جمعة مباركة،
اقترح عليّ الأستاذ عماد الساعاتي هذا الموضوع فبارك الله فيه، عماد مشترك في رديف فاشترك أنت أيضًا في رديف.
ملخص المقال
ملخص المقال بيّنٌ ومباشر: إن ركّزت على حلِّ المشكلةِ ازدهر مشروعك أين ما كنت. إن ركزت على المشكلة ذاتها وبقيت تحدّق بها فستكبر وتجتاحك وستجد دومًا شمّاعة تعلّق عليها سبب عدم نجاحك في المشروع.
الفارق بيننا وبينهم ليس ما تظنّ
ما صعقني مؤخرًا هو أن علمًا مُبهمًا مثل السيموطيقا أخذه الغربي وجمّله وأدرج في قلبه حلًا للمشكلات وهو يسعى لبيعه للشركات الآن. السيموطيقا علم مُغرقٌ في الأدبية. وقد تمكنوا من ذلك لسبب وجيه هو الفارق بيننا وبينهم:
- الرأسمالي يرى في كل مشكلة فرصة للربح إن وفّر حلّها
- العربي -إلا من رحم ربي- يصبّ الزيت على نار المشكلة ثم يرقص حولها نادبًا نائحًا
وبلدانهم لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا من خلال عقلية حلّ المشاكل لا التركيز عليها. أما نحن فنرى المشكلة في من يحكم وهي ليست كذلك إذ لا حكم لهم حقيقةً في عالم يتحكم فيه من هو أقوى اقتصاديًا ومعرفيًا.
المغزى: إن تمكن بشريّ من بيع خدماته في السيموطيقا فإنك تستطيع بيع معرفتك وخبرتك ومهاراتك أنت كذلك في مجالات هي أوضح بكثير من السيموطيقا مثل الكتابة والترجمة والتصميم والبرمجة والهندسة…
ما يحول بينك وبين نجاحك ليس بلدك ولا الطقس ولا المزاجية إنه: أنت
لا شك أن هناك مشاكل جمّة تواجه رائد الأعمال ومطلقي المشاريع في البلدان التي لم تلحق بعد ركب العصر الرقمي.
المتتبع لجهود هذه الدول في محاولة الرقمنة أي التحوّل الرقمي سيرى بطئًا شديدًا في التنفيذ وسوءً في التخطيط وما يضحك له أي عاقل.
وهذا الوضع مؤسف إلا أن الباعث الأكبر على الأسف أكثر من ذلك هو عقلية رواد الأعمال من الذين يعيشون في تلك البلدان.
أعرف كثيرًا من الأشخاص لا زالوا حتى كتابة هذه السطور ينتظرون تحسّن الوضع ليطلقوا مشاريعهم. وهذا عكس ريادة الأعمال. وروحها.
رائد الأعمال بنظري هو شخص يواجه مشكلة فيحلّها ويتربح منها. ركّز على هذا. كن صاحب الحل الرابح. وهذا كل شيء. المشكلة لا تكمن في الحكومات بل في رواد الأعمال. إن لم تفهم هذه النقطة فغالبًا لن تطلق مشروعك أبدًا، وإن أطلقته وتمسّكت بهذه العقلية فلن ينجح.
والآن إلى القواعد العشر 👇
1. هناك دائمًا طريق ثانٍ لحلّ المشكلة
ومن أمثلة ذلك حلول الدفع. تلقيتُ بعض مستحقات عملي بعملة بتكوين، وأحيانًا لما كان الشخص لا يستطيع الدفع أخبره أن يشتري بطاقات لرموز ألعاب أو تطبيقات أو هدايا حيث أبيعها بصفتها بطاقات ورموز هنا وأتلقى مستحقاتي. ركّز دومًا على حل المشكلة لا تفاصيلها.
2. لا تفتح مشروعًا واقعيًا في بلاد متخلفة مثل الجزائر
لو تأخذ نصيحتي، لا تفتح أي مشروع واقعي: مثلًا به شحن لمنتجات واقعية أو مكتب حقيقي يُفتح أو محل في دول متخلفة. سيرهقونك بالأوراق والبيروقراطية ويضيّعون وقتك ويضعون أمامك شروطًا كل هدفها أن تحطمك. بلداننا لا زالت غير مؤهلة لمشاريع واقعية.
قد تسأل لكن هناك من فتح مشروعًا واقعيًا ونجح مثل تطبيق يشبه أوبر في الجزائر. الجواب أنك لا تسأل كيف تحمّل كراء مقرات مكاتبه وفتح مكتبًا له في تونس وحصل على تمويلات ضخمة منذ البداية ودعمًا من الحكومة وغيره؟ بيحث بسيط سترى أن وراء هذا المشروع أناس لديهم من المال غير الشرعي كثير. في الحقيقة من المفترض أن تحمد الله أنهم لم يدعموك أنت فهم أناس لن تسعد بصحبتهم.
الشيء الآخر وبنظرة بسيطة على من تلقوا التمويلات من صندوق تمويل الشركات الناشئة في الجزائر تدلك على فكرة واحدة: أن الموضوع مباراة بيعت قبل أن تُبدأ.
بالتالي وفّر على نفسك العناء والشقاء والتعب النفسي. ولا تفتح مشروعًا واقعيًا لأنهم سيحطمونك. بلداننا الوقت الحالي غير مؤهلة لمشاريع واقعية لأسباب كثيرة يعرف معظمها الجميع. أبسطها مثلًا عدم وجود بنية تحتية للتوزيع.
لو تنظر مثلاً لقانون ضريبة على الاستيراد الأخير في الجزائر ستفهم تحديدًا هذه النقطة.
حتى ذلك الحين هناك ملاذ واسع جدًا هو العالم الرقميّ ثم اُنظر إلى كبرى الشركات ستجد المنتجات اللامادية أي البرمجية وما شابه مثل الإعلانات وغيرها تحقق لها مليارات الدولارات. حيث يبلغ دخل أمازون من الإعلانات الآن ضِعف العائدات الإعلانية لكلٍ من سناب شات وتويتر وروكو وبنترست مجتمعين.
3. إن اعتمدت مشروعًا رقميًا فيمكنك النجاح دائمًا حتى في بلاد ممزقة ومتخلفة عن الركب
مع وجود حلول دفع بالعملات المشفرة وبطاقات الهدايا والوسطاء وغيرها. يقع على عاتقك توفير منتج رقميّ فعّال يعالج مشكلة ملحّة للجمهور من ثَم بيعه. لا تحتاج حتى للدفع للإعلانات إن كنت تنتج محتوى تسوّق به على نمط التسويق بالمحتوى كما أفعل لرديف ولخدماتي الأخرى.
4. في بلدان أمزجتها متقلبة حضّر الخطة ب
أعتمد حاليًا بصورة أساسية على باي بال في تلقي المدفوعات مع قدرتي على استقبال المال بطرق أخرى كما قلت أعلاه في النقطة 1، لكن أحيانًا أخشى أن أنهض صباحًا وتقرر الدولة الجزائرية فجأة غلق باي بال دون مبرر كما فعلت مع باتريون وغيره. لذا لدي خطة ب لذلك وهي:
- جعل الاشتراك سنوي فقط ولا باقات أخرى وتلقي المدفوعات عبر وسترن يونيون (يعمل في الجزائر) أو
- إبقاء الباقات كما هي واعتماد بوابة دفع بايسيرا في موقعي حيث تصل المستحقات مباشرة لبطاقتي فيزا. ونعم بايسيرا توفر بوابة دفع مثل باي بال
5. لا تنخرط مع الحكومة أبدًا إلا بشروط مسبقة
لا تدخل مناقصات حكومية لتولي مشاريع معينة، ولا تنخرط في أي مبادرات لها لأنها مضيعة للوقت ولن تجني منها شيئًا. كما أن دفع الحكومات حتى لو توليت مشروعًا لها بطئ جدًا وعملية التفاهم معهم معقدة وصعبة وغالبًا ستصاب بمرض نفسي إن واصلت الحديث معهم.
في حال انخرطت بشكل ما مع الحكومة ومشاريعها احرص دومًا على أن يدفعوا لك مستحقاتك في وقتها. وإن لم تعجبك التجربة معهم لا تكررها.
6. غالبًا لن ينصلح حال حكومتك في حياتك. فإن كان لك مشروع أطلقه الآن
رائد الأعمال لا ينتظر. ولا يسعى لإصلاح حكومته أو العالم هو يسعى لإصلاح حاله بحلّ مشكلة تؤرق الآخرين ويتقاضى مقابلها ثمنًا هو حقّه.
لذا لا تنتظر يا عزيزي.
7. المشكلة ليست في المكان والبيئة بل في عقلية رائد الأعمال
إن قلت أن مشروعك كي ينجح لا بد أن تغيّر الحكومة سياساتها من أجله. وأن المشكلة من فوق وليس من تحت. فغالبًا وأؤكد لك هذا عن يقين: لن يرى مشروعك رقعة وجه النجاح أبدًا.
مع المشاكل الجمّة التي يواجهها كل عاقل وصاحب مشروع رقمي في الجزائر إلا أن هناك حلًا لكل مشكلة، وأنا أخبر به الآخرين في كل فرصة من حلول الدفع إلى تطوير المواقع إلى إيجاد بدائل عن تقنيات لا تعمل لدينا. لكن الإرادة مفقودة وإلقاء اللوم والعثور على شمّاعات نعلّق عليها فشلنا أريح للبشر من بذل الجهد.
8. نوِّع مصادر دخلك واجعل مدخراتك بعملة ليست عملة بلادك
لا بد أنك لمست تقلب عملة بلادك. السرّ هنا لا تدخّر بها. بل اشترها أصولًا. معدّات أو ذهب أو أبقها بالعملة الصعبة المستقرة. مثلًا يورو في الجزائر ودولار في بلدان أخرى.
أيضًا اسع دومًا لتنويع مصادر دخلك ولا تضع كلَّ البيض في سلة واحدة.
9. نجاحك سيلهم آخرين وسيغير فعلًا ببطء -وبعد عقود- مشهد الأعمال في بلادك
في كتاب «لا تصدّق حدسك: كيف تستخدم البيانات لتحصل على ما ترغب في حياتك» يقول الكاتب سيث ستيفنز دافيدوفتش (Seth Stephens-Davidowitz) أن النجاح لعبة طويلة حتى في بلاد العم سام ويؤكد على ما نشرناه من قبل أن العمر النموذجي لرائد الأعمال هو سنّ الأربعين عامًا وهذا يشمل البلدان الأخرى بطبيعة الحال. لذا حضّر نفسك للعبة طويلة المدى إن رغبت بالنجاح. وطالع الكتاب ففيه معلومات جمّة ونصائح قيمة عن كيف ترفع حظوظك في الحياة وتنجح مشروعاتك.
10. ما يحول بينك وبين ما ترغبه هو أنتَ لا حكومتك ولا الطقس ولا المزاج
لا يحب رواد الأعمال ممن يعيش في بلاد متخلفة مثل هذه التي أعيش فيها هذه النصيحة. ويريدون إلقاء اللوم على الرئيس والوزراء ورؤساء البلديات والأسرة والحيّ والطقس والمزاج ونتفلكس.
لكنهم لا يسألون لماذا من بين ملايين المهاجرين لا يوجد إلا نسبة ضئيلة جدًا من الناجحين تجاريًا؛ مع أنهم في بلاد “متقدمة” والجواب: ذلك أن هؤلاء لا يعرفون الكثير عن العصر. في عصر تجتاحه مفاهيم مثل التحول الرقمي والعمل عن بعد وناس تكسب قوتها من تربية خيول افتراضية وبيع مائها لآخرين -ماء رقمي طبعًا-، وناس تشتري أحذية افتراضية لا حقيقة لها يآلاف الدولارات وتربح 300 دولار في اليوم من المشي والركض بها. تدرك أنك:
لست بحاجة إلا إلى إنترنت وليس حتى قويّة.
شخصيًا معظم ما صنعته من محتوى أُنجز بسرعة إنترنت لا تتجاوز 2 ميغا وبحواسيب وهواتف رخيصة الثمن. يودكاستي يونس توك الذي تجاوز مئة حلقة الآن سُجّل -ولا يزال- معظمه بلاقط صوت لا يتجاوز العشرين دولارًا، بعض حلقاته سُجّلت بلاقط صوت بـ3 دولارات؛ وحاليًا وصلتني شراكة بشأنه مع تطبيق عربي سيعرض حلقات البودكاست أمام مئات الألوف من العرب الذين يستخدمون التطبيق -سنعلن عن الموضوع قريبًا إن شاء الله-
البشرى أن حتى اتصالات بلادك لن تحتاجها بعد فترة. لأن أقمار إيلون مسك ستغطي العالم بشبكة إنترنت قويّة. وإن لم ينجح مشروعه فقد ينجح جيف بيزوس في ذلك وإن لم ينجحا معًا فسيبرز حل آخر لكن لا تنتظر.
لا تعلّق فشلك على أي جهة.
ركّز على حل المشكلة. لا المشكلة ذاتها وستنجح.
جمعة مباركة مرّة أخرى، شارك المقال ولك أجر؛ أو اشترك في رديف وشاركه ولك أجران.
أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر
يونس يسأل: ما الذي يحول بينك وبين إطلاق مشروعك؟
حقوق الصورة البارزة: Photo by Yasmine Arfaoui on Unsplash