نزّل المقال بهيئة PDF من هنا:
قبل أكثر من عقدٍ من الزمن كتب محرر مجلة ويرد (Wired) كيفن كيلي مقالًا بعنوان “1000 معجب حقيقي“، متوقعًا أن تطور الإنترنت سيتيح لعددٍ كبيرٍ من الناس كسب قوتهم من خلال إبداعاتهم، سواءً أكانوا فنانين، أو موسيقيين، أو كتابًا، أو روّاد أعمالٍ. وقال كيفن أن المبدعين لن يكونوا في حاجةٍ للسعي وراء الشهرة الواسعة، فكل ما يلزمهم هو إشراك قاعدةٍ متواضعةٍ من “المعجبين الحقيقيين” -المستعدين “لشراء أي شيءٍ تنتجه”- بواقع 100 دولارٍ للمعجب سنويًا (للحصول على إجمالي دخل سنوي يبلغ مئة ألف دولار). واِعتقدَ كيفن أن بإمكان المبدعين تجاوز الوسطاء التقليديين من خلال تبني الشبكات الاِجتماعية، لتتدفق الأموال إلى جيوبهم مباشرةً من قاعدة صغيرةٍ من المعجبين، ويعيشوا بأمانٍ بعيدًا عن مصاصي المجهودات.
والآن، أصبحت هذه الفكرة أبرز مما كانت عليه منذ نشوئها، لكنني أقترح دفعها خطوةً إلى الأمام. ففي ظلّ نمو اقتصاد الشغف، يزداد عدد الأشخاص الذين يستثمرون فيما يحبون القيام بفعله. ذلك أن الاِعتماد العالمي على منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك ويوتيوب، وتعميم نماذج المؤثرين، وظهور أدواتٍ جديدةٍ مصممةٍ لصنّاع المحتوى، كل هذا غيّر عتبة النجاح. وقد صرتُ أعتقدُ أن صنّاع المحتوى بحاجةٍ إلى جمع 100 معجب حقيقيٍّ فقط -وليس 1000- يدفعون 1000 دولار سنويًا بدلًا من 100 دولار. حيث بات بإمكان صناع المحتوى كسب المزيد من الأموال بفعاليةٍ من خلال عددٍ أقل من المعجبين.
هل يبدو ذلك احتمالًا بعيدًا؟ إننا نشهد هذا التحول بالفعل تبعًا لإحصائيات منصات صناعة المحتوى. إذ ارتفع متوسط مبلغ التعهد الأولي في منصة باتريون (Patreon) بنسبة 22 بالمائة على مدى العامين الماضيين. ومنذ عام 2017 زادت نسبة الداعمين الجدد الذين يدفعون أكثر من 100 دولار شهريًا -أو 1200 دولار سنويًا- بنسبة 21 بالمائة. وعلى منصة بوديا (Podia) للدورات التعليمية الإلكترونية يزداد كل شهرٍ عدد صناع المحتوى الذين يجنون أكثر من 1000 دولار في الشهر، بينما يزداد متوسط عدد العملاء لكل صانع محتوى بمعدل 10 بالمائة. وبالمثل ارتفع متوسط سعر العروض على الدورات التعليمية في موقع تيتشابل (Teachable) بواقع 20 بالمئة سنويًا. وفي عام 2019 حقق ما يقرب من 500 منشئي دورات على منصة تيتشابل أكثر من مئة ألف دولار؛ وكان متوسط دخل 25 واحدًا منهم أكثر من 1000 دولار لكل عملية بيع.
والاختيار ليس حصريًا بين 100 أو 1000 معجب حقيقي، كما أن معيار الإيرادات البالغ 1000 دولار لكل معجب في السنة ليس وصفةً عمليّة دقيقة. وبدلًا من ذلك، يوفر مفهوم المئة معجب إطارًا للتفكير في مستقبل اِقتصاد الشغف: حيث بإمكان صانع المحتوى تقسيم جمهوره إلى فئاتٍ وتقديم خدماتٍ ومنتجاتٍ بتسعيراتٍ مختلفة.
وإليك كيف تسير الأمور: يمكن لصانع المحتوى إنشاء جمهورٍ كبيرٍ يقدم له محتوى مجانيًا على منصات التواصل الإجتماعي الأفقية أو عبر النشرات البريدية. بعد ذلك يمكنه تحويل بعض هؤلاء المستخدمين إلى داعمين ومشتركين. وبعدئذ يمكن لصانع المحتوى الاستفادة من بعض هؤلاء المشترين في عمليات شراءٍ عالية القيمة، كأن يقدم محتوى إضافيًّا، أو وصولًا حصريًّا، أو تفاعلًا مباشرًا مع صانع المحتوى.
تتقارب هذه الإستراتيجية مع مفهوم “الحيتان” في عالم ألعاب الفيديو، حيث تأتي نسبة 80% من مداخيل شركات الألعاب من 1 إلى 2 بالمئة من المستخدمين (رغم أن هذا النموذج آخذ في التطور). والأمر ببساطة هو أنه إذا كان بإمكانك إقناع عدد صغير من الأشخاص المتفاعلين على دفع المزيد، يمكنك أيضًا الحصول على جمهور عام يدفع بشكلٍ أقل. وهكذا من خلال تقسيم قاعدة العملاء وتقديم قيمة أكبر لأفضل المعجبين -بسعرٍ أعلى- يمكن لصناع المحتوى تحقيق دخلهم من خلال جمهورٍ صغير.
ونعيد القول بالعودة إلى الأمثلة أعلاه أن هذا ليس مجرد افتراضاتٍ بحتة. فأحد صناع المحتوى على موقع تيتشابل الذي يقدم استشارات للفنانين حول سبل بيع أعمالهم الفنية حقق 110 ألف دولار العام الماضي من خلال 76 طالبًا فقط، بمتوسط 1437 دولارًا لكل دورةٍ تدريبيةٍ. من ناحية أخرى، حقق صانع محتوى آخر يُدرِّس العلاج الطبيعي 141000 دولارًا أمريكيًّا من خلال 61 طالبًا فقط، بمتوسط 2314 دولارًا لكل دورةٍ تدريبيةٍ. كما يتزايد متوسط الإيرادات لكل مستخدم في موقع بوديا أيضًا. حيث بات بإمكان صناع المحتوى الذين بدأوا بيع الدورات حصريًا على المنصة التوسع في تحقيق مداخيل من جمهورهم بإضافة التحميلات واشتراكات العضوية. ورغم أن كسب العيش بنموذج 100 معجبٍ حقيقيٍ أمرٌ بعيدٌ عن المألوف، إلا أن إمكانيات تحقيقه صارت متزايدة.
كيف تكسب المعجبين المستعدين لدفع مبالغ طائلة؟
هناك فرقٌ جوهريٌّ بين تحقيق الدخل من خلال 1000 معجبٍ حقيقيٍّ (يدفعون 100 دولار سنويًا) و 100 معجبٍ حقيقيٍّ (يدفعون 1000 دولار سنويًا). في حين أن صانع المحتوى يمكنه كسب 100 دولار سنويًا من المعجبين من خلال الرعاية أو التبرعات، فإن جمع 1000 دولارٍ سنويًا لكل معجبٍ يتطلب منتجاتٍ مختلفةٍ تمامًا. حيث يتوقع هؤلاء المعجبون أن يحقق لهم منتوجك قيمةً وهدفًا ذوي معنى.
وهذا يمثل توجهًا للابتعاد عن نموذج التبرع التقليدي -حيث يدفع المستخدمون لفائدة صانع المحتوى- نحو نموذج القيمة، حيث يكون المستخدمون على استعدادٍ لدفع المزيد مقابل شيءٍ يفيدهم شخصيًا. وما كان يطلق عليه تقليديا “المساعدة الذاتية” موجود الآن تحت مسمى “الرفاه”. حيث أن الناس مستعدون لدفع المزيد من أجل خدماتٍ حصريةٍ ذات مردودٍ إيجابي وبنَّاءٍ في حياتهم، سواءً أكان ذلك متعلقًا بالصحة، أو المال، أو التعليم أو العمل. من الشائع خارج الإنترنت أن تجد أناسًا يوظفون مختصين في عددٍ من المجالات (مصممي الديكور الداخلي، مستشاري التنظيم، مدربي الخطابة العامة، الموجهين التدريبيين، مدرسي امتحانات الشهادة) وهم مستعدين لدفع مبالغ ممتازة مقابل وعدٍ بالتحسن وبنتائج قابلةٍ للقياس. والآن تتسرب هذه العقلية إلى حياتنا الرقمية أيضًا.
يتعلق هذا بمفهوم دانيال بينك للدوافع الذاتية: فنحن البشر مدفوعون بالرغبة في الاستقلالية (رغبة المرء في توجيه حياته)، والإتقان (الرغبة في التحسن في عمل شيءٍ مهمٍ)، وتحقيق الغاية (التوق إلى العمل في خدمة شيءٍ أكبر من الذات).
وبغض النظر عن هذه المصطلحات، فإن المنتجات والخدمات الموجهة لهذه الفئة يجب أن تحل إشكالياتٍ ذات أولويةٍ قصوى للمستهلكين. في هذا النموذج يدرك صُنّاع المحتوى الذين يعتمدون نموذج 100 معجبٍ حقيقيٍّ رغبة العملاء في التحسن والتغيير للأفضل. واستعمال التكنولوجيا الحديثة مثل منصات دورات الفيديو والبث المباشر المتزامن يتيح إنشاء محتوى أكثر ثراءً وأعلى جودةً مما كان ممكنًا قبل عقدٍ من الزمن.
هناك العديد من الأمثلة على خدمات الاشتراك المميزة الحالية التي تشترط على المستهلكين دفع أسعارٍ مرتفعةٍ، سواء أكانت 200 دولار شهريًا للعضوية مثل موقع إيكوينوكس (Equinox)، أو 159 دولارًا شهريًا للاشتراك غير المحدود في موقع Rent the Runway، أو 250 دولارًا شهريًا لاشتراكات موقع بربل كاروت (Purple Carrot).
يوجد اِتجاهٍ مشابه في عالم البرمجيات الخدمية، حيث تلبي النسخ المدفوعة للبرامج المجانية احتياجات المستخدمين أو المحترفين. على الرغم من وجود إصدارات مجانية من هذه المنتجات يختار المستخدمون المتميزون الإصدار المدفوع من أجل كفاءةٍ وتجربة استخدامٍ أعلى. وعلى سبيل المثال: قارن بين المحتوى التعليمي الضخم والمجاني في فيديوهات اليوتيوب مقابل فصول تعليمية مدفوعةٍ مثل ماستركلاس (MasterClass) (900 دولار للفصل) أو جوني ليرنينغ (Juni Learning ) (250 دولار لأقسام التعليم الخاصة بالأطفال) وبينما يقدم اليوتيوب كمية ضخمةً من المحتوى المجاني عالي الجودة، فقد يكون من الصعب تصفح المحتوى أو تخصيصه. حيث أن منصات صناعة المحتوى المدفوع الجديدة لا تركز على الترفيه أو الإبهاج، بقدر ما تركز على توفير حلولٍ كاملةٍ للمخرجات النهائية التي يرجوها المستخدم، ويتضمن ذلك المنهاج والمجتمع والقابلية للمساءلة.
وصفة كسب 1000 دولار لكل معجبٍ
تختلف إستراتيجية تحقيق الدخل لـ 100 معجب حقيقي عن استراتيجية 1000 معجبٍ حقيقيٍ. إذ يمكن لمزايا بسيطةٍ مثل تقديم محتوى خالٍ من الإعلانات والوصول إلى المادة العلمية، مساعدة صانعي المحتوى في تحقيق دخلٍ إضافيٍّ بسيط. ولكن لاكتساب معجبين مستعدين لدفع 1000 دولارٍ سنويًا -وهو ليس بالمبلغ الضئيل- على صنّاع المحتوى تقديم زيادة تدريجيةٍ في القيمة. باختصار، الوصفة هي تخصيص الجمهور والاستفادة من رغبة المستخدمين في تحقيق النتائج. ما معنى هذا عمليًّا؟ هذا يعني توفير محتوى، ومجتمع، وقابلية للمساءلة وإمكانية وصول متباينة.
1. المحتوى المتميز والمجتمع الفريد.
2. تقديم نتائج وقيمة مضافة ملموسة.
3. القابلية للمساءلة.
4. الوصول والتقدير والوضع الاجتماعي.
لنتطرق لكل نقطةٍ على حدة:
المحتوى المتميز والمجتمع الفريد
إن الناس مستعدون لدفع مبالغ كبيرةٍ لقاء الحصول على محتوى حصريٍّ ومختلف، وللمشاركة في شبكةٍ من الناس الذين يشابهونهم في التفكير. في أواخر سنة 2019 قام إثنان من البودكاستر الاستشاريين بإطلاق مجتمع خاصٍ مدفوعٍ باسم أدفايزور قروث (Advisor Growth Community) مدعومةً من طرف شبكات مايتي (Mighty Networks). من جهة أخرى، يدفع موقع ذي أونلاين هاب (The online hub) لمستشاريه الماليين 2000 دولار سنويًّا للتعاون مع زملاء المهنة واستكشاف سبل تنمية مهاراتهم. ولديهم الآن ما يقارب الـ100 عضو في نظامهم. على جانب آخر، يُكلّف برنامج تنمية المسار المهني ريفورج (Reforge) -وهو دورة تدريبية متقدمة حول النمو واستراتيجيات التسويق- مئات المشتركين ما يقارب من 3000 دولار سنويًّا للفرد الواحد.
وفي كثيرٍ من الأحيان يتم تجميع المحتوى المتميز من المجتمع لتحسين تجربة استخدام الطالب من خلال توفير تعزيزٍ ودعمٍ اِجتماعيٍّ قيّم.
تقديم نتائج وقيمة مضافة ملموسة
تبيع الشركة اليونيكورن (أي التي بلغت قيمتها السوقية مليار دولار) ديداو (Dedao) بالصين دوراتٍ صوتيةٍ مدفوعة تلبي رغبة المستخدمين في تحسين الذات والتعلم المستمر. ومن بين المواضيع الأكثر مبيعًا نجد: الإدارة، ومهارات الدراسة، والخطابة العامة. قد تبلغ قيمة هذه الدورات ما يعادل 199 يوان (28 دولار تقريبًا) وهي تكلفة معقولة في بلدٍ يبلغ متوسط الدخل فيه 21600 يوان ( ما يقارب $3,100 دولار). وأشهر الدورات على هذه المنصة يقدمها البروفيسور السابق في جامعة بيجين زو جافانغ (Xue Zhaofeng) إذ اشترك فيها أكثر من 470000 مشترك.
على الضفة المقابلة، وفي حين لا يزال قطاع التدوين الصوتي (البودكاستنق) في الولايات المتحدة يُستثمر فيه بشكلٍ متواضعٍ من خلال الإعلانات، فإن النظام الاقتصادي المزدهر لتطبيقات الرفاه والتأمل المدفوعة مثل هيدسبايس (Headspace)، وكالم (Calm) وأباتيف (Aaptiv) -حيث تفرض كلها رسومًا مباشرةً على المشتركين- لهو مؤشرٌ واضحٌ على استعداد المستخدمين للدفع مقابل المحتوى الذي يؤثر بشكلٍ ملموسٍ على رفاههم الذاتي.
القابلية للمساءلة
كلما دفع الطالب مقدمًا، زاد استثماره في تحقيق النتيجة المرجوة. لا يقدم صناع المحتوى ذوو الأسعار المرتفعة محتوى أغزر أو أفضل فحسب، بل يحفزون الطلاب ويدفعونهم للحصول على النتائج التي أنفقوا أموالهم من أجل تحصيلها. وعلى سبيل المثال فإن الاشتراك المميز لدورة خبير الإنتاجية تياغو فورت في منصة تيتشابل حول “التدوين الرقمي للملاحظات والإنتاجية” ($699 مقابل $499) يتضمن ثماني لقاءاتٍ مع خبراء، و16 قالبًا لتدوين الملاحظات، وست دروس متقدمة، ووصولًا إلى مدونة خاصةٍ بالأعضاء. يشارك تياغو أيضًا أرقامه علنًا، مما يعزز مفهوم القابلية للمساءلة.
الوصول والتقدير والوضع الاِجتماعي
وعلى منصة باتريون يملك برنامج البودكاست الكوميدي (This Might Get Weird) مستويين: واحدًا بـ5 دولار شهريًا وآخر بـ15 دولار، وكلا الاشتراكين يوفران وصولًا إلى مجموعة نقاش على ديسكورد (Discord) وإلى محتوى إضافيٍّ. كما يقدم صانع المحتوى هذا عددًا محدودًا من الاشتراكات بتكلفة 69 دولارًا أمريكيًا شهريًا (أي 828 دولارًا سنويًا)، ومن بين ميزاته توفير بثٍّ شهريٍّ مباشر لمدة نصف ساعة. ولكن العرض الأعلى سعرًا هو مستوى 500 دولار شهريًا (أي 6000 دولار سنويًا)، والذي يمنح المستخدمين جلسات تدريبٍ شخصيٍّ مع مضيفي البودكاست كل 3 أشهر، عبر دردشة الفيديو. يوفر العرض الأغلى مستوى من الحصرية مواكبًا للسعر -المضاعف مئة مرةٍ عن الاشتراك الأدنى-.
ونجد في الصين قطاعًا إقتصاديًا كبيرًا ومتناميًا، مثل بيكسين (Bixin) وتاوبو (Taobao) وهيزهو إسبورتس (Heizhu Esports) (من نتس Netease)، حيث يدفع الناس لصالح صانعي المحتوى كي يلعبوا معهم ألعاب الفيديو. بعض هؤلاء المستخدمين يكسبون عشرات الآلاف من الدولارات شهريًا كمرافقين في ألعاب الفيديو. بالإضافة للحصول على هذا التقدير من صانع المحتوى، فهناك احتمالٌ للحصول على التقدير من باقي المعجبين. وفي عالم القمار، تقوم “الحيتان” بالتأثير على غير المنفقين بعاداتهم الإنفاقية العالية، مما يجعلهم هدفًا مغريًا لكل الآخرين. وإذا توسعنا في المفهوم، فيمكن تصميم المنتجات بطريقةٍ تجعل المشتركين المميزين يتلقون تقديرًا اِجتماعيًّا من المشتركين “العاديين”، مما يؤدي إلى تأثيرٍ قويٍّ على المجتمع يزيد من قيمة المشتركين المميزين أكثر بكثيرٍ من قيمة ما أنفقوا.
وعودةً لألعاب الفيديو، يكسب بعض لاعبي الفيديو الذين يبثون المباريات بصورة مباشرة على منصة تويتش آلاف الدولارات سنويًّا من التبرعات ومن العطايا (tips). وفي إحدى الحالات الحديثة تحصل أحد اللاعبين على عطية بمقدار 75000 دولار. ذلك أن التحية الخاصة من قبل لاعب الفيديو، والتقدير والوضع الاجتماعي المرموق الذي تُتيحه هذه التبرعات تؤدي إلى إنفاقٍ أكثر. وجديرٌ بالذكر أن الوصول المحدود والتقدير أمورٌ لا يمكن توسعتها: حيث أن الناس -بالتعريف- يدفعون مبالغ أعلى للحصول على وصولٍ حصريٍّ لرفع وضعهم الاجتماعي مقابل باقي المستخدمين.
من 1000 إلى 100: عددٌ أقل من المعجبين الحقيقيين
يمرّ اقتصاد صناع المحتوى بتحول حاسمٍ من اقتصادٍ مبني على فكرة “الأكبر هو الأفضل” والاعتماد على عوائد الإعلانات إلى اِقتصادٍ يركز على مجتمعات متخصصةٍ ودفعٍ مباشر من المستخدم إلى صانع المحتوى.
وقد بات صنفٌ متنامي من المنصات الرقمية يساعد الناس في تحويل مهاراتهم ومواهبهم إلى أنشطةٍ تجاريةٍ. ولكن مع تطور ساحة صناع المحتوى، يحتاج دليل التشغيل إلى تحديثٍ.
فبدلًا من التعامل مع المعجبين وفق منهجية واحدة تناسب الجميع، يدعو نموذج 100 معجبٍ حقيقيٍّ إلى التفريق بين مختلف فئات الجمهور بناءً على التقارب ومدى رغبتهم في الدفع. ذلك أن العلاقة مع المعجبين المميزين مختلفةٌ عن العلاقة مع المعجبين العاديين: فالأوائل يصبحون تلاميذًا، ومدافعين، ومساعدين في التعلم وصناعة المحتوى. ولهذا فإن التعامل معهم يتطلب مجموعةً كاملةً من الأدوات والمنصات المختلفة.
والسر للوصول إلى كسب 1000 دولارٍ لكل معجبٍ سنويًا، هو إعداد عروضٍ متناسبةٍ بمستوياتٍ وأسعارٍ متدرجةٍ. قد يكون لدى صانع المحتوى قاعدةً عريضةً من المتابعين على المنصات الاجتماعية المجانية، فيحول بعض هؤلاء المتابعين إلى مشترين أو داعمين مرةً واحدةً، ثم يرتقي ببعض هؤلاء المستخدمين إلى معجبين مميزين يدفعون مبالغ كبيرةً. بالنسبة للمؤسسين والمشغلين يعني ذلك إنشاء منتجاتٍ تعمل على تناسب الأموال المكتسبة مع القيمة المقدمة للمستخدم النهائي.
إنّ مفهوم 100 معجبٍ حقيقيٍ ليس للجميع ولا حتى مفهوم 1000 معجبٍ حقيقيٍ مناسب للجميع. ومن المرجح أن يكون من الأفضل لصناع المحتوى الذين يمتلكون جماهير أكبر وأكثر انتشارًا مع ولاءٍ أو مشاركةٍ أضعف تحقيق الدخل من خلال عروض الرعاية أو المنتجات الموسومة بالعلامة التجارية. بالنسبة للكثيرين، سيكون هذا المسار أكثر ربحًا -ويتطلب جهودًا أقل- من تصميم برامج شخصيةٍ عالية القيمة كما يتطلب نموذج مئة معجبٍ حقيقيٍّ.
وكما قال المحلل التقني والمدون بِن تومبسون ذات مرة “إن الإنترنت تدعم بقوةٍ فكرة المجتمعات المتخصصة”. بالنسبة إلى صناع المحتوى الذين يملكون ثقة جمهورٍ متخصصٍ والذين يقدمون ما يتوق إليه هؤلاء المستخدمون -سواء أكان ذلك تحسينًا ذاتيًا أو تواصلًا أو تقديرًا أو انتماءًا- يمثل نموذج 100 معجبٍ حقيقيٍّ تحديثًا لطرق تحقيق الدخل من خلال اقتصاد الشغف الآخذ في النموِّ.
كاتبة المقال
تُعدّ لي جين عضوًا منتدبًا لدى آندرسن هورويتز (شركة رأسمال جرئ تقع في السيليكون فالي) متخصصة في الاستثمار في الشركات الناشئة الموجهة للمستهلكين في مراحلها الأولى. وتتمحور اهتمامات لي جين بوجه خاص بالقطاعات الاقتصادية والتقنيات التي تمكّن الناس من تحويل شغفهم إلى مهن ووظائف (ما يسمى اقتصاد الشغف). وحاليًا تشغل لي جين منصب عضو مراقب لدى منصة صب ستاك (Substack)، وفي وقت سابق شغلت لي منصب عضو مراقب في مجالس إدارة كل من ساند بوكس في آر (Sandbox VR)، وأيامغور (Imgur)، وديال باد (Dialpad)، وأوبن غوف (OpenGov)، وهونور (Honor)، وفيرتشول كتشن كو (Virtual Kitchen Co).
قبل انضمامها للشركة الاستثمارية (a16z)، شغلت لي منصب مدير المنتج لدى شوب كيك، وهي شركة ناشئة مدعومة برأس مال مغامر متخصصة في برامج الولاء والمكآفات لديها أكثر من 15 مليون مستخدم، واُستحوذ عليها لاحقًا من قبل إس كي تليكيوم (SK Telecom) العام 2014 مقابل 250 مليون دولار.
استهلت لي مسيرتها المهنية في قسم استراتيجيات الشركات لدى كابتل ون (Capital One). تحمل لي شهادة بكالوريوس في الإحصاء من جامعة هارفارد، حيث كانت حينئذ تكتب لصالح “ذا كريمسون” وعملت بصفة محرر تنفيذي للمجلة الشهرية المتخصصة في حياة الطلاب والطالبات: “ذا هارفارد فويس”؛ تعدّ جين لي أيضًا فنانة ورسّامة.
في الوقت الراهن، تدير لي جين وتكتب محتوى نشرة بريدية مميزة اسمها نشرة لي البريدية ترسل فيها لي محتوى أسبوعيا للمشتركين حول ثقافة المستهلك والتقنية والمستقبل. (أدعوكم للاشتراك بها بالضغط هنا). تابعوا لي جين على تويتر هنا.
تُرجمت هذه القطعة من المحتوى بإذن كاتبتها الأصلية: لي جين.
ترجمها للعربية: مصطفى بوشن.
نُشرت لأول مرة بالعربية في مدونة يونس بن عمارة.
حقوق الصورة البارزة: Photo by KOBU Agency on Unsplash
مقالة ممتازة يا صديقي. الشكر لصاحبتها، وللمترجم العزيز، ولك أيضا.
إعجابLiked by 2 people
العفو لا تنسى الاشتراك في نشرتها البريدية ومتابعتها على تويتر فهي تقدم محتوى مفيد وضعت رابط النشرة وحساب تويتر أعلاه في المقال
إعجابLiked by 1 person
ممتن لك
إعجابإعجاب
مقال ممتاز
إعجابLiked by 1 person
مقال مهم وممتاز شكرا للكاتبة وللمترجم ..
إعجابLiked by 1 person
العفو
إعجابإعجاب