على هامش “قفلة الكاتب أو ربما كسل الأصابع”

عساكم بخير وعافية،

هذه التدوينة برعاية: بائع الشاي جارنا. 

طلب مني جارنا فتح حساب لغوغل بلاي لأنه اشترى هاتفا جديدا، مع أني فتحت له حسابًا من قبل وكتبته له في دفتره، إلا أنه قال لي أنه لما ذهب لتونس في رحلة علاجية ضاع. فتحت له حسابًا في غوغل بلاي وحصلت على كأس شاي مجاني (في الحقيقة كأسين) بعدما أصرّ ألا أدفع… الآن مين قال اقتصاد المعرفة مش موجود في الجزائر؟

وقت كنت أفتح له الحساب، تكلم هو وجارنا الآخر عن الطقس شديد الحرّ، وأنه يرثي للعمّال المضطرين للعمل في مثل هذا الجو، وذكر أنه “أنا أيضا عملت بما يكفي من قبل كنت أخرج مع الفجر وأعود عند المغرب” الظاهر أنه كان يعمل في مجال البناء.

بعدئذ تكلم الجاران على بائع حليب يضطر لرمي الحليب لأنه يفسد بسرعة في هذا الحر ولا مشتري له… ففكر بائع الشاي باستغلال الفرصة وجلب الحليب بثمن رخيص للاستهلاك الشخصي والبيع التجاري… ثم بعد أن فكر في المسافة والتكلفة (كراء سيارة أجرة، ضرورة وجود مبردات لئلا يفسد الحليب) خلص إلى “أن الأمر لا يستحق. دعنا منه”.

لا ريب أن مشكلة هدر الغذاء مشكلة بغيضة وغبية فعلًا. وبالفعل حصل في الحجر الصحي العالمي أن الكثير من المزارعين الأمريكيين والأوروبيين كانوا يرمون أطنانا من البطاطا ويتلفونها بلا أي استفادة منها. 

ثم تكلم الجار الآخر عن شخص آخر له ثلاث نساء.. لكن لم يكمل قصته، أظن أنه كان ينتظر ذهابي كي يحكي التفاصيل الحصرية لبائع الشاي… ولا بأس: لست مهتما الآن بقصص مُعددي الزواج..

هذا طبعا ليس موضوعنا لأني ما أود الكتابة عنه اليوم هو “هامش” أو تعليق على تدوينة فرزت المعنونة قفلة الكاتب أو ربما كسل الأصابع والتي يقول فيها:

لا أعرف لماذا، من الصعب الحديث عن الموضوع بالتأكيد. مدونتي ليست مدونةً متخصصةً أو ربما متابعةً من الكثير، لكن أشعر دومًا بالرغبة في داخلي بالكتابة.

يصارع تلك الرغبة وحش الكسل، وحش المُقارنة. “انظر ماذا كتب فلان، لن تصل لمستواه أبدًا!، وتلك، هه، لا تفكر حتى.”

فرزت الشياح

هذه التدوينة على شكل هامش على تدوينة فرزت لا تدعي أنها ستعطيك الحل للقضاء على هذه الوحوش. 

الذي يطالع التدوينة ككل سيرى أن فرزت يتكلم عن قفلة الكاتب ثم يحكي:

بين تريلو وبرنامج الملاحظات على الهاتف المحمول هناك الكثير من الأفكار المُجهضة، أسماء لمقابلات البودكاست المستقبلية، والمشكلة ليست في الحصول على وقتهم أو موافقتهم، المشكلة تكمن في رد فعلي أنا، وهذا سيء للغاية.

فرزت الشياح

جزء تريلو وبرنامج الملاحظات الذي يحوي رؤوس أقلام لتدوينات (لا زالت في رحم العدم الآن ونتمنى أن يُنعم عليها بالوجود قريبا) مفهوم للكتابة.. لكن أيضًا مع هذا الجزء الخاص بالبودكاست وهي حلقات صوتية وليست ذات صلة بالكتابة.. هذا ما ينبئ بنظري أن المشكلة في عدم الكتابة لا يتعلق بفقدان الأفكار فحسب بل أيضًا بحالة تشوش أو حيرة في الحقيقة دعوني لا أخمن وأصفها بما وصفها به فرزت نفسه كسل الأصابع على كل حال هذه نقاط سريعة قد تساعد كعصف ذهنيّ وإن كان كلامه عن ملاحظات مكتوبة يعني أنه لا يحتاج لعصف ذهني. الفكرة من التدوينة كلها مثال عمليّ على “تمرين الأصابع لا أكثر”…

  • وحش الكمال

هناك مقولة جميلة تقول (نسيت لمن تنسب) لا تسعى وراء الكمال لأنك لن تبلغه أبدًا. السؤال الآن: إذًا ما هو المتاح بين أيدينا؟ الجواب: بذل ما في الوسع حسب وقت بذل ذلك الوسع. وعبارة “حسب وقت” مهمة جدًا. لأن الكثيرين يقيمون نتاجهم بأثر رجعي فلما يصل لنقطة مرتفعة جدًا من سلم الوجود يحاسب بلا رحمة نفسه لما كانت ترقى أولى درجات ذلك السلم. لا يحقّ لك محاسبة نفسك أو تقييم جودة إنتاجها بأثر رجعي. وأول من يحتاج الرحمة والرأفة منك نفسك أولًا… إن الأمر كما تقول تعليمات الطائرة: إلبس قناع الأكسجين أنت أولًا ثم ساعد من حولك.. لنجعل هذه النقطة الأولى في نُقيطات ملخصة:

أ. الكمال غير ممكن للبشر. لذا ما لا يمكن بلوغه لا داعي للسعي ورائه.

ب. لا يحق لك أن تجري تقييم جودة بأثر رجعيّ. هذا لا يعني أنه يمكنك إعادة تدوير المحتوى وتحسينه إن رغبت في ذلك.

جـ. رأفتك بنفسك أولًا ستسهم بشكل فعّال في جعلك يد عون كبرى للآخرين.

د. وجود قدر موزون لا بأس به من الإيغو (الأنا) صحيّ وجيد. الفكرة هنا: في جعله في حدود الجرعة المستحبة، والإبقاء عليه كذلك.

  • وحش الكسل

في الحقيقة وحش الكسل ليس حقيقيًا في غالب الأحيان بل هناك شيء آخر يرتدي رداء وحش الكسل وهو “الموانع”. هناك العديد من الموانع الظاهرة والأخرى الخفية التي تكبحنا عن الإنجاز. وهي غالبا ما يشار إليها على أنها كسل وليست كذلك. طالع هذا المقال لا أؤمن بوجود الكسل، وإنما بالحواجز الخفية. والآن كما فعلنا مع وحش الكمال. سنلخص في نقيطات ما كتبناه بشأن وحش الكسل:

أ. عندما تقيس الإنتاجية. لا بد أن نعرف أولًا أن الإنتاجية لها أنواع كثيرة وهي لا تتعلق بالمُخرجات فقط. على سبيل المثال: كم كلمة كتبتُ اليوم، كم عميلًا اتصلتُ به؟، الإنتاجية المرتبطة بمؤشرات الأداء الرئيسية هي إنتاجية وول ستريت. أي الإنتاجية بمفهومها الرأسمالي. وهي ليست مفهوما غير قابل للنقاش ولا يمكن اعتمادها هي فقط. لذلك لا بد حين نقيس الإنتاجية أن نحددها بأنواعها. والتي من بينها مثلا الإنتاجية المعنوية. فمثلًا قضائك ساعتين في سماع صديق يمرّ بأزمة. هو في الحقيقة إنتاجية حتى وإن كنت مستمعًا فقط ولا تتفاعل بإعطاء آراء وتوصيات أما إن استمعت ونصحت فأنت صديق مُنتج للغاية. الغرض من هذا الكلام: توسيع مفهوم الإنتاجية لدى المرء وعدم ربطه بالعمل فقط. ولا الاكتفاء بالمفهوم الرأسمالي لها.

ب. الإنتاجية دون أهداف. أي التركيز فقط على المُخرجات وصفة فعالة ومضمونة للاحتراق الوظيفي. لذلك أقترح أن تخطط الإنتاجية وفق OKRs وليس KPIs.

جـ. تجنب الاحتراق الوظيفي برفض وظائف غير معقولة، والرفق بنفسك، ورعاية هوايات لا صلة لها بالربحية، لا سيما في هذا العصر بالذات يعدّ بنظري إنتاجية معنوية يُسعى لها بذاتها.

  • وحش المقارنة

يقول أحمد العسيلي في إحدى مقاطعه المرئية أن فكرة “لا تقارن بغيرك بل قارن نفسك بنفسك” أن حتى مقارنة النفس بالنفس غير جيدة بنظره. لكن برأيي عدم المقارنة ككل يصعب على البشر. لأن الغرض من المقارنة أساسًا لم يكن مُصمما (إن فكرنا بأننا صُممنا على نمط معين) ليحبطنا بل ليؤدي وظيفة معينة هي “أين نحن الآن”.. عندما يمشي الناس في جماعة ما لهدف معين يمكن للمرء بالمقارنة مع الغير أن يحدد مكانه هو. لأغراض المضي قدمًا. ولم يكن من المفترض أن ينجم عن معلومة “تحديد المكان أو المكانة” أي مشاعر إحباط. لكن لأن المجتمع تطور وتعقد، والأمور أصبحت طبقات طبقات في التشعب. أصبحت المقارنة دومًا في 99 بالمئة من الحالات لا تحفز على العمل بل تحبط المرء جدًا.

وأحمد العسيلي محق في نبذه فكرة مقارنة نفسك بنفسك من ناحية أن بعض الناس لما تقول له قارن نفسك بنفسك يجري المقارنة بصورة خاطئة فيعمل تقييم جودة لمنجزاته بأثر رجعي ويقسو على نفسه. في حين قلنا من قبل أنه لا ينبغي على المرء أن يجري تقييم جودة لنُسَخ نفسه السابقة بأثر رجعي.. ما الذي نعنيه بهذا؟ نعني أنه لا يمكن أن تقارن بدايتك وفق المهارات التي تمتلكها الآن. فلنفرض مثلًا أنك يوتيوبر ناجح الآن… خجلك من الإلقاء والتصوير، وسوء تعديلك للمقاطع، ونقص معارفك كلها مفهومة في البدايات.. لذلك لا يمكن أن تحاكم نسخة نفسك الأولى في “الماضي” بما لديك من مهارات ومعدّات ومعارف “الآن”. لذا المقارنة الصحيحة بين نسخ النفس المختلفة غالبا ما تؤدي إلى “الإمتنان” الذي هو تمرين هام للغاية ومحفز.

والآن بشكل نُقيطات نلخص ما ورد في نقطة وحش المقارنة:

أ. حتى عندما تجري المقارنة بين نُسخ نفسك المختلفة. لا تقيّم إنجازات تلك النسخ بأثر رجعيّ. لأن هذه مقارنة ذاتية خاطئة.

ب. الإمتنان عادة حميدة، وذات أثر مدهش.

هامش الهامش

الذي ينتقل كثيرا ما بين البلدان قلبه مليء بملايين القصص، لكن أحيانا نحتاج للانتقال افتراضيًا. القلب متقلب والإنسان لا يحب الثبات على نمط واحد. لربما مدونة جديدة كليًا تحت اسم مستعار، نشرة بريدية سريّة في tinyletter مع بضعة مشتركين قد تفيد في تحفيز النفس على الكتابة، البعض يحتاج مسافة بينه وبين نفسه كي يكتب بالجودة التي يرتضيها. يمكن أيضا الكتابة بصفة ضيف باسم مستعار في منصة أو مدونة أو مكان يتيح ذلك.

طبعا بعض أصدقائك المقربين سيعرفون هويتك الحقيقية لأنهم يحفظون أسلوبك، لكن الجمهور الآخر لن يعرف وهكذا يتحقق المطلوب من خلق المسافة الضرورية بين الذات كجوهر والذات الكاتبة ليحدث فعل الكتابة الجميل. 

يتحدث فرزت عن الجودة مثلًا بقوله: سأتوقف عن الكتابة بشكل مستمر حالياً…لقلة جودة الإنتاج وحيويته.. وأظن أن ما لم يكتب عنه فرزت بشكل كاف حتى الآن هو الجودة لا سيما في صناعة المحتوى. لا شكّ أن لديه أمثلة عن الجودة نجدها في سلسلة المتفرقات الممتازة التي ينتقيها لأنها مثال جيد فعلًا على محتوى ذو جودة عالية. لكن بصرف النظر عن الأمثلة الواقعية. ما هو مفهوم الجودة في صناعة المحتوى بصورة عامة؟ المتابع لمسيرة فرزت مثلي سيعلم أنه أدار محتوى موقع مرصد المستقبل -الذي تخليتُ عن متابعته بعدما غادر فرزت- والمحتوى الذي أُصدر وقت كان فرزت يديره لا يعلى عليه فعلًا جودة واختيارًا.. مفهوم بالنسبة لي معيار الجودة هنا. لكن عمل فرزت في مرصد المستقبل مهنة، وله سياسة تحريرية لا شك أن فرزت وضع أصلًا بعض أُسسها، السؤال هنا: هل يجب على مدونة شخصية أن تكون بمستوى جودة مجلات راسخة لها فرق كاملة وسياسة تحريرية وشركات تدعمها؟ بالنسبة لي لا أظن أنه يجب ذلك. وسيكون مقبولًا عندي أن أقرأ مقالا علميا دسما لفرزت في مجلة محترمة، وبنهاية الأسبوع أقرأ لنفس الشخص تدوينة ساخرة أو تجميعة تضم ميمات ضاحكة وأغاني سخيفة…

ويتحدث فرزت أيضًا عن إحتمالية عدم وجود اهتمام كافٍ بما ينجزه، وهو شكّ يتعرض له كل صانع محتوى في العالم. وأقول بهذا الصدد أن الأرقام مضللة. وغير ذات أهمية لا سيما إن حكينا عن الأهمية الكبيرة التي نوليها لها الآن في عصر الكليك بايت هذا.

لا شك أن مراقبة أرقام زيارات المدونة شيء محبطٌ. ضعف الزيارات في مدونتك لا يعني “ألا أحد يقرأ” في الحقيقة ستجد دومًا بضعة أناس يقرأون كل ما كتبتَ. حتى وإن كان من خجل أو لسبب آخر لا يظهرون أنفسهم.

بهذا الصدد، تحدّث عيسى محمد عليّ في تدوينة له بعنوان الأفكار لا قيمة لها.. هناك ما هو أهم!

أطلقت مدونة توتومينا منذ ما يزيد على 5 سنوات، وإلى اليوم مازلت مستمرا في التدوين فيها…صدقوني لو سرت وفق رؤية مادية محضة وسطحية لانسحبت منذ وقت طويل ولبقيت خلف الشاشة أجني دريهماتي من عملي كمطور كما يفعل الجميع.

سؤال “لماذا” هو ما جعلني أتجاوز تلك الأيام التي كان يأتي فيها للمدونة 10 أشخاص أو 20 في أحسن الأوقات. لا أنكر أنني شعرت بالإحباط الشديد والرغبة في الإنسحاب، ولكن كلما تذكرت ذلك السؤال وفكرت فيه وقفت من جديد واستجمعت طاقتي حتى أصبحت المدونة تحقق مئات الزيارات وبات لديها صدى طيب اليوم.

عيسى محمد عليّ؛ أمازيغي يكتب أحسن من كثير من العرب 🙂

وأنا أي يونس بن عمارة من وادي سوف استلهمتُ فكرة عدم إيلاء الانتباه الكثير للأرقام من ناحية الزيارات والانتشار من بول جارفيس الذي لا يعلم ويجهل عن عمد “الكثير من الأرقام” بخصوص منتجاته وبالفعل يبدو أنه شخصٌ مُنتج بشكل ممتاز. ومرّة كتب مقالًا عن “الشهرة وسوء الحظ” أو “الشهرة والخمول (أي عكس الشهرة)” إن شئنا الدقة…فأضحكني فيه عبارة فراسلته: 

فردّ (على عكس العرب الذين أراسلهم عادةً): 

بول جارفيس

والآن لنتحدث عن توصية عملية لكيفية إدارة عدة مشاريع صناعة محتوى في آن واحد:

  1. لفترة من الزمن لنقل مثلا الثلاثة أو الستة أشهر المقبلة اختر منتجك الأساسي أي ما يسمى الـ Flagship.
  2. أعط الأولوية لمنتجك الأساسي مثلًا لنقل: منتجك الأساسي للثلاثة أشهر المقبلة: البودكاست أو المتفرقات أو كتابة سلسلة مقالات. لا تتخلف عن إصدارها وفي حال تعارض المنتج الأساسي مع غيره. أترك غيره واهتم فقط بالأساسي.

لاحظ أن المنتج الأساسي لا بد أن يُختار لفترة زمنية محددة. يعني هو لن يكون طوال عمرك. لذلك لا ضير من تغيير المنتج الأساسي من حين لآخر. والمنتج الأساسي في حالة صانع المحتوى لا يشبه المنتج الأساسي للشركات. فالمنتج الأساسي للشركات يعني الجهاز أو المنتج الذي يحقق أعلى الأرباح لها، لكن في حالة صانع المحتوى ليس بالضرورة أن يكون كذلك، لكنه غالبًا ما يكون “المنتج الذي يصل لأكبر عدد ممكن من المتابعين” فهو كما يقول المسوقون شبيه بأعلى القمع. أي قمع التسويق: حيث يوفر فيه صانع المحتوى منتجًا مجانيًا متاحا للجميع ثم يضيق النطاق كما في القمع ليقل عدد الناس كلما عمقوا صلتهم أكثر بك. مثلًا: الاشتراك أو شراء منتج إلخ…

في حالتي مثلًا: حاولت أن أصدر حلقة من يونس توك كل أسبوع لكني فشلت في ذلك. ومنتجي الأساسي الآن هو هذه المختارات اليومية. لذا لن أشعر بأي ذنب لو فوّتُ أسبوعًا دون تسجيل حلقة من يونس توك أو إصدار عدد من نشرتي البريدية الشهرية. ذلك أنها ليست منتجاتي الأساسية في هذه الفترة من الزمن بالذات.

وقبل أن نمضي للتوصية 2، لنتحدث عن أفضل استراتيجية تسويق لصانع المحتوى ألا وهي الاستمرارية. والاستمرارية المقصود بها هنا هو استمرارية منتجك الأساسي في تلك الفترة الزمنية المحددة. فمثلا يمكن جدًا ألا يستمر بودكاست تديره بوتيرة منتظمة لكن منتجك الأساسي في تلك الفترة لنقل مثلا سلسلة تدوينات عن موضوع معين: لا بد أن تستمر تحت أي ظرف من الظروف. عدا إنتقالك لرحمة الله. بهذا الصدد نطالع من مقال بولينا مارينوفا:

6. الاستمرارية هي أفضل سبيل لنيل الثقة:

سمِّ علاقة واحدة في حياتك وثقت بها بشخص مُتَقَلِّب. لن تستطيع ذلك بالطبع. ذلك لأن الناس لا يثقون -سواءً في العمل أو التجارة أو العلاقات- بالناس الذين يخلفون وعودهم باستمرار.
هكذا ومُذ بدأتُ مشروع ذا بروفايل من ثلاث سنوات خلت، لم أفوّت النشر في أسبوع قط، هذا يعني أنه في كافة أيام الأحد الستة والسبعين والمئة جميعًا الماضية. كان قرائي واثقين من أن ذلك العدد من النشرة البريدية سيحط في صندوق الوارد ببريدهم الإلكتروني بلا شك. وهذا بوتيرة منتظمة مهما حصل في العالم. بل أن حتى تفشي الوباء الأخير لم يتمكن من إيقاف تلك النشرة البريدية.

بولينا مارينوفا

توصية 2:

يقول فرزت الشياح في تدوينته:

فقدت عملي في موقع مرصد المستقبل بعد التغيير الإداري الذي طرأ على الموقع الأم Futurism.

ربما ما زلت غير راضٍ حتى الآن عن خسارة مشروع رعيته منذ ولادته، لكن أيضًا لا بأس. يبدو أنّ الإدارة الجديدة تحاول تطوير المحتوى الموجود وهو فعلًا ما أردنا تحسينه.

فرزت

وهذا مفهوم تمامًا. لكن لا بد من المضي قدمًا. دعنا نقرأ مثلًا ما كتبته بولينا مارينوفا في مقال لها بعنوان: استقلتُ من عملي في بداية تفشي الوباء لإطلاق شركة وهذا ما تعلمته في التسعين يومًا الأولى من هذه المغامرة:

للخمس سنوات الماضية كانت عبارة “بولينا مارينوفا، كاتبة ومحررة لدى مجلة فورتشن” ذات وقع رائع للغاية. لكني لم أكن المتحكمةَ في هويتي. فلو حدث وسُرِّحت من العمل، لذهبت كل قيمة أضعها لنفسي ولضاعت هويتي فعلًا، وضياع ذلك كما لا يخفى وصفة مجربة لكارثة نفسية تحلّ بالمرء. لذلك أعتقد أن أفضل شيء قمت به لنفسي هو إطلاق ذا بروفايل (نشرة بريدية ومؤسسة إعلامية صغيرة) عام 2017 ذلك أن هذا المشروع أعطاني هويّة أخرى لذاتي، هوية أتاحت لي أن أكون نفسي بنسبة مئة بالمئة.

بولينا مارينوفا

لكن ما حصل لفرزت (وهذه مجرد تخمينات قد لا تكون دقيقة) هو أنه سُرّح من المرصد الذي تعب في تأسيس بنيانه أول الأمر ففقد معه جزءًا من هويته المهنية، ولو كنتَ قارئا نهما لمقالاته كما أفعل ستعرف أن هذا أثر بشدة على نفسيته، وهذا مفهوم تماما أيضًا. لكن فرزت في الطريق الصحيح الآن فها هو يبني هويته الآن كصانع محتوى حول منتجات أخرى أقرب لروحه الحقيقية مثل بودكاست التجربة مع فرزت، ومدونته وغيرهما.

ومع أني لا أحب إسداء النصح علنًا. إلا أنه نصح مهني. ولذلك بصفتي أخًا وقارئًا دائمًا لفرزت أقول أنه حان وقت الاستقلالية التامة بصفتك صانع محتوى. أي لا مزيد من وظائف أخرى في المحتوى وأقصد بالوظائف: دوام كامل (يمكن القبول بدوام جزئي بشروط وضمانات لصالح صانع المحتوى لكن عمومًا لا أنصح به أيضًا). لأن تلك المؤسسات (وهي غالبا ما تفعل ذلك) قد تتخلى عن صانع المحتوى لأي سبب غير الجودة والالتزام، ولأن كارثة نفسية واحدة تكفي للمرء مرة واحدة في عمره.

فرزت نفسه استنتج هذا بدقة وقال في نصائحه بمناسبة بلوغه الثلاثين:

ستصادف في حياتك الكثير من العوائق وستقارع الكثير من المستحيلات.

“لن أخسر عملي، أنهم يحتاجونني”، “لن أغادر منزلي وبلدي أبدًا”. مُستحيلات مؤقتة ستضطر لمواجهة زوالها. تجهز وتسلح بالأمل.

الثلاثون: عشرة دروس

الآن قد تسأل: هل يمكن أن يكون عملي كصانع محتوى جيد ويمضي على ما يرام بدوام جزئي وليس كامل مع إحدى المؤسسات؟

الجواب هو نعم. والمؤسسات حتى لو كانت تدفع جيدًا وتخلع عليك رداءً موشّىً رائع المظهر في لينكدإن ويبدو وقعه رائعًا على الآذان والأبصار عندما تقوله للناس وتكتبه في سيرتك الذاتية إلا أن ألم خلع ذلك الرداء قاس جدًا لأنه يلتصق بالجلد. فعندما يخلع يُسلخ من هويتك بمقدار طول فترة لبسك لذلك الرداء. وهو ألم نفسي لا نتمنى لأحد أن يختبره. ولهذا لتجنبه لا ننصح بالدوام الكامل. ونوصي بالدوام الجزئي بشروط وبحذر واستعداد نفسيّ مسبق وأيضًا ببناء مشروع خاص يكوّن هويتك وذاتك بعيدًا عن تلك المؤسسات والهويات المصطنعة، بصرف النظر عن جاذبيتها.

نعود لمارينا بولينوفا التي ننصح بشدة بقراءة مقالتها كاملةً التي وضعنا رابطها أعلاه نجدها تقول:

في الوقت الحالي، أجني المال من 1) الاشتراكات المباشرة، 2) الإعلانات، 3) صفقات ترخيص المحتوى (السماح لآخرين باستخدام محتواك الأصلي مقابل المال)، 4) الكتابة للعملاء بصفتي كاتبة مستقلة. وقد وجدت أن تنويع مصادر الدخل يقلل من خطر فقدان مصدر دخل يتيم دفعة واحدة. بلى إن تنويع مصادر الدخل يعني بذل الكثير من الجهد والعمل الشاق لكن وكما يقول مالكولم غلادويل: “إن العمل الشاقّ ليسَ حكما بالسجن إلا إن كان بلا معنى”.

بولينا مارينوفا

لم يعجبك الهامش؟ أردُّ بالألمانية غوت. لا بأس بذلك لأن هذا الهامش على صورة تدوينة هو تطبيق لما فيه من ناحية عدم السعي وراء الكمال!

أعجبك الهامش؟ هناك أزرار للمشاركة أدناه. مرّن أصابعك واستخدمها لنشر المعرفة.

روابط اليوم

واعد انتقاء 171 مترشح في مسابقة “HACKALGERIA” المنظمة من طرف منتدى رؤساء المؤسسات FCE، في حال كنت جزائريًا مهتمًا بريادة الأعمال وترغب في متابعة الموضوع، يقول الأستاذ شوقي دليمي كاتب الخبر ومدير الموقع: سنوافيكم بالنتائج فور نزولها في المقالات القادمة. فتابع موقع أندرويدي.


العزيز فرزت يكتب: قفلة الكاتب أو ربما كسل الأصابع


من أرشيفي: لماذا نحب هاروكي؟


مُبشر مؤسسة خولة للفن والثقافة تطلق مبادرة “شجرة الخطاطين المجازين”، وتهدف المبادرة إلى تشكيل قاعدة بيانات مرجعية لكل الخطاطين المجازين والمتميزين في العالم. صفحة شجرة الخطاطين مباشرة هنا.


خطوة جيدة من فيسبوك: سجّل بصفتك صحفيًا أو صحفية في فيسبوك لتحصل على مزايا أمان رقمي أقوى من الحسابات العادية: فتحت شبكة فيسبوك الآن الباب أمام الصحفيين والصحفيات في الولايات المتحدة والمكسيك والبرازيل والفيليبين والذين يعملون لدى المؤسسات الإعلامية بتسجيل أنفسهم بصفتهم صحفيين على حساباتهم الشخصية. تتيح هذه العملية مزايا أمان رقمي أقوى مما توجد حاليا في الحسابات العادية، وصممت المزايا الجديدة بغرض حماية الصحفيين من التحرش والتنمر والقرصنة. حري بالذكر أن هذه الخاصية متاحة فقط للصحفيين والصحفيات العاملين لدى المؤسسات الإعلامية وغير متاحة للصحفيين المستقلين الوقت الحالي. طالع المزيد هنا.


يونس يسأل

ما هو الأنيمي المفضل لديك؟


حقوق الصورة البارزة: Photo by Sincerely Media on Unsplash

6 رأي حول “على هامش “قفلة الكاتب أو ربما كسل الأصابع”

  1. مقال مهم وعظيم، من أجمل ما قرأت ..
    وهو ضمن أفضل ما قرأت لهذا الأسبوع في نشرتي الأسبوعية..
    لا تحرمنا من إبداعك ..

    Liked by 1 person

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s