أهلًا بكم،
أجري بين الحين والآخر حوارات مع شخصيات أجنبية وعربية، وغايتها نفع القراء بخبرة هذه الشخصيات، واليوم معنا الأستاذة بشرى لغزالي، مترجمة محترفة من المغرب الشقيق. ودون إطالة إليكم الحوار مباشرةً:
يونس: أشكرك أستاذة بشرى على منحنا من وقتك ومعرفتك وأرحب بك ضيفة على جمهور مدونتي.
بشرى: أشكرك على هذه الدعوة الكريمة وأتمنى أن تكون أجوبتي مفيدة لقرائك.
- عرّفينا بنفسك، وماذا درستِ وما هي مسيرتك المهنية حتى الآن؟
اسمي بشرى لغزالي، مترجمة مستقلة من المغرب. حصلت في عام 2006 على الإجازة في الدراسات الإنجليزية، وعلى شهادة في الترجمة في عام 2009، ثم ماستر/ماجستير في الترجمة المتخصصة من جامعة القاضي عياض (مراكش) في عام 2016.
بدأت العمل في مجال الترجمة في عدد من المؤسسات بصفتي موظفة بدوامٍ كاملٍ منذ عام 2009، أي بعد تخرجي من معهد الترجمة. وكانت آخر مؤسسة عملت فيها بدوام كامل مركزا للدراسات في القضايا النسائية حيث ترجمت مقالات وتقارير وكتيبات وغيرها. وبعد ست سنوات من العمل في هذا المجال المتعلق بالمسائل النسائية والنوع الاجتماعي، حصلت على جائزة الترجمة (جائزة الأطلس الكبير للترجمة) في عام 2015 التي تمنحها السفارة الفرنسية في المغرب لترجمتي كتابًا عن القضايا النسائية في الإسلام من الفرنسية إلى العربية.
وخلال هذه الفترة، كنت أعمل أيضا بصفة مستقلة من حين لآخر مع عدد من العملاء خارج هذه المؤسسات. وفي عام 2017، بدأت العمل في المجال الحر بصفتي مترجمة مستقلة بدوام كامل إلى اليوم.
- ما هو أول نصّ ترجمته في حياتك؟؛ وما قصة أول نصّ ترجمته كعمل مدفوع، كيف حصلتِ عليه؟ وكيف أنجزته وما كانت مشاعرك في تلك البدايات؟
أول نص ترجمته في حياتي كانت قصةً باللغة الفرنسية اشتراها لي والدي ترجمتُها إلى اللغة العربية. وأتذكر أن القصة لم تعجبني، ففضلت أن أترجمها على أن أقرأها كاملة.
وأما أول نص ترجمتُه كعمل مدفوع، فقد كان خلال فترة دراستي بمعهد الترجمة. كلفني أحد الأساتذة رفقة عدد من زملائي الطلاب بترجمة جزءٍ من عمل استلمه من أحد عملائه على ما أعتقد وكان مدفوعًا.
كنت سعيدة لأنه اختارني للمشاركة في الترجمة، لكنني كنت مطمئنة لأنه كان سيخضع لمراجعته، حتى أنني لا أتذكر تفاصيل المشروع. لكنني أتذكر جيدًا أول عمل مدفوع مع عميل مباشر حيث كان في عام 2010. كان أحد معارفنا وعرض أن أترجم له كتابًا. صراحة كنت خائفة ومترددة لأنني كنت أعتقد أنني لم أكن مستعدة بعد لترجمة كتابٍ. ولكنني وافقت في النهاية خصوصًا أن العميل لم يكن لدي سقف زمني. فأخضعْتُه بعد الترجمة للمراجعة بمقابل مادي قبل تسليمه.
وعمومًا، حصلت على أعمالي المدفوعة الأولى عن طريق أشخاص تعرفتُ عليهم سواء خلال التدريب داخل مؤسسات رسمية أو الدراسة ولاسيما الأساتذة. فعلى سبيل المثال، كان المشرف على أحد تدريباتي يتلقى وثائق للترجمة خارج إطار عمله بصفته مترجمًا مستقلا. وعندما لم يكن يجد الوقت لترجمتها، كان يكلفني بذلك بمقابل مادي. وبالتالي، كان أغلب الأشخاص الذين عملت معهم في البداية عملاء غير مباشرين.
- تديرين حاليًا مدونة ممتازة اسمها قطار الترجمة، ما حكاية الاسم قطار الترجمة، وكيف فكّرتِ بإطلاقها وكيف تجدين الوقت لإثرائها؟
لم أفكر قطّ في إنشاء مدونة. فقد كنت غارقة في عالم الوظيفة وبالكاد كنت أجد الوقت للعمل الحر الجانبي. في البداية، كان الموقع يحمل اسمي. وغيرتُ الاسم فيما بعد إلى قطار الترجمة. وعندما بدأت العمل الحر بدوام كامل، بدأت إثراء المدونة عندما أجد الوقت لذلك. افترضتُ أن المدونة إذا كانت تحمل اسمي، فهذا سيجعلني محور المدونة؛ لكن إذا كان الاسم عامّا، قد يصبح يوما ما موقعًا.
أما عن حكاية اسم “قطار الترجمة“، فهو ينبع من فكرة تصوري أنني خلال عملي لدى مؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة منذ بداية مساري المهني، كنت كما لو أنني أركب قطار ترجمةٍ وكل مرة يقف بي في محطةٍ أستفيد منها شيئا. وأردت مشاركة ما استفدته في تلك المحطات -وما زلت أستفيده- مع زوار هذا الموقع.

- كيف تُبقين نفسك مطلعة على أحدث مستجدات قطاع الترجمة؟ ما هي المواقع التي تتابعينها لهذا الغرض؟ والنشرات البريدية وقنوات اليوتيوب مثلًا…
أبحث عن المعلومات حيثما كانت عبر الإنترنت. واستفدت شخصيًا من التجارب التي تنقلها المترجمة الأمريكية كورين ماكي في عددٍ من مقالاتها على موقعها وبودكاستات المترجمة تيس ويتي المفيدة أيضا في مجال الترجمة.
وبالنسبة لأدوات الترجمة بمساعدة الحاسوب، أعتمد في معرفة جديدها على النشرات البريدية التي تصلني من الشركات المصنِّعة لها مباشرةً، ولاسيما الأداة التي أستخدمها شخصيًا. وأجد أحيانا مستجدات التكنولوجيا عبر متابعة الأخبار اليومية على المواقع الإخبارية.
- كيف يعزز المترجم العربي ذخيرته اللغوية في لغته الأم؟
القراءة المستمرة في لغته الأم لمختلف أنواع النصوص، وليس بالضرورة مجال تخصصه، هي الطريقة المثلى لتعزيز ذخيرته اللغوية.
- كيف يدرّب المترجم المبتدئ نفسه بنفسه دون أستاذٍ موجّه؟
يمكن أن يدرّب المترجم المبتدئ نفسه بنفسه بالاعتماد على مراجع ثنائية اللغة. فيختار نصًا معينًا ويترجمه ثم يقارن ترجمته بالنسخة الرسمية.
وأوردتُ في مقالٍ أنواع الأخطاء التي يمكن للمترجم أن يرتكبها قد تساعده معرفتها في تحليل ترجمته. وتوجد حاليا العديد من الجهات الرسمية التي توفر مواقعَها ووثائقَها بلغات مختلفة. وتوظف هذه الجهات عادةً أفرقة من المترجمين المحترفين. لذلك يمكن اعتبارها مصادر موثوقة للتدرّب باستخدام وثائقها. وجردتُ في هذا المقال عددا من المواقع التي تساعد على التدريب الذاتي. ويمكن أيضا التدرب بالاعتماد على الكتب المترجَمة الموصى بها. فلا تتسم كل الكتب المترجَمة بالجودة. وبالتالي، لا تصلح كلها لاعتمادها للتدرّب. وجربتُ هذه الطريقة شخصيًّا وكانت مثمرة. فقد أوصاني أحد الأساتذة بشراء كتاب معين في مجال التاريخ باللغة الفرنسية ونسخته المترجَمة إلى اللغة العربية، بعدما كنت أطلب منه في نهاية كل حصة مراجعة ترجمتي لأحد المقالات. وكنت أتدرب على الاتجاهين أي من الفرنسية إلى العربية والعكس باستعمال نفس الكتاب. وفي العام الموالي، كانت نتيجة هذا التمرين واضحةً لأساتذتي بشهادتهم.
- ما هو أحبّ عمل (نص) ترجمته لقلبك وما قصته؟
أحب الترجمة وأستمتع بهذا العمل، لكن لا تربطني صراحةً إلى حدود الساعة أية علاقة بالأعمال التي ترجمتها، فهي بمثابة مهمات أنجزتها واستفدت منها دون شك. ولكن يمكنني القول إنني أميل إلى الأعمال المرتبطة بقضايا ومواضيع إنسانية.
- ما هي أداة الترجمة بمساعدة الحاسوب التي تستخدمينها؟ ولماذا اخترتها هي؟ وكيف أتقنتها؟
أستخدم حاليا ميموكيو بعدما جربت أدوات أخرى. واخترت ميموكيو لأنني وجدته بسيطا وشاملا حيث يجمع في مكان واحد كل مكوناته، على عكس ترادوس مثلا. وأتقنتها من خلال استخدامها وإنجاز المشاريع عليها ومشاهدة الفيديوهات الإرشادية، ولاسيما شرح الأستاذ محمد شلبي المتاح على مجموعته المعنية ببرامج الترجمة على فيسبوك. وعندما يستعصي عليّ أمر ما، أتواصل مع المكلفين بالخدمة التقنية في شركة ميموكيو الذين يساعدونني لحلها.
- ما هي الأداة أو القاموس أو إضافة المتصفح أو التطبيق الذي لا تستطيعين الاستغناء عنه في عملك كمترجمة ولا تعملين دونه؟
أجد معجم المعاني موقعا شاملا حيث يمكّنني من البحث عن معاني الكلمات باللغة العربية للوصول إلى فهم دقيق لأي كلمة، ومن الوصول إلى ترجمة الكلمات أيضا داخل سياقها اعتمادا على ترجمات سابقة. ولذلك فهو رفيقي في الترجمة.
- نصائحك وتوصياتك لمن يرغب بدخول قطاع الترجمة من شباب العالم العربي
الترجمة مجال يستلزم الكثير من الإصرار والصبر حتى تصل إلى مستوى من الإتقان يجعلك تحوز ثقة العملاء. وأنصح من يرغب في دخول قطاع الترجمة بالمواظبة على القراءة وممارسة الكتابة لأن الترجمةَ كتابةٌ وبالتالي تتطلب التمكنَ من هذه المهارة.
شكرًا جزيلًا.
حقوق الصورة البارزة: Photo by Paul Macallan on Unsplash