هذه التدوينة برعاية:

شكرًا جزيلًا للأستاذة ميمونة لرعاية تدوينة اليوم، أوصي بمتابعة حساب ميمونة على تويتر لأنها مفعم بالفائدة والقيمة والاشتراك في نشرتها البريدية الممتازة: مقتطفات تسويقية مع ميمون وهي نشرة أسبوعية تسويقية ظريفة لا تتجاوز 500 كلمة توضح وتناقش المفاهيم التسويقية مع أمثلة عليها من علامات تجارية مشهورة.
إن تسائلتَ كيف ترعى إحدى التدوينات؟ يكفي أن تشتري أحد منتجاتي من هذه الصفحة منتجاتي الرقمية ثم راسلني وسأضع اسمك كراعٍ لإحدى التدوينات. رعايتك للمحتوى الذي أصنعه تعني استمراريته.
مساء الخير، عساكم بخير وعافية
طرح عليّ أخي طارق بارك الله فيه هذا الموضوع:
مقدمة عن المعنى
المتأمل في العصر، يلاحظ بسهولة ويُسر أن الكثير منّا يعيش أزمة معنى، ومن أوضح الدلائل على ذلك أن إجابتي على سؤال في موقع أجيب حصلت -ولا تزال تحصل- على الكثير من الإعجاب إذ تصلني الإشعارات بين الحين والآخر بحدوث إعجاب جديد.
يمكنك قراءة هذا الجواب على مدونتي لماذا خلقتُ؟ أو مباشرة على موقع أجيب.

بقول هذا نكتبُ أن هناك عدة فِرق ظهرت لحلّ هذه المشكلة، وهي كما يلي:
- فرقة تقول أن للحياة معنى، والمعنى دينيّ من الله وهؤلاء جميع الديانات والطوائف الدينية. ومعنى الحياة واضح لديهم وهو مختزل -وإن اختلفت العبارات- في أن تعبد إلههم.
- فرقة تقول أن الحياة لا معنى لها، لكن الإنسان هو من يضفي عليها المعنى، ولا بد أن يختار معنى لنفسه وهذه الفرقة منها الوجودية التي أطلقها سارتر وصحبه.
- فرقة تقول أن الحياة لها معنى لكنه ليس دينيًا وهم فرق متعددة والفَرق بينهم وبين أصحاب الأديان أنهم يرفضون أن يكون للحياة معنى ديني. فبعضهم يقول الإنسان معنى كل شيء، والآخرون يقول أمنا الطبيعة معنى كل شيء وهكذا.
الحياة تأخذ معناها من كونها تُختم بالموت، ومن عقيدة تؤمن بها
مرّة كنت أتناول قطعة من الكاشير وأنا أمشي، فعلق جزء منها في قصبتي الهوائية فعجزت عن التنفس، دخلت المحلّ وحاولت التنفس بقوّة فلم أستطع، جثوت على ركبتي وقلت لنفسي: هو ذا أنا أموت. وآخر ما خطر لي وقتها هو مقولة سيدنا علي كرم الله وجهه:
مسكين ابن آدم: مكتوم الأجل، مكنون العلل، محفوظ العمل، تؤلمه البقة، وتقتله الشرقة، وتنتنه العرقة
نهج البلاغة
أنا مُحسن الظن بالله، وأهم عمل لدي أقابل به الحق سبحانه هو المحبّة. أنا أعشق السيد علي رضوان الله عليه وجميع أولاده وذريته. والمرء كما قال المصطفى عليه السلام مع من أحبّ.
كيف انتهت القصة؟ الواضح أني عشت لأني أكتب هذا الآن، حيث بمساعدة أخي أيوب الذي أتى لي بالماء وذكّرني أن أتنفس من أنفي، وبعد فترة ارتحت وذهبت تلك البقايا العالقة، استغرق الأمر ساعات حتى ذهبت كليًا لكني قررت من ذلك الوقت:
- أن أحاول ألا آكل وأنا أمشي أبدًا
- أن لا أتناول الكاشير مرة أخرى
إني ولله الحمد لا أخشى الموت. لسبب وجيه. هو أنه في جميع أعمالي أبذل ما في الوسع. في حال عملتُ عملًا ولم يعجبكَ فذلك وسعي وقت كتابته أو إنجازه، وهكذا مع جميع المهام أبذل ما في وسعي متوكلًا على الحي الذي لا يموت لذا لا أخاف ما سيأتي.
لو كانت الحياة بلا معنى لفعلتُ كما كتبتُ في تويتر جوابًا عن سؤال: ماذا كنت ستفعل لو كانت الحياة بلا معنى؟
لو كانت الحياة بلا معنى لسافرت إلى سويسرا وجرّبت آلة ساركو، المؤسف أني لن أستطيع منح تلك الآلة خمس نجوم بعد تجربتها.
يونس بن عمارة – ساركو آلة مخصصة للانتحار دون ألم
أفضل مصدر في الإنترنت لدحض العدمية بأنواعها وإثبات المعنى للحياة دون استناد للأديان
أتابع من فترة موقع الكاتب ديفيد تشابمان David Chapman واسم موقعه -الذي هو عبارة عن كتاب قيد التأليف كتب منه عدة فصول على مدار سنوات-: المعنى meaningness.com، وآخر تحديث منه وصلني يوم 3 يناير 2021 وهو فصل (أو مقال بعنوان): لا معنى للحياة إن نظرتَ لها بصورة مُجملة. وهو طبعًا يدحض هذه الفكرة.
موقع ميننغنَس من أفضل المواقع التي تتحدث عن المعنى وتفنّد مزاعم العدمية، هو موثّق جيدًا بالمراجع ومكتوب بحرص وعناية، وقراءته ليست يسيرة لكنها تغذي الذهن.
والآن عودةَ لسؤال الزميل طارق:
كيف يمكن للشخص أن يجد معنى لحياته؟
فنقول مستعينين بالحي الذي لا يموت. أنه قبل أن تحدد معنى لحياتك لا بد أولًا أن تحدد معتقداتك وما تؤمن به لأنه إن كان لك معتقد سَهُل الأمرُ، فإن لم يكن كان صعبًا وسنتناول الحالتين.
إيجاد معنى للحياة لمن له معتقد وإيمان بالفعل
هنا الأمور سهلة، لأن حتى عبدة الشياطين والعياذ بالله لديهم معنى في الحياة هو إعلاء كلمة اللعين في الأرض.
نفس الشيء مع أي دين أو معتقد ولدى الطوائف ضمن ذلك الدين أو المعتقد.
فعلى سبيل المثال من معاني حياة البهائيين الإيمان بكتبهم وبالرقم 19 -لسبب لا أعلمه- والعيش حياة تليق بمبادئ الدين البهائي وقيمه.
نفس الشيء مع الأحمدية.
كيف تجد معنى لحياتك إن كنت مؤمنًا بدين معين؟
إن كنت تؤمن بدين معين، وطائفة ضمن ذلك الدين (شيعة، صوفية، إباضية، سلفية…إلخ) اذهب لمرجع تلك الطائفة واسأله معنى الحياة وسيجيبك. فذاك هو معنى الحياة وستصدقه لأنك تؤمن بذلك الدين وفق فهم تلك الطائفة.
على سبيل المثال في هذا العالم لن تجد أن الإمام أحمد بن حمد الخليلي متحيّر في معنى الحياة فهو يعرف بدقة ما هو معنى الحياة من ثَم لا ينبغي أن يشعر الإباضية بحيرة ما معنى الحياة.
إيجاد معنى للحياة لمن ليس له معتقد وإيمان
هنا تكمن الصعوبة كلها، لأنك مضطر لأن تختار بين:
- بناء نَسَق (أي منظومة أفكار متسلسلة بالمنطق) فكري متكامل من الصفر
- تبنّي نسق موجود بالفعل
بناء نَسَق فكري متكامل من الصفر
وكلاهما مهمة صعب. فبناء نسق فكري من الصفر سيأخذ من عمرك سنوات طوالًا. ووقتها تصبح فيلسوفًا وتوفّر للناس نسقًا قد يتبعه ويتبناه من يعجبه. وفي نسقك الفكري ستفسّر الأشياء والعالم وتجيب عن الأسئلة الصعبة مثل هل الكون مخلوق، هل هناك إله؟ هل هناك أنبياء إلخ وطبعًا من ضمنها هل للحياة معنى. وهو جهد شاق ولذلك لا يوجد عدد كبير من الفلاسفة مقارنة بعدد الناس.
تبني نسق فكري موجود بالفعل
أزاح الكاتب ماكس تيغمارك عنّا العناء ولخّص لنا الخيارات المتاحة لدينا الآن في كتابه كوننا الرياضي وتكلمت عنه من قبل في هذه التدوينة تشارلي تشابلن يُصرِّح «إننا بحاجة للإنسانية أكثر من الآلات؛ واللطافة ودماثة الخلق أكثر من الذكاء» وترجمت مقاطع من كتابه. هذا ما يهمنا فيها اليوم:

استخدام هذا المقطع يسير: لكن الرحلة الفكرية بعده ليست كذلك. لأنها تتطلب بحثًا
- اختر تفسيرًا للواقع من الخيارات أعلاه
- ابحث عن تلك الفلسفة أو النظرية -مثلًا في آخر خيار هناك مقولة لا وجود للواقع أصلا وهي من مقولة النظرية الذاتوية- واقرأ عنها أكثر
- عندما تتعمق في النظرية التي اخترتها ستخرج بمعنى للحياة
ما هو معنى حياتك الشخصي؟
معنى حياتي الشخصيّ أي معنى حياة يونس بن عمارة، هو أنه بغض النظر عن وجود معنى للحياة أو لا فإن مهمتي هنا أن:
أُوقع أعظم المنافع بأكبر عدد ممكن من البشر في حياتي -أيًا كانت دياناتهم-
كيف سأفعل ذلك؟
لأن أكثر شيء أجيده هو الكتابة. فإني صغتُ مهمتي في الحياة كما يلي:
التعبدُ للحي الذي لا يموتُ بزيادة كمِ المحتوى العربي وجودته على شبكة الإنترنت.
كما كتبتُ ذلك في مقالي: 10 أسبابٍ للتفاؤل بمُستقبل المحتوى العربي
وإيقاع النفع بالخلق لا يعني الاقتصار على النفع من جهة المحتوى فقط، فأنا أيضًا أحاول فعل الخير كلما أتيح لي ذلك. مسترشدًا بمقوله الإمام أحمد بن حنبل رضوان الله عليه: إنوِ الخير فإنك بخير ما نويت الخير.
طبعًا معناي الشخصي نابع بالفعل من معتقدي الديني فأنا أؤمن بالله ورسوله سيدنا محمد عليه السلام وأعتقد اعتقادًا جازمًا لا يتزحزح أن الله لا يظلم أحدًا، وأنه لم يخلق هذا الكون عبثًا وأنه حكيم والحكمة مُنزهة عن العبث.
وأيًا كان مراد الحق من خلق العالم فأنا أثق به. وسلّمت أمري له. وفي هذا السياق يسرّني أن أستشهد بهذه القصة التي تعجبني.
فقد سُئل الجُنيد رضي الله عنه عن مراد الحقّ من هذا العالَم، قال: ما هم فيه.
فكل ما وقع ويقع لا يخرج عن قبضة إرادته سبحانه، ومسألة رضاه أو عدم رضاه عما هو واقع موضوع آخر.
بقول هذا تبقى أمامك خياران هما:
- أن تقبل بما وقع ويقع في العالَم إذ هو إرادة الحق
- أن تسخط وتشك ولا تقبل
أنا اخترتُ الخيار الأول. لأن سيد الكائنات عليه السلام -ويروى موقوفًا عن سيدنا بن مسعود رضي الله عنه– قال:
إن الله بقسطه وعدله:
- جعل الروحَ والفرج في الرضا واليقين
- وجعل الهم والحُزن في الشك والسخط
ومرة أخرى أنا اخترتُ الخيار الأول.
وهنا في الجزائر يقولون لمن يكذب عليك “يُطعمنا الخرشف” ومنه كتبتُ
إنّي خالطتُ الأنام
فأشبعوني خُرشفا
وصدّقت كلام ربي ونبيّه
فأباحني من ماءِ السكينة
والهدوء والرضا أن أرشُفا
يونس بن عمارة
المبادئ الخمسة التي تُسيّر حياتي وتبثّ في أوصالها المعنى
العلم
والمقصود به هنا العلم الشرعي بحيث أعرف الضروري من الدين. لأعبد الله عن علم. والعلم الدنيوي بمختلف أنواعه كي أرفع الجهل عن نفسي كالمعلومات التقنية، والنفسية والفيزيائية وما إليه
العمل
وهو قسمان العمل بما أعرفه من الضروري من الدين من افعل ولا تفعل والتكاليف وأركان الإسلام، والعمل الدنيوي من تطبيق ما أتعلمه منه مثل أساسيات العمل الحر والكتابة والترجمة والتسويق إلخ
العبادة
وهي فضلًا عن الفرائض، كل ما أستطيع فعله لتعزيز العلاقة مع الحق تعالى: من نوافل وذكر وفعل الخير وما شابه
بسيرك زمانك سِر
والمبدأ هنا لا يقصد أن تميل مع الأهواء والجديد، بل تأخذ من التطورات ما لا يخالف قيمك ومبادئك وتجيده وتسخره لخدمتك وخدمة مبادئك.
الحمد والشكر
المتابعُ لمدونتي يعرف ولعي الحميد بالشكر والحمد والامتنان. فلا حاجة لشرحه لكني أنتهز الفرصة كذلك لأشكر فأقول:
إني أحمد الحق تعالى على جميع نعمه التي منحنيها مُذ خلقني في رحم أمي؛ بل ما قبل ذلك حيث كنتُ في علمه، وأحمد الله تعالى على كل ما أنعم به علي وما سينعم به علي وأحمده على جميع النعم التي أغدقها على خلقه من قبل، والآن ومستقبلًا سواء أولئك الذين شكروه عليها أو لم يشكروه عليها.
انتهى المقال بحمد الله.
أرجو عزيزي طارق أن المقال أجابك عن سؤالك.
شاركوا المقال ولكم أجر، أو اشتركوا في رديف ولكم أجران.
يونس يسأل: ما معنى حياتك؟