كتبت هذا المقال بمناسبة اليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا حوادث الطرق – قيادة آمنة لكم جميعًا.
ليست السيارة مُجرد مركبة تنقلك من المكان أ إلى المكان ب، واختزال مفهوم السيارة في هذا التعريف الموجز يحرمك من رؤية العمق في هذه الأداة واسعة الانتشار في عصرنا، حيث هناك 1.4 مليار سيارة في العالم (إحصائيات 2022) وقرابة 18 بالمئة من سكّان العالم يملكون سيارة.
السيارة برأيي تجمع عدة مفاهيم لا مادية من أهمها:
- مؤشر للمكانة الاجتماعية
- امتداد للبيت وحاجز ألا تكون متشردًا
- مكان حافظ للخصوصية
قبل أن نتناول هذه النقاط واحدة تلو الأخرى لنعرف كيف أصبحت السيارة بهذا الاسم في لغتنا.
السيارة 1 أوتوموبيل 0: رسالة في مجلة هي السبب في تعريب الكلمة
اخترع السيارة كارل بنز (Carl Benz) عام 1886، أي أنه مضى 136 عامًا على اختراعها. وعندما دخلت للسان العربي، دخلت بلفظة أوتوموبيل (automobile) التي تعني المُتحركة بذاتها؛ وظلت كذلك حتى ألهم الحقّ تعالى شيخ العروبة أحمد زكي عام 1901 وضع مقابل عربي لها هو السيارة وشاع بعد تمنّع كثيرين من استخدامها، من ذلك أنك سترى أن إدارة مجلة المقتطف نفسها لم تستغ هذه الترجمة أول الأمر.
والسيارة لفظة موجودة من قبل في العربية ووردت في القرآن ومعناها الجماعة السائرة. ويعود تاريخ كلمة سيارة بالعربية إلى نحو العام 2 قبل الهجرة وفق معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.



وهذا ملمح من قوة العربية. إذ يأتي عباقرة اللسان العربي مثل أحمد زكي للفظة تعود للعام الثاني قبل الهجرة ويجعلها لفظة يكتب عنها من الكتب والمقالات ما قدره الملايين بل أن هناك موقعًا كبيرًا الآن اسمه سيارة.
وهذا ما أشرت إليه في تعليق لي في تويتر عندما تكلمت عن لفظتين ماتتا من قبل هما الليس والأيس وعادتا للحياة قويتان مفعمتان من باب أبحاث الفلسفة الحديثة.

لنعد الآن إلى النقاط الثلاث التي سردناها أعلاه.
طالع أيضًا عن السيارات في مدونتي:
- اوبر قبل اوبر في لندرة بلد الأكابر
- معظم إيرادات شركة تسلا لا تأتي من بيع السيارات، من أين تأتي إذًا؟
- حصة سياقة عملية على أنغام شباب حجزوا نيساني الياباني
السيارة بصفتها مؤشرًا على المكانة الاجتماعية
السيارة مركوبٌ اي شيءٌ يُركب وحتى قبل اختراعها كان دومًا من له مركوب له قيمة اقتصادية أكثر ممن ليس لديه ما يركبه. مثال على ذلك أن الغنائم لما تُقسّم يُعطى للفرس سهمان منها أي نصيبان وللرجل سهم أي نصيب واحد.
قَسَمَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، ولِلرَّاجِلِ سَهْمًا. قالَ: فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقالَ: إذَا كانَ مع الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أسْهُمٍ، فإنْ لَمْ يَكُنْ له فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ.
صحيح البخاري– التغميق مني
بالتالي واضح أن من لديه سيارة (وإن كان الأمر لا ينطبق على الجميع) له من القيمة الاقتصادية أكثر من غيره. والسيارة تتطلب عنايةً وإنفاقًا كذلك. وكلما ارتفع ثمن السيارة وزادت فخامتها زادت المكانة الاجتماعية القائمة على الاقتصاد لمالكها.
السيارة بصفتها امتدادًا للبيت وحاجز ألا تكون متشردًا
السيارة كذلك شبكة أمان تقيك من السقوط على إسمنت الواقع. فحتى لو فقدت كل شيء لا قدر الله، وأصبحت معدمًا كليًا كانت الملاذ والمأوى لك، وهناك في عصرنا مُعدمون ولهم سيارات وهذا ليس تناقضًا بل هناك من تنقطع به السبل بسيارته في مدينة غريبة ومن يفتقر لكن تبقى له سيارته فقط ولا ينبغي أن نقول فليبيعوا السيارة في حالات مشروعة كهذه لأن بيعها في هذا الظرف قرار رديء.
وحديث “أعطوا السَّائلَ وإن جاءَ على فرسٍ” حديث حسنٌ وهو يوضّح هذه النقطة.
تتيح لك السيارة إن استخدمتها بتدبّر أن تربح أسبوعًا أو أكثر دون أن تنام في العراء وتبيت متشردًا. فهي تمنحك مهلة تتدبر فيها أمورك. حقيقة الأمر أن السيارة فعلًا امتدادٌ للمأوى والملجأ والملاذ وحتى وإن لم تضطرك خطوب الحياة أبدًا لأن تقيم في سيارة لليالٍ وأيام أيًا كان السبب فإن الإحساس بأنها موجودة هناك مستعدة لأن تقيك من شرور الشوارع إحساس مطمئن وباعث على السكينة.
مكان حافظ للخصوصية
رأيت مرّة منذ فترة غير بعيدة مقطع يوتيوب شورتس عن رجل إنجليزي أمريكي قال أنه الآن وهو كبير فهم لماذا أبوه كان يذهب ليقود السيارة ويقضي أي مصلحة (ورقة حكومية لا حاجة له بها فعليًا أو ذهاب لمكان لا حاجة له به فعليًا) دون سبب وجيه فعلًا.
والسبب وفقه أمران:
- البيت نفسه لم يعد سكنًا وسكينة بل مصدرًا للخلاف والانزعاج
- السيارة هي المكان الوحيد الذي يستطيع فيه الرجل الانفراد بنفسه على راحته
وهو محقّ في ذلك. لأن بيت الراحة وهو مكان معروف جيدًا للرجال كملاذ للبقاء مع أنفسهم لفترة دون ازعاجات لا يكفي. السيارة أفضل للانفراد بالنفس من بيت الراحة وهذا بنظري سبب عدم نجاح تلك الفكرة الريادية من أحدهم التي أطلق فيها سيارة ذات كرسي واحد فقط بعد أن لاحظ أن السيارات في الشوارع وفي نسبة عظيمة منها لا تُقلّ سوى من يقودها؛ القصة ليست في استغلال كل كرسيّ في السيارة إنما في الإحساس بالخلوة والانفراد ووجود الكراسي الفارغة امتداد مريح للمكان وعدم الشعور بأنك في حبس انفرادي كما أن معرفة وجود كراسي متاحة تستخدمها لما تكون بحاجتها شعور مريح.
هذا ما جاد به الخاطر عن موضوع السيارة. التي كانت تسمى من قبل أوتومبيل في صحافتنا ومجلاتنا ومطبوعاتنا.
الآن اشترك في رديف وهو سيارة معرفية تنقل من مكان أ: كاتب عادي إلى المحطة ب: كاتب محترف 👇
أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر
يونس يسأل: ما خواطرك بشأن السيارة؟
حقوق الصورة البارزة: Photo by Gabriel Vasiliu on Unsplash
السيارة هي حسب رأيي رمز للحضارة الحديثة. المدن الحديثة مخططة لخدمة السيارات! ألا ترى ذلك؟
إعجابLiked by 1 person
مئة بالمئة أوافقك وصار الراجلون في خبر كان
كنت فعلا سأستشهد بهذه الصورة في المقالة لما خططت لكتابتها لكني في خضم الكتابة نسيت فشكرًا لتذكيري
إعجابإعجاب