أعمل في منصب بروفيسور في علم النفس منذ عام 2012، خلال السنوات الست الماضية شاهدت الطلبة من مختلف الأعمار وهم يسوفون البحوث، ويفوتون أيام تقديم العروض، والواجبات، ومواعيد التسليم. رأيت طلاب دراسات عليا واعدين يفشلون في تقديم طلبات قبولهم في الوقت المحدد. وشاهدت طلاب دكتوراه يقضون عدة شهور أو سنوات في مراجعة مسودة أطروحة واحدة. وأتذكر طالبا سجّل عندي في الصف ذاته لفصلين متتاليين ولم يسلم أي واجب في كليهما.
لا أعتقد أن الكسل هو موضع السؤال هنا، لا أبدا.
في الواقع أنا لا أؤمن بأن الكسل موجود.
بصفتي عالم نفس اجتماعي، أهتم بشكل أساسي بالعوامل الظرفية والسياقية التي تتحكم في السلوك البشري. عندما تسعى لتوقع أو تفسير تصرفات شخص ما، وتقرر النظر إلى المعايير الاجتماعية والسياق الشخصي، فإنك تعقد رهانا مضمونا. فعادة ما تتنبؤ القيود الظرفية بسلوك الشخص أفضل بكثير من الشخصية، أو الذكاء، أو الصفات الشخصية الأخرى.
عندما أرى الطلاب يماطلون في تسليم الواجبات، ويفوتون مواعيد التسليم النهائية، أو عندما يفشلون في تحقيق نتائج إيجابية في جوانب أخرى من حياتهم. أجدني متسائلا: ما هي العوامل الظرفية التي تؤخر هذا الطالب؟ ما هي الاحتياجات التي لم تلبّ؟ وعندما يتعلق الأمر “بالكسل السلوكي” عليّ أن أتساءل: ما هي الحواجز التي تحول دون العمل والاجتهاد بحيث لا أستطيع رؤيتها؟
ثمة دوما حواجز، وإدراك هذه الحواجز والاعتراف بها هو غالبا الخطوة الأولى لكسر الأنماط السلوكية “الكسولة”.
***
من المفيد حقا أن نتفاعل مع سلوك غير فعال لأحدهم بدافع الفضول وليس من منطلق إطلاق الأحكام. تعلمت ذلك من صديق لي هو الكاتب والناشط كيمبرلي لونغهوفر، وهو ينشر تحت الاسم المستعار ميك إيفيريت. كيم إنسان شغوف يتقبل الأشخاص المعاقين والمتشردين ويوفر السكن لهم. أعتبر كتاباته في هذين الموضوعين من بين أكثر الكتابات وضوحا وحيادا من كل ما قرأت على الإطلاق. ويرجع هذا إلى أن كيم شخص رائع، بالإضافة إلى أنه عاش الإعاقة والتشرد لفترات مختلفة من حياته.
علمني كيم أن الحكم على المتشردين بناءً على رغبتهم في شراء الكحول أو السجائر هو حماقة تامة. عندما تكون متشردا تصبح الليالي باردة، و يصبح العالم عدائيا، يصبح كل شيء مزعجا إلى حد مؤلم. سواء أكنت نائما تحت جسر، أو في خيمة، أو في مأوى، سيصعب عليك أن ترتاح بسهولة. ومن المحتمل أن تصاب بجروح أو أمراض مزمنة تظل تضايقك باستمرار، ولن يكون تحت تصرفك إلا القليل من العناية الطبية لتخفف من آلامك، ولن يكون لديك الكثير من الطعام الصحي.
في هذا السياق المليء بالإزعاج المزمن، والمفرط في تحفيز الحواس، تصبح الحاجة إلى الشراب أو بعض السجائر مفهومة. كما شرح لي كيم، عندما تكون مستلقيا في البرد القارس، قد يكون شرب بعض الكحول الوسيلة الوحيدة للإحساس بالدفء والقدرة على النوم. وإذا كنت تعاني من سوء تغذية، قد يكون تدخين بعض السجائر الحل الوحيد لإيقاف وخزات الجوع. أما إذا كنت تتعامل مع كل هذا، وتصارع الإدمان في الوقت ذاته، إذن نعم، في بعض الأحيان تحتاج لأخذ أي شيء يخفف من أعراض الانسحاب، حتى تستطيع البقاء على قيد الحياة.
ليس هناك إلا القليل من الناس فقط ممن لم يعيشوا التشرد يفكرون بهذه الطريقة. حيث أنهم يضفون على قرارات الفقراء غطاءً أخلاقيًا، ربما ليواسوا أنفسهم من فكرة وجود الظلم في العالم. أما بالنسبة لكثيرين فإن من الأسهل التفكير بأن المشردين مسؤولين عن معاناتهم، ولو بشكل جزئي، بدل الاعتراف بالعوامل الظرفية.
عندما لا تفهم تماما ظروف شخص ما، وكيف هو الشعور أن تكون مكانه كل يوم، وتعايش كل الإزعاجات الصغيرة والصدمات الكبرى التي تشكّل حياتهم، يصبح من السهل فرض توقعات مجردة وصارمة على سلوك الشخص.
ينبغي على كل المتشردين أن يرموا بزجاجة الشراب جانبا، وينهضوا إلى العمل! فلننسى أن معظمهم يعانون من أعراض الأمراض العقلية والعلل البدنية، ويحاربون باستمرار ليعترف العالم بهم كبشر، فلننسى أنهم غير قادرين على الحصول على خير راحة في الليل أو وجبة مغذية لأسابيع أو شهور بلا جوع. فلننسى أنني رغم حياتي المريحة والسهلة، لا أستطيع أن أمضي بضعة أيام دون أن تراودني الرغبة في تناول مشروب أو إتمام شراء غير مسؤول، أما هم، فعليهم أن يفعلوا ما هو أفضل من ذلك!
لكنهم بالفعل يبذلون قصارى جهدهم. لقد عرفت متشردين يعملون بوظائف لدوام كامل، ويكرسون أنفسهم لرعاية الآخرين في مجتمعاتهم. يجد الكثير من المتشردين أنفسهم في اتصال مباشر مع المؤسسات العمومية، والتعامل مع الأخصائيين الاجتماعيين، وضباط الشرطة، وموظفي الملاجئ، والموظفين الطبيين، وعدد كبير من الجمعيات الخيرية الجيدة منها والسيئة. ما أصعب أن تكون متشردا! فعندما يفقد الشخص المتشرد أو الفقير دافعه ويرتكب قرارا سيئا، يكون وراءه سبب وجيه تماما.
عندما لا يبدو سلوك أحدهم منطقيا بالنسبة لك، فهذا لأنك لا ترى السياق كاملا، الأمر بتلك البساطة. إنني ممتن جدا لكيم وكتاباته؛ ولتنويري بهذه الحقيقة التي لم أتعلمها في أي صف من صفوف علم النفس، وعلى أي مستوى. لكن بما أنها قد أصبحت جزءا من رؤيتي الآن، وجدت نفسي أطبقها على جميع أنواع السلوكيات الخاطئة والدالة على الفشل الأخلاقي، ولم أجد بعدها شيئا لا يمكن تفسيره والتعاطف معه.
***
فلنلق نظرة على دلائل “الكسل الأكاديمي” الذي أعتقد أنه يمكن أن يكون كل شيء إلا التسويف.
يحب الناس لوم المسوفين على سلوكهم، بالتأكيد سيبدو التماطل في العمل “كسلا” بالنسبة لشخص غير خبير، حتى هؤلاء الذين يماطلون قد يحكمون بالخطأ على سلوكهم على أنه كسل. يفترض بك أن تفعل شيئا ما، لكنك لا تفعله. هذا إخفاق أخلاقي، أليس ذلك صحيحا؟ هذا يعني أنك ضعيف الإرادة، تفتقد الدافع، أو كسول، أليس كذلك؟
لعقود من الزمن فسّرت الأبحاث النفسية المماطلة على أنها مشكلة وظيفية، وليست نتيجة للكسل. عندما يعجز أحدهم عن الانطلاق في مشروع يهمه، يعود ذلك عادة إلى:
أ- القلق من ألا تكون محاولاته جيدة بما فيه الكفاية.
ب- عدم معرفة الخطوات الأولى للمهمة.
وليس بسبب الكسل. في الواقع، التسويف تزيد احتماليته عندما تكون المهمة ذات معنى، وعندما يرغب المرء في إنجازها على أكمل وجه.
عندما يشلّك الخوف من الفشل، أو عندما لا تعرف كيف تبدأ مشروعا كبيرا ومعقدا، يصبح من الصعب إنهاء هذا الأمر، ولا علاقة لذلك بالرغبة أو الدافع أو الاستقامة الأخلاقية.
يمتلك المسوفون الإرادة للعمل لساعات، في وسعهم الجلوس أمام صفحة وورد فارغة، دون فعل شيء سوى تعذيب أنفسهم. في وسعهم أن يعيدوا نفس الخطأ مرارا وتكرارا، لا شيء من ذلك يجعل البدء في المهمة أسهل. في الواقع، قد تؤدي رغبتهم في الحصول على الشيء إلى زيادة التوتر لديهم فيصبح بدء المهمة أكثر صعوبة.
والحل بدلا من ذلك هو البحث عن الشيء الذي يعيق عمل المسوف. إذا كان القلق هو العائق الرئيسي؛ يحتاج المسوف إذن إلى الابتعاد عن الحاسوب، أو الكتاب، أو ملف الوورد، والمشاركة في نشاط يساعد على الاسترخاء. من المحتمل أن يؤدي وصفك بالكسول من قبل الآخرين إلى سلوك معاكس تماما.
ومع ذلك، يكمن الحاجز في كثير من الأحيان في أن المبتدئين يواجهون تحديات وظيفية تنفيذية، فهم يكافحون من أجل تقسيم مسؤولية كبيرة إلى سلسلة من المهام المنفصلة والمحددة والمرتبة. وفيما يلي مثال على الأداء التنفيذي في العمل: لقد أكملت أطروحتي (بداية من الاقتراح إلى جمع البيانات إلى الدفاع النهائي عنها) فيما يزيد قليلا عن عام.
لقد تمكنت من كتابة أطروحتي بسهولة وبسرعة، فقد كنت أعلم ما الذي يتوجب علي فعله:
أ) تجميع بحث حول الموضوع.
ب) شرح الخطوط العريضة للبحث.
ج) جدولة فترات الكتابة العادية.
د) تقسيم العمل على البحث، قسما بعد قسم، يوما بعد يوم، وفقا لجدول زمني حددته مسبقًا.
لم يعلّمني أحد كيف أقسم مهامي بهذه الطريقة، ولم يكن على أحد إجباري على الالتزام ببرنامجي.
إن إنجاز مثل هذه المهام يتماشى مع كيفية عمل دماغي المتوحد والتحليلي والمفرط في التركيز. معظم الناس لا يمتلكون هذه السلاسة، فهم يحتاجون إلى بنية خارجية تدفعهم للكتابة مثل عقد اجتماعات كتابة منتظمة مع الأصدقاء على سبيل المثال، أو الالتزام بمواعيد نهائية يحددها شخص آخر.
يبحث أغلب الناس عند مواجهتهم لمشروع كبير ومهم، عن نصيحة لكيفية تقسيمه إلى مهام صغيرة، وجدول زمني لإتمامه. ولمتابعة التقدم قد يحتاج معظم الأشخاص إلى أدوات تنظيمية، مثل: قائمة مهام أو تقويم أو دفتر مواعيد أو منهج. والحاجة إلى مثل هذه الوسائل أو الانتفاع منها، لا تعني أن الشخص كسول، فهي تعني أن لدى المرء احتياجات. وكلما تقبلنا ذلك، استطعنا مساعدة الناس على النمو والنجاح.
***
كانت لدي طالبة تغيب عن الصف بصفة متكررة. رأيتها أحيانا وهي تتسكع قرب المبنى قبل بداية الدرس مباشرة، وبدت متعبة. لم تكن تأتي إلى الصف عند بدايته. أما عند حضورها إلى الصف فتبدو منطوية بعض الشيء، تجلس في الجزء الخلفي من الصف، وتنزل عينيها إلى الأسفل وهي متعبة. كانت تساهم في الأعمال الجماعية الصغيرة، لكنها لم تكن تتحدث أبدا خلال المناقشات الصفية الموسعة.
الكثير من زملائي كانوا لينظروا إلى هذه الطالبة ويعتقدوا أنها كسولة، غير منظمة، أو غير مبالية. أعلم هذا، لأنني أسمع كيف يتحدثون عن الطلاب الأقل أداء. غالبا ما يكون هناك غضب واستياء في كلماتهم ونبراتهم، لماذا لا يأخذ هذا الطالب صفي على محمل الجد؟ لماذا لا يشعرني بأنني مهم، وممتع، وذكي؟
تناول صفي وحدة دراسية متكاملة عن العار المرتبط بالصحة العقلية. إنها شغفي، لأنني طبيب نفسي متوحد. أعلم كيف أن مجالي غير منصف بالنسبة لأشخاص مثلي. تحدثت مع الصف عن الأحكام غير العادلة التي يفرضها الناس على من يعانون من مرض عقلي. كيف يُرى الاكتئاب على أنه كسل، وكيف يعتبر تقلب المزاج تلاعبا، وكيف أن المجتمع يعتبر الأشخاص المصابين بأمراض عقلية حادة غير أكفاء أو خطرين.
كانت الطالبة الهادئة تراقب المناقشة باهتمام شديد. وبعد انتهاء الصف الدراسي، ومع انسلال الأشخاص من الغرفة، عادت وطلبت التحدث معي. ثم أخبرتني كيف أنها مصابة بمرض عقلي وتعمل جاهدة على علاجه. كانت مشغولة بالعلاج والانتقال من دواء لآخر، وقاومت مختلف الآثار الجانبية الناجمة عن بعض الأدوية. في بعض الأحيان، لم تكن قادرة على مغادرة المنزل أو الجلوس في الصف لساعات متواصلة. لكنها لم تجرؤ على إخبار أساتذتها الآخرين بأن هذا هو سبب غيابها عن الصفوف الدراسية وتأخرها المتكرر في تسليم الواجبات الدراسية؛ كانوا سيعتقدون أنها تستعمل مرضها للتهرب من واجباتها. لكنها وثقت بأنني سأتفهم الوضع.
ولقد تفهمت بالفعل، كنت غاضبا جدا كيف أن على هذه الطالبة تحمل مسؤولية أعراضها العقلية. كانت توازن بين الصفوف الدراسية، وتشتغل في وظيفة بدوام جزئي، وتخضع للعلاج من مرضها العقلي الخطير، واستطاعت معرفة حاجياتها وإيصال المعلومة إلى الآخرين. كانت فتاة خارقة ولم تكن فاشلة، وقد أخبرتها بذلك.
أخذت الكثير من الصفوف معي بعد ذلك، ورأيتها تخرج ببطء من قوقعتها. في سنواتها الأخيرة وما قبل الأخيرة أصبحت طالبة نشيطة، ومساهِمِة رئيسية في الصف، حتى أنها قررت التحدث بصراحة مع أقرانها حول مرضها العقلي. وخلال المناقشات في الصف تحدتني وطرحت أسئلة استقصائية ممتازة. لقد شاركتنا الكثير من الأمثلة من وسائل الإعلام عن الأحداث الحالية المتعلقة بالظواهر النفسية. وكانت تخبرني عندما تمر بيوم سيء، فأعفيها من الصف. لكن الأساتذة الآخرين بما في ذلك أساتذةٌ في قسم علم النفس، ظلوا يطلقون الأحكام عليها، إلا أنها كانت تحقق النجاح في بيئة تقرّ بالتحديات التي تواجهها وتلتمس لها الأعذار المبررة فعليًا.
***

على مدى السنوات، وفي الجامعة ذاتها، واجهت عددا لا يحصى من الطلاب الآخرين الذين اُستُهين بهم؛ لأن المجتمع لم يعترف بالحواجز الموجودة في حياتهم. كان هناك ذلك الشاب الذي كان يعاني من اضطراب الوسواس القهري، كان دائما يأتي إلى الصف متأخرا، لأن دوافعه القهرية تتركه في بعض الأحيان عالقا في مكان ما لبضع لحظات. وكانت هناك فتاة ناجية من علاقة مؤذية، وتصادفت مواعيد جلساتها العلاجية قبل صفي كل أسبوع. كانت هناك الشابة التي تعرضت لاعتداء من طرف أحد زملائها، وتوجب عليها مواصلة الدراسة مع ذلك الزميل، بينما كانت الجامعة تحقق في القضية.
جميع هؤلاء الطلاب جاؤوني عن طيب خاطر، وأفصحوا عن مكنونات صدرهم؛ ولأنني ناقشت المرض العقلي والصدمة والعار في صفي، عرفوا أنني سأكون متفهما. ومع بعض التسويات، نجحوا أكاديميا. اكتسبوا الثقة، وحاولوا إنجاز مهام كانت ترهبهم، ارتفعت درجاتهم، وبدؤوا يفكرون في الدراسات العليا والتدريب، ووجدت نفسي معجبا بهم.
أتذكر مرحلتي الجامعية، وكيف كنت بعيدا كل البعد عن الوعي الذاتي، ولم أكن قد بدأت في مشروع حياتي لتعلم طلب المساعدة.
***
لم يُعامل الطلاب الذين واجهوا الحواجز بهذا اللطف من قبل أساتذة علم النفس الآخرين. حيث أن إحدى الزميلات على وجه الخصوص كانت سيئة السمعة، لأنها لم تكن تقدم امتحانات تعويضية، ولم تسمح بالوصول المتأخر بغض النظر عن حالة الطالب، كانت متشددة في متطلباتها. لا يوجد حاجز لا يمكن التغلب عليه في رأيها، لا يوجد قصور مقبول، وهكذا تعثّر الطلاب في فصلها؛ شعروا بالخجل من الاعتداءات الجنسية التي تعرضوا لها في الماضي، أو أعراض القلق لديهم، أو نوباتهم الاكتئابية. كانت تلك الأستاذة تصاب بالارتياب عندما يؤدي الطالب الذي كان أداؤه ضعيفا في صفها، أداءً حسنا في صفي.
من البغيض أخلاقيا أن يكون أيّ معلم معاديا جدا للأشخاص الذين يفترض به أن يخدمهم. ومن المثير للغضب خصوصا، أن يكون الشخص الذي سن هذا الإرهاب مختصا نفسيا. إن ظلمهم وتجاهلهم يصيبني بالحزن في كل مرة أناقش فيها هذا الموضوع. فهو سلوك مشترك في العديد من الدوائر التعليمية، لكن ليس ثمة طالب يستحق تلك المعاملة.
***
أعلم طبعا أن المعلمين لا يُدرَّسون كيفية اكتشاف الحواجز الخفية لدى الطلاب. وتفتخر بعض الجامعات برفضها قبول الطلاب المعاقين أو المرضى عقليا، فهم يخلطون بين ممارسة القسوة والصرامة الفكرية. وبما أن معظم الأساتذة أشخاص نجحوا أكاديميا بسهولة، فقد يجدون صعوبة في تفهم وجهة نظر شخص يعاني من صعوبات في الوظائف التنفيذية، أو إنهاك حسي، أو اكتئاب، أو تاريخ أذى نفسي، أو إدمان، أو اضطرابات في الأكل. في وسعي أن أرى العوامل الخارجية التي تؤدي إلى هذه المشاكل. ومثلما أعرف أن سلوك الكسل ليس خيارا إراديا، فأنا أعلم أن الآراء الانتقادية والانتقائية عادة ما تكون مبنية على جهل بالظروف.
ولهذا السبب كتبت المقال، آمل أن أنبه زملائي المعلمين من كل المستويات إلى حقيقة أن الطالب إذا كان يعاني فهو بالتأكيد لم يختر المعاناة، ربما يود إنجاز عمل جيد، فعلى الأرجح أنه يحاول بذل قصارى جهده. وبصورة أعم، أريد من جميع الناس أن يتخذوا نهجا فضوليا ودؤوبا تجاه الأفراد الذين يريدون منذ البداية إطلاق الأحكام عليهم واعتبارهم “كسولين” أو قليلي المسؤولية.
إذا كان المرء لا يستطيع النهوض من السرير، لابد من أن شيئا ما ينهكه. إذا لم يكتب الطالب بحثه، ثمة جانب معين من الواجبات التي لا يمكنه إنجازها دون مساعدة. إذا كان الموظف يتجاهل المواعيد النهائية باستمرار، ثمة ما يصعّب تنظيمه والتزامه بالموعد النهائي. حتى إذا كان الشخص يختار التدمير الذاتي عن وعي، فهناك سبب لذلك. البعض يخشون من العمل، وبعضهم يحتاج إلى التحرر من الالتزام، وقد يظهرون علامات نقص الثقة في الذات.
لا أحد يختار الفشل أو الإحباط بمحض إرادته. لا أحد يريد أن يشعر بأنه عاجز أو غير مبالٍ أو غير فعال. إذا نظرت إلى عمل شخص ما (أو تقاعسه عن العمل) ولم ترَ إلا الكسل فقط، فأنت تفتقد إلى رؤية التفاصيل الأساسية. ثمة تفسير دوما، ثمة حواجز دوما. إذا كنت لا تقدر على رؤيتها، أو لا تعتبرها مشروعة، فذلك لا يعني أنها غير موجودة، دقق النظر وحسب.
ولعلك لم تكن قادرا من قبل على النظر إلى السلوك البشري بهذه الطريقة. لا بأس، لم لا تجرب الآن؟
***
إذا وجدت هذا المقال مفيدا، أرجو أن تأخذ بعين الاعتبار اقتناء كتاب كيم لونغهوفر/ ميك إيفيريت المنشور ذاتيا: مذكرات مالك مكتبة متشرد. يباع الكتاب الإلكتروني بمبلغ 3 دولارات، والكتاب الورقي بمبلغ 15 دولار. فضلًا عن هذا يدير كيم صفحة على فيسبوك تدعم ذوي الإعاقة والمصابين بالسمنة وتدعى؛ تغير مثل القمر: تقبل كل شخص/جسد في كل مرحلة.
تُرجم المقال ونُشر بإذن كاتبته الأصلية: ديفون برايس
نقل المقال للغة العربية: عبد الرزاق بلهاشمي.
ظهرت النسخة العربية لهذا المقال لأول مرة على مدونة يونس بن عمارة.
حقوق الصورة البارزة: Photo by Marc Schiele on Unsplash
3 رأي حول “لا أؤمن بوجود الكسل، وإنما بالحواجز الخفية”