مساء النور،
يحلو لي أن أبدأ هذا المقال بإخبارك معلومة عن القيمة الماديّة لبياناتك.
كم تسوى بياناتك الرقميّة الخاصة من دولارات؟
في الغالب ليست كثيرًا. لا سيما إن كنت من البلدان النامية وهي وصف مخفف لبلدان العالم الثالث.
فتطبيق مثل Vana أرسل لي ذات مرة أنه إن نزّلت بياناتي في فيسبوك وتويتر وغيرها ورفعتها له وأتممت استبيانًا فسيعطيني 5 دولار مقابل كل حزمة بيانات في منصة اجتماعية بما يصل مجموعه لـ35 دولار.
ويبدو أن التطبيق له اهتمام بالغ ببيانات سبوتيفاي فهو يمنح مقابلها 25 دولار كما أرسل لي في بريد آخر.
الآن هل انتهكتُ خصوصية تطبيق Vana عندما نشرتُ رسائله؟ بالنسبة لي لا. فالغرض هنا تعليمي كما أنها ليست رسالة شخصية خاصة لي بل مؤتمتة تُرسل لجميع من في لائحتهم.
السبب الذي بدأت به المقال بهذا هو إخبارك أن هناك سوقًا للبيانات تباع فيه وتشترى بما في ذلك بياناتك في تطبيقات “إسلامية” تذكّرك “بوقت الصلاة” ولا تمانع أن تبيع معلومة أين أنت جغرافيًا للجيش الأمريكي؛ وأيًّا ما كان تطبيق Vana سيفعله بهذه البيانات فهو ولا شك يتربّح منها ماديًا إن لم يكن الآن فلاحقًا.
لكن ما يفعله Vana بنظري ليس انتهاكًا للخصوصية (لم أرفع بياناتي له إن كنت تسأل) لأن رفع البيانات تُجريه أنت وبقبول منك.
ما سيشكّل انتهاكًا هو بيعه تلك البيانات لشركات غيره. هو يعد أنه لن يفعل. لكنه سيفعل وفق ما علّمنا التاريخ.
فوفق تاريخ الويب. جميع الشركات التقنية إن دفعت فلسًا لبياناتك باعتها -دون إذنك- مئات المرات بمئات الدولارات ولن تخبرك بذلك.
متوسط أرباح فيسبوك من كل مستخدم وفق المنطقة [2022]
إن كنت جزائريًا فإن فيسبوك لوحده يربح من بياناتك نحو 3.14 دولار كل 3 أشهر.
الفترة الزمنية/المنطقة | على مستوى العالم | أمريكا وكندا | أوروبا | منطقة آسيا والمحيط الهادي | بقية بلدان العالم |
الربع الأول من عام 2022 (الثلاث أشهر أولى من عام 2022) | 9.54 دولار | 48.29 دولار | 15.35 دولار | 4.47 دولار | 3.14 دولار |
والآن إلى مقال اليوم:
اقترح عليّ الأستاذ خالد الصادق هذا الموضوع شَكَرَ الله له:
الخصوصية في عصر انتهاك الخصوصية
لننقل اقتراحه نصيًا هنا ونجيب عليه بعون الحيّ الذي لا يموت:
كيف احافظ على خصوصية المستخدم و اي بزنس
حول العالم صلب اعمالها حصد المزيد من البيانات
لتقديم خدمات/منتجات افضل و استمرار التحسين و
التطوير؟اشوف خصوصية المستخدم هي سلوجن للترويج فقط
مثل متصفح برايڤ و ابل و الان جوجل الي تعرف كل
شيء و اقول انها ستحميك من تتبع الكوكيز في 2023
إذن الموضوع حول الخصوصية.
أولًا قبل أن ننتقل للموضوع دعني أعقّب على هذه النقطة من كلام الأستاذ خالد:
اي بزنس
حول العالم صلب اعمالها حصد المزيد من البيانات
لتقديم خدمات/منتجات افضل و استمرار التحسين و
التطوير؟
وأشكّ في هذا فعلًا. أي أنهم يجمعون البيانات لتحسين الخدمات وإطلاق أخرى؛ طبعًا هم يقولون ذلك أي الشركات تقول أنها تجمع البيانات لتقديم خدمات أخرى وتحسين الخدمات الحالية.
لكن السؤال الذي لم أجد له إجابة هو:
إن كان لدى غوغل هذا الكمّ من البيانات عن الناس، لمَ هي مصابة بالعمى الريادي؟
بمعنى أني شخصيًا أعرف أكثر من 15 شركة ترصدُ لك الاتجاهات/السلع/الخدمات/التطبيقات التي ستروج قبل حتى أن تصبح رائجة ومعظمها يعتمد على خدمة مؤشرات غوغل.
إن كانت هذه الشركات الراصدة للاتجاهات الآخذة في الانتشار مثل شركة غلمبس (Glimpse) وشعارها “اعرف المستقبل قبل أن يحدث” وإكسبلودنق توبيكس (Exploding Topics) وشعارها “اكتشف الاتجاهات الجديدة الآخذة في الانتشار” لديها مشتركون يدفعون وناجحة تجاريًا في توقعاتها.
السؤال هنا: لم فشلت شركة غوغل -وهي مالكة مؤشرات غوغل نفسها- في رصد مثلًا صعود تيك توك وصعود سترايب وصبستاك وغيرها وصنعت خدمات منافسة قبل حتى أن تسود تلك الأخيرة السوق؟
لمَ مثلًا عميت غوغل التي تجمع أطنانًا من البيانات في رصد صعود الشركات الناشئة الأخرى مع أن كثيرًا من نجاح تلك الشركات (بل وأحيانا كل نجاحها) يعود إلى تصدّرها في نتائج محرك البحث غوغل واتباعها خطة تحسين محركات بحث تُرضي عليها محرك البحث غوغل؟ [من الشركات التي طبّقت خططًا صحيحة لتحسين محركات البحث وحققت نجاحات مُدوّية: كانفا؛ وAirbnb وWebflow…]
لدينا مثل شعبي هنا يقول:
كْيْ فَضْ لْعْرِس جَتْ لعزوز تكحّل
ومعناه: عندما انتهى العرس أتت العجوز له. يعني بعدما انقضت الحفلة أتى المدعوّ لها.
يبدو أن غوغل حتى مع امتلاكها محرك البحث ومؤشرات غوغل دومًا تنهض متأخرة وتسمع نجاحات الآخرين وتصنع منتجًا فيفشل ثم تحيله لمقبرتها. مثلًا لم يمرّ وقت كافٍ حتى على إطلاقها ما أعدُّه منافسة لصبستاك: منتجها ميوزلتر (Museletter) حتى أغلقته بعد 3 أشهر فحسب من إطلاقه.
هذا ما لم أجد له جوابًا حتى الآن وذكّرني بهذا السؤال اقتراح الأستاذ خالد.
لنَعُد لموضوع ونتناول الشقّ الأول من اقتراح الأستاذ خالد الصادق:
كيف احافظ على خصوصية المستخدم و اي بزنس
حول العالم صلب اعمالها حصد المزيد من البيانات
لتقديم خدمات/منتجات افضل و استمرار التحسين و
التطوير؟
الجواب:
يحافظ المسوّق والكاتب وصاحب العمل التجاريّ وأصحاب المواقع وغيرهم على خصوصية المستخدم -رغم لا احترام معظم الشركات لخصوصية المستخدم- باستخدام بياناتهم استخدامًا مسؤولًا وأخلاقيًا.
ماذا نعني بالاستخدام المسؤول الأخلاقي لبيانات المستخدمين؟
- وجود صفحة سياسة خصوصية (ليست مولّدة عشوائيًا ويمكنك إنشاء واحدة احترافية ممتازة بقراءة هذا المقال هل تواجه صعوبةً في كتابة سياسة الخصوصية؟ مبادرة مسار تقدّم لك استشارة مجانية بشأنها) توضّح بدقة وبكلام مفهوم كيف تجمع البيانات وماذا تفعل بها وكيف تستخدمها مع وجود طريقة واضحة ويسيرة على المستخدم للتنصّل من عملية جمعك للبيانات (Opt out) وحذف نفسه من قواعد بياناتك
- لا تبع بيانات مستخدميك لأي جهة كانت ولو لشركة أخرى يملكها صديقك أو أبوك أو تابعة لك لكنها مستقلة إلا بإذن من صاحب البيانات
- لا تشتري قوائم بريدية جاهزة ولا أرقام هواتف جاهزة
- حذف المستخدم لحسابه في موقعك أو إلغائه الاشتراك من خدمتك حقّه فلا تمنعه منه: وفّر عملية حذف الحسابات في منصاتك ويسّر عملية إلغاء الاشتراك
أمور لا تنتهك الخصوصية
- إن أحريت إعلانًا مثلًا تجمع فيه عناوين البريد الإلكتروني أو أرقام الهواتف بحيث الإعلان نزيه وصادق ولا يعد بأشياء كاذبة مثلًا: هل أنت مهتم برفوف كتب خشبية مصنوعة بعناية وإتقان كما ترى في الصورة؟ ادخل رقمك وسنتواصل معك. إن أدخل الذي رأى الإعلان رقمه: من حقك التواصل معه ولا انتهاك للخصوصية هنا
- إن استخدمت معلومات أو شهادة العميل أو كلامه أو منحك وصولًا لإدارة حسابه الإعلاني في منصة ما بإذنه فلا انتهاك للخصوصية هنا
أما كيف تحافظ على الخصوصية ومعظم الشركات تنتهكها فلا تأبه للناس إن كنت تمضي وفق أخلاقك. فكما يقول الحديث النبوي الشريف على قائله الصلاة والسلام:
لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا
رواه الترمذي
ومن واجبك أن تثقّف عملائك وتنبّه عائلتك وأحبابك على أهمية الخصوصية واحترامها لدى الآخرين من ناحية:
السلوكيات البشرية
- لا بد أن يفهم المرء أنه لا يجوز أن يسجّل كلام الناس صوتيًا أو غيره دون إذنهم ولو لغرض نبيل
- لا يجوز أن ينشر المرء حديثه النصي أو الصوتي أو المرئي مع طرف آخر إلا بإذن الطرف الآخر
- لا يجوز أن ينشر معلومات عنوان سكنى فرد من الناس أو رقم هاتفه أو خصوصياته الأخرى دون إذنه
- لا يجوز أن يرسل المرء محادثاته مع شخص إلى شخص آخر غير الأول دون إذنٍ
والمعيار هنا: ما لا تحبّ أن يُفعل بك. لا تفعله لغيرك.
⚠️ هناك حالات قصوى استثنائية مثل التحرّش بالأطفال والبالغين والهمّ بارتكاب الجرائم والتخطيط لها، والتهديد والابتزاز، ومحاولات الانتحار وما شابه من القضايا القانونية حيث يكون فيها مشاركة معلومات من تواصل معك دون إذنه مع الجهات المسؤولة واجبًا وهي حالات قليلة مُستثناة ولا بد عليك من استشارة محامي لمعرفة التصرّف القانوني الأمثل وقتها.
الممارسات التقنية
- الانتباه لبنود الخصوصية قبل الموافقة عليها، إن كانت بنود الخصوصية ترهقك استعن بعد الله بموقع ToS;DR الذي يلخّص لك بنود الخصوصية وبنود استخدام الخدمة في معظم الخدمات والتطبيقات
- عدم إدراج بريدك الأساسي في كل خدمة تعدك بشيء مُغرٍ. استخدم بريدًا مؤقتًا يزول بسرعة ولا يضرّك أو خاصية دك دك غو لحماية بريدك (تمنحك بريدًا بديلًا يحمي بريدك الحقيقي)
- لا تمنح الأذونات في هاتفك للتطبيقات إلا بعد معرفة فيمَ يستخدمها التطبيق
- تابع 3 أو 4 خبراء أمنيين رقميين على تويتر. واتبع توصياتهم في حماية بياناتك وخصوصيتك
- اشترك في موقع Have I Been Pwned وسجّل بريدك هناك ثم غيّر كل كلمة مرور لديك تُنتهك. سيرسل لك الموقع في بريدك إشعارًا باختراق كل خدمة سجّلت فيها وانكشفت معلومات دخولك في الويب المظلم
نكمل التعليق على اقتراح الأستاذ خالد الصادق:
اشوف خصوصية المستخدم هي سلوجن للترويج فقط
مثل متصفح برايڤ و ابل و الان جوجل الي تعرف كل
شيء و اقول انها ستحميك من تتبع الكوكيز في 2023
تعليقي: أنت محقّ. هم يقولون ما لا يفعلون. حتى شركة آبل التي تتباهى بأنها تراعي الخصوصية. ما نسلّم لها به أنها أقلّ الشركات انتهاكًا مع ذلك هي لا زالت تجمع بيانات المستخدمين وتتربّح منها. إذ نقرأ في تقرير أعدّته شركة أطلس في بي إن (Atlas VPN) أن
- غوغل تجمع نحو 39 قطعة بيانات (data point) من كل مستخدم. ما يجعلها تحتل المرتبة الأولى بين عمالقة التقنية في جمع بيانات المستخدمين
- أمازون تستقي بيانات عن تاريخ بطاقات مستخدميها البنكية من مكاتب الائتمان
- تعدّ شركة آبل أكثر الشركات احترامًا للخصوصية مع ذلك تجمع الشركة 12 قطعة من البيانات من كل مستخدم
التوصية هنا دائمًا قدّم استخدام المصادر المفتوحة المصدر من برامج وأدوات على استخدام منتجات هذه الشركات التي لا تَرْقب في الناس إلَّا ولا ذمة.
وبما أن البلوى عمّت وتجنب استخدام منتجات هذه الشركات متعذّر فلتُسدد وتقارب وفّقك المولى؛ ولتتصرّف أنت أخلاقيًا فكما يقول المثل كل شاة برجلها معلّقة. أي كل شخص أو هيئة مسؤولة عن تصرّفاتها وأنت مسؤول عن تصرفاتك.
والمعيار واضح:
ما لا تحبّ أن يُفعل بك. لا تفعله لغيرك.
يونس يسأل: هل ستبيع بياناتك مقابل مبلغ من المال؟
أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر
حقوق الصورة البارزة: Photo by Towfiqu barbhuiya on Unsplash