عثمان يعلم أن المدح ذو ثمن *** لكنه يشتهي مدحا بمجان
أحد العرب
والناس أكيس من أن يمدحوا رجلا *** حتى يروا عنده آثار إحسان
لم أرَ قط أبخل بالمال والجاه ولا أتفه عقلًا ولا أخسّ فكرًا ولا أكثر تخلّفًا تقنيًا ولا أكثر انفصامًا عن الواقع من أديب عربي شايب أو عجوز عربية تمتهن صنعة الكتابة. حاشا الصالحين منهم وقليلٌ ما هم.
يونس بن عمارة من مكتبه في برجه العاجي.
مقال اليوم كلّه تقريبًا تعقيب على مقالين من مقالات بروين حبيب. ولنبدأ بسم الله بالأول.
- كيف تصبح روائيا نجما في شهر! – بروين حبيب [صحيفة القدس العربي]
يبدأ المقال بقصة معتادة مؤسفة -مع أنها مكررة لدى كثير من الكتّاب العرب– عن فقر أديب عربي وبؤسه (وغالبًا ما يكونون بعائلات وأولاد يتعذبون معهم)؛ إلا أنك ستتعجب لماذا لا يتعلمون التسويق أو يتعاقدون مع مُسوِّق ويحاولون يفهمون العصر بدل هذه القطيعة ما بين شيّاب العصر الماضي وشباب المستقبل؟ أليس ذلك خير لإنهاض قطاع الثقافة؟ ومن المقال نقتبس:
دفعني فضولي لتتبع بعض نجاحات روايات تطبيق «الواتباد» وذهلت ثانية، وكنت مطّلعة على نجاح الروائية الجزائرية سارة ريفانس، بل أجريت في مقال كتبتهُ مقارنة بينها وبين ابن بلدها الروائي ياسمينا خضرا، وذكرت فيه كيف استطاعت هذه البنت ذات الأربع وعشرين سنة برواية واحدة «رهينة» أن تكون الكاتبة الجزائرية الأكثر مقروئية في تاريخ هذا البلد، متجاوزة خضرا الروائي الستيني، الذي أصدر أربعين رواية، بعضها لاقى نجاحا كبيرا فروايته «الاعتداء» تحولت إلى مسلسل على منصة نتفليكس وباع منها في فرنسا فقط 750 ألف نسخة. ولكن روايتها رغم أنها متاحة مجانا على «الواتباد» وقرأ جزءها الأول على الأنترنت 9 ملايين متابع، بيع منها حين نشرتها دار هاشيت ورقيا 700 ألف نسخة في أشهر قليلة.
بروين حبيب – التلوين والتغميق مني
هذا كله مبشّر عندي وحَسنٌ في عين كلّ من له عقل. أرقام ممتازة ودلالة على صحة القطاع. كل كلام الجيل العجوز من كتّاب الجيل الماضي والذي لا زال حيًا لا يعنينا في شيء لأنه لا معنى له فعليًا.
يشير المقال كذلك لمقال آخر لنفس الكاتبة حديث هو أيضًا ونُشر في نفس الموقع -نفس الموقع الذي لن يعطي طبعًا فرصة للأقلام الشابة فهناك لافتة غير مرئية لديهم تقول لا يكتب لدينا إلا ديناصور أو زوجته أو لاعق حذاء لسلطة أو حزبٍ أو أمير- عنوانه أسامة المسلم… محاولة لتفسير ظاهرة ومنه نقتبس:
كيف فاتني أن أطّلع على ما كتبه أسامة المسلم لاعتبارين: مهني بحكم عملي في الإعلام الثقافي منذ قرابة ربع قرن، وشخصي لأن الرواية من قراءاتي المفضلة وولعي بالاهتمام بهذا الجنس الأدبي، أوصلني إلى تحكيم في الجائزة العالمية للرواية العربية سنة 2015، وللمصادفة هي السنة نفسها التي نشر فيها أسامة المسلم روايتيه «خوف» و«بساتين عربستان»*.
بروين حبيب – التغميق والتلوين مني
*يعني أن الشاب نشط منذ نحو عقد من الزمن لذا لا وجود لنجاح بين ليلة وضحاها هو نجاح مستحقّ قائم على التراكم وهو مفاجئ لمن لا يتابع مجاله كما قلنا. نفس الشيء في حالة الكاتبة الجزائرية. صغر السنّ يعني أن الشابين بدآ مبكرًا.
جوابي: فاتكِ و”شلّة” المثقفين أولئك لأنك:
- لا تستخدمين التقنية بصورة صحيحة. فلو أعددت حساب تنبيهات غوغل مجاني لما فاتك عن الأدب شيء بالضبط مثلما وصلتُ لمقالك فأنا لا أطالع الموقع الذي نشر مقالك رأسًا وإلا ضاع عمري فيما لا ينفع.
- حتى لو وفّر لك مبرمج عربي (ساس) SaaS بثمن أقل من اشتراك نتفلكس حيث يستخدم APIs وتأتي لك بلوحة تحكم نظيفة ومفهومة بكل جديد القطاع بحيث تطلعين على جديده في 5 دقائق فحسب من كل يوم. لن تدفعي له للاشتراك. مع أن هذا تفعيل لاقتصاد المعرفة ودعم للشباب.
- حتى إن لم يكن هناك مبرمج عربي. لو عمل كاتب أو كاتبة على انتقاء جديد قطاع الكتب والأدب في نشرة مدفوعة (مثل The Hot Sheet التي لديها 2400 مشترك يدفع -نحو 60 دولار سنوي- وانطلقت منذ 2015؛ أي دخل سنوي يربو على 140 ألف دولار) تصلك شهريًا أو أسبوعيًا دون تعب ولا تنقيب ولا نصب بثمن معقول لن تدعموه.
وأنا أقول ليس فقط لن تدعموه بل حتى لن تذكروا منتجه أو نشرته بالخير ولا بالشر في مؤسساتكم وصحفكم. ثم يحتار هؤلاء الشيّاب لماذا الشباب الأدباء والكتّاب والمبرمجون محبطون وغاضبون.
بما أن ذلك كذلك فأنا سعيد أن العالَم يعرف الأدباء العرب الشباب أكثر من عجائزه. ربما لأن الشباب العربي أكثر أصالة ونظافة وحقيقة وأخلاقًا من ديناصورات جاثمة على المناصب والامتيازات بدون وجه حقٍّ.
أنا والحمد لله من جهتي -أدّيت الواجب- وكتبت مقالًا (من ضمن مقالات أخرى كثيرة هنا في مدونتي) عنوانه: رسالة مفتوحة إلى طالب الرفاعي ومنه للكتّاب العرب جميعًا؛ قبل هذه المفاجآت التي هي تراكمات قبل النجاح وليست مفاجأة (حالة سارة الجزائرية وأسامة السعودي وغيرهم) التي صعقت الجيل القديم؛ وقد نَصَحْتهم لكن من نصحته هنا (وهو من استشهدت به بروين) بدل الردّ عليّ وشكري للجهد تجاهل المقال كلّه.
لماذا -قد تسأل-؟ لأن واسيني والرفاعي وغيرهم ممن تستشهد بهم هذه المرأة وأقرانها لديهم ولا شك جنون عظمة فإما تمدحهم وإما تسكت. وأنا لست متفرغًا لمدح إلا من هو مستحقّ للمدح؛ وأنا سعيد أن يطلع لهم في حياتهم من يفوقهم مقروئية هم وآبائهم؛ وأن يُنسوا كليًا بعد وفاتهم ببضعة أشهر ولله الحمد؛ ولا يتذكرهم أحد إلا أنهم كانوا مُسننات صدئة في نظام أصدأ: كهنة فساد وآفة للبلاد. وأيضًا كي تشغر الأعمدة الصحفية التي يكتبونها فيجد غيرهم متسعًا وفُسحة يكتب فيها فقد طال أمدُ قبضهم لهذه الأماكن. نسأل الله الفرج والعون.
لو تقبل رأيي فيهم أقول لك أنه لا نفع من متابعتهم ولن يطوروك لا من ناحية الكتابة ولا من ناحية الإنسانية ولا من ناحية النجاح الفعليّ؛ لأن الكثير من أصحاب المدونات -وأنا منهم ولله الحمد- أكثر مقروئية ممن يسمونهم روائيين وكتّابًا عظامًا. وقولنا عظماء تهكم إذ لا عظمة هناك لا في كتاباتهم ولا في شخصياتهم.
سنونوة واحدة لا تصنع الربيع، وأرقام المقروئية في عالمنا العربي مرعبة.
مع أن كذبة “العرب لا يقرأون” يعرف كل من بحث لـ5 دقائق في الإنترنت -إن كان يجيد البحث- وبالمصادر الموثوقة أنها لا حقيقة لها؛ وكررت مرارًا هنا وفي أماكن أخرى أن من المفارقات أن مقالي المدعوم بالمراجع والذي يفند هذه الأسطورة هو نفسه من أكثر المقالات قراءة وزيارة في مدونتي: ما هي نِسَب القراءة في الوطن العربي؟
أيضًا لو نتحدث عن المال: الكتاب الورقي بخير ولا زال متفوقًا ماليًا على الإلكتروني عالميًا وعربيًا وقطاع الكتب الورقية في العالم العربي يدرّ دخلًا قيمته 1.32 مليار دولار كل عام (بالمليار).
إن الأدباء العرب من جيل الديناصورات يُصعقون من نجاح الشباب؛ وأصعق أنا من جهل الديناصورات بأرقام وإحصائيات ومستجدات مجالهم.
— يونس بن عمارة
فليت شعري أين غابت هذه المعلومات عن ناشطة ثقافية لها ربع قرن في ميدان الثقافة والإعلام؟ أم أن استشاراتها ومحاورتها لديناصورات متضخمي الذوات مرضى النفوس هو ما شغلها؟ أم هل للشيكات السمينة التي تلقتها نظير تحكيمها للجوائز الأدبية يدٌ في الموضوع؟
دعني أختم هذه الفقرة بسؤال:
هل تتصوّر أن بروين لو دخلت لجنة تحكيم ستعطي فرصة لكاتب أو كاتب شابة أن يفوزوا؟
أجيبك: لن تعطيهم فرصة.

انتهى بحمد الله.
❤️ شكرًا لقراءة عددٍ آخر من “صيد الشابكة”؛ لتعلّم الكتابة والترجمة والانتقاء وأساسيات العمل الحرّ بالعربية: اشترك في رديف.
حقوق الصورة البارزة: مكتبة الصور المجانية من ووردبريس.
اكتشاف المزيد من يونس بن عمارة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.