعبّر عن الشاعر بوب.

طبعًا، لن ينجح مشروع الشاعر بوب إن لم يستقطب مشتركين لكل تلك النسخ من طبعته الخاصة، الأمر الذي وبعد بذله الجهد، تمكّن من تحقيقه.
كان الشاعر بوب قد قضى بالفعل ردحًا من شبابه في إنماء علاقات صداقة مع من ينتمون للنخبة الثرية في ذلك العصر، وتبين أن هذه النقطة كانت حاسمة في تمكنه من جمع الاشتراكات. ثم أوفى الشاعر بوب بوعده وأتمّ الترجمات، وهو العمل الذي اكتشف أنه مرهقٌ للغاية.
وقد ظهر أن الكدح في ترجمة الستة عشرَ ألفَ سطرٍ من اليونانية المكوِّنة لإلياذة هوميروس كدحٌ عظيم لدرجة أن الشاعر بوب ظلّ يرى الكوابيسَ عن هذا العمل لسنوات بعد إنهائه.
لكن في النهاية نجح مشروعه: جنى مشروع الاشتراكات في مشروع طبعات ترجمة الإلياذة للشاعر بوب نحو 4000 جنيه في المجمل، أو ما يساوي في عصرنا ما بين 260 ألف إلى 340 ألف دولار في اقتصادنا الحالي. مع العلم أن تحويل العملات ما بين العصور لا يعوّل عليه كثيرًا من ناحية الدقّة.
وسرعان ما أتبع الشاعر بوب هذا المشروع بمشروع اشتراكات آخر لترجمة أوديسة هوميروس وهذه المرة استعان بمترجم مشارك ليسرّع إنجاز المشروع، حيث أصدر أربع مجلدات في عامين (1720 و1721) وبعد ذلك أطلق الشاعر بوب مشروع اشتراكات لأعمال شكسبير.
بنهاية المطاف، صار الشاعر بوب ثريًا. كتب الشاعر بوب أنه كان في مُكْنته أن
يحيا حياةً طيبةً ويزدهر؛ غير مَدين بالفضل لأي أمير أو نبيل ذي خَطر
ترجمة إبداعية: يونس بن عمارة

أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر
يونس يسأل: ما الخدمات الواقعية أو الرقمية التي أنت مشترك بها الآن؟