مساء الإنجازات،
اقترحت عليّ ندى أسامة حجيج هذا الموضوع فشَكَرَ الله لها. ندى مشتركة في رديف فاشترك أنت أيضًا في رديف.
لننقل اقتراحها نصيًا هنا ونجيب عليه بعون الحيّ الذي لا يموت:
ما الذي يدفعنا للاستمرارية في العمل؟
نصائح+ استرايجيات+ نتائج
إذًا ما الذي يدفعنا للاستمرارية في العمل؟
ما يدفعنا للاستمرارية هو الفهم العميق لمعنى العمل والغايات التي تسعى لها من وراء هذا العمل.
لذا أول نصيحة بهذا الصدد:
نصيحة 1: لا بد أن يكون لديك مفهوم شخصيّ واضح عن العمل
يصعب أن تستمر في شيء لا تفهم ما هو بالتحديد. يعني ماذا يمثّل لك العمل؟ كما يصعب أيضًا أن تستمر دون وجود غايات واضحة لذلك العمل. لذا أول ما عليك فعله أن تحدد لنفسك ما هو العمل بالنسبة إليك ومعيار النجاح فيه كذلك. من هنا يُوجد الباعث على الاستمرار.
وتعريف العمل لديك لا بد أن ينبع من نفسك لا من تعريفات الآخرين. وبالنسبة لي العمل هو:
مجهود ذهني أو عضلي أو كليهما أبذله بغية تحقيق أهداف قصيرة المدى ومتوسطة المدى وبعيدة المدى. ونيتي في بذله وجه الله تعالى ثُم إعفاف نفسي بكسب الحلال وإحداث أقصى نفع أستطيعه للبشر.
بهذا المفهوم يمكنني العمل لما لا نهاية لأنه بنهاية المطاف أنا لا أؤمن أني لي حولًا ولا قوّة لأن الحول والقوّة كلها لله، ومن يتعب ويتوقف سببه أنه ظنّ أن ما يفعله من قبل كان بحوله وقوته وهو غير صحيح. مجرد معرفة حقيقة لا حول ولا قوة إلا بالله تجعلك مُنتجًا أقصى إنتاجية.
ولهذا أذكّر نفسي -لأني أنسى هذه الحقيقة أنا كذلك- دومًا بالقول في كتاباتي بعون الحيّ وبعون الله وبفضله وتوفيقه وهذه هي حقيقة الحقائق.
لكي تعرف ما يبعثك على الاستمرار: اسأل ما البواعث على التوقّف؟
اسأل نفسك. لم سأتوقف عن فعل شيء؟
ثم لما تجيب نفسك اسأل لماذا أيضًا؟ وكرر ذلك حتى تجد الجذر الحقيقيّ للمشكلة أو الفكرة.
يخطر لي شخصيًا مثل الكثيرين التوقّف عما أفعله وهو أمر طبيعي. يعني أفكّر أحيانًا أن أوقف التدوين اليومي أو النشرة البريدية أو مدونتي الصوتية يونس توك أو جميعها معًا. لكني أسأل نفسي: ولم سأتوقف؟
هل لأني تلقيت تعليقًا سيئًا مثلًا أو تنمرًا؟
والجواب يكون: هل لذلك التعليق أو الردّ أو التنمر قدرة على إيقاف إنتاجي للمحتوى بهذه السهولة واليسر؟ ومن منحه تلك القدرة على جعلي أتوقف بمجرد بضعة أسطر منه؟
والسؤال الآخر: هل احترقتُ وظيفيًا من كثرة الإنتاج؟ فعليّ أن أتوقف كي لا أُستنزف؟
الجواب يكون: هل بإمكان استبدال “التوقف الكلي” بـ”عطلة ممتدة” وراحة والعودة لاحقًا بعد زمن؟
لذا كلّما خطر لي خاطر التوقف أذكّر نفسي بالقيم التي أمضي وفقها وهي نفع الناس وأن النية مخلصة لله ثم بعدها تأتي أغراض التسويق والتكسّب وكلها غايات حميدة مشروعة حسنة.
ثم أن الأعداء والحسّاد والنفس والشيطان لا يريدون شيئًا بشدة أكثر مما يريدون أن تتوقف عن عمل صالح.
فلا تمنحهم ذلك أبدًا.
ونعم يمكنك أخذ عطلة ممتدة والتوقف للراحة وعدم حتى وضع تاريخ للعودة. تذكّر أنك حرّ. ولست مجبرًا على فعل شيء لا تريده.
نصيحة 2: اِنحت مفهومًا خاصًا بك للنجاح في سائر أعمالك
بالنسبة لي. هذه المدونة وكل مقال فيها ناجح نجاحًا منقطع النظير. لأن معياري لنجاح المقال بالنسبة لي هو مجرد نشره. فإن نُشر عندي فقد نجح.
يسأل أحدهم: لكنه لم ينشر في فوربس ولا في نيويورك تايمز أو في موقع عربي كبير؟
وجوابي. ذلك لا يهم.
معايير الناس لا تهمّني. ولا ألقي لها بالًا وأوصيك بالمثل.
لذا كلّ عملٍ تنجزه باستمرار ولكي تستمر فيه ضع له معيار نجاح من نفسك لا من المجتمع. مثال معيار نجاح رديف بالنسبة لي هو استمراريته فما دام قائمًا فهو ناجح نجاحًا عظيمًا ولله الحمد.
قد يسأل سائل: لكنه لم يجني لك مليون دولار أو يُدخلك في قوائم فوربس للشباب الذين لم يتجاوزوا ثلاثين ربيعًا من عمرهم وحققوا إنجازات عظيمة؟
أولًا تجاوزتُ بحمد الله 30 سنة لذا واضح أني لن أدخل تلك القائمة أبدًا، وجميل أن يحدث هذا لأني أعتبرها -وقد يدهش هذا البعض- قائمة تجمع ثلة من رواد الأعمال المزيفين إلا من رحم ربي. كما أنك لو تدقق في إنجازاتهم ستجدها إنجازات هرائية حقيقةً ومجرد وعود زائفة وبيع هواء وهراء مشلتت طبقات فوق بعضه البعض، اجمع كل ذلك وسمِّه “ابتكارًا” و”ريادة أعمال”.
وتحقيق ذلك المبلغ ودخول تلك القائمة غير مهمّ لي لأنه ليس معياري للنجاح بل معيارك أنت وهو لا يقلقني.
بالنسبة لي. فوربس بصفتها شركة إعلامية شركة فاشلة أساسًا. وإن لم تكن تتابع أخبارها المالية فمن أحدثها أن بورصة عملات مشفّرة ضخت بها مبلغًا ضخمًا تحت مسمى هرائي يسمى “استثمار استراتيجي” بينانس تستثمر 200 مليون دولار في مجلة فوربس.
وتوقع ماذا سيحدث بعد ذلك؟ لن تقرأ مقالًا فيها ينتقد ولو من بعيد تلك المنصة أو قطاع العملات المشفّرة.
فضلًا على أن الشركة تبيع الصفحة الأولى من مجلتها والنشر في موقعها لأي شخص لديه المال كي يشهر نفسه ولو كان محتالًا، وموقعها يعجّ بالمقالات التي كتبها المحتالون الذين حوكم بعضهم بالسجن والغرامات بعد ذلك ولا زال البعض الآخر حرًا طليقًا يلوّث الأجواء باحتيالاته غير المحتشمة.
نفس الشيء مع تلك المنصة المعرفية السخيفة المسمّاة تيد.
على ذكر هذه المنصة هي أيضًا طالما استضافت أناسًا محتالين “يدرسوننا” كيف ننجح ونبني العلاقات ويفهموننا “الحياة” من بينها تلك المحتالة إليزابيث هولمز التي بنت شركة الوهم والهراء ثيرانوس. وخمّن ماذا؟ إليزابيث ظهرت كذلك في مجلة فوربس بصفتها فائقة النجاح ومثالًا يحتذى به.
هل يعني أن كل ما ينشر في تلك المنصتين هراء بحت؟
الجواب لا. فيها كثير من المنفعة لكن معاييرهم للنجاح لا تهمني في شيء.
أصلًا من أغبى الأفكار التي صادفتني هي فكرة قوائم الثلاثين تحت الثلاثين هذه والتي انتقدها الكثيرون بوجهات نظر لها وزن وستجد نقاشًا جيدًا عنها في تغريدة كتبتها هيلين روزنر (Helen Rosner) مفادها:
قبل أن تقرفنا بحقيقة أنك ضمن قوائم 30 تحت 30، أخبرنا أولًا عن ثروة والديك
ترجمة إبداعية من يونس بن عمارة
وتعريفك للنجاح نقطة مهمة جدًا كي تستمر. لأن الإنسان يحبّ أن يحقق المكاسب السريعة وأنا أحققها كل يوم لأن كلّ معاييري للنجاح سهلة ويسيرة عليّ وتُحقق في نفس اليوم. ولماذا سأصعّب على نفسي والمعيار وضعته أنا؟
والآن إلى الاستراتيجيات التي ستعينك بعد الله على استمراريتك.
الاستراتيجية 1: أعد تشكيل المفاهيم
لو كنت تفكّر وتقول لنفسك:
- أنا أعمل ليل ونهار مثل البغل في عمل رديء وقليل المنفعة المادية والمعنوية
- الشركة التي أعمل معها أو العميل الذي أخدمه يبخسني حقّي
- أنا أشعر بالاستغلال والإهانة في عملي
فكلّ ذلك صحيح لأنك أنت من قلته عن نفسك وليس لأنه واقع.
لنأخذ مثلًا تغريدة كتبتها كودي سانشيز (Codie Sanchez) والتي أثارت ردود فعل معارضة وهي:
ليس هناك من يُدفع له أقلّ مما ينبغي.
ترجمة إبداعية من يونس بن عمارة
ذلك أن المال الذي تجنيه = القيمة التي تقدّمها + مدى إمكانية استبدالك بغيرك + قدرتك على التفاوض
إن لم تكن راضيًا عن وضعك فإنه على عاتقك يقع تغيير هذه العناصر الثلاثة.
لا أتفق مع كلامها مئة بالمئة لأن الناس تبخس غيرها بالفعل ومرارًا لكن أتفق مع كلامها لحدٍ بعيد.
لأني أؤمن كذلك بمقولة إليانور روزفلت:
لا يستطيع أحد أن يجعلك تشعر بالدونية دون رضاك
لذا. كي تستمر في العمل. لا بد أن تعيد تشكيل إدراكك للوضع التي تعيش فيه. من مثل:
- يُدفع لي قليل الآن لأن المهارات التي لديّ ليست كافية ومستواي (بموضوعية ودون مجاملة) ليس بذلك الرقيّ ولا بد أن أكتسب مهارات أخرى يدفع الناس مقابلها الكثير.
- أنا أعمل ليل نهار الآن لكن لفترة محدودة فقط حتى أكوّن نفسي وأخرج من هذا الجحيم ولدي خطّة لذلك.
- المدير أو العميل لا يستغلني ولا يهينني بل أنا أفهم ذلك على أنه استغلال وإهانة. وأُؤول تصرفاته وأفعاله على أنها كذلك. وأنا بحاجة لتأويل جديد لتصرفاته وتحسين لمهارات التفاوض لديّ.
إن فعلت ذلك صار لديك خطة لتحسين وضعك والخروج من المأزق الذي أنت فيه. في حين لو استمريت بالحديث السلبي لنفسك ذهبت نفسك حسرات ولم تنجز حتى ما طلب منك وتلكأت وممكن -وهذا يحدث كثيرًا- فقدت حتى عملك الذي تراه استغلالًا.
طالع أيضًا عن مفهوم نجاح بعيد عما تبثه فوربس ومتحدثو تيد…
رفاهية النجاح غير النمطيّ
طالع ما لدى مهندس سابق في أمازون وموظف حالي في شركة سترايب، ليقوله عن اطلاق المشاريع الجانبية الصغيرة.
الاستراتيجية 2: خفِّض توقعاتك
يتوقف كثير من البشر عن العمل لأن النتائج لم تظهر فورًا. حيث:
- يتخلى الناس عن الحمية بعد مرور أسبوع ولا أثر لمسوه في وزنهم
- يتوقف الناس عن نشر المحتوى بعد مرور شهر ولم يصبحوا فيه مؤثرين
- يتخلى الناس عن التدوين لأن دور النشر العالمية لم تتصل بهم لترجمة أعمالهم الراقية بعد التدوين لثلاثة أيام متتابعة
- لو سألنا. لم يتوقف الناس عن فعل ما يفعلونه؟
- الجواب: لشعورهم بالإحباط.
- ونسأل مرة أخرى: لماذا يشعرون بالإحباط؟
- الجواب: لأنهم لم يروا ثمرة ما بذلوه من جهد. وقد توقعوا ذلك ثم غنّوا مع محمد عبده “كنت أظن وكنت أظن وخاب ظني”
فقد رأينا الآن أن التوقف سببه الإحباط وما ترياق الإحباط؟
تخفيض التوقعات.
وتخفيض التوقعات له منافع عظيمة هو أن أي شيء صغير يحدث سيكون لك حمد وشكر عظيم عليه وهو ما ينبغي عليك فعله.
لم في ظنك أستمر في التدوين؟
لأن توقعاتي صفرية. فكل ما يحققه التدوين لي بعد الصفر هو ربح خالص لي. سواء كان مشاهدة أو زيارة واحدة أو مشاركة يتيمة لمحتواي أو جذب لعميل أو مشترك.
الاستراتيجية 3: لا تؤخّرن الفعل واصبر على الثمار
يقول المثل الإنجليزي “القِدر التي تظلّ تحملق فيها لا تغلي” بمعنى أنه لا تتوقع إن فعلت شيئًا أن يؤتي أُكله فورًا، بل افعل ما تفعله واشغل نفسك بأمر آخر ولا تنتظر.
وكل الشبكات والتطبيقات استطاعت استعباد الناس وتسخير انتباههم ليست عبقرية بل استطاعت ذلك لأنها تعتمد على استغلال وحشيّ لحقيقة أن الإنسان مستعجل ويحب العاجلة واللذة الفورية.
اجمع استراتيجية:
- لا تتوقع شيئًا مع
- لا تؤخّر الفعل واصبر على الثمار
وسيتكون لديك ما يسمى بالفائدة المركّبة للأفعال.
يبالغ معظم الناس فيما يستطيعون فعله في عام واحد، ويقللون من شأن ما يمكنهم تحقيقه في عشر سنوات
أين يرى يونس بن عمارة نفسه العامَ 2027؟ [إن شاء الله تعالى]
ما هي الفائدة المركّبة للأفعال الصغيرة التي تفعلها كل يوم؟
ليس هناك أبينُ من كتاب جيمس كلير العادات الذرية في توضيح قوّة مراكمة العادات الصغيرة التي تنجزها كل يوم. وتجني ثمارها بنهاية كلّ عام. شاهد الصورة أدناه فهي تشرح بدقّة هذه الفكرة 👇

طالع أيضًا كيف يؤتي الالتزام اليومي ثماره على المدى البعيد؟
الفعالية الرهيبة للالتزام اليومي: قصة نجاح تايب سَنس
إن رغبت في إحراز بعض النجاح والاستقلالية بإطلاق مشروعك الخاص، وتمنيت أن تفعل ذلك دون عظيمِ خطرٍ، أدعوك لتجربة هذا الدليل الإرشادي المُوجز…
النتائج المتوقعة من تطبيق هذه النصائح والاستراتيجيات
نخلُص مما سبق -إن طبقت النصيحتين أعلاه والاستراتيجيات الثلاثة التي بعدها- إلى أنك وبعون الله ستحقق ما يلي:
- الاستمرارية في فعل ما تفعله
- مزيد من الرضى عن حياتك وقدرك ورزقك ومن ثَم حمدًا وشكرًا ومن ثم بقاءً للنعم التي لديك بالفعل واستجلابٌ لنعم جديدة ستُزيّن حياتك
- إن تحسّنت كل يوم بنسبة 1 بالمئة بفعل ممارستك عادة حميدة كل يوم مثل التصميم أو الترجمة أو مراقبة ما تأكله أو حمية معلوماتية بالهجر المنهجي للشبكات الاجتماعية فبنهاية العام ستكون قد تحسنت في ذلك المجال بما يفوق الثُلث (37 ضعف) مما كنت عليه بمعنى أنك كل 3 أعوام ستنتقل للمستوى المقبل الأروع في المجال الذي اخترت أن تحسّنه في حياتك كل يوم في تلك الأعوام الثلاثة
- النتيجة التي رسمتها في ذهنك -شرط العمل اليومي المستمر- ستتحقق بطريقة لم تتوقعها. إنه لمّا يعطي يُدهش بعطائه سبحانه.
- ربما يبدو لك هذا تحصيل حاصل: لكن نجاحك ذاته نافع للغاية للآخرين إذ أنك ستُحدِثُ أقصى نفع بالبشر مما يضخ في قلبك رحمة وامتنانًا وحمدًا وشكرًا وهذه العناصر ما دخلت قلب امرئ إلا زاد الخير وتكاثرت النعم في حياته واستمر بالنفع حتى يموت بسلام
وفّقكم الله تعالى، إن أعجبك المقال شاركه ولك أجر؛ أو شاركه واشترك في رديف ولك أجران.
أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر
يونس يسأل: ما الجانب الذي تعمل جاهدًا على تحسينه في حياتك الآن؟
حقوق الصورة البارزة: Photo by Content Pixie on Unsplash
شكراً لك 💙
إعجابLiked by 1 person
العفو وشكرًا لسؤالك
إعجابإعجاب
مقال جميل.. من شخص يعيش الاستمرارية حقا..
أعمل على تحسين مهاراتي التقنية، وعلى تحسين نومي..
إعجابLiked by 2 people
الله يوفقك في كل خطوة
إعجابLiked by 1 person
مقال رائع كالعادة أستاذ يونس، شكرا لك.
إعجابLiked by 1 person
شكرًا زهرة
إعجابإعجاب