جمعة مباركة يا أصدقاء.
لا أبكي كثيرًا وبنظري هذه مشكلة. أي أن المرء لا بد أن يبكي بين الحين والآخر بقدر كافٍ وقد تكلمت عن ذلك في لقائي مع كايت مقدّم: العيش في سلام في عالم مضطرب: حوار مُريح نفسيًا مع كايت مقدّم وقدّمت لي فيه نصائح قيّمة أفادتني؛ وهذا القدر الكافي من البكاء بالنسبة لي هو مرة كل 3 أشهر أو 4 مرات في العام. ولا تُحسب فيها الحوادث التي تستحق البكاء. أنا أحكي عن المعدل الذي أراه طبيعيًا بالنسبة لي للبكاء والذي من المفترض أن يحدث لكل بشريّ ذكرًا كان أو أنثى.
مرّة شاهد فيديو يسأل فيه صحفي أو صانع محتوى الناس في الشارع: متى آخر مرة بكيت فيها؟
وإجابة أحدهم كانت أنها منذ فترة طويلة عندما مات أبوه.
وهذه مشكلة فعليًا.
والأمر لا يتعلق بقسوة القلب فقط وإن كانت سببًا من أسباب عدم بكاء الكثيرين إنما يعود أيضًا لأعراف مجتمعية خاطئة تربط البكاء بالضعف، وعدم وجود بيئة مرحبّة تتقبل من يبكي.
على سبيل المثال في مجتمعي الذي أعيش فيه لن ترى أحدًا يبكي علنًا بوتيرة كافية ناهيك أن “تخضلّ لحيته” من دموعه في حين التراث الإسلامي يعجّ بهذه الحوادث بل أن هناك فرقة اسمها البكّائين. ولأن البشر كائنات تحاكي بعضها البعض فإن عدم رؤية ما يكفي من حوادث بكاء علنية يجعل الكثيرين لا يرونه أمرًا طبيعيًا ومن ثَم لا يلتقطونه بصفته ممارسة مثلما يلتقطون اللغة والعادات والتقاليد الأخرى.
البكاء المبالغ به والمزيّف غير مطلوب كذلك. نحن نحكي هنا عن البكاء التلقائي الطبيعيّ والذي هو بنهاية المطاف ينبغي أن يُعلّم لمن لا يبكي كثيرًا أو على الأقل يُشجّعون عليه. قد تذكر في هذا السياق قول الفاروق رضي الله عنه إن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما.
عن نفسي حالتي الشخصية تتحسن إذ صرتُ أبكي طبيعيًا لكن ليس بقدر كافٍ ولا بتلقائية. وجاري العمل على ذلك بعون الله.
بنظري البكاء علامة أن الشخص متصالح مع جسده. إن ذرفت الدمع بتلقائية فهذا يعني أنه لا يوجد تشنج بينك وبين جسدك وأعضائك وبالتالي هناك تناغم محمود بين روحك وجسدك.
ارتباط البكاء بالضعف
إذا كنت رجلًا وبكيت في مجتمعي سيعايرونك أنك “تِبْكي نُوْع طُفْلة” ونُوْع تعني مثل أي أنك تبكي مثل النساء. وهذا المثل مثال ضمن كثير من الأمثال المجتمعية الخاطئة.
ما من مشكلة في البكاء حتى لو كنت رجلًا. البكاء علامة على أنك إنسان وغالبًا تعني أنك متحضّر. أو على الأقل من أهل الحضر.
إلا أنه رغم ذلك هناك من:
- بعد أن يبكي يبكي لأنه بكى؛ لأن من بكى عليه لا يستحق دمعة وهذا تفعله كثير من النساء
- في حالة الرجال غالبًا ما سيخجلون من تذكّر الموقف الذي بكوا فيه خشية أن يُوصموا بالضعف
وهذا ما لا ينبغي أن يكون. من المفروض ألا تلوم نفسك على بكائك حتى على من أو ما لا يستحق والسبب أنه ينبغي أن تبرر لنفسك أنك تبكي لنفسك تفريغًا لمشاعرك وليس إيماءة تقدير لوغد أو أمر قبيح.
أما بالنسبة لحالة الخجل لدى الرجال فمن المفترض أن يتصالح الرجل مع ضعفه ويعتنق أن البكاء تصرّف إنساني يطال الجنسين ولا صلة له بالضعف.
البكاء كذلك علامة رحمة وأمارة من أمارات الحضارة. عدم بكاء أناس يعيشون في الضواحي أو في بيئات قاسية لا يعدّ شرفًا ولا هو ميزة ولا علامة قوّة. أهل الحضر يبكون لأنهم أعمق فهمًا للروح الإنسانية ممن يصارع لكسب قوته في بيئة قاسية سواءً كان في الإسكيمو أو الصحراء الإفريقية الكبرى.
هذا ما لدينا اليوم، هل تصوّرت أني سآتي بفوائد البكاء وفق العلم؟ هي موجودة فعلًا من بينها صحة النظر ونقاء وصفاء الرؤية، لكن هذا المقال كان مقال رأي أحكي فيه عن وجهة نظري الشخصية وغير الموضوعية عن هذا الموضوع الهامّ.
لا تنس مشاركة المقال ولك أجر أو مشاركته والاشتراك في رديف ولك أجران.
تذكّر يمكنك كذلك -إن لم تكن أنت بنفسك جاهزًا للاشتراك- إهداء اشتراك سنوي لشخص تحبّه وتريده أن يتعلم الكتابة.
الخلاصة: لا بد أن يحتلّ البكاء مكانته التي يستحقها بصفته سمة إنسانية حضارية هامة في حيوات كل البشر صغارًا وكبارًا من كلا الجنسين. وأن نتوقف عن وصم الناس بالضعف والدراما عندما يذرفون دموعهم.
يونس يسأل: متى آخر مرة بكيت فيها؟
أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر
حقوق الصورة البارزة: Photo by Francisco Gonzalez on Unsplash
بكيتُ البارحة كثيراً ،وكان بكاءً مريحاً.
إعجابLiked by 1 person
يسعد قلبك وروحك
إعجابLiked by 1 person