الصبرُ: نموذجُ عملٍ تجاريٍّ جديد للشركات الإعلامية مختلفٌ جذريًا عن السائد

تقديم المترجم:

أهلًا بكم، طالعتُ عددًا هائلًا من المقالات التي تتحدث عن الصحافة والإعلام الجديد، لا سيما نماذج العمل التجارية الخاصة بالصحافة وشركات الإعلام، ومعها الكثير من الكتيبات، والنشرات البريدية بحيث أنه أصبح لدي تصوّر أكثر من واضح عن هذا القطاع، لكن من بين جميع ما قرأته لم أجد قطعة محتوى أكثرَ إقناعًا ولا عمليةً من قصة رأفت علي، مؤسس موقع سكيفت، هكذا لما صادفني مقاله في النشرة البريدية ذا ريبوتنق بالتحديد في عددها المعنون قوّة عدمُ فعل شيءٍ، تواصلت مع رأفت وقلت له إئذن لي بترجمة المقال ففعل بارك الله فيك.

إذ رأيت أن هذا المقال (رغم طوله ورغم أن تاريخ نشره 2018) إلا أنه لا بد على شركات الإعلام الناشئة والراسخة على حد سواء في الوطن العربي أن تضعه بالحسبان إن لم تطبّقه حتى، وذلك يستفيدوا من التجربة المميزة التي قدّمها لنا المدون المخضرم والإعلاميّ المميز رأفت علي. وبما أنني أنا نفسي أطلقتُ مشروعي الخاصّ (لا زال في طور التجريب لكن المجتمع متاح لمن يرغب بالاشتراك) واسمه رديف فسوف أتمثّل في تسييره إن شاء الله الكثير من فلسفة رأفت لأنها تناسبني وتوافق ذهنيتي فشكرًا لك رأفت. الآن سأترككم مع رأفت نفسه كي يتحدث:

المقال:

أصبحت شركة سكيفت الإعلامية بعمر السادسة الآن. ومن بين جميع الإنجازات التي يمكن للمرء أن يطلبها من شركة لا زالت في المهد، فإن بقاءها عاملةً بل ومجرد بقاءها أساسًا هو أصعب هذه المطالب. لا تدعنّ أحدًا يخبرك بخلاف ذلك. ذلك أن إطلاقك شركة إعلامية ناشئة في ظل أزمة وجودية تعصف بقطاع الإعلام في جميع أنحاء العالم، يجعلك منذ البداية تخلق أكبر المصاعب والعوائق أمام نفسك.
وبعد ستِّ سنوات من رحلة بناء شركة سكيفت، تلك الرحلة المليئة بالتعرجات والطرق الملتوية -وبعد 2,191 يومًا من الإطلاق- ها نحن لا زلنا هنا ونعتزم أن نظل هنا موجودين لفترة طويلة، طويلة جدًا من الزمن.

حري بالذكر أن الديمومة (طول عمر الشركة) ليست من أولويات الكثير من المؤسسين الذين أطلقوا مشاريعهم الناشئة للتو. بل والأكثر من ذلك أن بناء شيء يكون إرثا لمن بعدهم ليس موجودًا أصلًا على خارطة ما يفكرون به. لكن هناك بعض المُحفِّزات التي تدفعك نحو هذه المفاهيم (صنع شيء يكون إرثًا وطول عمر المشروع) بصفتك مؤسس شركة ناشئة، وقد استوعبت هذه المفاهيم في منتصف رحلتي هذه التي امتدت ست سنوات.

وُلد ابني أوائل عام 2015، في الوقت الذي كانت فيه الشركة التي أسستها قبل ثلاث سنوات تنمو خارج شرنقة مرحلتها المبكرة، وهي مرحلة البقاء على قيد الحياة بأي ثمن. ومع أن ما يلي قد يبدو كليشيه وأمرًا مكرورًا لأن كل من صار أبًا أو صارت أمًا ستخبرك بذلك: إلا أن الحياة الجديدة (ابني) التي دخلت حياتي غيّرت بالفعل كل شيء في نظرتي للحياة والعمل.

عندما بدأت أفكر في هذه الحياة الجديدة (ابني) التي تحتم علينا الاعتناء بها، بدأت أفكر في القيم التي أحب أن يكبر ابننا وفقها، وهذا ما يجب أن يبدأ بنا نحن الآباء حيث ينبغي علينا أن نعلمه ما نعتز به من قيمٍ، تلك القيم التي استقيناها من آبائنا وترعرعنا وفقها.

وأكبر هذه القيم التي ظللت أفكر بها لمدة طويلة والتي تمكنتُ بعد لأي من تشرّبها بنفسي هي الصبر. والصبرُ من حيث القصد والعيش ونظرتك للحياة، في عالم يوفر المتع الفورية حسب الطلب، وهو العالم الذي نعيش فيه، أصبح مهارةً حياتية شديدة النُدرة، بصورة لا تُصدق. ولا تفهمني خطأً، فالصبر فعلًا مهارةٌ حياتية.
وبما أني نشأتُ في ظل الحكم الاشتراكي للهند سنوات الثمانينيات، لم يكن تعلم الصبر ومن ثم تقبل خيبة الأمل خللًا في النظام. بل كان سمةً من سمات الحياة الطبيعية كما هي وكما يعرفها الناس هناك وحينئذ. في ظل مثل هكذا حكم كان كل شيء وأي شيء محضَ “انتظار”. كانت الحياةُ انتظارًا مع الكثير والكثير من الناس في الطابور معك، وكان الأمر كما لو أن تشكيل طوابير الانتظار فضيلة مَدَنية ينبغي أن نتحلى بها.

ستحطمك الهندُ شظايا إن قدمت للعيش بها بمفاهيم الدول الغربية للكفاءة، المتمثل في معادلة منطقية بسيطة وأنيقة مفادها أن من جدّ وَجَدَ ومن بذل جهدًا ينال نتائج بحجم الجهد المبذول. إن نشأتَ هناك، كما فعلت أنا، سيترسخ لديك شعورٌ عميق من الهدوء والرزانة إزاء كل شيء.
ذلك أن الضربات اليومية التي ينالها عزمك النفسيّ على ألا تستسلم، وتلك الصفعات التي ينالها احترامك وتقديرك لذاتك، والمعيقات التي تعيق سعيك لأن تُسيّر شؤونك بما لديك من معطيات، كل ذلك يعلّمك فضيلة الصبر. يعلّمك ذلك أيضًا النظرة بعيدة المدى، أن كل شيء بنهاية المطاف سينجح إن مضيت في دربه قدمًا بما يكفي. ذلك أن كل شيء على يرام في نهاية المطاف. في حال لم يكن ذلك كذلك، فهي ليست النهاية إذًا.
هذه هي المهارة الحياتية التي أريد أن أعلمها لابني الذي هو في سنّ الحضانة الآن والذي نفد صبره بالفعل! “Le pause“، أو “التمهل” هي الطريقة العظيمة التي يُعلّم بها الآباء الفرنسيون أطفالهم الصبر. أن تتمهل للحظات قبل أن تهرع لفعل شيء ما. وهذا هو فحوى تلك الطريقة: أخذ مُهلة قبل الفعل. فقط. هذه هي ببساطة.

وهذه هي القيمة التي جئت بها للشركة التي أطلقتها والتي أواصل بنائها الآن مع فريق شركة سكيفت.

من تجليات هذه القيمة في شركتنا: عدم جمعنا المزيد من الاستثمارات، واتخاذنا قرارنا بألا نجمع أي أموال عدا ما أخذناه في التمويل الأولي وأن نشقّ طريقنا بأنفسنا، كل ذلك منحنا الصبر. وبدوره منحنا الصبرُ القدرة على حجب الضوضاء الخارجية وضجيج قطاع الشركات الناشئة المحتدم، ومنحنا أيضًا التركيز على بناء المُنتجات والعلامات التجارية التي تهمنا أكثر.

فكّر في الأمر، تمهّل قليلاً. “تمهّل لتتمكن من المضيّ بسرعة” هي الفلسفة التي اعتمدناها عام 2015. وقد كتبت ما يلي في تلك المذكرة:

“هذا هو مبدأ التشغيل الجديد الذي ستمضي وفقه شركة سيكفت -سواء في عملنا أو في ثقافتنا المؤسسية- والذي نريد تجسيده من الآن فصاعدًا:

  • اعتماد مبدأ “إنجاز القليل بالكثير الذي معنا” بدل “إنجاز الكثير بالقليل الذي لدينا”
  • اعتماد مبدأ “تمهّل لتتمكن من المضيّ بسرعة” بدل “التوسّع”
  • الأقل هو الأفضل، والأقل هو العميق، والأقل هو البطئ لكنه المُنجز بعناية وعن قصد، والأقل هو الإنسان والإنسانيّ على حد سواء”.

في ظل أن كل شركة ناشئة تتبنى المقولة الرائجة التي تفيد بأن تتحرك بسرعة وتكسرَ الأشياء، هناك قيمةٌ جليلة لفعل عكس ذلك تمامًا.

وفي ظل أن الجميع يريد الإسراع، والتحول، والفشل بسرعة لإطلاق شيء جديد، هناك قيمة جليلة في التركيز على رؤيتك، والمضي فيها أعمق، وأخذ وقتك لبناء ما ترغب به. في هذا السياق، نرى الجودة هي النتيجةُ النهائية للصبر. الجودة هي نقطة البداية في رحلة تحقيق الديمومة وطول عمر المشروع.

هذا ما يعني أن تُعيد توجيه كل شيء، بأناة وتمهل، نحو ذهنية قائمة على التفكير بعيد المدى.

بالنسبة لنا بصفتنا شركة إعلامية، يبدأ الأمر بمرحلة التحرير وإجراء البحوث: فكّر فيما وراء العناوين الرئيسية، فكّر في الاتجاهات التي تشكل طبيعة الشركات ومستقبل السفر، وهذه النقطة احتضنّاها منذ أن انطلقنا وحتى الآن ألا وهي إيجاد الاتجاهات التي تظهر في قطاع السفر ومتابعتها وفكّ رموزها. فكّر وفق منحنيات سردية مُتعددة السنوات، وهذه ‘مانترا’ ألقيها على كبراء المحررين لدي في كل مناسبة تسنح لي. كل قصة صحفية نتابعها لها وجه أبعد مدى مما هي عليه الآن، ولها تاريخ أطول مما نتصوّره لأول وهلة، ومنظور أوسع وأعمق مما نخطط الآن لكتابته عنها. نستطيع إثراء أي قصة صحفية نكتبها الآن بالتحدث إلى مصادر بعيدًا عن تلك المصادر البديهية (مثلًا قد تجد رؤى ممتازة عن موضوع متخصص لدى شخص ليس له علاقة وثيقة بذلك التخصص) إن تنوع الآراء يجعل المواد التي نكتبها أكثر أهمية اليوم ويجعلها دائمة الخضرة (لا تبهتُ منفعتها سريعًا) على المدى الطويل. إن الكتابة عن قطاع السفر بلغة أقرب للإنسانية (بعيدًا عن الكلمات الطنانة الرائجة تلك الفترة) يعني قرّاء أكثر للمواد التي ننتجها بل والأرجح أننا سنحصل على قرّاء أكثر على المدى الطويل، عندما يتغيرُ وجه القطاع كليًا.

يعني ما سبق كذلك أن علينا أن نعرّف ما الابتكارُ بالنسبة لنا.

وإحدى المغالطات المنتشرة عندما نتحدث عن الابتكار في الشركات الإعلامية اليوم تتمثل في:

  • 1) أن الجديد يعني الابتكار و
  • 2) أن صيغ المحتوى الجديدة تعني الابتكار.

وهذه المغالطة هي سبب خراب الكثير من وسائل الإعلام التي هرعت تطارد كل شيء جديد يبزغ في الساحة. لذا الابتكار بالنسبة لنا، وهو ما أتبعه وأراهن عليه في مشاريعي الإعلامية، هو ألا نطارد الصيغ الجديدة للمحتوى، بل نتبنى الطرق الجديدة لرؤية أو تفحص القطاعات الموجودة بالفعل. إن مطاردة الصيغ الجديدة للمحتوى (والمقصود بها مثلًا البودكاست، والقصص التفاعلية، والقصص الصحفية بصورة ألعاب وأي شكل تقني جديد يمكن للمحتوى أن يأتي به) والأمل بأن يتحقق الابتكار يشبه أن تغير نظارات قرائتك المرة تلو الأخرى والأمل بأنك ستقرأ نصًا جديدًا كل مرة ترتدي فيها نظارة جديدة. على الجانب الآخر، يتطلب تبني وجهات نظر جديدة صبرًا وابتكارًا أكثر مما يتطلبه إحداث تغييرات جمالية وشكلية على المحتوى. لذا يتمثل المفهوم الحقيقي للابتكار كما نعرفه وهو المفهوم الذي نراهن عليه على المدى الطويل: في تبني طرق جديدة للنظر للعالم.

وهذا يعني أيضًا، مرة أخرى، إعادة تعريف ما الذي يعنيه “التوسع” بالنسبة لنا.

لقد غيّرت الإنترنت ما الذي يعنيه التوسع لدى الجميع، وأصبح مفهوم التوسع سعيًا لا نهاية له لجذب أعداد أكبر فأكبر من الجماهير. أصبح هذا المفهوم “توسعًا من أجل التوسع ذاته”، وأصبح حمىً هوسية تُغذّيها أموال المستثمرين لإثبات الجدوى التجارية لنموذج سيلتهم نفسه بنهاية المطاف. بالنسبة لنا، تخلينا عن السعي خلف التوسع نحو العام 2014، بعد أن أدركنا الحقيقة التي سردناها أعلاه، ومنذئذ أعدنا تعريف التوسع وما هو بالنسبة لنا: إن المشاريع الإعلامية التي نحن بصدد بنائها جزء كبير من حيوات أولئك الأشخاص المهتمين بقطاع السفر. هذا هو التوسع بالنسبة لنا، أن نكون جزءًا كبيرًا من المسيرة المهنية للناس ذوي الصلة بقطاع السفر. هذه هي الطريقة التي نقيس بها التأثير الذي نُحدثه.

هذا يعني أيضًا إعادة تعريف معنى التوظيف بالنسبة لنا.

نريد بهذا الصدد أن نُوظِّف ونطوّر أولئك المهمتين بخوض مسيرة مهنية حافلة في قطاع السفر، أولئك الناس الذين يريدون أو لديهم بالفعل خبرات في قطاع السفر -وليس الهواة- ويريدون أن يعملوا باحترافية ويبنوا سيرة ذاتية يُعتد بها في أحد أكبر القطاعات الاقتصادية وأكثرها إثارة على وجه المعمورة. بهذا الصدد، وفي مسألة التوظيف نقدّم لموظفينا وعدًا جريئًا مكونًا من أربع نقاط، نعتبره التزامًا طويل الأمد يقع على عاتقنا تجاههم:

  1. إن الانضمام للعمل في سكيفت سيشكل نقطة تحوّل في مسيرتك المهنية.
  2. ستُنجز معنا في شركة سكيفت أفضل عمل ستنجزه في حياتك.
  3. سيكون العمل معنا في سكيفت أسعد وظيفة تشغلها في حياتك.
  4. سيُهئيك العمل معنا للحياة إجمالًا: إذ أن نجاحك حتى خارج سكيفت سيعني لنا الدنيا وما فيها.

وهذا أيضًا ما يعنيه الأداء بالنسبة لنا كشركة وفريق عمل.

يعني الحضورَ والإنتاج، كل يوم، يومًا تلو الآخر، مرارًا وتكرارًا. إن الديمومة في العمل، إن كانت ساعات العمل بالقدر المناسب كل يوم، أكثر أهمية بكثير من إهلاك نفسك بالعمل وانغماسك فيه لدرجة غير معقولة. في هذا السياق، تُمثل جودة عملنا النتيجة النهائية لهذه الديمومة الممزوجة بالصبر. هذه هي وصفتنا السرية (التي لم تعد سرًا) لغزارة إنتاجنا على مدى طويل.

وما سبق يعني أيضًا إعادة تعريف ما الذي تعنيه الثقافة المؤسسية بالنسبة لنا.

إن الثقافة المؤسسية لدينا ليست ذاك الشيء الأسطوري السحري الذي ينبثق نهاية كل يوم عمل، وليست ذلك المسوِّغ الذي يجعلك تتحمل بلعَ حبّة الكدح المُرّة. بل الثقافة المؤسسية تنبع لدينا من جوهر العمل ذي المعنى الذي نقوم به، وجميعنا يرى عيانًا الآثار الملموسة للعمل الذي ننجزه -بل وحتى دفع عجلة التغيير في مستقبل قطاع السفر والمطاعم- في غضون فترة زمنية معقولة لصالح الناس الذي لأجلهم نفعل كلّ ما نفعله. وهذا ما يمنحنا بدوره دافعًا لإنشاء ثقافة طويلة الأمد، تتمحور حول آفاق مبشرة أوسع يمنحها قطاع السفر، ووعدنا نحن الذي نقطعه لقطاع السفر يتمثل في: شعورنا الدائم بالفضول تجاه الشركات والإمكانات الإبداعية التي ينطوي عليها قطاع السفر، وما الذي يعنيه ذلك للعالم بأسره. وكما أقول كثيرًا إن تعبتَ من شركة سكيفت، فقد سئمتَ إذًا من البشرى التي ينطوي عليها قطاع السفر. هذا هو ما يسكن ثقافتنا المؤسسية، اليوم وغدًا وما بعده.

وهذا بدوره ما يعني بلا شك تغيير النظرة التي نرى بها عملية خلق القيمة في الشركة التي نبنيها.

ما الذي يتطلبه أن تبني شركة إعلامية يهتم لها الناس حقًا من حيث حياتهم اليومية والمهنية على حد سواء، والتي يمكن أن تنجو من أي نوع من أنواع التحوّل صغيرًا كان أو كبيرًا، والتي يمكن أن تزدهر على المدى البعيد؟
بهذا الصدد، وضعنا “معيارًا” لقياس طول عمر الشركات الإعلامية. وتقريبيًا يتمثل هذا المقياس فيما يلي: تخيّل أنه وبسبب إحدى الكوارث، ستغلق الشركة الإعلامية التي تعرفها فجأةً أبوابها غدًا. هل سيفتقدها الناس؟ وهل سيُحدِث اختفاء تلك الشركة ضررًا شاملًا بالقطاع الذي تعمله به من شتى الأوجه؟ يمثل الشِق الأول من السؤال المستوى الأول من الاختبار، فيما يمثل الشق الثاني المستوى الثاني منه، ويستغرق الأمر وقتًا كي تبني شركة إعلامية يكون الجواب على كلا السؤالين أعلاه في حالتها: نعم.

ماذا سيحدث في اليوم الثاني وما بعده، إذا مُتَّ فجأة غدًا؟

وما ورد أعلاه ما هما إلا صيغتان لقول أمر واحد هو: ما مقدار القيمة والنفع -سواء كانت الشخصية أو المهنية- التي يعزوها المستخدمون إلى علامتك التجارية؟ وما مدى استغناء بيئة القطاع الذي تعمله فيه عن وجودك؟
كل ذلك يُبطن حقيقة بشعة لا يُنبس بها غالبًا عن قطاع الإعلام عمومًا ألا وهي أنه يمكن الاستغناء عنك تمامًا، ليس بطريقة واحدة فقط بل بعدة طرق كثيرة. الحلّ أن تعمل وتمضي نحو تصيير نفسك وعلامتك التجارية لا غنىً عنها وذلك من خلال خلق ما يكفي من القيمة.

وهذا ما يعني بدوره إعادة تعريف ما الذي تعنيه القيادة الإدارية بالنسبة لي.

بدلاً من “القيادة من الخط الأمامي” (أي تصدّر الفريق وشق الطريق معه للأمام) كما فعلت خلال السنوات الخمس الأولى، وهو دور ضروري لبناء شركة لا تزال في مهدها، أنتقل الآن إلى “دفع العجلة وتمكين الآخرين في الخطّ الخلفي” وهو الحال بالنسبة لإدارة شركتنا الآن. بعد أن كنتُ الوجه الذي يمثّل شركة سكيفت، صرتُ الآن أعتزّ بكوني مجرد عضو فيها. ذلك أن الغاية بعيدة المدى لأي مؤسس لأي عمل تجاري أن يصبح بنهاية المطاف لا دور له فيه. وأنا الآن أسعى لفعل ذلك.

طالع أسرار طول عمر الأعمال التجارية في الكتاب الجديد الصادر عن سكيفت “للمدى البعيد”

إننا بصدد إصدار كتاب عنوانه “للمدى البعيد”. يعدّ هذا الكتاب تجسيدًا طموحًا لفلسفتنا بشأن طول عمر الأعمال التجارية، حيث استخدمنا الشركات العاملة في قطاع السفر بمثابة مرآة لعكس وإبراز سمات الشركات والعلامات التجارية التي تتمتع بطول العمر وبإرث عابر للأجيال. تناولنا في هذا الكتاب التركيز على الكفاءة التي تمضي وفقه شركة جيه آر إيست (JR East) في اليابان، والإرادة الجريئة للتحوّل جذريًا التي تتمتع بها شركة ساوث إيست آيرلاينز (Southwest Airlines)، إلى مبدأ عدم الاستخسار في الإنفاق على خدمة عملائك التي تمضي وفقها شركة أوبروي هوتلز (Oberoi hotels)، كما وتناولنا إدراك شركة إكسبيديا (Expedia) أنها تستطيع حقًا جعل حيوات الناس أيسر، في فصولٍ ستستمد منها دروسًا قيّمة ذات نفع كبير. لمس الكتاب أيضًا قدرة شركة أوتوغْرِل (Autogrill) على خلق شعور بالمكان ضمن ما تقدمه من عروض وخدمات، ورغبة إدارة مهرجان ساوث باي ساوثويست (South by Southwest festival) في احتضان الغرباء، وهي لعمري دلائل وعلامات على النظرة بعيدة المدى لتلك الشركات. ونحنُ، في شركة سكيفت، نشيد بهذه الاستراتيجيات ونحن نتطلع قدمًا لإحياء المزيد من الاحتفالات السنوية لتأسيس شركتنا.

كاتب المقال

رأفت علي، مؤسس ذا سكيفت ومديرها التنفيذي، مؤسس موقع بايد كونتنت، هندي بريطاني أمريكي، روحٌ عالمية، تصفّح مدونته الشخصية: rafat.org


تُرجم المقال بإذن كاتبه الأصلي رأفت علي. ترجمة: يونس بن عمارة.

رابط المقال الأصلي.

لطلب خدماتي في الترجمة اضغط هنا.


حقوق الصورة البارزة: Photo by Laura Chouette on Unsplash

رأي واحد حول “الصبرُ: نموذجُ عملٍ تجاريٍّ جديد للشركات الإعلامية مختلفٌ جذريًا عن السائد

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s