هذه التدوينة برعاية نشرة الأحد البريدية من إعداد الأستاذ علي عسيري وهي نشرة تشبه قرصات شاورمر لكنها للتسويق. اشتركوا فيها وشكرًا للدعم.
مساء السعادة والسرور،
اقترحت عليّ نور بارك الله فيها هذا الموضوع:
رمضان مبارك تقبل الله صالح الاعمال هذا سؤال الذي أرغب دائما في طرحه
لماذا يحب الناس تزيف حقيقة؟
وقد علّقت عن هذا الموضوع الأستاذة ميرا بقولها:
يقول غاندي: الحقيقة هي الصوت الداخلي الذي تسمعه أنت فقط.
نحن نزيّف الحقيقة لأنها تظهر ذواتنا الحقيقية، التي نخشى إظهارها.
والأستاذ حامد الخطيب بقوله:
غيّرتُ كل حقائقي ووضعتها
سدًا أمام الزيف من أوهامي
والأستاذ عبد الله بقوله:
تتعدد الأسباب ويكاد يكون أبرزها خدمة لمصالحهم
وأكتب أنا مستعينًا بالقوي المتين:
تشيع في الإنترنت هذه الصورة:

قبل أن نتحدث عن تزييف الحقيقة ولمَ يُزّيفها الناس: ما هي الحقيقة أصلًا؟
قبل أن نجيب على سؤال نور؛ نسأل أنفسنا ما هي الحقيقة؟ لا سيما أني أبشّرك وأخبرك أننا نعيش في عصر ما بعد الحقيقة.
هل إنكار شخص لفيديو مزيف تزييفًا عميقًا يصوّره وهو يجلد قطة مسكينة تزييفٌ للحقيقة؟
ما هو عصر ما بعد الحقيقة؟
وفق الهيئة التي تصدر قواميس أكسفورد فإن
ما بعد الحقيقة (Post-truth)، صفة تعرّف بأنها ما يتعلق بـ أو يشير إلى الظروف التي تصير فيها الحقائق الموضوعية أقلّ تأثيرًا في تشكيل الرأي العام من أثر تلك الدعوات إلى العاطفة والمعتقدات الشخصية.
كلمة العام 2016 من أكسفورد
إذًا كما ترون ليس هناك اتفاق مجمع عليه عمّا هي الحقيقة لا سيما في عصر التزييف العميق والشائعات والأخبار الزائفة.
البعض يقول أن الحقيقة المطلقة والموضوعية موجودة ويمكن اكتسابها بالتحري والتقصي الصحيحين؛ لكن في نظري دون تقسيم واضح للحقيقة سندخل في جدال عقيم لا مخرج منه ولا ثمرة بنهايته.
لذا قسّمتُ الحقائق إلى 3 دوائر هي:
- الحقائق الموضوعية
- الحقائق غير الموضوعية
- حقائق المنطقة الرمادية (لا هي موضوعية ولا غير موضوعية)
وسأتحدث عن خصائص كل نوع من الحقائق مع أمثلة كي تتضح لكم دون لُبسٍ.
أنواع الحقائق وفق يونس بن عمارة
الحقائق الموضوعية
وتتسم بأنها:
- حقائق لا يجادل فيها الناس غالبًا
- حقائق تحتاج ردًا عاجلًا في الغالب
- في حال عدم معالجتها فهناك عواقب وخيمة
أمثلة على حقائق موضوعية
- كسر في طرف من الأطراف رجل أو يد
- ألم الأسنان
- الحمل
- النزيف
- التعرض لإصابة وجروح
الحقائق غير الموضوعية
وتتسم بأنها:
- حقائق محل جدال لا ينتهي
- حقائق لا تحتاج ردًا مستعجلًا
- محلّ لتجاذب وجهات النظر
أمثلة على حقائق غير موضوعية
- هل كورونا حقيقة أم لعبة؟
- هل نعيش في محاكاة؟
- هل حَكَم مباراة فريقي المفضل مُنصف أو هو شخص اشتراه الفريق المنافِس؟
- هل صعد الأمريكان للقمر؟
- هل الأرض كروية؟
حقائق المنطقة الرمادية
وهي تتسم بأنها:
- حقائق تحتاج ردًا مستعجلًا لكن الرد غير متفق عليه
- غالبًا ليس لعدم اتخاذ إجراء بشأنها عواقب وخيمة
- يصعب الحكم على مثل هذه الحقائق
أمثلة على حقائق المنطقة الرمادية
- هل فستان ابنة عمتك الجديد لائق عليها؟
- هل قرار شرائك لجهاز لوحي جديد كان موفقًا؟
- هل رأيك في فلان صائب؟
- هل أخطأت بحق فلانة في ذاك الموقف؟
ولنوضح صعوبة الحكم دون تقسيم لهذه الأنواع من الحقائق: تصوّر معي هذا السناريو:
صديقك يشتري بذلة جديدة، ويلبسها أمامك ويطلب رأيك هل ناسبته؟ وأنت شعورك الأول هو أنها لم تناسبه؟
- هل تخبره بذلك؟
- هل رأيك في مدى مناسبة البذلة لصديقك هو الحقيقة؟
- هل إن أخبرته عكس ما أحسست به تكون قد زيّفت الحقيقة؟
طبّق نفس السناريو بين فتاتين مع تغيير في القصة.
فتاة اشترت فستانًا وجرّبته أمام بنت خالتها، وبنت خالتها رأت أنه ناسبها لكنها لم ترغب في قول ذلك وأرادت التقليل من شأن اللباس.
- الآن هل عندما تقول بنت الخالة أن الفستان عادي قالت الحقيقة أم زيّفتها؟
هنا تكمن صعوبة وضع اصبعك على الحقيقة والإشارة لها وإمساكها من تلابيبها.
دعنا نعقّد الأمور طبقةً أخرى.
فتاتان اشترتا ملابس وهما من أعزّ الأصدقاء لبعضهما البعض.
اشترت الأولى حجابًا وجرّبته أمام الثانية وقالت الثانية أنه لائق عليها وأنه ممتاز والأولى التي جرّبته واشترته أعجبها بالفعل.
لكن ماذا عن نسوية سافرة تشاهد الحوار من على بُعْد أمتار وتُظهِر ملامح الاشمئزاز وترى الحجاب قيدًا اجتماعيًا بغيضًا وحلقة ضمن سلسلة القيود التي تُثقل المرأة؟ وأنه لباس غير عصري ولا جميل؟
كل ما سبق ذكرته لإظهار أن الحقيقة ليست سهلة أن ترصدها وتقول أنها حقيقة لا بد للجميع أن يتقبّلها.
ولأن معظم الحقائق لا تُصنَّف ضمن الحقائق الموضوعية الملحّة التي ذكرناها أعلاه فليس هناك إجماع بشري على ما هي الحقيقة خارج الحقائق الملحة الصادمة والتي لها عواقب فورية إن لم تعالج.
تصوّر معي أنه إن لم يؤمن أحد بدين معين مثل البوذية انتابه صداع شقيقة 24 سا 7 أيام في الأسبوع وبمجرد إيمانه ببوذا يذهب الصداع الأليم.
أؤكد لك وقتها أن 99.99 بالمئة من الناس سيعتنقون البوذية في حين لن يستمر الآخرون في المقاومة إلا قليلًا.
في مثل ذلك العالم البوذية دين لا ذرة شكٍ تطاله.
إن فهمت هذا فهمت لماذا ومع أنك مسلم وتؤمن قطعًا بأن ما أتى به سيد المخلوقات عليه الصلاة والسلام حق لا ريب فيه. لا يؤمن بهذه الحقائق معظم سكان الأرض.
لأنها ومع أنها حقائق في نظري ونظرك إلا أنها غير ملحة ومع أن لها عواقب وخيمة لاحقًا إلا أن تلك العواقب ليست في الدنيا ومن هنا كان الملاحدة لا يؤمنون بالآخرة أساسًا.
هذه المقدمة والتقسيم هامين جدًا لفهم موضوع الحقيقة على ما هو عليه؛ والآن لنتفحص لماذا الناس تزيّف الحقيقة؟
9 أسباب تحثّ الناس على تزييف الحقائق
وفق موقع عالم النفس الشهير بول إكمان (Paul Ekman) هناك 9 أسباب تحثّ الناس على الكذب وتزييف الحقيقة وهي:
- لتجنب العقاب
- للحصول على مكافأة لا يمكن الحصول عليها دون تزييف الحقيقة
- لحماية شخص آخر من أن يطاله العقاب
- لحماية أنفسنا من التعرّض لأذى بدنيٍّ
- لننال إعجاب الآخرين
- للتملّص من موقف اجتماعي مُحرج
- لتجنّب الحرج
- للحفاظ على خصوصيتنا دون إشعار الآخرين بهذه النية
- لفرض السيطرة على الآخرين بالتحكم في قدر المعلومات الذي يعرفه المُتحَكم به
هناك طبعا أسباب أخرى والبعض يرى أن سبب كره الناس للحقيقة تُفسّره نظرية التنافر المعرفي، وهي نظرية مهمة أدعوك لتطلع عليه أكثر في هذا المقال نظرية التنافر المعرفي لصاحبها ليون فستنغر والبحث بالعبارة في غوغل والتعلّم أكثر بشأنها.
انتهى المقال بحمد الله؛ إن أعجبك شاركه مع غيرك ولك أجر؛ أو شاركه واشترك في رديف ولك أجران.
أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر
يونس يسأل: ما سبب تزييف الناس للحقيقة بنظرك؟
حقوق الصورة البارزة: Photo by Oksana Manych on Unsplash
قام بإعادة تدوين هذه على Louloumohamed.
إعجابLiked by 1 person
مقالة رائعة وأعتقد أيضًا أننا تحت تأثير عقلية القطيع لذلك نحن نزييف الحقيقة حتى لانتعرض لهجوم
إعجابLiked by 1 person
صحيح
إعجابإعجاب