مساء الأفلام،
قررت اليوم مشاهدة فلم خيال علمي، فبحثت عن الأفلام الجديدة فوجدت هذا الفلم وهو فلم لا تنظروا إلى السماء يحكي الفلم قصة كارثة وشيكة ستلمّ بالأرض، لكن في نظري الفلم يحكي عن الإعلام وتغلغل الشبكات الاجتماعية في حياتنا ولا مبالاة الأثرياء والساسة بالبشر وتدهور أخلاق الناس.
هناك عدة شخصيات في الفلم أهمها عالم الفلك راندل ميندي الذي يمثل دوره ديكابريو وكيت ديبياسكي (لعبت دورها جينفر لورنس) التي سمي المذنب الذي سيضرب الأرض في الفلم على اسمها، ورئيس شركة التقنية بيتر إشرول الذي ما إن يظهر في الفلم ويفتح فمه ويتكلم ببطء حتى تكرهه، و:
الفلم بنظري أقوى تأثيرًا من وثائقي المعضلة الاجتماعية في كشف عيوب الشبكات الاجتماعية واحتكار الشركات التقنية
يحكي الفلم بواقعية عن شيء فكّرت به من قبل وهو:
هل لو حاقت بالأرض كارثة هل سيهتم الناس فعلًا كما تصوّر بعض الأفلام الأخرى من تعاون على أعلى مستوى بين الدول والناس؟
هذا الفلم يقول لا بملء فيه لذلك وهو موافق لوجهة نظري. ذلك أن البشر سيتعاونون إن كانت من نتائج التعاون تحقق مصلحة شخصية.
عِبرٌ يريد الفلم إيصالها وفق ما أرى:
السياسيون يكذبون دومًا ويتصرفون وفق مصالحهم
ولعل لا جديد في ذلك بالنسبة لي أو لك. ففي الفلم رئيسة أمريكا (نعم رئيسة أنثى) وابنها الماديّ الأحمق لا يهتمان إلا بصالحهما.
على جانب الواقع. وفي عالمنا الحقيقي. صدمني من قراءاتي الحديثة هذا الخبر وهو أن نساء السكّان الأصليّين في كندا يشكّلن 48 بالمئة من نزلاء سجون النساء، على الرغم من أن السكّان الأصليّين لا يشكّلون إلا ما نسبته 5 بالمئة من مجموع سكّان كندا!! ومما يصدم أكثر قول المحامية إلينور سانشايلد التي تنتمي إلى أمّة كري من السكّان الأصليّين إنّ هذه الأرقام مقلقة ولكنّها غير مفاجِئة لأنّ نظام القضاء الكندي حسب رأيها لا يعتبر السكّان الأصليّين على أنّهم بشر.
ماذا يعني هذا؟
يعني أنك تعيش في عالَم أن تكون فيه عربيًا لاجئًا في كندا أنت أحسن حالًا بألف مرة من أن تكون من السكان الأصليين وتعيش في كندا.
فكّر في هذا. لأني فكّرت وهذا ما خلصت إليه:
تخيلت في ذهني أنه لو أن عربيًا قابل ترودو وجابهه بهذه الإحصائيات فلربما سيتأثر ترودو ويبكي (ولكن يفعل شيئًا إزاء المشكلة) وهكذا يضاف لليوتيوب فيديو بعنوان: شاهد هذا العربي الشجاع الذي أبكى رئيس الوزراء الكندي ترودو وبيّن زيف الغرب!!
الشركات التقنية شرّ ووحش صعب الترويض
يمثل هذا الشر في الفلم بيتر إشروِل مؤسس شركة الهواتف والبرمجيات باش التي تراقب كل ما تفعله وتبيعك منتجاتها في كل فرصة ممكنة، وتحاول احتكار كل شيء، ولا تهتم إلا بمصلحة مؤسسها والمستثمرين الذين معه.
بيتر إشرول في هذا الفلم شرير لا يعجبني. هو شرير سخيف وابتكاراته فاشلة وضعيفة، شخصيًا أفضل شريرًا تقنيًا آخر يعجبني وهو بيتر وايلاند (Peter Weyland) مؤسس شركة صناعات وايلاند التي ظهرت في فلم برومثيوس الصادر عام 2012 وفي أفلام أخرى. يمكنك مشاهدة حديث تيد (وهو حديث خياليّ طبعًا وضمن السينما) لهذه الشخصية:
وشركة صناعات وايلاند -وهي شركة خيالية- كان لها موقع إلكتروني وقتَ تصفحتُه كان يعمل وفيه معلومات عنها لكنه الآن لا يعمل http://www.weylandindustries.com، يمكنك رؤية نسخة مؤرشفة منه هنا: موقع شركة صناعات وايلاند. (شعارها مختلف عما هو أدناه لأنها دامت فترة طويلة وتتغير شعاراتها بين الحين والآخر كما أن لديها العديد من الشركات الفرعية الأخرى).

قارن خطاب بيتر وايلاند أعلاه بخطاب مؤسس شركة باش في فلم لا تنظروا إلى السماء: بيتر إشرول. وسترى فرقًا عظيمًا في الأداء.

الشبكات الاجتماعية (والإنترنت عمومًا) تُسهم بقوة في انتشار التفاهة
وقاحة الناس في الفلم، وعدم اهتمامهم بكلام العلماء، وتلاعب السياسيين وأصحاب الأموال بحيوات الناس، والتنمر الإلكتروني، ونظريات المؤامرة عبر الإنترنت، والتنمر الرقمي، وانحطاط الإعلام… كلها مواضيع ضمنية تارة وبارزة تارة أخرى في الفلم. وهي تُذكرك بقوة بأننا نعيش في عصر نظام التفاهة.
ولذا أعدُّ كتاب نظام التفاهة والفلم الوثائقي المعضلة الاجتماعية مكمّلان ثقافيان ممتازان لفلم لا تنظروا إلى السماء.
في هذا السياق، وفي أحد مقاطع الفلم وبمجرد أن ترى دكتور راندل (ديكابريو) يحاور الناس على الشبكات الاجتماعية ويصفه الناس بالأحمق رغم درجته العلمية وكونه عالمًا. تتذكر قول الكاتب الفيلسوف والكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو حيث
في مقابلة مع صحيفة لاستمبا الإيطالية، قال إن أدوات مثل توينر وفيسبوك «تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء».
الفيلسوف الإيطالي أمبرتو إيكو: مواقع التواصل تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى [جريدة الجمهوريّة]
بعض الملاحظات الأخرى:
- يشير الفلم إلى اتجاه مهم في جيل زد، حيث أن لاعب الألعاب في تويتش -الذي يقع في حب كَيت مكتشفة المذنب لاحقًا- متدين لكنه يخفي ذلك ويؤمن بالله… وهذا مهم لأن جيل زد عكس ما يتصور البعض لم يلق الدين جانبًا ولربما تدينه حتى أفضل من الأجيال السابقة في تقديري الشخصي
- عندما توقف راندل (ديكابريو) في مركز تجاري ليشتري البقالة، قارن بين سمك سلمون بري وسمك مربّى في المزارع المائية وقال أن البريّ أفضل وأن المربّى في المزارع يبدو وكأنه مزيف. ولو تابعت ديكابريو الحقيقي على فيسبوك (مثلما فعلتُ لفترة وتوقفت الآن للانشغال) سترى اهتمامه الكبير بالبيئة والأكل الصحي في منشوراته
- العائلة مهمة للغاية وقيمة كبرى، وهذا ما يتجلى في آخر أحداث الفلم (لا تقلق لن أحرقها)
- هناك مشهد إضافي بعد شارات النهاية فلا تفوّته
- تلاعب المخرج بشعوري وخدعني، حيث لمّا صوّر رئيسة أمريكا وهي في أحد منشآت شركة باش المخصصة للآلات المتطورة التي ستُفتِّت المذنب. صوّرها وهي تدخن وخلفها علامة (قابل للاشتعال) ثم بعد عدة مقاطع من الفلم، صوّر انفجارًا في منشأة فظننت أننا تخلصنا أخيرًا من المرأة ليتبين أن تلك المنشأة التي انفجرت هي في الحقيقة منشأة روسية لإطلاق صواريخ كان من المفترض أن تُطلق لتغيّر من مسار المذنب.
هذا ما جادت به القريحةُ بعد مشاهدة فلم لا تنظروا إلى السماء والحمد لله رب العالمين.
إن أعجبك المقال، شاركه ولك أجر، أو -وهذا أفضل- اشترك في رديف ولك أجران.
أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر
يونس يسأل: ما آخر فلم شاهدته؟ وما رأيك به؟
Don’t look up
البارحة 👀 وكنت رح نكتب مراجعة عليه 🙂
إعجابLiked by 1 person
لا مانع تكتبي عليه أنت أيضا
إعجابLiked by 1 person
سأفعل، أبهرتني الصدفة وتشابه الآراء!
إعجابLiked by 1 person
شوّقتني للفيلم..
آخر فيلم شاهدته هو Coco للمرة الثانية، وفي كل مرة تفيض مشاعري لفرط جماله!
إعجابLiked by 1 person
اها جميل جدا
إعجابLiked by 1 person