حيّاكم الله،
وصلني في حسوب هذا السؤال، تابع لهذا على حسوب آي أو:
هل أنت شخصيا قرأت كتب الفلاسفة مباشرة ووجدت فرقا في فهم فلسفتهم بعد أخذها من الكتب الشارحة؟ أو بعبارة أخرى هل الكتب الشارحة كافية للاطلاع على فلسفة فيلسوف ما دون الاطلاع على كتبه الأصلية التي شرح فيها فلسفته وتعمق فيها؟ وهل يجب أو من المحبذ قراءة كتب الفلاسفة بعد قراءة الكتب الشارحة إن كنت فضوليا حول الفلسفة وتريد قرائتها عن مصادرها الأصلية؟ ما الذي تقترحه لتجاوز صعوبة المصطلحات وتعقيدها؟
مجهول من حسوب.
الجواب:
أ. هل أنت شخصيا قرأت كتب الفلاسفة مباشرة ووجدت فرقا في فهم فلسفتهم بعد أخذها من الكتب الشارحة؟
نعم. وبعض أسباب الفروق هو ما يلي:
- أن معظم الفلاسفة لهم مراحل في تكوين (نسقهم) أي نظامهم المعرفي. فقد يبدأ بفكرة ما في كتابه الأول يتخلى عنها في كتابه الثالث أو الرابع، كما أن هناك التنقيحات والإضافات فمثلاً لو تطالع كم نُقّح كتاب الكينونة والزمان لهايدغر، وأضيف عليه وعدّل.. فستفهم ما أعنيه، لذلك وقبل أن تقرأ ما تقول أنه الأصل/المتن يجب أن تعرف ما هو الأصل؟… وبكل أمانة أصل كتاب الكينونة والزمان شبه غير موجود من كثرة التنقيح… ولهذا يقول شارحوه أن فكر هايدجر سائل أي متحرك دائم المضيّ قدمًا وعمليات تنقيح كتابه نفسها من أحد العلامات على فكره..هذا ما يختلف عن كتب كانط مثلاً وإن كانت لها تنقيحات وإضافات أقل…
- دون كتب شارحة جيدة، لن تعرف النسخ الأصلية من النسخ المنقوصة، ولن تعرف الترجمات الجيدة من السيئة مثلًا يدعي الفيلسوف العروي أن العرب تلقوا فلسفته التاريخانية خطأً كليًا لأن الترجمة من الفرنسية التي أجريت لأهم كتبه كانت غير موفقة وقد أعاد هو بنفسه الإشراف على الترجمة بعد أكثر من عشر سنوات (فيما أذكر) من نشر الأولى.. دون شرح لن تعرف هذه المعلومات مثلاً.. وهي مهمة.
- سيفوتك السياق التاريخي والمعرفي للنص الفلسفي وهو مهم. فمثلًا لما تقرأ كتاب الأمد على الأبد للعامري.. ستجد مثلاً كلمة الخيرورة (من الخير)، دون شرح لن تفهمها.. ولن تفهم الكثير من المصطلحات فيها ليس لأنها جديدة بل لأن لها معاني أخرى تختلف عما نعنيه بها الوقت الحالي. لذلك الشرح يقدم لك ماذا كانت الكلمة تعني وقتئذ وماذا تعنيه الآن. ولهذا أيضًا نحتاج كعرب معجمًا تاريخيًا للغة العربية.
ب. هل الكتب الشارحة كافية للاطلاع على فلسفة فيلسوف ما دون الاطلاع على كتبه الأصلية التي شرح فيها فلسفته وتعمق فيها؟
دون شرح لن تتمكن أصلًا من معرفة الكتب الأصلية للفيلسوف. فعلى سبيل المثال قد يقال لك أن الكينونة والزمان أهم كتب هيدغر، لكني أخبرتك أن السؤال المهم هنا هو أي طبعة. هناك طبعات هي “الأكمل” وهي ليست الأولى، فهنا تبحث أين تمت الترجمة فستجد أنها أجريت على الأصل قبل النهائي فهنا تدرك أنه دون شرح لن تعرف الأصلي.. ولهذا تجد دومًا كتب الفلاسفة منقحة ويعاد طبعها (مع نصوص أخرى لم تنشر بعد مثلًا) أو مع ملاحق ذات أهمية بالغة أراد الكاتب إضافتها (كما هو الحال في بعض كتب كانط).
فالجواب هو: الكتب الشارحة ليست كافية فحسب للاطلاع على فلسفة فيسلوف ما. بل لا يمكن في عصرنا مطالعة أحد الفلاسفة دونها. والسبب أن الاتجاه رأسًا للأصلي غير ممكن لتعذر معرفة ما هو الأصلي الكامل دون شرح.
جـ. وهل يجب أو من المحبذ قراءة كتب الفلاسفة بعد قراءة الكتب الشارحة إن كنت فضوليا حول الفلسفة وتريد قرائتها عن مصادرها الأصلية؟
لا يجب في الحقيقة، لكن إن كنت تملك الوقت فلا مانع من ذلك، لأنه كما قلنا سلفًا سترشدك الكتب الشارحة إلى أفضل نسخها وكيف تحصل عليها وتنبهك على النسخ الناقصة والمغلوطة والزائفة وغير الكاملة إلخ…كما أنها تخبرك ماذا تقرأ لأنه كما قلنا الفيسلوف لا يولد وله في رأسه نسق مكتمل إنما هي رحلة.. والنقاد والشراح يعرفون أوج تلك الرحلة فيرشدونك إلى أفضل وأكمل ما توصل إليه فتربح الوقت.
د. ما الذي تقترحه لتجاوز صعوبة المصطلحات وتعقيدها؟
بعض النصائح: تختلف حسب الفلسفة التي تريد أن تقرأها.
بالنسبة للفلسفة الإسلامية:
- لا بد أن تتقن بعض أساسيات المنطق. راجع مقررات الأزهر الشريف في المنطق فهي مفيدة جدًا
- طالع كتاب التعريفات للشريف الجرجاني
- طالع الحدود (المعجم الموضوعي للمصطلحات الكلامية) قطب الدين النيسابوري المقري
- كتاب التحريش لضرار بن عمرو الغطفاني
- كتب “الملل والنحل” وهو فنّ قائم بذاته فيه الكثير من المؤلفات اختر ما يروقك منه، هناك مثلا الشهرستاني وابن حزم (مع ملاحظة بسيطة أن هذه الكتب لا تعرض الآراء بصورة محايدة).
بالنسبة للفلسفة الغربية:
- موسوعة لالاند الفلسفية وما يشبهها من الموسوعات.
- طالع هذه المصادر هنا. مصادر جيدة في حال رغبتك بقراءة الفلسفة.
- موسوعة الفلسفة لعبد الرحمن بدوي، أنصح به بشدة
عمومًا:
ليس عيبًا أن تحاول قراءة السهل قبل الصعب.. بل هذا المطلوب.. مثلًا لا أنصحك البتة أن تقرأ كبداية علي زيعور، أو طه عبد الرحمن، ونحن نقصد بالسهل هنا سهولة الاستيعاب واستعمال لغة مفهومة، ولا نقصد بها أن من يكتب بلغة مفهومة فلسفته أقلّ شأنًا فهذا غير مقصود.. بمن تبدأ؟ ..عن نفسي أنصحك بكتب علي حرب، وجورج طرابيشي، والجابري (إن أردت)، والعروي ومحمد الشيكر وغيرهم كثير.. هؤلاء أصلًا سيأخذون من عمرك سنوات لو تعلم.
إضافة مهمة:
فهذا أبو الريحان البيروني يكتب محتجًا منتقدًا هؤلاء في كتابه “تحديد نهايات الأماكن”. يقول: “ونحن نراهم ( يرمي بذلك إلى المترجمين الجُدد) يستعملون في الجدل وأصول الكلام والفقه والمنطق طرقه، ولكن بألفاظهم المعتادة فلا يكرهونها. فإذا ذكر لهم إيساغوجي وقاطيغورياس وباري أرمينياس و أنولوطيقا رأيتهم يشمئزون وينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت. وحُق لهم، فالجناية من المترجمين إذ لو نقلت الأسامي إلى العربية فقيل كتاب المدخل، والمقولات، والعبارة والقياس والبرهان، لوجدوا متسارعين إلى قبولها غير معرضين عنها”.
كيف نظرت العرب قديمًا لفعل الترجمة؟ – معتصم الهقاص
وختامًا:
إن استفدتَ من الإجابة، يسرني دعمك لي بشراء نسخة رقمية من روايتي إيفيانا بسكال، للشراء على خمسات أو منصة paddle. لا تنس دعوة أصدقائك وزملائك لمتابعة المدونة واقتناء الرواية أيضًا.
مودتيّ.