40 % من موظفي الدول الغنية يشعرون أن وظائفهم لا معنى لها

عساكم بخير وعافية،

تعقيبًا على مقال مارك أندريسن “حان وقت البناء والتشييد”، الذي تداوله العديد من رواد الأعمال وقادة الفكر في الغرب، نظرًا لمكانة كاتبه مارك أندريسن في الثورة الرقمية التي نعيشها، والتي من أبسطها مقولته الشهيرة “البرمجيات تلتهمُ العالَم”، كتبت ساري آزوت في نشرتها البريدية “تفقد نبضك” العدد 42 ما ترجمته:

يعمل عدد كبير من ألمع العقول وأذكاها في وظائف غير ذات بال ويقضون وقتهم الثمين في العمل لدى الشركات حيث يشعرون أنهم في دائرة الخمول (ضد الشهرة) والتجاهل. يشعر هؤلاء من أصحاب العقول الذكية بالملل، والعمل ضمن بيئة لا تحديات مهمة فيها، وأنهم لا يبذلون أفضل ما لديهم. عن نفسي، أعتقد أن تحرير هؤلاء الناس هو أهم هبة يمكننا منحها إياهم في حياتهم كلها.

يتمتع الناس بمَلَكة متأصلة فيهم تحثهم على الإنشاء والخلق، لكن الأغلبية العظمى منهم تتجاهل هذه الملكة. لماذا؟ لأن قدراتهم العقلية مستنزفة في كسب لقمة العيش. إن الناس متعبون وقلقون ومفلسون. من دون الحرية الاقتصادية التي تمكن الناس من الانعتاق من وظيفة سيئة (أو شريك سيئ) الأمر الذي لا يفعلونه خشية العجز عن إعالة أسرهم أو سداد الكراء، أنّى لنا أن نتوقع أن يشرع المزيد من الناس في البناء والخلق؟

لقد أنشأنا مجتمعًا يعقد صلة وثيقة ما بين “البقاء حيا” والكرامة من ناحية وبين شغل إحدى الوظائف من ناحية أخرى، في هذا المجتمع يعدّ مفهوم “العمل أولًا وأخيرًا” (workism) هو ديننا غير الرسميّ.

بهذا الصدد، تعدّ تصوراتنا لمدى تغيّر طبيعة الوظائف ومفهوم العمل محدودةً بصورة لا تصدق، لكن سبر التاريخ يظهر لنا بلا لُبْس أن علاقة البشر بالعمل تتغير باستمرار:

ففي عام 1780، كان نحو 80 بالمئة من اهتمام البشر في الولايات المتحدة منصبًا فقط على إعالة أنفسهم (إطعام أنفسهم وعائلاتهم). أما اليوم، فهذه النسبة أقلّ من 5 بالمئة.

ادعم استمرارية هذه اليوميّات برعاية المحتوى الذي أصنعه، طالع تفاصيل الرعاية في هذا الملف؛ أو تصفّح هذا الرابط.

في سياق مماثل، ينصب 80% من الاهتمام البشري الآن على النشاط الاقتصادي. في كتاب “عالم ما بعد رأس المال” (وهو أحد كتبي المفضلة، لكن يمكنك مشاهدة هذا الفيديو للتعرف على أهم المفاهيم المعروضة هناك)، يدعونا المؤلف فينغر إلى تخيل عالَم لا زال رأس المال يلعب فيه دورًا لكن بنسبة نحو 20 بالمئة فقط.

تبدي الرأسمالية نجاحًا كبيرًا عندما يكون هناك أسواق ذات أسعارٍ.

لكن التسعير لا يناسب جميع المفاهيم، على سبيل المثال كيف تسعّر عملية اكتشاف الغاية من حياتك؟ أو كيف تسعّر عملية التحضير والاستعداد لمواجهة وباء أو جائحة؟ ما من آلية سوقيّة من شأنها تخصيص اهتمام البشر الجمعي لهذا النوع من المشاكل.

تأمل هذه التغريدة:

إن الفارق المميز الذي يحثنا على تبني الأتمتة أو الخشية منها، ينبني أساسًا على ما إن كنا بصفتنا مجتمعًا سنقرر حماية الناس أثناء ذلك الانتقال إلى الأتمتة أم لا.

وبغية حماية الناس أثناء تلك العملية، لا بد من قطع العلائق ما بين “العمل”، “والكرامة”. إن التشبث بآثار عالم قديم عفى عليها الزمن لن يفيدنا بشيء نظرًا لطبيعة الزعزعة الاجتماعية والتقنية التي نواجهها حاليا.

بهذا الصدد، يقول فينغر:

لم يظلّ البشر صيادين بعد اكتشاف الزراعة. ولم يظلّ البشر مزارعين بعد اختراع الآلات الصناعية. وبالمثل لا ينبغي أن نظل موظفين بعد اختراع التقنيات الرقمية.

ولقد بيّن لنا وضع العالم اليوم أن ازدهارنا بُني فوق أساسات هشة. ونتيجة لذلك أصبحت فجأةً فكرة توفير حد أدنى من الدخل يكفي احتياجات المواطنين الأساسية دون قيد أو شرط (وهو ما يسمى الدخل الأساسي الشامل) فكرة مقبولة لا فكرة مجنونة.

بهذا الصدد، يشعر 40% من موظفي الدول الغنية بالفعل أن وظائفهم لا معنى لها. في حال أتحنا للناس أن يقرروا بأنفسهم الطريقة الأفضل بالنسبة لهم لخدمة الإنسانية، أتوقع أن المطاف سينتهي بنا لوضع أفضل مما نحن عليه الآن.

وأحد اقتباساتي المفضلة من كلام تشارلي مانغرز على مرّ السنين هي قوله “أرني الحافز، أركَ النتائج”.

إذًا كيف نشجع عددًا أكبر من الناس على الإنشاء والخلق؟ أعتقد أن الحل يكمن -على الأقل كبداية- في حث الناس على ترك وظائفهم الـ*ـرائية وصب اهتمامهم على إطلاق العنان لقدراتهم، وتجريب حظوظهم في مختلف المجالات، والخلق والإنشاء والحُلم والبناء.

وإراحة الناس من عناء السعي وراء لقمة العيش وتلبية حاجياتهم الأساسية يعدّ شرطًا أساسيًا مسبقًا لنجاح هذا المسعى.

صحيح أني كنت لمدة طويلة ولا زلت أعتقد أن الأعمال التجارية هي أفضل أداة لخلق التغيير المنشود. لكن الشركات الناشئة لا تستطيع حلّ كل المشاكل. إننا في حاجة لإدخال المعنى لنُظُمنا السياسية والاقتصادية على حد سواء والتحليّ بوسع الخيال بما يمكننا من تبني النسخة 2.0 من الرأسمالية، هذا إن أردنا أن نحث المزيد من الناس على الإنشاء والخلق والبناء، ففي ذلك العالم الذي يمضي وفق الرأسمالية 2.0، لن يكون الناس موظفين، بل أناسًا تداعب مخيلاتهم الأحلام، مفعمين بالتطلعات والطموحات، وقلوبهم تضج بالطاقة الإبداعية.


مبشر بعض الأسباب التي تدعونا إلى الاستمرار في التفاؤل – ترجمة: مرلي لعرج

على ذكر التفاؤل طالع أيضًا: التفاؤل2020: بيان عامّ

العدد الثالث عشر من نشرة بودكاست بالعربي صدر، طالعه من هنا، اشترك بالنشرة من هنا. [كل يوم أحد يرسلون لك توصيات لحلقات بودكاست رهيبة🎙️ من اختيارهم تبدأ فيها أسبوعك😊] أوصي بها 👌

من أخبار التقنية في أفريقيا: شركة ماتل الموريتانية للإتصالات تطلق تطبيق MyMattel.

وعلى ذكر موريتانيا طالع: ما هي “زغبة رمضان” في موريتانيا؟

من الضفة الأخرى: 11 موقع مثل آب وورك للمستقلين الذين يريدون عملاء بسرعة

على ذكر آب وورك طالع: هل تمارسُ منصة آب وورك (Upwork) عمليات احتيالية؟


حقوق الصورة البارزة: Photo by Nick Morrison on Unsplash

رأي واحد حول “40 % من موظفي الدول الغنية يشعرون أن وظائفهم لا معنى لها

شاركني أفكارك!