إذا وصلتَ دون مستندات ثبوتية إلى دولة أجنبية، فهل يمكنك إثبات هويتك؟

مكنيلي فالنتاين

ماذا أنت فاعل؟

(من أجل هذه الفرضية، افترض أنَّك ليس لديك معاملات مصرفية عبر الإنترنت أو صُور مسحية لجواز سفرك على تطبيق دروب بوكس).

مواطن من ولاية تشين، ميانمار، يحمل بطاقة تحقيق مواطنة. ملكية الصورة: كريس مارمو| Paper Giant
مواطن من ولاية تشين، ميانمار، يحمل بطاقة تحقيق مواطنة. ملكية الصورة: كريس مارمو| Paper Giant

هناك ثلاث ركائز للهوية.

الأولى هي المستندات. والثانية هي السمات الحيوية، مثل مظهرك، وبصمات أصابعك، …إلخ. وهذه لا يمكن استخدامها إلَّا في حال وجود سجل لسماتك الحيوية في ملف في مكانٍ ما، وهو أمر غير شائع (لحسن الحظ). والركيزة الثالثة هي قصة حياتك، وهي الركيزة التي لا تجد منا، في الدول الغربية، وعياً كبيراً بها.

ومن أجل الحصول على فكرة عن كيف يمكن لقصة حياة أن تبرهن على الهوية، انظر إلى العبارتين التاليتين. أيُّ هذين الشخصين يُرجَّح أنَّه من سيدني؟

  • «حصلتُ على أول عمل لي في وولورثز عندما كنت في الخامسة عشرة. فقد أردت المال لشراء الملابس وأشياء أخرى».
  • «حصلتُ على أول عمل لي في مصنع ملابس عندما كنت في الحادية عشرة. لأن أسرتي كانت بحاجة إلى المال».

يعتبر الأستراليون بالميلاد مستنداتهم أهم دليل على هويتهم. وفي الواقع ربما لا يحتاجوا أبداً لاستخدام أي دليل آخر. لكن جواز سفرك معرَّض للسرقة، وعقد إيجارك يمكن أن يتلف في فيضان.

أما قصة حياتك فتعيش في رأسك ولا يمكن أن تُسلَب منك أبداً.

عادةً ما يكون اللاجئون القادمون إلى أستراليا قد فقدوا كل شيء عدا قصة حياتهم. والأقليات العرقية المضطهدة ربما تتخلص عمداً من أي دليل على انتمائهم العرقي، من أجل حماية أنفسهم. أو حتى إذا لديهم مستندات، فلن تكون من التي يعترف بها الأستراليون بالميلاد أو يعرفون كيفية فهمها. (تخيل ذهابك إلى مكتب الجوازات حاملاً شهادة ميلادك ورخصة قيادتك وآخر فاتورة كهرباء سددتها. لكن مكتب الجوازات غير مهتم بأيٍ من هذه المستندات. فهم يريدون رخصة صيد السمك الخاصة بك وتقريرك الدراسي من الصف العاشر. ما الذي تعنيه بأنك لا تملكها؟ مُريب جداً).

في هذا السياق، تعرض سكان تشين في ميانمار لعنف واضطهاد شديدين بين عامي 1962 و 2011 على يد العُصبة العسكرية الحاكمة. وخلال هذه الفترة، أُدخِل الآلاف من لاجئي تشين إلى أستراليا بتأشيرات حماية مؤقتة. ووضعهم كلاجئين ليس موضع شك، لكن عليهم أن يثبتوا هويتهم من أجل أن يصبحوا مواطنين.

امرأة من تشين. ملكية الصورة: كريس مارمو |Paper Giant
امرأة من تشين. ملكية الصورة: كريس مارمو |Paper Giant

بهذا الصدد، نَفَّذ ستوديو Paper Giant للتخطيط الاستراتيجي مشروعاً بحثياً إثنوغرافياً مدته 5 أشهر في ولاية تشين بميانمار، بهدف تسهيل مهمة السلطات الأسترالية في مراجعة هوية لاجئي تشين الذين لا يستطيعون الإيفاء بمعيار الـ ’100 نقطة‘. وهذا من شأنه أن يسرِّع إجراءات لاجئي تشين ويقصِّر الوقت الذي يقضونه في المتاهة المعقدة المثيرة للأعصاب من أجل الحصول على الجنسية.

خلال 6 أسابيع، عَمَدَ فريقنا المكوّن من باحثين ومترجمين ومُصلِحين وسائقين، لإجراء مقابلات مع سكان تشين في المناطق الحضرية والريفية من الكبار والشباب، وعمال اليومية (المياومين)، وموظفي المكاتب، وقيادات المجتمع. كنا نسعى لفهم العناصر المشتركة التي يمكن إيجادها في قصص حياة الناس، وأي المستندات يُتوقَّع أن يمتلكها الشخص العادي.

على سبيل المثال، مثلما أنه ليس من المُريب بالنسبة لأسترالي ألّا يمتلك رخصة صيد سمك، ليس من المريب بالنسبة لشخص من تشين ألّا يمتلك شهادة ميلاد. لكن معظم أُسَر تشين لديها سجل أسري، يتضمن الأشخاص الذين يعيشون في المنزل في أوقات مختلفة. كما بحثنا في أمر الحوادث التي أتلفت مستندات هوية الأشخاص، من إعصار نرجس عام 2008، إلى حريق كلية فالام المعمدانية الذي أتلف سجلات الطلاب.

مشارك في البحث يعرض مستندات هوية أسرته. ملكية الصورة: كريس مارمو |Paper Giant
مشارك في البحث يعرض مستندات هوية أسرته. ملكية الصورة: كريس مارمو |Paper Giant

بينما تختلف قصة حياة كل شخص، توجد نقاط مرجعية ثقافية مشتركة. مثلاً، معظم سكان تشين يغادرون المنزل في سن مبكرة لدخول المدرسة الثانوية. وعادة ما يغيب الآباء فترات طويلة بسبب العمل الموسمي. وحتى إذا لم يمر الفرد بهذه التجارب، فسيعتبرها عادية.

إلى جانب محددات الهوية هذه، نضيف محدِّداً آخر، وهو المكان. فالشخص الذي نشأ في ملبورن ينبغي أن يكون قادراً على وصف محطة شارع فلايندرز. والشخص الذي نشأ في بلدية هاخا بولاية تشين ينبغي أن يكون قادراً على وصف كنيسة هاخا المعمدانية. فذاكرة المكان، كقصة الحياة، تمثل شكلاً من أشكال الهوية التي لا يمكن أن تُسلب منك.

وضعنا دليلاً لولاية تشين يوثّق باستفاضة البِنى التحتية مثل المدارس والمنشآت الصحية ومراكز المواصلات في مختلف القرى والبلديات. وصوَّرنا المعالم البارزة واكتشفنا أبرز الفعاليات المحلية التي عادة ما يتذكرها الناس ويعتبرونها مهمة.

تلميذات مدرسة ابتدائية في ولاية تشين. ملكية الصورة: كريس مارمو| Paper Giant
تلميذات مدرسة ابتدائية في ولاية تشين. ملكية الصورة: كريس مارمو| Paper Giant

كما اكتشفنا أبرز الاختلافات الثقافية التي من شأنها أن تؤثر في التعامل بين لاجئي تشين والسلطات الأسترالية إذا لم تُفهم فهماً صحيحاً. إذ تميل الثقافة الغربية للتشدد بشأن تقاليد إطلاق الأسماء. فالأستراليون الذين يغيرون أسماءهم بعد بلوغهم عادةً ما يعانون في سبيل قبول أقرانهم بالاسم الجديد. وإذا لم يُسجَّل ذلك الاسم في قسم المواليد والوفيات والزيجات، فلن يعتبر اسماً ’حقيقياً‘. وعلى النقيض من ذلك، عادةً ما يُمنح سكان تشين عدة أسماء. فربما يكون لأمهاتهم وآبائهم أسماء مختلفة لهم. وربما يحصلون على اسم آخر في المدرسة، وآخر عندما ينتقلون إلى بلدية جديدة. إنهم لا يغيرون الأسماء، بل لديهم أسماء مختلفة لأناس مختلفين وظروف مختلفة. ومن المهم أن تفهم السلطات الأسترالية أنَّ هذا التناقض أمر طبيعي تماماً.

إن الحق في هوية شخصية مستقلة مضمَّن في إعلان حقوق الأنسان، لكن إذا انتهى بك المطاف بطريقةٍ ما خارج نطاق إمكانية التحقق من هويتك، يصبح من الصعب جداً تأكيد هذا الحقّ. وإننا نأمل أن يسهِّل هذا المشروع البحثي الأمر قليلاً على لاجئي تشين.

رجال مجتمعون في مطعم محلي بعدما حضروا قدّاسا في كنيسة. ملكية الصورة: كريس مارمو| Paper Giant
رجال مجتمعون في مطعم محلي بعدما حضروا قدّاسا في كنيسة. ملكية الصورة: كريس مارمو| Paper Giant

اقرأ المزيد عن هذا المشروع من منظور تخطيطي:

Creating a world-first framework for assessing refugee identities’.


رابط المقال الأصلي

تُرجمت هذه القطعة من المحتوى بإذن كاتبتها الأصلية:  مكنيلي فالنتاين (وهي منشئة محتوى النشرة البريدية The Whippet – وقد نصحتُ بالاشتراك بها في مقالي: النشرات البريدية الإلكترونية (العربية والأجنبية) التي أتابعها).

ترجمها للعربية: محمد عبدالعاطي. (أنصح بطلب خدماته في الترجمة)

نُشرت لأول مرة بالعربية في مدونة يونس بن عمارة. ادعم توطين المعرفة – وساعد بما تستطيعه عبر هذه الصفحة.


حقوق الصورة البارزة: Photo by Robert Collins on Unsplash

رأي واحد حول “إذا وصلتَ دون مستندات ثبوتية إلى دولة أجنبية، فهل يمكنك إثبات هويتك؟

شاركني أفكارك!