مساء الخير ومرحبًا بك
قبل أن نمضي قدمًا في المقال أقول أن من المساحات في Quora التي لما قرأت عنوانها ضحكتُ مساحةُ نادي المثيرين للشفقة. أما المقطع الأول من عنوان المقال فهو مُستلهم من كتاب ستيفن كوفي المشهور: العادات السبع للناس الأكثر فعالية
في بداية هذا المقال سأكشف لك تفاصيل كيف كتبت مطلعه (بدايته) بالتفصيل.
أولًا كما لو بد أنك تعرف إن كنت تتابع حسابي على تويتر (أوصيك بمتابعته إن لم تفعل بعد) أطلب كل يوم من المتابعين إمدادي بموضوع أكتب عنه، وطلب المواضيع من الناس أحد منابع الأفكار التي لا تنضب، تستطيع مطالعة المنابع الأخرى في هذا المقال: 10 منابع لسيلِ أفكارٍ لا ينقطع لمحتوى قيّمٍ تكتبه لجمهورك [مع مصدر إضافيّ]
واليوم طلب الزميل Ahmed Alwainani مني هذا الموضوع:
كواليس كتابة مطلع المقال:
أولًا كنت سأكتب مطلع المقال كما يلي:
تصوّر معي أن حسابك البنكي يُشحن بـ86 400 دولار كل يوم. على أن يختفي هذا المبلغ كليًا نهاية اليوم، وفي بداية اليوم الجديد تُشحن 86 400 دولار أخرى تختفي بدورها إن لم تصرفها نهايةَ اليوم، وهكذا دواليك.
ما كنت لتفعل؟ ما أنتَ فاعلٌ بها؟
كنت بطبيعة الحال ستحرص على إنفاق كل بنسٍ من هذه الدولارات في أقصى منفعة تنالها وتعود عليك..
لديك كل يوم 86 400 ثانية لم لا تفعل لها مثل ذلك؟
كيف كتبت هذا المقطع؟ كنت منذ فترة قد شاهدت مقطع شورتس على يوتيوب يطرح هذا.. تصوّر معي أن حسابك البنكي يُشحن بكذا… ثم قال أن لديك كذا كل يومٍ من ثواني…أعجبتني الفكرة…
هكذا كانت الفكرة في ذهني فقط تذكرت هيكلها العام ولم أتذكر الرقم بالطبع. هكذا سألت غوغل: ما عدد الثواني في 24 ساعة وأجابني. أخذت الرقم واستلهمت (سرقت؟) الفكرة وجعلتها مطلعًا للمقال.
ثم الأعمق من هذا أنني أكتب هنا الآن في مطلع المقال عن كيف كتبتُ مطلع المقال وهذا ما يُعرف بالميتا (في حالتنا هذه: تحدثت في مطلع المقال عن كيفَ كتبت مطلع المقال).
فهمتُ على ما أعتقد فكرة أخي أحمد. أن الناس يفشلون في إنجاز ما يرغبونه أو يُطلب منهم لأنهم يضيّعون الوقت على ما لا ينفع. المسألة أعمق من تضييع الوقت بنظري. الفكرة هي السؤال الجوهري:
لماذا يضيّع أحدهم الوقت أساسًا؟
والأهم:
ما تعنيه إضاعة الوقت؟
لتوضيح جوهرية هذه الأشياء وأساسيتها لنأخذ مثلًا:
- يونس يتفرج فلم فِنش
- زياد يتفرج فلم فِنش
مع أن الفعل واحد. إلا أن الناس بنهاية الأمر سيقولون لك:
- يونس يستحق أن يسلّي نفسه بين الحين والآخر لأنه مُنتج
- زياد لا يستحق أن يسلّي نفسه لأنه طول الوقت يفعل ذلك!
إذن القضية هنا أن مشكلة إضاعة الوقت لها جذور أعمق مما تبدو عليه وأنها متعددة الأبعاد ولا يمكن حلّها فقط من خلال تنبيه الشخص أنه يضيع وقته. بل ينبغي معالجة الكوامن والبواطن والمسببات التي نَجَم عنها أصل المشكلة ما يقودنا إلى جملة من العادات/الخصال التي هي بنظري ما تجعل المرء يضيع حياته ألا وأولها:
عدم وجود وجهة ولا بوصلة ولا تطلّع
ها هم أولئك الذين هم في المقاهي يحللون الأحداث الجيوسياسية لكل الدولة دولة دولةً. لماذا يقتلون الوقتَ؟ وحياتهم ما هي إلا حزمة من الوقت؟
ذلك أنه لا يوجد لدى ذلك الشخص إيمان بأن وقته ثمين.
إذن هنا لا بد على المرء أن يعتنق فكرًا (أيدولوجيا) أيًا كانت تلك الأيدولوجيا، من هناك سيكون له إيمان ووقتها سيكون وقته له ثمنه (معنوي أو مادي) لأنه سيسخّره لخدمة ذلك الفِكر.
لنأخذ مثالين:
- لو كان لك صديق سلفي مثقف وعارف سيحكي لك بسهولة مئة قصة وقصة عن حرص السلف على أوقاتهم وهو سيكون على الأقل مجاهدًا لنفسه حريصًا على عدم تضييع وقته. ومقصده الثواب. ولذلك وقته له ثمن وإن كان الثمن غير مادي في الدنيا.
- لو كان لديك صديق مدير لشركة ويديرها بصورة حسنة سيخبرك عن أهمية الوقت وضيق وقته، وأمنيته لو كان لديه 34 ساعة كل يوم أو أكثر لينجز المهام المتراكمة عليه.
الخلاصة: من يضيع وقته ليس لديه فكر يعتنقه وإن قال لك أن لديه فكر يعتنقه فهو لا يأخذه على محمل الجدّ. من ثَم فقوله لدي فكر أعتنقه دون تطبيق كأنه ليس له فكر يعتنقه.
صحبة رديئة من نوع “إذا قلَّ مالي فما خِلّ يصاحبنـي..وفي الزِّيادة كلُّ النـاس خلاَّني”
يُغدق الناس -وفق ما لاحظتُ- بأوصاف مثل صديق وصاحب وعزيز ومقرّب على غيرهم، وهؤلاء كأوراق شجرة حل عليها الخريف معظمهم يتركونك في وقت أنت في أمسّ الحاجة لهم: الشدائد.
ولو وعظتهم صباحَ مساء وليلًا نهارًا ونهارًا ليلًا أن هؤلاء ليسوا أصدقائهم حقًا إنما يصحبونهم لغرض وتنفضّ الصداقة إن انقضى الغرض. لم يسمعوك حتى يجربوا ويصعقوا بحادثٍ يكشف لهم الصديق من العدو. هنالك يتعظون.
لماذا لدى الناس أصدقاء هم ليسوا أصدقاء؟ لأن غالبية الناس وفق ما أعرفه طيبون بالفعل بصورة عامة وتفترض الأحسن وتحب الأمور الاجتماعية.
وحلّ هذه العادة هو وضع معايير للصداقة وإليك معاييري في مقال: ماذا تعني لك كلمة صديق؟ وكيف تفرقه عن غيره من الأشخاص من محيطك؟ وسينفعك كذلك هذا المقال: وفق أرسطوطاليس هناك ثلاثة ألوان من الصداقة بين البشر
التسلية لا بد أن تكون جزءًا صغيرًا من حياتك. لا حياتكَ كلّها
الكثيرون يحفظون أسماء شخصيات الأنيمي والمانغا أكثر مما يعرفون أبناء خالاتهم وأقاربهم من عائلتهم الكبيرة. ويشاهدون المواسم الكاملة التامة في يوم وليلة، ويكتبون الكثير عما يشاهدونه. والنتيجة النهائية: لا شيء يذكر.
ينبغي على العاقل أن يجعل التسلية جزءًا من حياته لا حياته كلها واعلم أن كثيرًا من الراحة/التسلية مضرّ بالصحة. طالع أدناه:
وهذه مناسبة طيبة للتذكير بهذه الرسوم البيانية النافعة:
التردد وعدم حسم الأمور/اتخاذ القرارات بسرعة كافية
صعوبة اتخاذك القرارات: يأتي من عدم معرفتك ما تريده في هذه الحياة وجهل ما تريده في هذا الحياة نابع من عدم وجود أهداف مسطرة ولا قيم تمضي وفقها.
قد تقول لي لكن التردد الذي أعاني منه ليس ترددًا في أمر مصيري بل تردد في اختيار طبق من قائمة طعام مثلًا..
أجيبك: نفس الشيء. صدقني لم أجد شخصًا يتبع حمية كيتو لا يعرف ما يختار ما يأكله من ضمن قائمة مطعم في تطبيق أو في الواقع فهو يعرف بالضبط ما يريده قد يسأل هل يحتوي الطبق الفلاني كذا. لكن مؤكد أنه يعرف ما لن يأكله لأنه سيخرب حميته.
وقد تجد صعوبةً في تحديد أهدافك وقيمك. لاحظ هنا أنه لكي تحدد أهدافك بيُسر: اكتب في ورقة ما لا تريد أن تفعله في الحياة وانطلاقًا من هناك ستلمح فكرة عمّا تريده بالفعل.
والأهداف ليست هي القيم فهناك أهداف وهناك مصفوفة قيم فصّلنا فيها القول في جزء من هذا المقال (إن كنت بمتصفح كروم اضغط الرابط للذهاب للجزء المعني مباشرةً): كيف تتجاوز الكسل والتشتت والمماطلة في مسيرتك بصفتك كاتب محتوى؟
وأخيرًا ننصحك بمتابعة الدكتور أحمد شكري (حساب الدكتور أحمد شكري على تويتر) لكي تتعلم بطريقة ممتازة كيف تتخذ قرارات سليمة في حياتك، فهو متخصص في المجال.
يبحثون دومًا عن مصادقة خارجية و’توافق” مع يراه “الغير” مناسبًا
حياة هؤلاء للأسف عبارة عن مرآة للغير وكما شاهدتُ في إحدى مقاطع يوتيوب شورتس (أعلم أنني أشاهد كثيرًا منها كما يبدو!!) حيث تكلم الممثل ويل سميث أن الذين يسعون لأخذ ختم المصادقة والموافقة من الآخرين كإنسان ينظر لنفسه في مرآة محطمة ويرى وجهه مشوهًا ومع أن وجهه في الواقع سليم تمامًا إلا أنه يعمد إلى تشويه وجهه حتى يتوافق مع ما يبدو له على مرآة المجتمع المُهشمّة والمكسورة.
النبأ المُحزن: مرآة المجتمع دائمة التغير وستظل تشوّه صورتك إن اعتمدتهم مرجعًا حتى تختفي ملامح وجهك وشخصيتك ويذوب كيانك كالملح في الماء.
طالع هذه الحكمة المستقاة من لعبة تتريس هنا:
لا يتبعون حمية معلوماتية ولا يمارسون الحدّ الأدنى من التمارين الرياضية
اتباع حمية معلوماتية: بمعنى أن تحدد من تتابعه في الشبكات الاجتماعية وأن تقلل إلى درجة الصفر متابعة الأخبار والحوادث الرائجة السخيفة لا بد منه لأنه نافع لصحتك النفسية والعقلية ومزاجك. وأيضًا يحفظ عليك وقتك.
أما التمارين الرياضية فهي نافعة للغاية لدرجة لسنا بحاجة لأن نستشهد على نفعها بأي دليل علمي وأضعف الإيمان هنا: المشي لفترة معقولة كل يوم أو يومين.
يتبعون المظاهر والمرئي ويستثمرون في “الملموس” ولا يستثمرون في المعرفة
هؤلاء المؤهلين لدخول نادي المثيرين للشفقة من أوسع أبوابه. يرون شراء أحدث الهواتف والملابس والأحذية والعطور (حتى لو كانوا فقراء فهم يتطلعون لهذا) أجدى من شراء الكتب والدورات والاشتراك في مجتمعات فائقة النفع والروعة مثل رديف.
وهذا خلل في الموازين. ذلك أن الاستثمار في “الملموس” أقلّ قيمة من الاستثمار في “المعنوي” مثل العلاقات المهنية والاجتماعية والمعرفة والمعلومات. وهؤلاء لا يستثمرون في المعنويّ كما يبنغي لسببين:
- قصر النظر وحبّ اللذة العاجلة وإدمان الدوبامين الذي رسخته فينا الشبكات الاجتماعية والمضي وفق مبدأ أحييني اليوم واقتلني غدًا واليوم خمر وغدًا أمر
- عدم معرفة قيمة الكتب والدورات والمعرفة بمختلف أنواعها فمن لمس قيمة دورة أو مجتمع أو منتج معرفي فسيواصل استهلاك مثله لأنه نفعه حقًا وهؤلاء لا يعرفون قيمة ذلك للأسف
ومعرفة قيمة الاستثمار في المعنوي دلائلها في الواقع كثيرة فأحد الشركات التريليونية (أمازون) الآن بدأت متجر كتبٍ، وكبار المستثمرين والمخترعين والمبتكرين قرّاء نهمون، ومن استثمر في علاقاته الاجتماعية والمهنية يحظى بحياة مريحة وسعيدة غالب الوقت.
أظن الآن بنهاية المقال لو قلنا:
تجنب العادات أو الخصال أعلاه تحافظ على وقتك وتكن امرؤًا ناجحًا في حياتك.
أدعو لكم بالتوفيق والنُجح والفلاح دنيا وأخرى.
شاركوا المقال ولكم الأجر أو اشتركوا في رديف ولكم أجران.
يونس يسأل: ما العادات الرديئة التي تستنزف وقتك؟ وكيف تخلصت منها إن تمكنتَ من ذلك؟
حقوق الصورة البارزة: Photo by Paola Chaaya on Unsplash