مساء الخير،
لمنح الفرص لأكبر عدد ممكن من المتابعين سأختار في الغالب مواضيعَ طرحها أناس لم أكتب لهم من قبل، أما من كتبت له فلن أتجاهل مواضيعه فإما أن أوجّهه لمحتوى نافع أو أحتفظ بمواضيعه في الاحتياط فلربما يومًا ما أكتب عنها إن شاء الله.
اليوم مع موضوع اقترحته الأستاذة وصال:
لماذا التفاوض مهم أساسًا؟
إن التفاوض مهارة يحتاجها الجميع في مختلف المواقف، من اختيار أي السرير الذي ستنام عليه (أعلى أم تحت) في إقامة الجامعة، إلى التفاوض مع مديرك على زيادة في الراتب؛ وحتى التفاوض على تسوية الخلافات الزوجية، إلى المفاوضات الحربية (مثل تفاوض سيد الخلق عليه الصلاة والسلام على إعْطاء ثلُث ثمار المدينة إلى عيينة بن حصن قائد الأحزاب عند تفاوُضه معه، مقابل فتْحِه الحصار الذي ضربه على المدينة وتراجُعِه عنها -ولم تتم الصفقة ولله الحمد-).
الحاصلُ أن التفاوض مهارة لا غنى عنها عبرَ العصور وعبرَ المواقف الحياتية.
في هذا المقال سنتناول التفاوض من جهةٍ معينة بذاتها، ألا وهي التفاوض بصفته مهارة يحتاجها المستقلّ العربي أو العامل عن بعد العربي في عصر الإنترنت هذا.
وفي ما يلي أدناه ثلاث عناصرٍ إن نحّيتها عنك تيسَّر لك الحصول على ما تريد مما فاوضتَ عليه، وتجعلك مفاوضًا بارعًا في بيئة عمل الإنترنت.
بداية ووفق موقع Oxford Languages فإن فعل فاوضَ يعني: (يمكنك إيجاد تعريفات هذا الموقع بكتابة معنى فاوض في محرك البحث غوغل فستأتي لك النتيجة وهو قاموس ممتاز)
بادل الرَّأي بُغْية الوصول إلى تفاهم وتسوية واتِّفاق.
Oxford Languages
بنظري الغرض من التفاوض هو الوصول فعلًا لاتفاق. وهو عملية تبادل للرأي أو طرح للعروض. لذا مما يسهّل الوصول لاتفاق هو تيسير عملية التفاوض قبل أن تبدأ حتى.
عملية التفاوض قد تحدث في الحياة كما يلي:
- عملية تفاوض قبل أن يعرف الطرفان بعضهما البعض (مثل غالب عمليات التفاوض التجارية ونقاشات البيع والتعامل)
- عملية تفاوض مع كيان أو هيئة أو عميل أو صديق تعرفه بالفعل لكن عملية التفاوض جديدة فحسب وقد طرأت على هذه العلاقة غير الجديدة
- عملية تفاوض بعد حدوث نزاع أو خلاف ضمن علاقة قائمة
لكي نُنجح عملية من العمليات نرى مسببات فشلها ونحاول تجنب تلك المسببات فتنجح العملية وفق سيرها الطبيعي.
ومن مُحبطات عمليات التفاوض:
- الغموض
- إحساس طرف أن حقه غُمِط
- اللايقينية
وسنشرحها واحدة واحدة.
مُحبطات التفاوض وكيف تتخلص منها؟
الغموض
إن كنت مستقلًا عبر الإنترنت فإنك في التفاوض مفتقر لإبداء لغة جسدك غالبًا (حتى لو التقيت مع العميل عبر زوم) يظل الواقع أفضل ويعطي صورةً أعمق عن الشخص. النبأ السعيد أنه يمكن تعويض ذلك لحدٍ بعيد. من خلال:
- أن تظهر في ملتقيات حقيقية (لهذا ننصح بقبولك دعوات الحضور لمؤتمرات واقعية وملتقيات حقيقية) ثم يكون هناك فيديو لك هناك. يشاهده الناس ويسوّق لك بصورة أو بأخرى. فكّر في تيدكس مثلًا، نوادي التوستماستر، والمؤتمرات الجامعية ومعارض الكتب وما إلى ذلك
- أن تيسّر للغاية على العميل/الطرف الآخر أخذ نظرة شاملة عنك في أقصر وقتٍ وزمن. فترتب سيرة ذاتية (مختصرة وأخرى مطولة لكن أبرز المختصرة فليس الجميع عنده وقت)، ومعرض أعمالك بما يكون واضحًا ومرتبًا وليس فوضويًا، ومعلومات التواصل معك وما إليه وننصحك بأن تطلق صفحتك الخاصة مثلًا في موقع دليل المستقلين (وهذا مثال على صفحة أسامة يونس على دليل المستقلين)
لذا أزح الغموض بـ
- التحضير المسبق لما سيسألك عنه العميل: سيرة مختصرة، معرض أعمالك السابقة، معلومات الدفع والتواصل بإيجاد صفحات ويب، وبوابة دفع، أو ملف يضم المعلومات التي ستُطلب
- سهولة العثور عليك عبر الإنترنت بوجودك في صفحات محرك البحث عند البحث عن اسمك أو اسم علامتك التجارية أو اسم مشروعك أو مبادرتك
إن تحضيرك لهذا سيجعلك سريع الردّ وأساسًا يزيح عنك عناء جمع المعلومات عن نفسك و”تلفيق” سيرة ذاتية كلما دخلت في تفاوض مع عميل محتمل، ما يعطي الطرف الآخر إشارات قوية أنك مستعد، ومرتّب وجاهز للعمل.
إحساس طرف أن حقه قد غُمط
أتعرف ما يريد العميل/الطرف الآخر؟ وكيف تُنجح التفاوض معه؟
غالبية الناس (بل كلهم) يريدون الحصول على أكثر ما يدفعون مقابله. لذا اجعل ذلك ممكنًا من خلال:
- منحك دومًا خدمات إضافية مجانية (لحد معقول) مع الخدمة الأساسية
- عرض ميزتك التنافسية عليه (إجادتك للغة أخرى، إتقانك برنامجًا معينًا، لديك مدونة جيدة من ناحية السيو تمنحه منها رابطًا خلفيًا، عدد متابعين لا بأس به في منصة ما إلخ) ملاحظة: تحملك لضغط العمل ليست ميزة تنافسية لأن الجميع يدعيها وقد أصبحت كليشيه!
- اجعل التواصل الأول دومًا سهلًا لينًا (اجعل ذلك حتى لعمليات التواصل التالية لكن التواصل الأول له طبيعة خاصة)
- تجنّب إظهار حاجتك المادية أو المعنوية ولا تتحدث عن خصوصيات لا علاقة لها بالعميل مثل مرضك أو تعرّضك لمشاكل عائلية إلخ
أما من ناحيتك وكي تحس بالأريحية في التفاوض فعليك فعل ما يلي:
- أن يكون لديك جدول/تصميم واضح فيه أسعار خدماتك ترسله للعملاء المحتملين لما يطلبون عرض أسعارك فهنا تكون الأمور واضحةً
- يجب أن تكون سياستك بشأن عمولات تحويل المال (عمولات باي بال وغيرها) واضحة جدًا مع نفسك. إن كنت لا ترغب بتحمّل العمولات مباشرة ضف العمولات لأسعار خدماتك الأصلية ووفّر على نفسك طرح موضوع عمولات التحويل على العميل فهو موضوع غير جيد لتتحدث فيه. احسب دومًا تقريبيًا عمولات التحويل وأضفها مباشرة لأسعار خدماتك.
- دومًا لا تقدم خدمةً بسعر أقلّ مما قدمته بها من قبل إلا في حالات استثنائية (مثل كون الجهة التي طلبتها ستروج لك ويكون شعارها حسنًا في معرض أعمالك بصفتها أحد عملائك أو أن عدد الخدمات المطلوب كبير ومستمر إلخ حسب الموقف…). لو كنت تقاضيت عن آخر مقال كتبته 15 دولارًا. فإن أسعار المقالات القادمة كلها تبدأ من 15 دولار وليس أقلّ. أيضًا في الحالات الاستثنائية ضع حدًا أدنى لا يمكن للتخفيض والاستثناءات أن تمضي تحته. في مثالنا هذا إن طلب العميل 100 مقال فالتخفيض حدّه الأدنى يكون 10 دولارات مثلًا ولا أقلّ من ذلك.
- عندما تقدم خدمات مجانية بغرض توطيد العلاقات والترويج وكونها عيّنات مثلًا. اِفهم أن هذه مبالغ أيضًا فلو مثلا كتبت مقالًا مجانيًا لأحد العملاء فأنت في واقع الأمر صرفت 10 دولارات على الترويج لنفسك. فاحسبها بمثابة تكاليف لتسويق خدماتك. إن إرفاق قيمة مالية في ذهنك بما تقدمه مجانًا يُشعرك بقيمة ما تفعله وأنه ليسَ استغلالًا أو تضييع وقت بل أنت تستثمر في نفسك بجهد الذي هو عمل يستحق أجرًا.
إذن ملخص هذه النقطة:
- حاول دومًا أن تعطي الطرف الآخر أكثرَ مما طلبه وكن سخيًا فالسخاء والكرم يجعل التفاوض أيسر ويجعل الناس تحب التعامل معك مرة وأخرى وعشرة
- كن واضحًا مع نفسك بشأن الأسعار ومبررات ما تفعله مجانيًا كان أو مدفوعًا كي لا تحس بأنك تُستغل
قشعُ ضباب اللايقين
لا تتم غالبية عمليات التفاوض من أول لقاء بين الطرفين. وها هنا يلعب اللايقين دورًا كبيرًا في إحباط التفاوض الناجح.
مثلًا لنفرض أنك ذهبت لمحل بيع للأحذية، وأعجبك حذاء لكنك لم تك مستعدًا بعد لشرائه، ثم مرّت أيام وذهبت لنفس المحل فوجدته مغلقًا، فأجّلت الموضوع ثم ذهبت له في يوم آخر فوجدته مفتوحًا لكن أخبرك أن ذلك الطراز نفد وأنه يوم 15 في الشهر يتوفر بإذن الله، فرجعت له يوم 15 ولم تجده توفّر ثم أعطيته فرصة أخرى ومررت بسيارتك قرب المحل في الوقت الذي يفتح فيه فوجدته مغلقًا.
من اليسير هنا الاستنتاج أنك لن تتعامل مع مثل هذا المحل. لماذا؟ بعبارة واحدة: لا يُعوّل عليه.
نفس الشيء في التفاوض مع العملاء/الأطراف الأخرى في بيئة عمل الإنترنت عندما تكون:
- مشغولًا جدًا ولا تتصفح الإنترنت بوتيرة مستمرة وكافية
- لا تهتم لتأمين وصلة إنترنت فعّالة ولا تتقطع كثيرًا مع حاسوب يعوّل عليه ومعدّات تحتاجها
- ردك بطيء للغاية
- عندما تتأخر لا تُعلِم العميل أنك ستتأخر عن الموعد النهائي وتطمئنه
- أمورك فوضوية ودومًا يحس الذي يتعامل معك أن تجري في سباق وأمورك مبعثرة هنا وهنا
إذن أسدِ لنفسك وللطرف الآخر معروفًا واحرص على جعل نفسك شخصًا يعوّل عليه.
ومعنى شخص يعوّل عليه ليس معناه شخصًا لا يمرض وتأتيه أمور طارئة ويتأخر أحيانًا ويتعرض للمتاعب التي يتعرض لها كل البشر، إنما تعني أنه يبذل أقصى ما في وسعه ويرتب نفسه ولو رأى أنه لن يستطيع تولي المهمة يخبر العميل في أقرب فرصة لأن العميل ليس ماله فقط ما يهتم له بل وقته الثمين كذلك، وسيكون ممتازًا لبيئة العمل العربية لو ترشحه لزميل أو صديق يعوّل عليه، وأن تخبره إن كنت ستتأخر عن موعد التسليم وتُعلمه بالموعد النهائي الجديد.
باختصار: تقشع ضباب اللايقين عن نفسك بـ
- أن يعرف الطرف الآخر أنك موجود ولا تختفي فجأة وتنعزل فترات لأشهر عن الإنترنت!
- أن يعرف العميل ما يتوقعه منك، كيف ستنتجزه ومتى ستسلمه وكيف سيدفع وكم تحديدًا (لا عمولات فجائية لم تتفقوا عليها!)
- أن يكون هناك تواصل مستمر بينك وبين الطرف الآخر (لا أدعوك لأن تصبح مساعده الافتراضي الشخصي وتجيب عن كل سؤال يطرحه في أي وقت وأن تفتح الباب له كي يجعلك تنجز المهام التي لم تتفقوا عليها نيابة عنك إنما أقصد التواصل الفعّال بصورة معقولة وبشأن ما اتفقتم عليه ليُنجز العمل كما يرغب العميل وكما ترضاه لنفسك من جودة ومحتوى)
انتهى المقال الذي آمل أنه أجاب عن سؤال وصال أعلاه، شاركوه مع الآخرين ولكم الأجر أو اشتركوا في رديف ولكم أجران!
يونس يسأل: وأنت كيف تفاوض في العمل وفي الحياة؟
أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر
حقوق الصورة البارزة: Photo by LinkedIn Sales Solutions on Unsplash
أنا سيء جدا في التفاوض في البيع والشراء..
إعجابLiked by 1 person
الجميل أنها مهارة يمكن أن تكتسب وتطور
إعجابLiked by 1 person