العمر النموذجي لرائد الأعمال هو سنّ الأربعين عامًا

جمعة مباركة يا قوم،

عساكم بخير وعافية وتمام الصحة،

أعجبني هذا المقال: ما من عيبٍ في انتهاج مسار وظيفةٍ تقليدية [ofdollarsanddata] فترجمت لكم أجزاء منه فقط أراها مهمة للغاية؛ عليكم بقرائته كله في المصدر الأصلي:

يقول نِك ماغّيولّي:

لقد سئمت من الهوس بريادة الأعمال على تويتر. سئمت السماع عن المشاريع الجانبية، وثقافة اعمل أربع ساعات فقط في الأسبوع، والفرار من سباق الفئران (أو الهامستر؟). وذلك ليسَ لأنني ضد أي هذه الغايات بحد ذاتها، لكن بسبب الثقافة التي يخلّفها ورائهم الكثير من أولئك الذين يسعون لتحقيق تلك الغايات. وأسمي هذا الخلل عقدة التفوّق الريادية.

عقدة التفوق الريادية

يشيع موقف ضمن دوائر روّاد الأعمال والمستثمرين المغامرين أن أيما إمرؤ لا يقدّس فكرة إطلاق عمل تجاريّ هو أقلّ شأنًا من أولئك الذين يفعلون ذلك. وقد لمست هذا الموقف وشهدته عيانًا في كل مكان.

من ذلك، تغريدة نافال رافيكانت هذه:

أتفق عمومًا مع فكر نافال الماليّ، لكن هذا هو بالذات ذاك الضربُ الذي أعنيه من عقدة التفوق الريادية والذي يتسم بالعجرفة والتعالي والذي للأسف أصاب مجتمعات ريادة الأعمال.

هذا لا يعني أن نافال أخطأ في تغريدته أعلاه. لأني أتفق مع فكرة أنك لا تستطيعُ إنماء ثروة هائلة انطلاقًا من حصولك على شهادة. كما أنه ما من شهادة متاحة هناك تجعلك -إن أخذتها- مليارديرًا.

مع ذلك، أقربُ شيء أمام العديد من الأمريكيين يُمكّنهم من أن يصيروا مليونيريّة هو الحصول على شهادة مهنيّة (مثل الأطباء والمحامين وغيرهم). وذلك كما نقرأ في كتاب المليونير في البيت المجاور عن مجموعة من أصحاب الملايين الذين شملتهم دراسة في أواخر التسعينيات (التغميق مني):

إن أخذناهم كمجموعة، سنجد أن المستوى التعليمي لـ[أصحاب الملايين] مرتفع إلى حد ما. ولن نجد إلا واحدًا فقط من بين خمسة منهم ليس من خريجي الجامعات. فيما سنجد أن الكثير منهم حَمَلة شهادات عليا. من ذلك 18 بالمئة منهم حملة شهادة ماجستير، و8 بالمئة منهم حملة شهادات في القانون، و6 بالمئة منهم حملة شهادات طبية، و6 بالمئة أخرى منهم حملة شهادة دكتوراة.

وهذا هو السبب الذي يجعل من محاولة نافال التنفير من التعليم ما بعد الثانوي بصفته مسارًا لإنماء الثروات محاولة مُضللة وتبخس القيمة الحقيقية لما هو عليه فعلًا المسارُ التقليدي لخلق الثروة.

قد يعترض البعض فيقول أحدهم:

ما تتكلم عنه ليس هو ‘المستوى’ الذي نتحدث عنه للثروة

ويقول آخر:

إن كونك مليونيرًا لا يجعلك ثريًا.

وأجيب: أوه، هل مليونَا دولار ليست ثروة بما يكفي لك؟ للعلم: حيازة مليونا دولار من صافي الثروة يُصنّفك على مقربة من نسبة الـ 10% الأثرى من بين كل الأمريكيين فوق 55 عامًا.

وهذا إنجاز عظيم وليس من السهل تحقيقه. في هذا السياق، كتبت بزنس إنسادير (Business Insider) أن المليونير العصاميّ -في معظم الحالات- يستغرق 32 عامًا لكي يكسب ثروته تلك.

رغم هذا الجهد المضني والزمن الطويل، نحسّ أن الرسالة التي يبثها بعض مهووسي ريادة الأعمال مفادها أنك أحمق إن سعيت للحصول على شهادة جامعية، وعملت في وظيفة، ولم تتمكن من جني سوى بضعة ملايين من الدولارات على مدار مسيرتك الوظيفة. كما نقرأ أيضًا ما بين سطور تلك الرسالة أن المال هو الشيء الوحيد الذي يُستحق أن تسعى له، وأن الثروة هي أسمى هدف في الحياة.

بهذا الصدد، ردد روبرت كيوساكي، هذه الرسالة في كتابه الذي يُعدّ أحد أشهر الكتب التي تتحدث عن الماليّة الشخصية في العالم: الأب الغني والأب الفقير. ولبّ هذا الكتاب هو أن والد المؤلف “الفقير” فقير لأنه يعمل من التاسعة إلى الخامسة في حين أن والده “الغني” غني لأنه يمتلك أعمالًا تجاريّة.

لكن هذا غير صحيح إلا جزئيًا فقط. ذلك أن السبب الحقيقي لفقر الوالد الفقير ليس له شديدُ صلةٍ بعمله بل له علاقة وطيدة بفشل الوالد الفقير في استثمار ماله في أصول مُدرّة للدخل. فلو أن الوالد الفقير أخذ مدخراته التي جمعها على مرّ السنين واستثمرها في الأسهم والسندات، لكان في النهاية أفضل حالًا بكثير.

لا تكمن المشكلة هنا في كيف تكسب المال، بل ماذا تفعل به.

هذا هو سبب نفوري من أولئك الذين يبخسون حقّ المسارات المهنية التقليدية. إن كنت تكره عملك، أوافقك على ضرورة تغييره. لكن إن كنت تستمتع بما تفعله، وكان عملًا بدوام من التاسعة للخامسة، ما المشكلة؟

أفهم أن ‘العمل لصالح شخص آخر” لن يجعلك فاحش الثراء قَط. لكن هل خطر ببالك أن بعض الناس لا يسعون أساسًا لأن يكونوا فاحشي الثراء؟ هل خطر ببالك أن بعض الناس بحاجة لوظيفة تقليدية لأن لديهم أفواهًا لا بد أن تُطعم أو أفراد عائلة يحتاجون دعمهم؟ هل خطر ببالك أن بعض الناس ليس لديهم موارد مالية تتيح لهم التفكير أساسًا في أن يكونوا رواد أعمال؟

تذّكر أنك لست بحاجة لوظيفة بدوام من التاسعة للخامسة، عندما يستثمر والداك 245 ألف دولار في شركتك الناشئة (حالة جيف بيزوس)

وقطعًا لست بحاجة لوظيفة بدوام من التاسعة للخامسة عندما تساعد أمك شركتك المتعثرة بتأمين عقد مع أكبر مُصنِّعٍ للحواسيب الشخصية. (حالة بيل غيتس)

الأهم مما سبق هو هذا السؤال: لماذا لم يدرك بعض رواد الأعمال بَعْدُ أن حياة ريادة الأعمال لا تناسب الجميع؟ ذلك أنه ليس الجميع يتمتع بالمهارات اللازمة أو حتى يرغب أساسًا في إطلاق عمل تجاري. مع ذلك، يرى الكثيرون من المنتمين لريادة الأعمال أن الريادة هي السبيل الوحيد لخلق الثروة.

تشبه غرابة هذا الأمر غرابة قولي لك أن المسعى النبيل الوحيد في الحياة هو إنشاء فرقة موسيقية ولا شيء آخر. لا شك أن هذه فكرة سخيفة. ذلك أنه ليس الجميع يتمتع بالموهبة الموسيقية أو حتى الرغبة أساسًا في أن يصير فنانًا…

لهذا السبب أدافع عن المسار الوظيفي التقليدي، لا سيما لأولئك الصغار في السن المُفتقرين للخبرة. فحتى مع أن الدوام من التاسعة للخامسة لن يصيّرك فاحش الثراء أبدًا، إلا أن تعلّم كيف تؤدي عملك بإتقان، وترقية مهاراتك من شأنه أن يكون أفضل شيء تفعله من ناحية تطوير حياتك المهنية.

وهذا يفسِّر أيضًا سبب كون العمر النموذجي لرائد الأعمال هو سنّ الأربعين عامًا. ذلك أنك بحلول سن الأربعين، ستكون حصّلت أمرين معظم من هم في سن 22 لم يحصّلوها بعد: الخبرة والمال. اسأل نفسك الآن من أين أتت تلك الخبرة وذاك المال؟ غالبًا جرّاء وظيفة تقليدية، وعلى الأرجح العمل لصالح شخص آخر.

الحقيقة المرّة بشأن المشاريع الجانبية

رغم تشنيعي على من يعاني عقدة التفوق الريادية، لست ضد من يدير مشروعًا جانبيًا أو من يطلق مشروعه الخاصّ. مع ذلك، إن اخترت هذا النهج، رجاءً تذكّر أن من اليسير رؤية رواد الأعمال فائقي النجاح، لكن يصعب تصور مقبرة الأعمال الفاشلة.

من ذلك، ووفق BLS، نصف إجماليّ الأعمال التجارية يفشل في غضون 5 سنوات من إطلاقه، و65% يفشل في غضون 10 سنوات من إطلاقه. إن إطلاق عمل تجاري عملٌ شاق.

لإثبات وجهة نظري، دعني أخبرك قليلاً عن الجانب التجاري لهذه المدونة المسماة «عن الدولارات والبيانات» Of Dollars And Data.

الجانب التجاري لمدونة «عن الدولارات والبيانات»

مُذ أن بدأت التدوين منذ ما يقرب من ثلاث سنوات ونصف، أمضيت حوالي 2000 ساعة في كتابة 195 مقالًا (نحو 10 ساعات لكل مقال). ولو جمعتَ كل المال الذي جنيته من الإعلانات والإحالات في هذه المدونة خلال هذه الفترة الزمنية، وقسمته على عدد ساعات العمل، سينتج لك أن ساعة عملي تقدّر بنحو 12 دولارًا للساعة قبل خصم الضرائب.

ومعظم ما جنيته جنيتُه العام 2020 عندما بدأت وضع الإعلانات وعقد المزيد من الشراكات التجارية…

هذا يعني أنه توجّب عليّ أن أنفق أكثر من 700 ساعة من العمل قبل حتى أن أبدأ بجني بعض المال الذي يُعتد به. وحتى عندئذ، سأجني ما يتراوح من 400 إلى 500 دولار شهريًا من الإعلانات مع الالتزام بالعمل 10 ساعات كل أسبوع على المدونة. وهذا ما يعني أن أجري لا زال 12 دولار في الساعة قبل خصم الضرائب.

وهذا ما يوضّح لك أنه إن كان هدفك المحدد من التدوين هو جني المال: ضع في اعتبارك أن الأمر سيستغرق وقتًا. وهذا هو سبب رؤيتي أن عقدة التفوق الريادية وثقافة المشاريع الجانبية مُضللة للغاية. ذاك أن الكثير من الناس لا يستوعبون الفترة الطويلة والجهد المُضني الذي عليك بذله قبل أن تبدأ بكسب لقمة عيشك من ذاك المشروع الجانبيّ. لهذا السبب أنا من أشد المؤيدين لفكرة أن المسارات المهنية التقليدية هي الخيار الأنسب لمعظم الناس، غالبَ الأحيان.

المثيرُ للعجب، أن أنفع شيء حصّلته من هذه المدونة ليست عوائد الإعلانات ولا عمولات الإحالات، بل الدفعة التي قدّمتها المدونة لوظيفتي التقليدية. ذاك أني لم أكن لأعمل لصالح شركة ريتهولتز لإدارة الثروات اليوم لو لم أكتب وأنشر علنًا مما لفت نظر مايكل باتنِك وغيره من زملاء العمل انتهى بحصولي على تلك الوظيفة…

ادعم استمرارية هذه اليوميّات برعاية المحتوى الذي أصنعه، طالع تفاصيل الرعاية في هذا الملف؛ أو تصفّح هذا الرابط.

أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر


يونس يسأل: ما منعك من إطلاق مشروعك الخاصّ؟


حقوق الصورة البارزة: Photo by Martin Reisch on Unsplash

6 رأي حول “العمر النموذجي لرائد الأعمال هو سنّ الأربعين عامًا

  1. مقال رائع وأوافقه تماما .. وأؤكد عليه تهافت الحط من الوظيفة في مقابل ريادة الأعمال.. وأنها لا تناسب الجميع.. وأهمية التعليم الجامعي لمن يستطيعه..
    نقطة إضافية: التعليم الجامعي في أمريكا غال جدا .. وهذا ما يثير الجدل بشأنه .. وليس هذا مثل الدول التي يكون التعليم الجامعي فيها مجانيا أو شبه مجاني (دول الاتحاد الأروربي مثلا).. لذلك يكثر الجدل في أمريكا بشأن جدوى التعليم الجامعي.. إضافة إلى عوامل أخرى

    Liked by 2 people

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s