مساء السعادة،
اقترحت عليّ صاحبة حساب مـرِقم ألف على تويتر هذا الموضوع فشَكَر الله لها:
محتويات المقال
- محتويات المقال
- ما الإلهام؟
- ما هي العملية الإبداعية لدى الكاتب؟
- علاقة وثيقة بين الحالة النفسية والطقس
- التغير المناخي يؤثر كذلك بشدة على الحالة النفسية
- الحالة النفسية والكتابة
- الطقس يؤثر على الحالة النفسية للكاتب والتي بدورها تؤثر على نتاجه
- المصادر
لننقل سؤالها نصًا هنا ونجيب عليه بعون الحيّ الذي لا يموت:
تأثير الطقس على الالهام والابداع الكتابي
لتوضيح الأمور. يؤثر الطقس على الإبداع الكتابي على هذا النحو:
الطقس يؤثر على الحالة النفسية (المزاج) وهي بدورها تؤثر على الإبداع في الكتابة.
ولهذا سنسكتشف أولًا العلاقة بين الحالة النفسية والطقس. ثم الحالة النفسية والإبداع الكتابي.
قبل ذلك لنعرف الكتابة والإبداع (لا سيما لدى الكُتّاب) والإلهام.
وبما أننا عرفنا فيما سبق الكتابة في هذا المقال كيف تكون كاتبًا ماهرًا ومترجمًا بارعًا في آن واحدٍ؟ فسنعرّف في مقال اليوم العملية الإبداعية لدى الكاتب تحديدًا والإلهام عمومًا.
ما الإلهام؟
يقول الدكتور مصطفى سويف في كتابه الرائد عربيًا: الأسس النفسية للإبداع الفني (في الشعر خاصة) من ص 189 فما بعدها:
يبدو لنا أن محور الموضوع هو مشكلة «الإلهام» ومن خلالها يمكن أن يوصف السلوك الإبداعي بأنه تلقائي أو إرادي…
مشكلة الإلهام:
…وقد وصف دي لاكروا الإلهام بأنه صدمة كالانفعال، وقال إن حال المهلم في لحظة الإلهام كحال من يُجذب انتباهه فجأة، عندئذ يختل الاتزان لديه، ويمضي نحو اتزان جديد، وينقطع سير العمليات الذهنية ويدخل في الميدان شيء جديد، وطبعي أن توجد عندئذ حال وجدانية قد تكون عنيفة، حتى لتبلغ الحماسة، وينساب في الذهن سيل فجائي من الأفكار والصور.
وقال فليكس كلاي F. Clay يصف هذه اللحظة أيضًا: «إننا نطلق كلمة الإلهام على لحظات الإبداع الفجائية، وهي لحظات تنتابنا مصحوبة بأزمات انفعالية، وتبدو بعيدة عن العمليات العادية للعقل والشعور، بعيدة عن حكم الإرادة وسيطرتها، تأتي غير متوقعة، ومجيئها غير مرهون بدعائنا، كالنوم والأحلام»، وقال بولودوين J. M. Bladwin معرّفًا الإلهام «إنه إشراق الذهن أو تنبهه الذي ينظر إليه كأنما هو آت مما وراء الطبيعة».
ومن الجلي أن هذا الوصف وأمثاله، لا يضيف جديدًا إلى الموقف، فلا هو يحل مشكلة الإبداع، ولا هو يشير إلى طريق للحل، فلننظر في أحاديث من تكلموا عن الحدس…
وفي نفس الكتاب (ص 175) كلام جميل كتبه يوسف مراد عن الإلهام إذ يقول:
ليس الإلهام شيئًا خارجيًا يتلقاه المبتدع كما يتلقى الهبة، فإن ما ألهم به الشاعر كولريدج هو خلاف ما ألهم به نيوتن عندما رأى التفاحة تسقط على الأرض. فالإلهام يصدر عن الشخص، ولا بد له من تهيئة التربة التي سينبت فيها، فإن أرباب الفن الذين يحدثوننا عن إلهاماتهم الخاطفة ينسون عادة أن يذكروا لنا أبحاثهم السابقة ومحاولاتهم العديدة وكل ما قاموا به من القراءات والمشاهدات والتأملات التي تدور حول المشكلة التي تشغل ذهنهم.
وربما يتناسون الإشارة إلى هذه المحاولات الشاقة لكي يرفعوا من قدرهم، وحرصًا منهم لى ألا يطلعوا العامة على الوسائل المتواضعة التي يلجأون إليها في إخراج المعاني والأفكار في زيها النهائي.
وفي نفس الكتاب (ص 165 فما بعدها) نرى جهود المبدعين ونقتطف منها:
- الشاعر كيتس يقضي 8 ساعات يوميًا بين القراءة والكتابة واشترى أعمال فولتير كاملة في 92 مجلدًا وجعل يقرأوها بتلذذ
- الشاعر أحمد رامي يقول “لقد قرأت كثيرًا، كثيرًا جدًا، قرأت حتى كدت أجن، كنت أقرأ حتى أصاب بدوار، ولقد تعلقت تعلقًا شديدًا ببايرون ولامرتين وشوقي”
- وتوفيق الحكيم يقول: “إني أطالع في اليوم ما لا يقل عادة عن مائة صفحة في مختلف ألوان المعرفة… مائة صفحة في اليوم أي ثلاثة آلاف صفحة في الشهر”
وفي نفس الكتاب أمثلة أخرى كثيرة.
وكما ترى لمّا لم يجد الباحث مصطفى سويف طائلًا في تعريفات الإلهام انتقل للحدس وفصّل فيه. وقبل هذا المقطع أشار إلى أن أصدق الرؤى حول العملية الإبداعية ما تجمع بين التلقائية والقصدية. فالإبداع ليس فطرة وموهبة محضة ولا تعمّلا أو فعلًا عمديًا محضًا من الكاتب. وجمع بين القائلين بالرأيين المتناقضين في منهجه وطبّّقه عمليًا على حالات عربية وهو كتاب جدير بالمطالعة.
في نفس السياق؛ يقول وليام فوكنر وهو يسخر ممن لا يكتبون إلا بالإلهام: “إنني لا أكتب إلا بإلهام، ولحسن الحظ، فإن الإلهام يأتيني كلّ يوم في التاسعة صباحًا” ومقصوده أنه يقرر أن ينهض ويعمل مثلما يعمل بقية الناس كل صباح ويكتب.
ما هي العملية الإبداعية لدى الكاتب؟
يحدثنا الدكتور شاكر عبد الحميد في كتابه الأسس النفسية للإبداع الأدبي (في القصة القصيرة خاصّة) ص 288 عن الإبداع فيقول:
والإبداع عموما يبدو أنه محاولة من المبدع لتنظيم العالم أو الواقع المدرك، يتم هذا عمومًا في حياة المبدع، وتشتد هذه المحاولة وتبلغ أوجها في لحظات أو فترات خاصة من حياته وهي تلك التي تنشط فيها العملية الإبداعية، فالمبدع يتحرك من فوضى الأشياء والمدركات وعدم مناسبتها إلى تكامل الأنظمة وتناسبها واتساقها وجودتها وأصالتها، مارا خلال ذلك بعديد من العمليات الإبداعية ملتقطا أثناءها العديد من المنبهات والمعلومات والهاديات، فهو أكثر حساسية من غيره لأي خلل يلاحظه في أي نظام من أنظمة الحياة.
وعودة لما نحن بصدده لنتحدث عن العلاقة بين الحالة النفسية والطقس.
علاقة وثيقة بين الحالة النفسية والطقس
هناك علاقة وثيقة بين الحالة النفسية للإنسان والطقس وهذا ما يستفيض فيه الدكتور لطفي الشربيني هنا:
يقول الدكتور لطفي الشربيني استشاري الطب النفسي:
حولية كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية مجلد 4 العدد 31: أحاديث تقارب الزمان بين دلالة اللغة وفهم الشراح وأسرار الإعجاز، الدكتور محمد إبراهيم العشماوي ص 191
وقد شغلت العلاقة بين الحالة النفسية والتغييرات الجوية الأذهان منذ زمن طويل، حين لاحظ الإنسان ارتباط حالة الطقس في فصول السنة مع حالة المزاج كما يظهر ذلك في تراث الأدب والشعر والفنون، فنسمات الربيع تريح النفس وتبعث العواطف الإنسانية الرقيقة، بينما حرارة الصيف وبرد الشتاء حالات ترتبط بالانفعالات النفسية الحادة، والخريف مرتبط في الأذهن بالذبول والهدوء والسكون، وجاء العلم الحديث ليؤكد وجود علاقة بين حالة النفس من حيث الاتزان الانفعالي، والمزاج في اعتداله واضطرابه، وسلوك الإنسان من ناحية، وبين التغييرات الجوية من خلال تأثيرات كهربائية ومغناطيسية كونية يتفاعل معها عقل الإنسان والجهاز العصبي من الناحية الأخرى، وتكون المحصلة النهائية تغييرات بيولوجية في جسم الإنسان مع حرارة الصيف وبرد الشتاء، وكذلك تغييرات نفسية في عقله تبدو في صورة اعتدال أو اضطراب في المزاج وتوتر، أو استرخاء في الانفعال والسلوك.
“والمقصود بالمزاج هو: الفطرة، أو الخصلة، أو الطبع”. (المصدر السابق ص 172)
“وهكذا يرى العلماء أن فصل الربيع هو أصح فصول السنة إذا كان على مزاجه، كما قيّده ابن سينا، يعتدل فيه الزمان، ويعتدل مزاج الإنسان، وترتفع الآفة، وتَقْوَى الطبيعة، ويكثر الحفظ الإلهي” (المصدر السابق ص 188)
التغير المناخي يؤثر كذلك بشدة على الحالة النفسية
لعلك لاحظت أن الربيع لم يعد ربيعًا، وازدادت حرارة الصيف وبرد الشتاء. ولهذا لا جرم أن يشعر الكثير بما يسمى القلق المناخي.
القلق المناخي [قلق مرتبط بشكل كبير بتغير المناخ الناتج عن الإنسان] والقلق البيئي مكونين لظاهرة تؤثر على الأفراد والمجتمعات بصفة عامة وصحتنا النفسية بصفة خاصة، وهو رد فعل لحجم المشكلات البيئية المحيطة والتغيرات المناخية، حيث يعاني الشباب بصفة خاصة قلقاً متزايداً بشأن التغيرات المناخية، وهو لا يؤثر على البيئة فقط وإنما يؤثر على صحتنا النفسية، فالاستجابات الانفعالية المعقدة لأزمة المناخ مثل القلق والخوف والحزن والشعور بالذنب واليأس والكآبة هو إحساس مزعج وغير مريح وله عواقب سلبية على الإحساس بالذات والهوية الشخصية والشعور بالأمان.
الإسهام النسبي لإستراتيجيات المواجهة في التنبؤ بالقلق البيئي/قلق التغيرات المناخية والرفاهية النفسية لدى طلبة الجامعة، مجلة كلية التربية جامعة عين شمس عدد 46 ج 4 عام 2022م ص 234
الحالة النفسية والكتابة
يرى الباحثون أن الحالة النفسية تؤثر على المردود الكتابي من ذلك “أن الحالة النفسية للتلميذ [من يؤدي فعل الكتابة هنا] تُؤثِّر على مردوده الكتابي” [1]، من جهتها لاحظت طالبة الدكتوراة دربالي وهيبة أن “البواعث النفسية عبارة عن أماكن وأوقات وأشخاص مؤثرة في مخيلة الأديب تدفعه للإبداع” [2].
ومن الأمثلة العملية على تأثير الحالة النفسية في الكاتب، حالة الشاعر محمود درويش حيث لاحظ الباحث الدكتور أنور محمود خليل الشعر أن “الحالة النفسية التي كان يمر بها “درويش” في هذه المرحلة [أثرت] في الانتشار الواسع للألفاظ والمفردات الدالة على الموت” [3].
الطقس يؤثر على الحالة النفسية للكاتب والتي بدورها تؤثر على نتاجه
كما رأينا أعلاه يؤثر الطقس سواءً أكان الطقس الطبيعي أو الناجم عن إفساد الإنسان في الأرض (التغير المناخي) على مزاج الإنسان والذي يؤثر إجمالًا على حياته بمختلف نشاطاتها ومنها النشاط الإبداعي بما فيه الكتابة.
مع ذلك هناك دراسة [4] تشكك في ارتباط المزاج والطقس وترى أن تأثيره محدود جدًا أو منعدم كليًا. وما خلُصت إليه من البحث المعمّق الذي أجريته لأنسج هذا المقال هو أن الإلهام عمل وليس هبة. صحيح أن هناك توفيقًا من الله تعالى إن كنت مسلمًا تؤمن بحفظ الله ورعايته وتوفيقه. لكن لا مناص من العمل للإبداع الفني في الكتابة وغيرها ومن هذا العمل القراءة المكثفة المستمرة.
والخلاصة أنه ومع تأثير الطقس على المزاج وتأثير هذا على النفسية ومن ثم تأثر الكتابة بها وهي المُخرج الإبداعي المقصود هنا إلا أنه ينبغي أن يعلم الكاتب المبدع أنه لا وجود للظروف المثالية. وأن الكاتب سيكتب:
- حتى لو كان الجو غائم
- ويكتب حتى لو حُرم قهوته أو شايه وهو نصف نائم
- ويكتب وهو ممتلئ البطن شبعان أو صائم
أما من يقول لن أكتب إلا ودرجة الحرارة 30 درجة مئوية والجو صحو والشمس تضحك، وأعدائي ماتوا وترملت نسائهم وأفلسوا وباعوا عقارتهم واشتريتها، وفي حسابي البنكي تريليون دولار، ولدي من الأحفاد مئتان، وعندي من السيارات ما هو أكثر من سيارات أندرو تَيْت، وعندي شركة طائرات خاصة ولا أحد يخالفني وتغريداتي تحصل على رواج أكثر من إيلون ماسك، وأصيّف في البوسنة والهرسك وأشتّي في الأرجنتين ولدي 4 زوجات كل واحدة أصغر من أختها، وإن تجاوزت 25 طلقتها وأتيت بأخرى أصغر من 25 سنة كما يفعل ديكابريو مع من يواعدهن من نساء، ولدي ست شركات تتحكم في الطقس واحدة تدير طائرات الاستمطار فتمطر وقت ومتى وكيفما شئت وأنّى رغبت ورأيتُ. فإن توفّر ذلك كتبت فإن لم يتوفر فقد حُرم العالم خيرًا عظيمًا والغلط في الناس التي لم توفّر لي ذلك.
والذي يفكّر مثل هذا لا حاجة لنا للرد عليه.
تم المقال بحمد الله.
المصادر
- [1] صعوبات تعليمية الإنتاج الكتابي وطرائق تجاوزها؛ مجلة أفانين الخطاب مج 2 ع 1 جوان (يونيو) 2022، حمزة نايلي دواودة ص 92
- [2] مجلة إشكالات، مج 7 ع 2 عام 2018م التحليل النفسي بين المفارقة النقدية الغربية والمقاربة البلاغية العربية، دربالي وهيبة، ص 34
- [3] دراسات وأبحاث المجلة العربية للأبحاث والدراسات في العلوم الإنسانية والاجتماعية مج 14 ع 2 أفريل 2022 سنة 14. الثنائيات الضدية في شعر “محمود درويش” ثنائية الحياة والموت أنموذجًا (قراءة نفسية)؛ الدكتور أنور محمود خليل الشعر ص 506
[4] Klimstra, Theo A et al. “Come rain or come shine: individual differences in how weather affects mood.” Emotion 11 6 (2011): 1495-9 .
أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر
يونس يسأل: كيف يؤثر الطقس على نشاطك الإبداعي؟
حقوق الصورة البارزة: Photo by Artiom Vallat on Unsplash
شكرا أستاذ يونس
مقال موفق جدا وقد جاء في وقته بالضبط!
فعلا تغير المناخ والطقس لا يؤثر على الإنسان نفسيا فحسب بل جسميا ايضا، كما هو الحال في فصل الشتاء وتوابعه من زكام ونزلات البرد مما يجعل الشخص في حالة نفسية ومزاجية سيئة مثل حالتي هذه الايام! بدرجة ابعدتني عن الكتابة مؤقتا ولكني لم اتوقف عن القراءة والا لما تمكنت من تصفح هذا المقال الماتع الملهم.
نعم ليس هناك وقت مثالي للكتابة! هذا صحيح من الناحية العملية [الكاتب = يكتب] كما يقول زميلنا الرائع م. طارق الموصلي. ولكن ماذا عن مصادر الالهام الاخرى مثل الدافعية والانجاز كالدخول في تحدي، العاطفة مثل الحب، الفرح، الحزن…الخ؟
دمت طيبا وزادكم الله نفعا وخيرا.
إعجابإعجاب
أهلا فيصل
طهورًا إن شاء الله وشفاء لا يغادر سقمًا.
الحالات الوجدانية كلها تؤثر ولا شك في تلوين الكتابة بلون الشعور الملازم
للكاتب حال تلبسه بفعل الكتابة، فالكتابة في حال غضب وغيظ لن تكون مثل الكتابة
وأنت سمعت قد للتو خبرًا مفرحًا.
القصد هنا أن تكتب (مثلما تذكر الله) في 99% من حالاتك الوجدانية أيًا كانت.
والكتابة ستعالج بالمدة حالات الكاتب الوجدانية المتقلبة حتى تصبح سعادته
ورضاه هي السائدة والغضب والقلق والحزن تكون هي الاستثناء
إعجابLiked by 2 people