البيئة المُحيطة بك ليست قدركَ المحتوم: إليك كيف تتخلّص من تأثيراتها السلبية

مساء السعادة،

طرحت الأستاذة سماح عليّ هذا الموضوع:

وكما ترون هناك جوانب للسؤال هي:

  • دور البيئة المحيطة في حياة الإنسان عمومًا وعلى عمله خصوصًا
  • تأثير العلاقات سلبًا وإيجابًا على أداء الفرد وتطوره

بداية لنرى ما التأثير وفق وجهة نظري. التأثير هو:

قوة معنوية أو مادية تُحدث أثرًا في الشيء الذي يقع عليه التأثير.

ولهذا كي يحدث التأثير لا بد من ثلاثة عناصر:

  • المُؤثِّر وهو الذي يحُدث التأثير
  • الأثر (وهو القوة المعنوية أو المادية التي انطلقت من المؤثِر الفاعل إلى من وقع عليه التأثير)
  • المؤثَّر عليه والذي تلقى الأثر

ولنضرب أمثلة. على القوة المعنوية والمادية.

  • فمثال التأثير في القوة المعنوية:

شخص تنمّر على شخص آخر. فأحدث أثرًا نفسيًا. فالمتنمر: مؤثِر، والتنمر أثر والمؤثَر عليه هو ضحية التنمر.

  • ومثال التأثير في القوة المادية:

هو دخولك الغرفة بطيش واصطدام إصبع قدمك بساق الطاولة فتألمت. (أتمنى طبعًا ألا يحدث لك هذا)

فهنا الطاولة هي المؤثِر والأثر هو الألم الناجم عن الاصطدام والمؤثَر عليه هو إصبعك ومن ثَم أنت.

لنتكلم الآن عن المقطع الأول من السؤال:

دور البيئة المحيطة في حياة الإنسان عمومًا وعلى عمله خصوصًا

فأقول مستعينًا بالحيّ القيوم: البيئة مستويات فهي:

  1. بيئة لصيقة (يعني قريبة جدًا) وهي العائلة والأقارب إلخ
  2. بيئة قريبة وهي الجيران والمدرسة والحيّ والخبّاز ومتجر الملابس إلخ
  3. بيئة واسعة وهي المنطقة والمحافظة والدولة ومناخها الاقتصادي وطقسها وجغرافيتها
  4. بيئة عامة وهي الدول والكوكب بصورة عامة

لا شكّ أن البيئة بكافة مستوياتها تؤثر على الإنسان. فالعيش في نصف الكرة الجنوبي مختلف قطعًا عن العيش في نصف الكرة الشمالي، والبيئة تعطيك لغتك الأم، وعاداتك وسلوكياتك الأولية، ونظامك الغذائي وأن تُربّيك عائلة محافظة يختلف عن أن تربيك عائلة غير محافظة وهكذا.

ومع ذلك لاحظتُ شخصيًا هذه الحقيقة -أو ما أزعم أنها حقيقة-:

البيئة المحيطة (بمستوياتها المتعددة: العائلة، المدرسة، الدولة..) تؤثر عليك فعلًا بصفتك إنسانًا لكن تأثيرها يستمر حتى نضجك عقليًا واستقلالك ماديًا وهناك يتوقف تأثيرها عليك

بمعنى أن تأثير البيئة المحيطة عليك يستمر لكن ليس للأبد وما يوقفه هو نضجك العقلي واستقلاليتك المادية. وهما شرطان لازمان لإيقاف التأثير لذلك إن فقدت أحدهما استمرَ تأثير البيئة المحيطة عليك.

ودليل أن هذه التأثيرات لا تستمر: قدرتك على تعلم لغة جديدة، وتغيير نظامك الغذائي وتبني أفكار جديدة. فالبعض كما تعلم يغيّر دينه ويختار دينًا جديدًا مثلًا أو يصير ملحدًا.

وتأثيرات البيئة المحيطة ليست سيئة دومًا كما يتخيل الناس:

فالعائلة المحافظة وطقس المنطقة التي تعيش فيها قد يكون في صالحك فالعائلة المحافظة تعلمك الأمانة مثلًا وألا تتلفظ بالألفاظ الفاحشة وما إليه، وطقس المنطقة لو كان جيدًا سيسهم في رفع معنوياتك.

لكن طبعًا ليست كل تأثيرات البيئة المحيطة جيدة. مثل أعراف المجتمع التي لا أصل لها لا دينًا ولا عقلًا ولا علمًا (مثل ختان الإناث وكما رأيتُ في إحدى فيديوهات يوتيوب شورتس أن كثيرًا من الأمهات في الغرب يمنعن بناتهن من أن يحلقن شعر بدنهم -ولا أدري لماذا- وما إليه)

فإذن عندما تصل لمرحلة النضج العقلي والاستقلالية لا يعني ذلك أن تعيش كأنك هيبي، وتثور على المجتمع بل يعني أن تفلتر (ترشّح) فتأخذ من البيئة المحيطة بك ما تراه مناسبًا وترفض ما لا تراه مناسبًا، وستستطيع ذلك لأن المجتمع يسيطر عليك من ناحيتين أنت حققتهما: الجهل ولا نضجك العقلي؛ والمادة أي المال.

فالنضج إذن:

يعني النضج أن تكون إنسانًا يتحلى بالأخلاق المتحضرة، وله سيطرة على مشاعره ورغباته، ويعرف ما يريد في هذه الحياة فيسعى لتحقيقه دون إحداث ضرر بالآخرين في خضم ذلك.

قد تقول لي: على هذا التعريف ليس هناك ناضجون كثر كما أرى. أجيبك: نعم، والمصائب التي تحدث ما مصدرها في رأيك؟ مصدرها لا نضج قسم كبير من المجتمع يا طيب.

والنضج ليس مرتبطًا بسنّ البلوغ وغالبًا في عصرنا ما يحدث بين 40 والـ50 حسب ملاحظاتي الشخصية وهناك من لا ينضج أبدًا ويكون عمره 60 بل 70 ولم ينضج.

والاستقلالية المالية معروفة فهي تعني عدم اعتمادك في كفاية نفسك ماليًا من مطعم وملبس ومأوى على غيرك.

وتأثيرات البيئة ليست حتمية ولا أبدية على المرء فقد أثبتَ البشر في آلاف قصص النجاح تفوقهم على الظروف والمصاعب بما لا يدع مجالًا لإنسان أن يعلّق فشله على الظروف.

بل حتى أن البيئة في مستواها الجغرافي وهي التي أعطيناها رقم 3 في التقسيم أعلاه لا ترسم أقدار الإنسان، فهناك دراسة تقول أن المناطق المتضررة من ثوران البراكين ونزوح الناس منها تُخلّف جيلًا يكسب مالًا أكثر وينجح في حياته أكثر مما لو عاش ذلك الجيل في تلك المنطقة ولم تحدث فيها تلك الكارثة البيئية. طالع الدراسة: هِبة الحركة: العواقب الحميدة العابرة للأجيال لصدمة الانتقال من مكان لآخر [National Bureau of Economic Research]

لنلخص هذه النقطة نقول:

  • نعم البيئة المحيطة بمستوياتها كافة تؤثر على الإنسان سلبًا وإيجابًا
  • البيئة المحيطة ليست قدرًا محتومًا فإن نَضَجَ الإنسان واستقل ماديًا توقف تأثير البيئة المحيطة عليه
  • أوصي لمن ينضج ويستقل ألا يترك تأثيرات البيئة المحيطة بالكلية ويفلتر ويأخذ الطيب منها ويترك الخبيث وما لا يلائم

لننتقل الآن للقسم الثاني من السؤال:

تأثير العلاقات سلبًا وإيجابًا على أداء الفرد وتطوره

القاعدةُ الذهبية المعروفة في هذا المجال هي أن تُحبّ للناس ما تحبّه لنفسك، إن طبقت هذا كنت إنسانًا صالحًا. وتلخص مجتمعاتنا العربية هذا بقولها فلان يخاف الله وهي التقوى فمختصر الكلام هنا تقوى الله تعالى.

والعلاقات أنواع:

  1. علاقة لا فكاك منها مؤقتًا
  2. علاقة لا فكاك منها للأبد
  3. علاقة يمكنك فكّها لكن يصعب ذلك
  4. علاقة يمكنك فكّها وفكّها يسير

فمثال العلاقات المؤقتة التي لا فكاك منها: علاقة مديرك بالعمل وزميلك في العمل. وضابطُ التعامل هنا:

أن تتحلى بالاحترافية، وتعلم أن زميلك بالعمل ليس صديقك وأن مديرك ليس صديقك.

وهناك أيضًا خطورة عليك لو فكّرت أن شركتك عائلةٌ لأني أقول لك قبل أن تأتيك الضربة: هي ليست كذلك. واقرأ إن شئتَ: الآثار السامة لوصف بيئة عمل شركتك على أنها “عائلة” [Harvard Business Review]

ولكي تكون محترفًا في عملك من ناحية العلاقات والأداء أنصحك بإدمان مطالعة مقالات موقع هارفارد بزنس ريفيو العربية فسيكفيك من هذه الناحية.

ومثال العلاقات التي لا فكاك منها للأبد: علاقتك مع أبويك وإخوتك وأقاربك

ولحسن الحظ أو سوئه ما من سوقٍ يمكنك استبدال عائلتك فيه، وبما أنك متورط ومُلزم وجب عليك اتباع أفضل مبدأ يوجد في التعامل مع هذه الفئة ألا وهو المصاحبة بمعروف. وقد شرح المصاحبة بالمعروف شيوخ كثر عليك بشروحهم واتبع ما يناسبك. ونصيحتي الشخصية بهذا الصدد هو: أن تستقل عن عائلتك مكانيًا (وليس روحيًا) في أقرب فرصة تتاح لك.

ومثال العلاقات التي يصعب فكّها: علاقاتك بمن تراهم أنه أصدقاء وأصحاب ومعارف

وهي علاقات طارئة على حياتك وإن دامت فلترة، لكنك لست ملزمًا فيها بشيء وهي أنواع:

  • علاقة صحية: مع صديق صدوق وممتاز، و
  • علاقة سامة.

فوجب عليك تقوية وتعزيز العلاقات الصحية منها وبتر العلاقات السامة من أصدقاء سوء، وناس مُجللين بالفشل، وآخرين مدمنين للنكد وسلبيين وسوداويين وما إلى ذلك

والعلاقات التي يمكن فكّها وفكها يسير

مثل علاقتك مع شركة اشتريت منها منتجًا أو خدمة، أو صاحب دورة أو موقع أو ما شابه وها هنا: قس النفع منها:

  • إن كانت هذه العلاقة نافعة لك واستفدت منها ومن المنتج أو الخدمة مثلًا أبقها
  • إن كنت لم تنتفع بشيء فاقطع العلاقة (أوقف اشتراكك، تخلى عن المنتج/الخدمة..) وجِدْ بديلًا فالسوق كبير ويعجّ بالبدائل فلا تقلق ولا أحد يقدّم خدمةً أو منتج ليس لها مثيل

فهذا هو جوابك أستاذة سماح على سؤالك، بارك الله فيك.

شاركوا المقال ولكم أجر، أو اشتركوا في رديف ولكم أجران.


أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر


حقوق الصورة البارزة: Photo by Thomas Richter on Unsplash

رأيان حول “البيئة المُحيطة بك ليست قدركَ المحتوم: إليك كيف تتخلّص من تأثيراتها السلبية

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s