مساء الخير، والعقلانية…
مرة ركبت سيارة أجرة ليخبرني السائق أن اللقاحات ضد كوفيد تسبب العقم للرجال. في نظره: ليس الفيروس واللقاحات إلا لعبة سياسية كبيرة يديرها أقوام لا يخافون الله؛ وهو ليس وحيدًا في اعتقاده هذا بل يؤيده الملايين صحيح أنهم قد لا يتفقون أن اللقاح يسبب العقم، لكنه قطعًا في نظرهم ليس إلا لعبة ومؤامرة.. البعض يعتقد مثلا أنه يُخفّض معدلات الذكاء لمن يأخذونه… الآخرون يعتقدون أن به رقائق إلكترونية صغيرة الحجم غرضها تمكين بيل غيتس من التحكم بالبشر عن بعد…
في عدد من نشرة ساينابس (Synapse) -وهي نشرة أسبوعية تستكتشف طبيعة التجربة الإنسانية من منظور العلوم العصبية- بحث الكاتب مانسل كلايتون الموضوع وترجمت لكم بتصرف الأسباب التي توصّل إليها بعد مراجعته جملة طيبة من الأبحاث والدراسات.
لماذا يؤمن الناس بنظريات المؤامرة؟
حدث في هذا الأسبوع أن اُتهم ابن الأربعين عامًا ماثيو كولمان، باقترافه جريمة القتل بعد أن اعترف لمكتب التحقيقات الفيدرالي (الآف بي آي) أنه قتل طفليه لأنه كان متيقنًا أنهما سيكبران ويصبحان وحوشًا بعد أن مررت لهما أمهما حمضها النووي الثُعبانيّ.
وماثيو رجل من أخلص متابعين حركة آنون (QAnon) ونظريات المؤامرة المتعلقة بالناس السحالي (Lizard people)، وعلى الرغم أن حالة ماثيو وجريمة قتله لأطفاله حالة استثنائية إلا أنها تمثل أحد أبعاد ظاهرة مثيرة للاهتمام في الولايات المتحدة وسائر المعمورة ألا وهي الإيمان واسع الانتشار بنظريات المؤامرة. حيث يؤمن ما نسبته نحو 50% من البالغين في الولايات المتحدة بنظرية واحدة على الأقل من نظريات المؤامرة.
بعد أن طلب مني أحد القراء البحث في أسباب اعتقاد الناس بنظريات المؤامرة، بحثت في الأدبيات العلمية للموضوع ووجدت هذه الأفكار الرئيسية الثلاثة:
1) أكبر مؤشرٍ للاعتقاد بإحدى نظريات المؤامرة هو الاعتقاد بنظريات مؤامرة أخرى
وجدت الدراسات تلو الدراسات أن الاعتقاد بإحدى نظريات المؤامرة مؤشر قويّ على اعتقاد نفس الشخص بنظرية مؤامرة أخرى. بمعنى أن وجود العديد من نظريات المؤامرة سبب لإيمان عدد كبير من الناس بها.
2) نقص تقدير الذات أو عدم وجود شبكة دعم اجتماعية قد يؤدي إلى تبني التفكير التآمري
تشير الأدبيات العلمية التي بحثت موضوع إيمان الناس بنظريات المؤامرة إلى أن الناس المعتقدين بها غالبًا ما يعانون من نقص متجذّر فيهم لتقدير الذات.
كما لاحظ الباحثون أيضًا أن هؤلاء الناس يفتقرون في حياتهم الاجتماعية لشبكة دعم مستقرة مثل وظيفة جيدة أو انتماء لعائلة أو مجتمع يحتضنهم.
في هذا السياق، وجدت إحدى الدراسات أن المخاوف بشأن إيجاد المرء وظيفة أحد أكبر المؤشرات الدّالة على تبنيهم الفكر التآمري.
كما بينت الدراسات كذلك أن الناس الذين نُبذوا (من قبل عائلاتهم أو مجتمعاتهم) أكثر عرضة من غيرهم للاعتقاد بنظريات المؤامرة. بل أن بعض الدراسات وجدت أن ممارسة الناس الذين يحسون بالنبذ لتمرينات التوكيد، يُخفّض من حدة تفكيرهم التآمري. والتفكير التآمري المقصود به هو التفكير وفق أنماط نظريات المؤامرة.
بقول كلايتون مانسل (Clayton Mansel) أنه يعتقد أن هذا هو سبب أن نظريات المؤامرة غالبًا ما يقترن معها وجود مجتمعات رقمية جِد نشطة ومتفاعلة. ذلك أن الاعتقاد بنظرية مؤامرة يمنح من لا انتماء لهم أو نُبذوا ما يحتاجونه من حسّ الانتماء لإحدى المجتمعات.
3) الحاجة إلى حلول بسيطة يدفع الناس إلى الاعتقاد بنظريات المؤامرة
ترى الكثير من الدراسات الحديثة بشأن التفكير التآمري أن هناك ارتباطًا قويًا بين مستوى التعليم المنخفض والاعتقاد بنظريات المؤامرة.
هل سبب ذلك أن الناس المتعلمين أذكى فعليًا من غير المتعلمين؟ ليس كذلك على الإطلاق.
ترى إحدى الدراسات أن سبب قضاء التعليم على التفكير التآمري هو اعتقاد من يؤمن بنظريات المؤامرة بالحلول البسيطة. ذلك أن المناهج التعليمية لمختلف المجالات تشجع على التفكير المتمعن بالأفكار المعقدة وتميل إلى تشجيع التفكير بدقّة وإيلاء الاهتمام للتفاصيل الصغيرة.
بصورة عامة، نميل نحن البشر بشدة إلى إنشاء نماذج بسيطة للأفكار المعقدة. ذلك أن لدينا اختصارات ذهنية أو حدسيات شخصية لكل شيء لا نفهمه بعمق.
يقول كلايتون مانسل أن الوضع الحالي في أفغانستان على سبيل المثال، مثال جيد على هذا، فالوضع رغم تعقيده البالغ والتفاصيل الدقيقة الفارقة التي فيه إلا أن حدسه بشأن ما يجرى هناك يتمثل في هذه الجملة “الإرهابيون أشرار، لذا أمضت الولايات المتحدة عقدين من الزمن هناك لضمان ألا يستولي الإرهاب على البلاد” مع أن الواقع أكثر تعقيدًا من هذا بكثير.
لذلك يقول كلايتون أنه متفهم للراحة التي تمنحها نظريات المؤامرة للناس الذين لا يفهمون إحدى المواضيع كما ينبغي. الأمر المدهش أن هذا التفكير التآمري التلقائي يمكن بيُسر زعزعته. فقد وجدت إحدى الدراسات على سبيل المثال أن مجرد الطلب من مجموعة من المعلمين التفكير بمدى عقلانيتهم (على سبيل المثال: طرح سؤال عليهم مفاده: “إلى أي مدى ترى نفسك عقلانيًا؟”) يُخفّض الاعتقاد بنظريات المؤامرة.
إن رغبت في رحلة لفضاء الكتابة لن يكلّفك ذلك كثيرًا: نحو 7 دولارات في الشهر فقط؛ اشترك في رديف الآن وانضم لكوكبة من رواد فضاء الكتابة، والترجمة والعمل الحرّ.
رواية ممتازة ومشوّقة وعصرية أدعوكم لشرائها: رسائل إلى الضائعين – بريجيد كيمرر – ترجمة: إكرام صغيري. إن كنت تهوى التصوير ستعجبك أيضًا:
أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر
يونس يسأل: ما موقفك تجاه نظريات المؤامرة؟
حقوق الصورة البارزة: Photo by Ehimetalor Akhere Unuabona on Unsplash
يونس بن عمارة 
أنها هراء وجريمة في حق العقل الإنساني المُكرّم.
الفيصل بين المؤامرات (وهي حقيقية ولا ينكرها المتآمرون أنفسهم) ونظرية المؤامرة: أن الأخيرة (تؤلّه) المتآمرين الذين لا يعزب عنهم شيء في الأرض، وهذا باطل حتما، وأنها غير قابلة للدحض فكل وقائع تصادم النظرية يمكن تحويرها لتكون تأكيدا لنظرية المؤامرة المختلقة..
إعجابLiked by 1 person
مرحبا بعودتك القوية
إعجابLiked by 1 person
من أكثر النظريات التي تعجبت منها هو ربط فيروز كورونا ببل قيتس، تكلم بها أُناس كثر ومتعلمين للأسف
أكثر نظرية تثير اهتمامي وأتابعها هي نظرية اﻷرض المسطحة، من سبيل الفكاهة أحياناً ومن سبيل أن أحاول أن أعرف كيف يفكر هؤلاء الناس مع وجود كل ما يثبت كروية اﻷرض، احد المرات دخلت في نقاش مع صاحب قناة عربية يحال إثبات أن اﻷرض مسطحة بآيات من القرآن، قلت له أن موضوع تسطيح اﻷرض وكرويتها موضوع علمي وليس عقدي، فاتهمني باني مخالف للصحابة وللدين وتبين لي أنه شخص سطحي، لكن ما اتعجب له حقيقة من أصحاب نظرية الأرض المسطحة أنه يؤمن بها عدد كبير من الغرب ويظهر على بعضهم أنهم باحثين ووصلوا درجة من العلم والمعرفة، لكن حللت أنهم ربما لديهم اضطراب عقلي دفعهم لتصديق هذه النظرية
إعجابLiked by 1 person
أشكرك لمداخلتك المُثرية
إعجابLiked by 1 person