أكذوبة قاعدة العشرة آلاف ساعة لإتقان إحدى المهارات

لطالما أعطت ثقافتنا الأفضلية للخبراء في مجالهم سواء كانوا من الرياضيين أو الطهاة أو الموسيقيين أو حتى كبار المشاهير ممن هم سادة في عملهم، حيث نستمتع بمشاهدة الساعات الطوال التي يمارسون فيها مرةً تلو الأخرى نفس المهارات بغية أن تصبح طابع آخر لديهم.

في عام 2008، نشر مالكولم غلدويلّ كتابه الأكثر رواجاً “المتميزون” يتحدث فيه كيف أن هناك أشخاصاً استثنائيون يستطيعون تحقيق ما هو أكثر بكثير من غيرهم من الناس. ذكر الكتاب دراسة تتعلق بطلاب آلة الكمان في أكاديمية الموسيقى الألمانية، ونعرض هنا جزءاً ملخصاً منها: “العديد من الخصائص التي كنا نعتقد أنها تعكس المواهب الفطرية هي في الواقع نتيجة لممارسة مكثفة امتدت لوقت لا يقل عن عشر سنوات” .

أطلق مالكولم غلادويل عليها اسم قاعدة العشرة آلاف ساعة ويقصد بهذه القاعدة إمكانية إتقان أي موضوع تريده بدراسته لمدة عشرة آلاف ساعة.

كثرة الممارسة لا تعني إتقان العمل

في بادئ الأمر لم يكن الهدف من الدراسة تناول موضوع بعينه لفترة محددةٍ من الوقت فقد كان الهدف الأساسي منها هو تكرار الممارسة المقصودة وهذا نوع من الممارسة المنهجية والهادفة يهدف إلى تحسين الأداء ويتطلب اهتماما مركزا عوضاً عن التكرار الطائش.

والأهم من ذلك كله أن الباحث الرئيس في الدراسة لا يتفق مع قاعدة ال 10000 ساعة السحرية.

 “لقد أخفق في معرفة حقيقة أن كل واحدٍ من هؤلاء المشاركين قضى على الأقل عشرة آلاف ساعة (بالتدريب)، وهذا يعني أنهم استطاعوا تخطي هذا الحاجز السحري بطريقةٍ ما، كانوا جيدين بالفعل فهم طلابٌ واعدون عندهم الرغبة في الوصول إلى أعلى مستوى في تخصصاتهم، لكن الطريق أمامهم طويل لاستكمال هذا الوقت المذكور في الدراسة”

 أندرس إريكسون، إخصائي وباحث، جامعة ولاية فلوريدا (المصدر).

في نهاية ،, قد تكمن المشكلة الأكبر في قاعدة ال 10000 ساعة , فلا يوجد على الإطلاق ما يثبت في هذه الدراسة أن بإمكان أي شخص أن يصبح خبيراً في مجاله عندما يتمرن على شيء ما مدة 10000 ساعة، حتى لو كان هذا التمرن مقصود. وللتأكيد على ذلك، كان على الباحثين أخذ عينة عشوائية من الأشخاص خلال 10000 ساعة من الممارسة ومعرفة ما إذا كان للنتائج أي أهمية إحصائية.

ما استطاعت الدراسة التوصل إليه هو أن الأشخاص الأفضل في استخدام آلة الكمان هم من قضوا ساعات أكثر في التدرب المتعمد عن الأشخاص الجيدين. وهذا شيء يدعو للاهتمام لكن لا يعني بأي حال من الأحوال أن هناك وعداً بالخبرة.

في حقيقة الأمر، أظهرت دراسة بحثية حديثة من جامعة برينستون دليلاً على أن الممارسة أحدثت فرقاً بنسبة 12% في الأداء في المجالات المختلفة.

  •  18% في مجال الرياضة
  •  21٪ في مجال الموسيقى
  •  26٪ في مجال الألعاب

وكما سبق لفرانز جونسون أن شرح في كتابه “مدير الدقيقة الواحدة” The Click Moment ، فإن الممارسة المتعمدة والمتكررة تعمل بشكل أفضل في المجالات ذات الهيكلة المستقرة ، مثل الشطرنج أو الموسيقى الكلاسيكية أو التنس ، حيث لا تتغير القواعد أبداً. ولكن عندما يتعلق الأمر بريادة الأعمال والمجالات الإبداعية الأخرى، فإن القواعد تتغير على الدوام مما يجعل الممارسة المتعمدة أقل فائدة.

في حال لم تثمر الممارسة عن اتقان العمل، فكيف لنا أن نتعلم اذاً اتقان المهارات الجديدة؟

النطاق يتفوق على المهارة

يطلق على استراتيجية التعلم التي تعنى بالتركيز على مهارة واحدة قبل الانتقال إلى المهارة التالية “استراتيجية الحجب”. وقد سبق أن استخدمت هذه الاستراتيجية بالطرق التقليدية في المدراس لتعليم الطلاب. في المقابل ، تتمثل “استراتيجية الاقحام” في ممارسة مهارات موازية متعددة في وقت واحد.

أظهرت الأبحاث أن التوزيع العشوائي للمعلومات يجعل الدماغ في حالة تأهب، مما يساعد على تخزين المعلومات في الذاكرة طويلة الأمد، مما يعني أنه في المرة القادمة التي تريد فيها دراسة أي موضوع جديد بإمكانك الاستفادة من تغير الأمور. مثلًا، سيعمل بعضٌ من الترميز الممزوج مع القليل من تصميم UX بشكل أفضل مما لو كان في جلسة تشفير واحدة طويلة.

لن تتعلم أفضل وأسرع فحسب، بل أيضاً ستتمكن من أن تحقيق نجاحِ أكبر على المدى الطويل. يذكر ديفيد ج.استين في كتابه “المدى” كيف للخبراء العامين من الانتصار في عالم التخصص، يبين لنا ديفيد ج. إبشتاين كيف للخبراء العامين عوضاً عن غيرهم من المتخصصين في مجال ما يميلون لتحقيق النجاح خصوصاً في الميادين الأشد تعقيداً.

*وقد تكلم الدكتور نضال قسوم عن الكتاب في هذا الفيديو

توضيح قاعدة الـ 10000 ساعة من خلال أسلوب الثعلب مقابل أسلوب القنفذ

أسلوب الثعلب مقابل أسلوب القنفذ

“ يعرف الثعلب الكثير من الأشياء، واحدة منها أن القنفذ شيء عظيم” 

مثلٌ إغريقي قديم.

قد تؤدي بك الخبرة الزائدة عن الحد إلى عواقب وخيمة. في كتابه الكلاسيكي يشارك فيليب تيتلوك تجربة طلب فيها من خبراءَ سياسيين واقتصاديين تقديم تنبؤات. وقد تبين بعدها أن 15% من النتائج التي توقع الخبراء أنها ستكون مستحيلة الحدوث حدثت في آخر المطاف، وربع النتائج التي تأكد الخبراء من حدوثها لم يتنبأ بها اطلاقاً.

ما يلفت الانتباه هنا أنه كلما ازدادت خبرة الخبراء واعتماداتهم كلما قلت معرفتهم بما يمكن توقع حدوثه وأدى هذا الأمر في المقابل إلى جعل المشاركين ممن لديهم نطاق أوسع في ميادين المعرفة ولم يتقيدوا بمجال “خبرة” معين أفضل حالاً في توقعاتهم.

إذا كنت صانعاً للمحتوى أو منشئ مشاريع، فإنك مقدرتك على رؤية أنماط جديدة و توليد أفكار في المجالات التي لا ينشئ الناس فيها عادةً أية اتصالات لهو بالأمر العظيم. وعادةً ما تأتي هذه العظمة من الخبرة العميقة في مجال فريد من نوعه على حساب مجالات أخرى من المعرفة.

إذاً دعنا نغض الطرف عن قاعدة الـ 10000 ساعة وفي الوقت الذي تشعر فيه برغبةٍ في دراسة موضوع جديد لا يتلاءم بدقة مع “صندوق أدوات الخبرة”، ما عليك إلا أن تنطلق وأن تفعل ذلك فحسب.


رابط المقال الأصلي

تُرجمت هذه القطعة من المحتوى بإذن كاتبها الأصلي: آن لور لو كانف

ترجمها للعربية: رشا يحيى بدر الدين بعيرة

نُشرت لأول مرة بالعربية في مدونة يونس بن عمارة.

تُرجم المقال ضمن التدريبات التي نقيمها في مجتمع رديف. إن أردت تدريبًا احترافيًا على الترجمة اشترك في مجتمع رديف.


حقوق الصورة البارزة: Photo by Prophsee Journals on Unsplash

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s