حيّاكم الله،
اقترحت عليّ الأستاذة سماهر 🐾 هذا الموضوع فبارك الله فيها:
لننقل نصّ سؤالها ونجيب عليه بعون القويّ المتين:
تدوينة عن كيف تقدر تطمن نفسك والي حولك
كيف تطمئن نفسك؟
نقلق نحن البشر بشأن الماضي والمستقبل أكثر من التركيز على حاضرنا. فنعيش فيهما ونقلق بشأنهما في حين أن معظم ما نتوقع أنه سيحدث من كوارث لا تحدث والحمد لله على ذلك.
بداية لنقسّم المواقف كي نحللها بدقّة، هناك مواقف تحثّك على القلق الفوريّ، ومواقف تجعلك تفكّر بشأنها وما إن كان يمكن تجنبها لكنها بعيدة في المستقبل.
💡 فائدة لغوية الرَوْع بفتح الراء: الخوفُ والفَزَع؛ والرُّوع بضمّ الراء: القلب والعقل (مصدر: رُوْع ورَوْع – صحيفة الاقتصادية)
المواقف المقلقة في الحاضر
ومن الأمثلة عليها:
- ابنك أو قريبك أو أخوك يمرّ بامتحان مصيري الآن
- أنت تنتظر نتيجة قبولك في وظيفة أو توقيعك عقدًا اليوم
- امرأتك في غرفة الولادة الآن
والتعامل إزاء هذه المواقف من المفترض أن يكون بشغل عقلك الآن عما يحدث. وأفضل خياراتك إن كنت مسلمًا أن تذكر وتصلي وتدعو بتضرّع.
أما إن لم تكن مسلمًا ولا ارتباط لك بالأديان فأفضل حلّ لك هو الفلسفة الرواقية ولا شيء آخر. ومبادئ الفلسفة الرواقية تقتضي أن تفكّر وتهتم (من الهَمِّ) فقط بما تستطيع أن تفعل شيئًا إزائه أما ما لا تستطيع فعل شيء إزائه فلا داعي للتفكير المعمّق فيه لأنك إما أنك ستزيد الوضع سوءً أو تهدر جهدك الذهني فيما لا نفع فيه ولا فائدة. تستطيع قراءة المزيد عن الفلسفة الرواقية في كتب ريان هوليداي.
القلق مما سيحدث وهو يلوح في أفق المستقبل
ومن أمثلة ذلك:
- مستقبلك الوظيفي وهل ستستمر في هذا الوضع أما ماذا سيحدث
- الخوف من المستقبل إجمالًا ومن التغيّر السريع الذي يجتاح العالم
- الهمّ والأرق بشأن شخص آخر ومستقبله
وحلّ هذا أن تقويّ إيمانك إن كنت مؤمنًا وتفكّر بعملية أي ببرغماتية. لأن تركيزك على الحاضر ولمستقبل القريب يعني إنجاز ما تنجزه الآن بأداء أفضل ما يعني مستقبلًا أفضل أو على الأقل يرفع حظوظك لتحظى بمستقبل أفضل.
فإن وقع ما تخافه قلقت بشأنه وقت ما وقع، وربحت وقتًا وراحة بال قبل أن يقع أما إن قلقت قبله ثم وقع خسرت الكثير من راحة بالك وصحتك ووقتك. شاهد الصور أدناه التي تشرح لك الخسائر الزمنية التي سيكبّدك إياها القلق من المستقبل والخوف منه.
الآن اسأل نفسك ما حياتك ما لم تكن إلا مجموعة سويعات. فأنفقها بحرصٍ وعناية. وعش حياةً طيبة.
أساس طمأنة النفس: الأسس الإيمانية الراسخة
هناك شيء في العلم يسمى الأكسيومات Axioms ومعناها البديهيات أو المُسلّمات. وهي قضايا أي جُمل قصيرة في الغالب تحمل معاني لا يمكن اشتقاقها من غيرها وإن لم تقبلها انهار العلم. ونحن نعني فعليًا كل العلم بالرياضيات بغيره.
نفس الشيء بنظري يقع في الذات البشرية. ما لم يكن لديك مسلّمات ستنهار نفسيًا بين الحين والآخر لعدم وجود مرجع وبسبب تشوّش بوصلتك.
ومن المسلّمات التي أؤمن بها إيمانًا راسخًا ما يلي:
- أن الجميع يؤول للرحمة. أي أن الرحمة غالبة*
- أن أسوأ ما يحدث للمرء ليس الموت. الموت في كثير من الحالات رحمة وصاحبه لا يختفي بل ينتقل وغالبًا لما هو أفضل من الدنيا
- حسن الظنّ بالله واجب. وهو أمر نبويّ على صاحبه أفضل صلاة وتسليم حيث قال لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل
- لا جُهد يضيع. لا شيء يذهب هباء. وما فعلته إن كان لله فأبشر. وكل شيء مسجّل فلا تقل ضاع
- بما أن الجهد لا يختفي لأنه مسجّل فالحكمة تقول أنه إن فعلت شيئًا افعله لله لا لزوجك أو ابنك أو شريكك
- لا أحد له تسلّط على أحد في واقع الحال. على الأقل ليس لفترة ممتدة من الزمن. والله تعالى لا يشرك في حكمه أحدًا وسرّ ذلك أن الله يقلّب القلوب التي تتخذ الأفعال وبما أن في يده مصدر الفعل وهو القلب. فلا أحد في الواقع يتحكم في أحد. كما أنه إن حدث ذلك فدعوة المظلوم لا تردّ أبدًا وما تراه من مظلومين يدعون ولا يستجاب لهم سببه في 99 بالمئة من الحالات أنهم هم أنفسهم ظَلَمةٌ فاقتضت رحمة الله ألا يعاملهم بالعدل ولا يستجيب فيمن دعوا عليه لأنه لو فعل لعَدَل ونَكب حتى من يدعو لأنه أحيانًا لمّا أسمع دعاء من يظن أن مظلوم أخاله وليًّا صالحا لم يفعل شرّا قط وهو ليس كذلك
- أساس الإسلام التسليم والرضا والانقياد لله تعالى
- الله لا يظلم أحدًا أبدًا. وما يقع مما يبدو لك شرورًا إما هو بلاء يقتضي الصبر أو تخفيف ذنوب عنك عملتها من قبل؛ وبتقديري الشخصي البلاءُ قليل جدًا وما يحدث لمعظم الناس بنظري إنما هو وقوع في شرّ أعمالهم ومع ذلك لا يتعظون
- أنت مع كل مشاعرك لست أرحم من الله ولا لديك حكمة أو علم أكثر منه
- إن خفت على ابن أو أخ أو شخص تكفله وترى أنه باختفائك سيضيع فهذا جهل عظيم بحكمة الله فالله خلقه دون معونتك وسيتكفل به دونك كذلك
- لمّا تموت لن تتوقف الأرض عن الدوران ولا الناس عن ضربهم في الأرض وسعيهم لقضاء حوائجهم
- لستَ مسؤولًا على ما لا يد لك فيه ولا تستطيع فعل شيء إزائه
- لست مسؤولًا عن إصلاح العالَم
- وهذا المبدأ الرابع عشر يمكن تسميته مبدأ جوردان بيترسون لأنه يؤمن به: لا أحد ينجو بفعلته. وأقصد أنه لا ينجو بفعلته في الدنيا وليس الآخرة. من تراه نجا بفعلته فلفترة زمنية وحسب وانتظر نكتبه هنا لا هناك
- العالم كما هو الآن وكما كان أرادُه الحقّ تعالى كما شاء هو منذ الأزل ولا معقّب لحكمه وأحكم قرار بشأن ذلك: التسليم
- المكتوب في القضاء الربّاني لا يعارض أنك مسؤول عن تصرفاتك فعلمه بما ستفعل لا يجبرك على الفعل
* الصحيفة الصحيحة وهي صحيفة همّام بن منبّه في الحديث 13 منها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا قضى الله الخلق، كتب كتابًا، فهو عنده فوقَ العرش «إن رحمتي غلبتْ غضبي» الصحيفة الصحيحة تقديم وتحقيق وتعليق علي حسن علي عبد الحميد، المكتب الإسلامي، ص 31.
قبل أن نذهب للإجابة عن الشق الثاني من السؤال دعنا نذكّر بهذه الرسوم البيانية ذات الصلة من مقالي الذي أوصيك بمطالعته: هناك بالفعل زرّ تضغطه للتوقف عن القلق، وهو موجود في هذا المقال [زرّ أحمر كبير]
طالع أيضًا مما له صلة:
إليك كيف تُسخّر القلق اليومي لصالحك
افتح التدوينة لتطالع تحذيرًا للمتزوجات بنباتيين أو المقبلات على التزوج بنباتيّ
والآن كيف تُطمئن من حولك؟
عليك أن تكون أنت نفسك في البداية رابط الجأش مطمئنًا بتطبيق ما ذكرناه أعلاه.
ثم بعد ذلك افعل ما يلي:
- قبل أن تُطمئن أحدهم أصغِ له دون مقاطعة
- في حال كان ذلك متاحًا لك وفّر التلامس: الأحضان وشدّ اليد والتربيت على الكتف ومسح الرأس
- ان استطعت تفاعل مع الشخص: ابك معه مثلًا لا سيما في المواقف التي تقتضي ذلك
- إن كانت الصدمة كبيرة وركن المتحدث للصمت شجعه ليواصل بكلمات قليلة منك ودعه يتحدث هو
- ليكن نصب عينيك أن تدعه يفرغ كل ما في قلبه
- أحيانًا في محادثات صعبة ومتشعبة ولحقتك إهانة بحديثه تقبّلها وتغافل عنها
- بعد ذلك أخبره بما تؤمن به أن الرحمة غالبة والغد أفضل ولو قامت القيامة ازرع فسيلة مع أنه لا أحد سينتفع بها لكن الله سيسجلها لك وأن الموت انتقال وبوابة وأن الشوق للأحبة حق لكنهم لم يُعدموا بل موجودين وأن عمل الخير لهم سيسعدهم، في حال كانت الطمأنة بشأن فوات فرصة أو سقوط في امتحان فأخبره أن الدنيا لا تنحصر في جامعة أو اختبار وأن الفرص ستأتي…
لاحظ أنه من الحسن أن يكون لديك قصص. لاحظت من تجاربي أن الناس تحبّ القصص في هذه المواقف حاول أن تحفظ القصص لا سيما القصص العجيبة والواقعية في عصرك أفضل. مثل نجاة شخص من مرض قال الأطباء أنه نهائي ولا شفاء منه، إلى إنجاب أحدهم بعد ستة عشر سنة وما إلى ذلك.
قصص الأنبياء والآيات القرآنية ستنفع إن كنتما مسلمين معا أي من يطمئن ومن تسدى له الطمأنة. وكذلك يمكنك إيجاد كثير من القصص الرائعة في هذه المصادر:
- الفرج بعد الشدة للتنوخي
- كثير من كتب بن الجوزي تحوي قصصًا من هذا النمط
- هناك كتاب ألّفه أندلسي يشبه الفرج بعد الشدة مرّ عليّ ونسيت اسمه للأسف لما أجده سأضعه هنا إن شاء الله
💡 عندما أراد ملك الملوك وهو الله تعالى تسلية نبيه عليه السلام وتفريج همّه وإزاحة الكرب عن قلبه. حكى له قصصَ من سبقوه.
يمكنك أيضًا حفظ هذه القصص التي أصبحت عالمية والكثير يستشهد بها لكن ما زال الكثير لا يعرفها: مثل قصة لعله خير؛ وقصة وما أدراك أنه شر؟ أو وما أدراك أنه خير؟
انتهى المقال بحمد الله، شاركه ولك أجر، أو اشترك في رديف وشاركه ولك أجران.
✨ جديد المترجمة إكرام صغيري: متلازمة باريس، متلازمة القدس… أربع اضطرابات نفسية متعلقة بالسفر [مدونة إكرام صغيري]
يونس يسأل: كيف تهدئ من رَوْعك؟
حقوق الصورة البارزة: Photo by Marek Szturc on Unsplash
الإيمان بالله واليوم الآخر ركن شديد في هذا الجانب. . والفضفضة للأحباب تخفف الكثير.. ومعايشة لطف الله الذي احتوانا في الحرب والشدائد والأزمات الخانقة يسّرت علي الأمور الأخرى..
إعجابLiked by 1 person