ما المعيار الأخلاقي الذي تسيّر به حياتك خارج دائرة المرجعية الدينية؟

هذه التدوينة برعاية نشرة الأحد البريدية من إعداد الأستاذ علي عسيري وهي نشرة تشبه قرصات شاورمر لكنها للتسويق. اشتركوا فيها وشكرًا للدعم.

مساء السعادة،

اقترحت عليّ الأستاذة سمية هذا الموضوع فبارك الله فيها:

مسائك خير أستاذ يونس،

اقتراحي هو: ما المراجع أو المعايير التي تسند إليها الفكر الصحيح من الخاطىء والفعل الصحيح من الخاطىء، بعد المرجع الديني؟! ببسيط العبارة ما الذي تدّعم به مواقفك التي تتخذها وأفكارك الداخلية!

لا أدري حقا إن استطعت إيصال الفكرة بشكل واضح😅
لكني آمل ذلك.

تقبل الله صيامك وقيامك وأذاقك جمال لحظاته ✨🌙

وجوابي مستعينًا بالحيّ الذي لا يموت هو:

يندرج اقتراحك ضمن علم الأخلاق من الفلسفة وهو يبحث فيما القبيح والحسن من الأفعال وما يجوز ولا يجوز فعله بصفتك بشريًا. وهذا تعريفي لعلم الأخلاق ولن تجد مشكلة في إيجاد تعريفات شتى له إن كتبت عبارة تعريف علم الأخلاق في كتب غوغل مثلًا؛ لكن للتيسير سنعتمد تعريفي هذا له.

بدايةً لا بد إن كنت تعتنق دينًا أن ينبع ميزانك الأخلاقي منه. وحسب فلسفتك فإن الكثير وأنا منهم يؤمنون أن هناك ضميرًا لدى الإنسان هو القلب يعرّفه عندما يفعل الخطأ أنه خطأ.

المسألة أنه مع تراكم الطبقات الثقافية والمجتمعية يصعب عليك أن تسمع صوت ضميرك من وراء تلك الحُجب المجتمعية المفتعلة.

على سبيل المثال الكثيرون في إفريقيا كانوا يختنون الإناث وكان من يختن ويأمر به ويسعى إليه يرى قطعًا أنه خير وصواب وحَسن مع أنه ليس كذلك. في مثل تلك البيئة من لم تختن نفسها ستحسّ أنها فعلت شيئًا خاطئًا في حين أنها لم تفعل.

إذن:

ما المراجع أو المعايير التي تسند إليها الفكر الصحيح من الخاطىء والفعل الصحيح من الخاطىء، بعد المرجع الديني؟! ببسيط العبارة ما الذي تدّعم به مواقفك التي تتخذها وأفكارك الداخلية!

لا بد أن تلاحظ أولًا أن أفكارك ومواقفك أنت هي لب دائرة تسمى الدائرة الأخلاقية التي ستتصرّف وفقها. وهذه الدائرة مصوّرة في الرسم أدناه ومقتبسة من هذا الإنفو جرافيك الذي يلخّص لك أهم الفلسفات الأخلاقية.

الدائرة الأخلاقية (ما مدى وسع دائرتك الأخلاقية؟) تعريب: يونس بن عمارة مصدر: summarizing different ethical theories
الدائرة الأخلاقية (ما مدى وسع دائرتك الأخلاقية؟) تعريب: يونس بن عمارة مصدر: summarizing different ethical theories

وبما أننا سنتجنب المرجع الديني هنا لنر ما يقول الفلاسفة في جانب المعايير الأخلاقية. ومقتبسين من نفس الإنفو جرافيك أنشأت هذا الجدول:

النسق الأخلاقيشرحه وأشهر من يؤيده
الأنانيةما هو خيرٌ إنما هو خيرٌ لنفسي. وأشهر من يدعم هذه الفلسفة آين راند
أخلاق الفضائلما هو خيرٌ هو ما يفعله الإنسان الفاضل في ذلك الموقف.
على سبيل المثال: تجنب الكذب لأن النزاهة والصدق فضيلة وأشهر من يؤيد هذه الفلسفة أرسطو
الإلزامية (Deontology)نعدّ الفعلَ محلّ البحث شرًا إن آل العالمُ إلى الأسوأ عندما يفعله الجميع. على سبيل المثال: لا تسرق. لأنه إن سرق الجميع انهار العالم. وأشهر من يؤيد هذه الفلسفة إيمانويل كانط
العواقبية (Consequentialism)ما هو خيرٌ هو ما ينجم عنه أعظمُ نفعٍ لأكبر عدد ممكن.
مثال: تناول اللحم المُنمّى في المختبرات شرّ لأنه يؤذي عدد حيوانات أكبر مما ستلتذ بالطعام. ومن أشهر من يؤيد هذه الفلسفة جيريمي بنتهام وبيتر سينجر
الليبراليةالخيرُ كل الخيرِ في رفع سقف الحريات الفردية دون إضرار بالآخرين في أبدانهم أو عقولهم أو نفسياتهم. ومن أشهر من يؤيد هذه الفلسفة جون ستوارت مِل
ملاحظة: هو في أصل الإنفو جرافيك قال إضرار بالآخرين في أبدانهم وحسب وعقولهم ونفسياتهم زيادة منيّ.
نظرية العَقْد الاجتماعيما هو خير ينبغي أن يوضع على طاولة النقاش مع الآخرين مع الأخذ بالحسبان حاجات من يعانون. مثال: ما القوانين التي ستغيّرها لو كنتَ امرأة تعيش في إيران؟
ومن أشهر من يؤيد هذه النظرية: جون راولز
أشهر النُظم الأخلاقية الفلسفية تعريب: يونس بن عمارة مصدر: summarizing different ethical theories

هذا عن أشهر النُسق الأخلاقية الموجودة حاليًا وأقربها لقلبي وأيسرها في التطبيق نظام كانط الذي بني على القاعدة الذهبية:

أحبّ لغيرك ما تحبّه لنفسك

ولأن ملخِّص تلك النظريات غربي فهو لم يعرف أن نظامنا الفقهي الإسلامي لا سيما أصول الفقه مبني فعلًا على العقل إلى جانب النقل. ولدينا قاعدة عظمى رائعة اسمها لا ضرر ولا ضرار. وهي من أعظم أساسات علم الأخلاق وحريّ أن تدخل تلك القائمة لكن لضعف ثقافة الغربيين في فلسفاتنا الأخلاقية لم تندرج هناك ولهذا هذا المقال العربي الذي تقرأه الآن أكمل وأتم من التلخيص أعلاه لأنه يذكرها.

إن رغبت في التوسع في قاعدة لا ضرر ولا ضرار طالع هذا الكتاب:

ونقتبس عن القاعدة الذهبية العابرة للأديان هذا المقطع المفيد من كتاب مدخل إلى فلسفة المستقبل:

القاعدة الذهبية Golden Regel المطلقة القابلة للتطبيق في أي حالة معقدة كانت أو بسيطة وهي القاعدة التي ينبغي لكل الأفراد والجماعات أن يتعاطوها؛ لقد كانت هذه القاعدة الذهبية عند كونفشيوس تقول «ما لا ترغبه لنفسك لا تفعله للآخرين»، وهي في اليهودية تقول «لا تفعل للآخرين ما لا تريد أن يفعله الغير لك»، وفي المسيحية «كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم فافعلوه أنتم أيضًا»، وهي بالطبع في الإسلام «أحب لأخيك ما تحبه لنفسك». وبالطبع فإن هذه القاعدة الذهبية الموجودة في كل الأديان تُعد دعامة للأخلاق الحداثية التي عبر عنها كانط في قواعده الأخلاقية مثل «تصرف وكأن مسلكك سيتحول بإراداتك في كل زمن إلى قانون عام» وأيضًا «تصرف بحيث تعامل دائمًا الإنسانية التي في شخصك والتي في اي شخص آخر لا كوسيلة فقط بل كغاية أيضًا».

مدخل إلى فلسفة المستقبل، أ.د. مصطفى النشار؛ الدار المصرية اللبنانية – 173

معيار يونس بن عمارة الأخلاقي

لذا فإن جوابي على مثل هذا السؤال:

ما الذي تدّعم به مواقفك التي تتخذها وأفكارك الداخلية!

هو تفحّص الموقف وطرح هذه الأسئلة:

  • هل الفعل الذي سأُقدِم عليه أو الفكرة التي تخطر لي الآن لها عواقب؟ وإن كان نعم فما عاقبتها؟ وهل تستحق؟
  • هل سينجر عن هذه الفكرة أو هذا الفعل نفع أم لا؟ وهل هو نفعٌ ذاتيٌ لي وحدي أو يطال غيري وإن كان لي وحدي فهل سيضرّ الآخرين أم لا؟
  • هل إن فعل الناس كلهم هذا الفعل سيؤول العالم للأحسن أم الأسوأ؟
  • هل هذا الفعل أو هذه الفكرة تنجح في اختبار “أن أفعل ما أحبّ للآخرين أن يفعلوه لي؟” (القاعدة الذهبية)

مثالان تطبيقيان

المثالُ الأول: لماذا تغييب العقل شرّ؟ بنظري

وفق الميزان الأخلاقي أعلاه لا أتعاطى ما يغيّب عقلي سواء أكان:

  • حشيشًا
  • مهلوسات
  • خمر
  • فطر

والسبب ما يلي خارج المرجعية الدينية:

  • تضمّ حياتي والعالَم كمًّا كبيرًا من المشاكل
  • يحتاج حلّ المشاكل قوة ذهنية تعمل باستمرار
  • تعاطي ما يغيب العقل يعطّل سيرورة حل المشاكل ويفاقم المشاكل بزيادة عددها (حيث سيتكون لديك إدمان لا بد أن تتخلص منه ومستحقات مالية لا بد أن تسددها)
  • استغلال كل ثانية من اليقظة في تشغيل الذهن في حل المشاكل الشخصية وما فوقها خيرٌ وهو ما ينبغي للعقلاء فعله

وهذا فعلًا ما يفعله العقلاء فهناك أناس حرّموا على أنفسهم الخمر حتى قبل انبلاج فجر الإسلام، وبيننا الآن غربيون لا يشربون الخمر عن قصد وعمد.

المثالُ الثاني: لماذا العلاقات الحميمية غير الشرعية شرّ بنظري؟

قرأتُ مؤخرًا في كورا إجابة للأسف لم أجد رابطها بعد البحث عن لماذا الاختلاط بين النساء والرجال غير جيد. وأتى صاحبها بنظام عمل أحد الشركات الأمريكية حيث لا يسمح بأمور مثل:

  • التحديق في مفاتن زميلتك في العمل
  • مواعدة زميلتك في العمل
  • التحرشّ أو التمليح الجنسي أو ما شابه وإن فكاهةً

وهكذا ثم قال أن هذا نفسه ما يدعو له الإسلام لكن بعبارات دينية.

وهو محق إذ أنني في الجامعة مرة وُزّعت علينا مطويات للتوعية بمرض جنسي ولم تكن المطوية دعوية ولا فيها أي كلام ديني ولما قرأتها قلت في نفسي: لقد سمعت هذا من قبل. وبالفعل كانت كل النصائح الواردة هناك مطابقة حرفيًا لما يدعو له الإسلام.

وأدعوك الآن أن تحمّل أي مطوية أو منشور غربي غير ديني للتوعية بالأمراض المنقولة جنسيًا وستجد تطابقًا مدهشًا بينه وبين تعاليم الإسلام.

بقول هذا. أرى أن العلاقات الحميمية خارج الزواج شرّ لهذا السبب خارج التحريم الديني:

  • قرأتُ في مكان ما أن أول ممارسة جنسية لك تترك أثرًا نفسيًا عليك لا يمحى. بالتالي جعل أول ممارسة جنسية لك مع من لا يستحق اختيارٌ سيء نفسيًا لك. من المهم جدًا إذن أن تحتفظ بمرّتك الأولى لمن يفهم ويستحق.
  • إن كان لمن ستمارس معه الجنس أكثر من شريك سيتعسر عليك جدًا تجنب المرض الجنسي المنقول بالعلاقات الحميمة.
  • قد ينجرّ عن هذه العلاقات أطفال. وهؤلاء سيعانون لاحقًا لأنه لا مسؤولية لك عليهم في مثل هذه العلاقات.
  • تحتاج العلاقات مثل هذه إلى وقت وجهد ومال. وهو إسراف في غير محلّه. من الهدايا والمواعدة في مطاعم واستدراج وترتيب للقاءات وحِمل نفسي فيما بعد (الفراق، وملاحقتك أو أن تلاحق* ذلك الشريك في الواقع والشبكات الاجتماعية…)

*ثبت بالدليل العقلي والعلمي والتواتر أن المرأة التي تخرج من علاقة ولا تتفحصُ الحسابات الاجتماعية لشريكها العاطفي السابق لمّا تُخلق بعدُ.

لذا من الآمن:

  • نفسيًا من ناحية المرة الأولى للممارسة ومن ناحية تجنب دراما غير ضرورية في حياتك (الفراق بعدها أو تجنب التعلق بالشريك الذي مارست معه…)
  • بدنيًا من ناحية الضمان الكليّ لعدم التقاطك أي عدوى جنسية
  • ماديًا من حفظ مالك ووقتك وجهدك فهذه العلاقات مُستنزفة للذهن والجيب والجهد

نظرًا لكلّ ما سبق من الآمن لك ألا تدخل في علاقة حميمة غير شرعية.

لهذا لا أزني ولله الحمد. فهناك مبررات عقلية لذلك حتى خارج المجال الديني.

انتهى المقال بحمد الله، إن أعجبك شاركه ولك الأجر، أو شاركه واشترك في رديف ولك أجران.


أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر


يونس يسأل: ما بوصلتك الأخلاقية خارج دائرة الدين؟


حقوق الصورة البارزة: Photo by Nick Morrison on Unsplash

رأي واحد حول “ما المعيار الأخلاقي الذي تسيّر به حياتك خارج دائرة المرجعية الدينية؟

  1. حقيقة يصعب علي تبني موقف أخلاقي متكامل دون الدين.. مع ذلك، قاعدة لا ضرر ولا ضرار كما أسلفت وحب للآخرين ما تحب لنفسك.. وفي كثير من الأخلاق فطرية تجعل الناس يتبنونها دون أن يستطيعوا تبريرها التبرير الكامل.. حتى لو ناقض ذلك مصالحهم.. السرقة مثلا قد تزيد المال لكن في قرارة النفس تعرف أن هذا عمل لا أخلاقي..

    وفعلا قاعدة: لو عمل كل الناس (أو جلهم؟) شيئا ما .. فما يؤول إليه يحدد أخلاقيته.. مثلا: القرصنة.. لو عملها كل الناس لدمروا الصناعات الإبداعلية .. وهذا يجعلها خاطئة أخلاقيا.. جميل فتح هذا النقاش..

    وعندي تعليق على مسألة الاختلاط وجوازها في الإسلام.. فمن يقرأ سيرة النبي (ًص) يجد النساء حاضرات بقوة في المجتمع في المساجد والأسواق وحتى وبيعات العقبة والنساء التي يبايعن النبي هاربات من المشركين وحتى الغزوات.. لذا ما ذكر من منع مواعدة الزميلات والتلميحات الجنسية وغيرها.. هو ليس من لوازم الاختلاط وإنما يمكن منعه وتقييده دوت التضييق على النساء واستفادة المجتمع كله..

    Liked by 1 person

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s