مساء الأنوار،
ذكّرني أحد المعلقين هنا بتعليق طويل كتبته في حسوب io من زمن، طالعوه فهو نافع حقًا وقائم على قصص حقيقية وتجربة شخصية. وأظن أنه قد حان الوقت لكتابة مقال كامل بذاته عن الموضوع.
التعليق أيضًا موجود في كتابي أفيد 100 تعليق كتبته على منصة حسوب؛ وهو فرصة طيبة لتذكيركم به، حمّلوه فهو مجانيّ. وشاركوه مع أصدقائكم.

تريد اكتساب مهارة تجعلك تكتب كتابًا كاملًا كهذا؟ حان الوقت إذًا للاشتراك في رديف.
جدول المحتويات
أولًا ما هو الذكاء الاجتماعي؟
لنرَ ماذا يقول كتب غوغل عن الموضوع ما دام أن الكتب غالبًا أوثق من صفحات النت، وهذا ما أوصيك به إن كنت كاتب محتوى، تبحث عن تعريف؟ جرّب كبداية البحث في كتب غوغل. وهذا ما وجدتُه:
يمتد مفهوم الذكاء الاجتماعي Social Intelligence بأصوله إلى كتابات روبرت ثورنديك بداية من عام 1936. ويرى ثورنديك أن الذكاء الاجتماعي هو «قدرة الإنسان على فهم الآخرين والتأثير في إراداتهم بحيث يؤدي بطريقة حكيمة في العلاقات الإنسانية».
قوة التركيز وتحسين الذاكرة، أ.د مدحت محمد أبو النصر. ص ص 84-85
كذلك يمكن تعريف الذكاء الاجتماعي بأنه القدرة على القيام بالسلوك المناسب حسب طبيعة الموقف الاجتماعي الذي به الفرد.
وهناك من يضيف على هذا التعريف القدرة على كسب الآخرين، وعقد علاقات اجتماعية معهم بسرعة.
وهناك فريق ثالث يرى أن الذكاء الاجتماعي هو قدرة الفرد على التكيف والتوافق الاجتماعي، وقدرته على تحقيق المرونة الاجتماعية حسب طبيعة الموقف.
مظاهر تكوين الذكاء الاجتماعي:
في ضوء تعريفات الذكاء الاجتماعي، يمكن تحديد أربعة مظاهر للذكاء الاجتماعي كالتالي:
1) المظهر الأول، ويتمثل في التصرف في المواقف الاجتماعية، فالفرد الناجح في معاملته مع الآخرين هو الفرد الذي يحسن التصرف في المواقف الاجتماعية الصعبة.
2) المظهر الثاني، ويتمثل في التعرف على الحالة النفسية للمتكلم، وذلك من العبارات التي يقولها ومن لغة الجسم لديه.
3) المظهر الثالث، ويتمثل في القدرة على ملاحظة السلوك الإنساني والتنبؤ به.
4) المظهر الرابع، ويتمثل في روح الدعابة والمرح، أي قدرة الفرد على فهم وتذوق النكات والاشتراك مع الآخرين في مواقف المرح والفرح.
وهو تعريف مفيد يتلوه مظاهر نافعة، لكن سأخصص نصائحي الآن للمستقلين العرب الذي عليهم -إن أرادوا أن يكونوا أذكياء اجتماعيًا- أن يتحلّوا بما يلي:
كيف تتحلى بالذكاء الاجتماعي؟
الكرم المالي
رأيت شخصيًا عدة مستقلين يجنون المال، ويحتفظون به في حساباتهم، ويقيمون في منازل آبائهم ويأكلون طعامهم ويشربون النسكافيه دون أن يسددوا أي شيء وهذا من أغبى (وأحقر) ما يمكنك فعله كبشري قبل أن تكون مستقلًا. فليس هناك من غداء مجاني كما يقول الإنجليز، وأيضًا لا بد أن:
- تسدد كل مصروفاتك الشخصية من جيبك أنت لا سيما شبكة الإنترنت
- تساهم فعليًا بما تستطيع في ميزانية المنزل: لا سيما المناسبات مثل عيد الأضحى وغيره
- إن كان مكتب عملك في المنزل قدم من تلقاء نفسك مبلغ إجار ولو قلّ شهريًا لوالديك كعرفان بالجميل
لو تطبق هذه الخطوات 3 أعدك أن الصراخ والمشاكل العائلية ستقل حتى تنعدم، كما أن سكوت الوالدين عنك لو كانوا طيبين لا يعني أنك تتصرف بصورة اجتماعية سليمة. لذلك بادر من نفسك بالخطوات حتى لو لم يطلبوها. كما أوصيك أن تكون في خدمتهم أيضًا بقدر المستطاع. إن كانت التعطيلات والمقاطعات كثيرة في منزلك، فاتبع ما أوصي به شخصيًا وهو كراء محل أو مكان آخر خارج منزل والديك. ستعلمك هذه الخطوة أي الكراء خارج المنزل ما قدره سنوات من الخبرة الحياتية.
الكرم المعنوي
هناك منهج لو اتبعته لزادت حتى الأعمال المدفوعة التي تصلك وهو أن تقدم مجانًا 99 بالمئة من معلوماتك وخبرتك وتتربّح فقط من نسبة 1 بالمئة المتبقية وهو إطار عمل ممتاز بَسَط فيه الكاتب القول في هذا العدد من النشرة البريدية Daily Writing Habit؛ فطالعه كلّه وتمثّله في حياتك تسعد وتُسعِد؛ ومع أن هذا المنهج قد يبدو مخيفًا لبعض المستقلين العرب إلا أنه منهج ناجح بالفعل ومُجدي وشخصيًا أتبعه وقد أجدى معي. أيضًا عليك بـ
- إحالة أعمال مدفوعة لأصدقائك وزملائك لا سيما إن:
- كنت مضغوطًا في أعمالك الحالية
- كان الطلب خارج مجال تخصصك
- مساعدة الآخرين في أعمالهم بقدر الوسع والطاقة: فمن أعان أخاه أعانه الله، وتوطدت الصلة بينكما.
كُن مبادرًا
لكي تكتسب المهارات الاجتماعية التي هي جزء لا يتجزأ من الذكاء الاجتماعي لن ينفعك قراءة هذا المقال وحسب، بل لا بد من التجربة العملية. وإليك هذه التوصيات:
- ابحث عن أي جمعية أو كيان له تخصص مثل تخصصك مثل جمعية لتعليم البرمجة، كشافة، مركز ترجمة إلخ وتطوع لديهم في الواقع وليس افتراضيًا. إن لم يكن لديهم باب للتطوع اقترح أن تقدم لهم محاضرة أو ورشة عمل مجانية أو أنك لديك ساعات فراغ تريد أن تمنحها لهم.
إن قلت أنك لا تحب مخالطة الناس، فهذا هو السبب الذي يدعوني لتوصيتك بذلك أساسًا، مخالطة الناس والصبر على أذاهم من الأمور التي تشحذ مهاراتك الاجتماعية. أما إن قلت أنك لم تلق محاضرة أو ورشة من قبل أقول لك وكذلك من يلقيها الآن مر عليه زمن جرّب فيها أول مرة. لذلك لا بد من التجريب وأن تشرع في فعل الأشياء حتى لو كانت لأول مرة لك.
- اقبل الدعوات. للولائم والنزهات الصحراوية أو الطبيعية وحفلات الشواء أو الأيام الدراسية إلخ…
حتى لو كان ذلك ثقيلًا على نفسك حاول أن تقبل كل فترة زمنية مثل شهر أو شهر ونصف دعوة لحدث أو مناسبة. في البداية ستحضرها وتلتزم الزاوية ولن تخالط أحدًا؛ ثم قليلًا قليلًا ستندمج وتخرج من الزاوية وتبدأ المخالطة الحقيقية للناس.
أنماط الشخصية ليست قدرًا محتومًا
إن كونك انطوائيًا، خجولًا، لا تعرف الحديث مع الناس، تخاف… ليس قدرًا. ففضلًا عن أن هناك أدلة علمية قوية أن أنماط الشخصية ليست دقيقة وبعيدة عن الصواب؛ اسأل مستشارًا نفسيًا وسيخبرك أن هذه السمات يمكن تغييرها. لذلك طالع في هذه المجالات أي علوم النفس، ولا ضير من استشارة مختص. وهناك الآن منصات عربية تقدم هذه الخدمات بلغتك فجرّبها.. وعلى ذكر التجريب:
لا تخشَ من الخروج من كهفك أو قوقعتك أو صَدَفتك
تجريب الأشياء الجديدة، لا سيما تلك الاجتماعية: مثل ركوب الأفعوانية، والسباحة في مسبح جماعيّ، والركض في الماراثونات، مما لم يسبق لك فعله. باب خير عظيم حتى لو انتهت التجربة بكونها سيئة.
ركّز معي: لا تتخلى عن هذه التجارب إن كانت أحدها سيئة لك. أو تنمّر فيها عليك أحدهم أو إحداهن. فتجاوز التجارب الاجتماعية الرديئة والمواقف الصعبة من صُلب اكتساب مهارات اجتماعية متجذرة وقوية.
طالع إن شئت عن هذا النقطة: السحر المُغيّر للعقل على نحو إيجابي الذي تحدثه التجارب: الأسباب النفسية التي تخبرنا عن لماذا الجِدّة -مثل زيارة أماكن جديدة أو الاختلاط مع الناس- تجعلنا أكثر سعادة وصحة [موقع GQ]
كوّن حولك أصدقاءً
إن لم يكن لديك أصدقاء، فإن أفضل طريقة لكسبهم أن تكون صديقًا صدوقًا مخلص الوعد لغيرك، هكذا تكوّن الأصدقاء. اكتب في ورقة بالقلم ما سمات الصديق الممتاز بنظرك وتحلّ بتلك السمات لغيرك، لأحد من الناس ومن ذلك الواحد وسّع شبكتك.
حاول دومًا أن تُوقع أكبر قدر ممكن من النفع بالناس: خلقُ الله وعياله؛ وبطريقة استراتيجية. لو وصلك سؤال في تخصصك وتكرر ثلاث مرات اعمل عنه محتوى شافي كافي مريح يكون لك ذخرًا في يوم الحساب؛ ويحرر وقتك لما يطرح عليك ذات السؤال مرة أخرى. والأجمل: ثَبَتَ بالتجربة أن ما تشرحه -ناهيك عن أن تكتبه أو تسجله- يترسخ في ذهنك ويتجذر فلا تنساه. فيالها من خير عظيم مشاركة المعرفة هذه.
تحلّ بروح الدعابة، واحفظ عيون الأبيات الشعرية والأمثلة والمقولات الحكيمة
في الاقتباس أعلاه عن تعريف الذكاء الاجتماعي يقول الكاتب الدكتور مدجت محمد أن المظهر الرابع من مظاهر الذكاء الاجتماعي يتمثل في روح الدعابة والمرح، أي قدرة الفرد على فهم وتذوق النكات والاشتراك مع الآخرين في مواقف المرح والفرح.
في عالمنا العربي سيفيدك أن تحفظ قدرًا لا بأس به من -وبالترتيب-:
- الآيات: إن لم تكن نيتك حفظ القرآن كاملًا -وهو مسعى نبيل- احفظ الآيات التي لها غرض مثل التحصين، والتعويذ وتحقيق الدعاء وجلب المنفعة وبنية الشفاء والرقية إلخ…
- الأحاديث النبوية الشريفة: أوصيك بحفظ أحد كتب الأربعين حديثًا. وعلى رأسها الغنيّ عن التعريف أربعين النووي عليه الرحمة والرضوان؛ وكتاب الأربعين في فضل الرحمة والراحمين لابن طولون الصالحيّ وهما بداية جيدة.
- الأمثال العربية ومعجم روائع الحكمة والأقوال الخالدة للكاتب روح البعلبكي بداية ممتازة.
- الأمثال الأجنبية: صينية كانت أو هندية أو أوروبية أو أمريكية وتجدها في نفس الكتاب أعلاه.
- الطُرف والنكت المضحكة الشعبية أو الفصحى: وسواء أكانت محلية أو عالميةً، وتجدها في المستطرف للأبشيهي والعقد الفريد لابن عبد ربه وبعض كتب ابن الجوزي، أما النكت المعاصرة المضحكة فتجدها في هذه النشرة البريدية بالإنجليزية: Funny (تُرسل لبريدك الإلكتروني كل أسبوع وهذا مثال عن نكتة طريفة عن طبيب صيني داهية من نفس النشرة)
- الأشعار: الأبيات المُفردة أو بعض القصائد الممتازة، وهي كثيرة تجدها في اليوتيوب، وكتب تسمى الحماسة (هناك أكثر من كتاب بهذا العنوان) والدواوين الشعرية والمواقع المتخصصة في الشعر وصفحات فيسبوك وحسابات تويتر المعنية بالموضوع، وأيضا كتاب روح البعلبكي المذكور آنفًا يضمّ قسطًا صالحًا منها.
كيف تستخدمها؟
كما قلنا أعلاه، أنك تبادر وتحاول تقديم ورش مجانية أو مدفوعة وتحضر المناسبات. كلما كان الحديث يقتضي ذلك أدرج آية، أو حديثًا أو مقولة، إن كان الموقف يقتضي ذلك وبالمِراس ستعرف المواقف الاجتماعية وما يحتاج كلّ منها من محفوظاتك.
ولا تخاطبنّ العامة بألفاظ هائلة؛ ومعاني عميقة، وفلسفات عويصة، وأقوال وعرة، ونكت لا تُفهم فإنك ستُحدث في أنفسهم توجسًا، ويظن البعض أنك متعجرف وبك كِبر ويؤولها آخرون على غير مرادها.
⚠️ ملحوظة هامة
إن ما لا يفهمه الناس: يظنونه سُبابًا ويؤولونه على أسوأ وجوهه. فحدّثهم -رضي الله عنك- بما يفهمون.
فلا تكُ أحمقًا، وتمرّ على قوم تراهم جهلة فتقول: سلامًا، فإن معنى سلامًا كما قال العلامة محمد إبراهيم عبد الباعث هي التصّرف بسلام وليس قول الكلمة ذاتها لأن قولها يُفهم السامع أن قائلها يرميه بالجهل واستدل على ذلك بقوله تعالى: وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا؛ فإن المعنى ليس قول يُسرا. بل عينُ التيسير. يعني تييسر الحياة والعيش. وذلك أن القول لدى العرب كما نبّه له الإمام محمد موضوع للحكاية اللفظية والفعلية. فقولك مثلا قال بالعصا هكذا يعني أن تحكي فعلًا، وقال للباب هكذا فأغلقه تعني الحركة التي قام بها من تحكي عنه.
والسلام ختام.
حقوق الصورة البارزة: Photo by Tim Bogdanov on Unsplash
من أجمل اليوميات! وشرح معنى “سلاما” غاية في الجمال والجلال.. فتح الله عليك وعلى الشيخ عبدالباعث..
أضيف عن النكات: معرفة الميمز فهي من المكونات الثقافية اليوم ولكن إلى جانب الروح الفكاهية يجب التحلي بالاحترام والذوق الرفيع في عدم انتقاص الناس وأذيتهم بالنكتة والطرافة..
إعجابLiked by 1 person
صحيح ✅
إعجابLiked by 1 person
تدوينة أكثر من نافعة. ربنا يبارك في علمك وجهدك. 👏
إعجابLiked by 1 person
شكرًا أخي هشام
إعجابإعجاب
شكرًا يونس، أجمل ما في نصائحك هو كونها عملية وتنبع من تجارب حقيقة، ايضًا وجدت الإحالات مفيدة جدًا، الحقيقة أنا مستغرب بأن محتوىً عالي الجودة كهذا يُقدم مجانًا بينما تخاريف التنمية البشرية تحصد الملايين.
إعجابLiked by 1 person
الحمد لله أن المقالة راقت لك. 🌷🙏
إعجابإعجاب
تدوينة مميزة، شكرا يونس
إعجابLiked by 1 person
العفو شروق
إعجابإعجاب