ما نفع المحتوى المعرفيّ المُجرّد؟ وهل له ضرورة؟ وكيف تستهلكه؟

مساء الخير،

اقترح عليّ الأستاذ حامد الخطيب -شكر الله له- هذا الموضوع:

لننقل السؤال نصًا هنا ونجيب عليه مستعينين بالحيّ الذي لا يموت:

حامد: ما رأيك في المحتوى المعرفي؟ ومتى يقدم فائدة حقيقية للقاريء؟ بعيدًا مثلًا عن أشهر عادات الإنجليز (مثلًا يعني)، أعني المحتوى المعرفي الجاد. هل يكون مرتبطًا بالعلم نفسه؟ بمعنى مقال يستند لأبحاث علمية؟ أو تحقيق تاريخي جاد؟ كيف يفيد هذا القاريء؟ بعيدًا عن محتوى الغنى. المعرفة المجردة
يونس: وضّح أكثر وأبشر مع مثال عملي لو أمكن وسأكتب مقال عن الموضوع إن شاء الله
حامد: شكرًا مقدمًا، قلت مثال ماذا سأستفيد بمعرفة عادات الإنجليز ولن أسافر إنجلترا، أو معرفة عن طائفة بعيدة كل البعد عن ديني مثلًا. باختصار: ما هو المحتوى المعرفي النافع فعلًا؟ هل لازم أستفيد منه حتى يكون نافع؟ أو هو صدمة فكرية؟ وجهة نظر أخرى؟

ما هو المحتوى المعرفي المجرّد والأمثلة عليه؟

كما ترون في سؤال الأستاذ حامد، المقصود هو مواضيع لا تمسّك أو تمسّ حياتك بشكل مباشر مثل:

  • المعارك الدموية بين البروتستانت والكاثوليك
  • تطوّر شعارات السيارات الفاخرة
  • كما ضرب حامد الأمثلة: معلومات عن طائفة معينة ودين معين أو عادات الإنجليز…
  • الضرائب (الخراج) في العهد البيزنطي وهو موضوع ورقة بحثية علمية عربية حقيقية صدرت 2022

من هنا نخُلص إلى أن المحتوى المعرفي المُجرّد هو ذاك المحتوى الذي لا يحقق لك نفعًا عمليًا مباشرًا بعد قراءته ويبدو أن ما يتحدث عنه بعيد عن حياتك ولا يمسّها تقريبًا بأي تأثير. وهو ليس مثل المحتوى العمليّ المباشر مثل الوصفات الغذائية والعلاجات المنزلية البسيطة مثل علاج داحس الظفر أو كيفية استخدام تطبيق معين أو ميزة في أحد البرامج.

هل للمحتوى المعرفي المجرّد ضرورة؟

بعد أن عرفنا ما هو المحتوى المعرفي المجرّد وضربنا عليه أمثلة. نجيب عن سؤال هل له ضرورة. الجواب نعم. لكن لا بد أن تراعي أن تستهلكه ضمن أولويات.

بمعنى أن هذا المحتوى المعرفي نافع فعلًا وسأخبرك كيف تستهلكه وتنتفع منه أدنى المقال. لكن لا بد أن تستهلكه بعد أن تستهلك قدرًا كبيرًا من المحتوى العمليّ المباشر من مثل:

  • كيف تستخدم البرامج والإضافات والتطبيقات والتقنيات الحديثة
  • كيف تستخدم المواقع والمنصات
  • كيف تسوّق لنفسك وخدماتك
  • كيف تنشئ معرض أعمال لنفسك
  • كيف تكتب مقالًا أو نوعًا من المحتوى يطلبه العملاء مثل ملفات تعريف الشركات ووصف المنتجات إلخ

وأظن أنك لم تستغرب هذا نظرًا لأن المحتوى عن الكيفيات من أكثر المحتوى انتشارًا على الإنترنت. شاهد القائمة أدناه واحتلال مقالات بعناوين كيفَ الرتبة 4 ضمن أعلى المقالات والعناوين مشاركة على الويب.

لائحة مرتّبة للعبارات أو الجُمَل الأكثر شعبية ضمن العناوين الأكثر مشاركة على الويب. مصدر: مقال ماذا تعلّمنا من تحليل مليون عنوان من عناوين المقالات؟
لائحة مرتّبة للعبارات أو الجُمَل الأكثر شعبية ضمن العناوين الأكثر مشاركة على الويب. مصدر: مقال ماذا تعلّمنا من تحليل مليون عنوان من عناوين المقالات؟

وإليك النِسَب المعقولة من وجهة نظري لاستهلاك هذه الأنواع من المحتوى لدى المستقلّ المثاليّ المراعي لذهنه وعمله وحياته:

ما النسب المعقولة لاستهلاك أنواع المحتوى؟ - مصدر: خبرة يونس بن عمارة أُنشئ الرسم البياني بموقع لايف غاب دوت كوم
ما النسب المعقولة لاستهلاك أنواع المحتوى؟ – مصدر: خبرة يونس بن عمارة أُنشئ الرسم البياني بموقع لايف غاب دوت كوم

كيف تستهلك المحتوى المعرفيّ المجرّد وتسخّره لصالحك؟

الإجابة بعبارة واحدة هي:

في حال فشلتَ في الانتفاع بقطعة من المحتوى فما حَصَل له فشلٌ في الحقيقة هو خيالك لا القطعة من المحتوى

بمعنى:

  • لا يوجد شيء عبثي
  • يمكن الانتفاع من كل شيء إن كنت ذا خيال واسع

وها هنا منفعة الخيال.

وهذا بيّنته فيما سبق من أحد أعداد نشرتي البريدية الصادر بعنوان: ها هي هناك، تنصب مخيمًا. وحيدة، في مجرّة غريبة أني شخصيًا أنتفع من أفلام الخيال العلمي ومسلسلاته أكثر من عديد الكتب العمليّة في التنمية والتطوير:

لا شك أن كتب التنمية الذاتية مفيدة للبعض -وليس الجميع- لكن ما أفادني أكثر: شيء سيبدو لك لأول وهلة بعيدًا عن العملية تمامًا؛ وقد تستغرب عندما أخبرك به: ألا وهو أفلام ومسلسلات الخيال العلمي. لا سيما نوعًا معينًا فيها: حين يكون البطل أو الأبطال في مكان غير صالح تمامًا للعيش. هناك الآن عدة أفلام تعتبر أمثلة جيدة على هذا منها فلم Riddick وفلم Pitch Black وفلم The Martian وغيرهم. 

يمرّ الأبطال عادة في تلك الأفلام بمواقف صعبة في بيئة عدائية (وهو ما يشبه بعض البلدان العربية) لذلك من الجيد متابعة استراتجيتهم في حلّ المشاكل. عليك أن تكون ذا خيال بما يكفي لتنسى لفترة أن الأحداث هناك تقع في كواكب خارجية. وأنه يمكن أن تتصور أن الكواكب: سيناريوهات لمواقف يمكن أن تحدث هنا بصورة أو بأخرى.

بعض النقاط التي ستستقيها من هذا النوع من الأفلام: اخشَوْشِنوا (من كلام سيدنا عمر الفاروق)، أي عدم الركون للبديهيات (توفر الطعام والمياه وأسباب الراحة والدعة)؛ وعقلية “حلّ المشاكل” وهي المهمة هنا لأنها أداة ممتازة ضمن العُدّة الذهنية للمستقل العربي والغربي على حدٍ سواء.

ها هي هناك، تنصب مخيمًا. وحيدة، في مجرّة غريبة

لا يهمّ المحتوى الذي تستهلكه: إن رغبت بالانتفاع منه ستفعل ذلك. كيف؟ بهذه الطرق الثلاثة:

كيف تنتفع من المحتوى أيًا كان نوعه مجرّدًا أو غيره.
كيف تنتفع من المحتوى أيًا كان نوعه مجرّدًا أو غيره.

1. إعادة توجيهه

لنفرض أنك قرأت كتابًا عن آلهة الفايكينغ مثلًا أو حضارة الأزتك والإنكا. كيف ستنتفع منه؟ لربما تجد مترجمًا كلُّف بترجمة كتاب عن هذه المواضيع وهكذا تذكر له هذا المرجع فيشكرك وينتفع منه في عمله (حدث لي ذلك مرارًا في حياتي مع كتب كثيرة بعيدة جدًا عن العملية كما تظنّ لأول وهلة) هنا أنت ماذا تستفيد عمليًا؟ تنتفع من تعزيز علاقتك مع ذلك الشخص. كما أن رسم الفرحة على وجوه المعارف والأصدقاء شعور لذيذ ومنعش للفؤاد لمن جرّبه.

كذلك لنفرض أن لعبة فيديو قائمة على حضارة تاريخية معينة وأنت تعشق تلك اللعبة. قراءة كتاب تاريخي عن تلك الحضارة قد يكسبك معلومات تجعلك متفوّقًا على اللاعبين في تلك اللعبة. لا سيما أن مصممي الألعاب ينفقون وقتًا طويلًا في جعل ألعابهم قريبة من الكمال.

كما أنه قد تُسئل في مسابقة سؤالًا وتجيبه بصورة صحيحة وتربح تلك المسابقة.

2. استخلاص القالب وانتفاعك منه

التجريد الهيكلي

حتى لو قرأت مقالًا عن وصفة بها مكوّن محرّم في ديانتك ستستطيع الاستفادة من هذا المحتوى كما يلي مثلا بتجريده. وطرح أسئلة من قبيل:

  • كيف كتب عنوان الوصفة؟ هل يمكن أن أكتب أحسن منه؟
  • كيف استخدم العناوين الفرعية؟
  • كيف هَيْكَل صاحب الموقع URL؟
  • كيف رتب المكوّنات؟ هل استخدمها في قوائم أو عناوين فرعية وما هي رتبتها H3 أو H4…
  • ما الصور التي استخدمها هل هي أصلية أو مستلة من الإنترنت ومن أين أتى بها؟

نفس الشيء مع المقالات الأخرى أو أعداد النشرات البريدية أو حلقات البودكاست. يمكنك تجريدها مثلما يفعلون بالحيوانات ويُبقون فقط هياكلها العظمية. جرّد قطعة المحتوى من كل شيء ودع فقط هيكلها ثم اسأل نفسك: هل ينفع أن أستخدم الهيكل في قطعة محتوى أكتبها أنا؟

إن جرّدت ستستفيد فعلًا من الأنماط والهياكل الناجحة على الويب.

التجريد المعرفي

أيضًا ما سبق أسمّيه التجريدُ الهيكلي. يمكنك كذلك التجريد المعرفي. مثلًا أخذ فكرة من قطاع معين مثل الألعاب أو الصحة أو الصيدلة وتطبيقها في قطاع آخر.

مثال: حتى لو قرأت مقالًا مثلًا يتحدث عن كيف يجد مطوّر ويب وظيفة فإن كثيرًا من نصائحه فعّالة حتى في إيجاد وظيفة لك بصفتك كاتب محتوى وهذا التجريد المعرفي مجرّب ومُجدٍ فعلًا مثل أن تأخذ نصائح هذا المقال كيف تحصلُ على وظيفة مطوّر ويب دون خبرة (كما فعلتُ) وتطبّقها على مجالك أنت.

3. قد تحتاجها بالفعل في الواقع!

قد يظن المرء أنه لن يذهب أبدًا لمكان ما. لكن لا أحد يعرف بأي أرض سيموت، وكثير منّا يستبعد وقوع أشياء له ثم تقع له.

على سبيل المثال قبل سنوات لم أكن أتصوّر نفسي أدير عملًا تجاريًا مثل رديف. كنت أفكّر أني سأبقى مستقلًا طوال العمر أو على الأقل لم أكن أعرف ماذا سيحدث مستقبلًا. وها أنا ذا كلّ ما قرأته عن إدارة الأعمال التجارية من مقالات وشاهدته من فيديوهات وسمعته من حلقات بودكاست في ذلك المجال نفعني للغاية لما بالفعل أصبحت مدير عمل تجاريّ.

إذن قد لا ينفعك حقًا بصورة مباشرة تعلّم الأستكلندية على دوولينجو، لكن من يدري ربما تلتقي في طائرة أو قطار أو حتى يأتي لبلادك أستكلندي وتبهره بثلاثة كلمات علقت في ذهنك من لغته وتبدأ حوارًا معه قد ينتهي بفتح آفاق لا حصر لها أمامك.

حتى ما تَصِمه بالمحتوى التافه، لو تسأل نفسك: لماذا انتشر؟ وتبحث وتنقّب ستخرج بمعلومات نافعة عن الانتشار الفيروسي وتستغلها لصالحك في عملياتك التسويقية.

تمّ المقال بحمد الله، إن أعجبك شاركه ولك أجر؛ أو شاركه واشترك في رديف ولك أجران.


أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر


يونس يسأل: كيف تستهلك المحتوى المعرفي المجرّد (ذلك المحتوى الذي يبدو بعيدًا عن ماجريات حياتك)؟


حقوق الصورة البارزة: Photo by Jr Korpa on Unsplash

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s