أجرى يتسحاق بن موشى، وهو عالم أنثروبولوجيا بجامعة زيورخ، دراسة عن عادات التناسل البشرية وذلك في إطار جهوده لفهم لماذا يٌفضّل البشر التزاوج خُفيةً. وفي ورقته البحثية المنشورة في مجلة وقائع الجمعية الملكية (Proceedings of the Royal Society B)، وصف يتسحاق تحليله للدراسات الأخرى التي تفحصت، من بين أمور أخرى، الممارسات الجنسية.
وكما يعرف الجميع يُفضّل البشر عمومًا التزاوج في الخفاء. لكن لماذا؟ ولماذا التزاوج خُفية في الطبيعة نادر جدًا؟ ذلك أنه عدا البشر، لم يُبدِ أي نوع حيواني الميل إلى الخصوصية أثناء التناكح إلا طيور الوقواق العربية (Arabian babblers).
لذلك وبُغية معرفة المزيد عن الموضوع، استخرج الباحث بن موشى بيانات مُستلة من 4,572 حكاية شخصية تضمنتها الدراسات الثقافية -من حقل الإثنوغرافيا- وتفحصها جميعا بحثًا عما وصفه بالممارسات الجنسية الطبيعية.
وقد اتسمت هذه الحكايات الشخصية أن أصحابها لم يكونوا ينوون إحداث صدمة للآخرين أو تجنب العقاب حتى عند ممارستهم الجنس المحظور مثل سفاح القربى، كما لم يكونوا يعملون في مجال إنتاج المواد الإباحية.
ووجد الباحث بن موشى أن جميع الثقافات المعروفة تُمارس التزواج في الخفاء، حتى في الأماكن التي يصعب فيها توفير قدر كافٍ من الخصوصية. كما بحث بن موشى أيضًا عن أمثلة على حيوانات أخرى تتزاوج في الخفاء، ولم يجد أحدًا منها، عدا طيور الوقواق العربية آنفة الذكر.
ووجد الباحث بن موشى أيضًا أنه ما من تفسيرات لهذا التصرف (التزاوج في الخفاء)، بل في الحقيقة، ليس هناك الكثير من البشر الذين يتسائلون عن سبب وجود هذه النزعة لدى بني آدم. وليس غريبًا إذًا ألا يجد الباحث أي نظريات تطورية بشأن الموضوع: لماذا يتزاوج البشر في الخفاء؟

ويختتم الباحث بن موشى ورقته البحثية بوضع نظرية خاصة به، حيث يعتقد الباحث أن السبب الذي دعا البشر (وطيور الوقواق العربية) إلى اعتماد الخصوصية أثناء ممارسة الجنس يعود إلى أن الذكر يريد أن يمنع الذكور الآخرين من رؤية أنثاه في حالة إثارة جنسية. إذ أن تلك الحالة، يقول الباحث، من الأرجح أنها كانت لتُشجّع الذكور الآخرين على محاولة التزاوج مع تلك الأنثى. من ثَم تتيح الخصوصية، أو بعبارة أدق، الخلوة، للذكر أن يحافظ على تحكمه بشريكه الجنسي دون أن يؤثر ذلك -في ذات الوقت- على التعاون المستمر ضمن المجموعة التي يعيش فيها ذلك الذكر.
ويشير الباحث بن موشى أيضًا إلى أن دراسة تطور التزاوج خُفية من شأنه أن يُعمّق فهمنا نحن البشر لكيفية نُضج مهارات التفكير لدينا أثناء تعلمنا العيش ضمن مجموعات.
للمزيد طالع:
يتسحاق بن موشى. لماذا يتزاوج البشر والأنواع الحيوانية من غير البشر خُفيةً؟ اقتراح فرضية الحفاظ على التعاون ضمن المجموعة، مجلة وقائع الجمعية الملكية ب: العلوم البيولوجية (2020).
الرابط الأصلي للمقال. الكاتب الأصلي: بوب ييركا.
نقله للعربية: يونس بن عمارة.
حقوق الصورة البارزة: Photo by Feri & Tasos on Unsplash
من الخطأ في مثل هذه الأبحاث الافتراض المبدئي أن الإنسان لا يختلف عن الحيوان نهائيا وإنما نوع آخر من الحيوانات…
ويجب أن يدرس الإنسان دراسات خاصة به لوجود العديد من الجوانب التي لا يفي التفسير المادي البحت لها وإنما تتداخل معه جوانب (فلسفية / أخلاقية) وغيرها..
إعجابLiked by 3 people
العلوم التجريبية المعاصرة وفلسفة ما بعد الحداثة لا تعترفان بتميز الإنسان. وحتى لو فكرت بوضع تمييز له عن غيره فأنت مطالب بدليل مادي وهذا غير موجود حد علمي. أما ما بعد الحداثة فحتى لو أتيت بدليل مادي فلن تؤمن به لأنها تخاصم العلم التجريبي أساسا.
لاحظ أيضًا أن حتى العلماء المسلمين نقلوا كلام أرسطو أن الإنسان حيوان ناطق دون أن يعلق أحد حد علمي أن وصفه بالحيوانية خطأ. وهذه هي حقيقته البيولوجية.
بخصوص وجود جوانب لا تفسير مادي لها فمن أسباب ترجمتي للمقال أساسا قول الباحث بعدم وجود نظريات تطورية تفسر الموضوع. إن العلم التجريبي ليس مليئا بالثغرات فقط بل مثله مثل الإيمان بالضبط أُسسه غير مُبرهنة. والشاهد على ذلك مبرهنة عدم الاكتمال لغودل وذلك كما يلي:
أ. أقصى ما يمكن للعلوم التجريبية أن تصوغ به أسسها هو الصياغة الرياضيّة.
ب. الرياضيات تقوم على أكسيومات (قضايا أولية) لا برهان لها.
ج. غودل برهن على عدم إمكانية برهنة أكسيومات الرياضيات بمبرهنة عدم الاكتمال.
د. النتيجة: العلوم التجريبية قائمة على أسس وقضايا لا برهان لها.
إعجابLiked by 3 people
كلام جميل.. كلها تعود للمبادئ العقلية الضرورية (الأولية)..
ولكن كما قلت بالحيوان الناطق، لا يقصد بالناطق (الأصوات التي تخرج من الفم) وإنما الكلام المبين الذي يعبّر عما في النفس والذي يمكن البناء النظري والعلمي عليه.. وهذا موجود في الإنسان خلاف الحيوان.. فإذًا، (ناطق) تنطوي تحتها الكثير من المفاهيم.
إعجابLiked by 1 person
لا يقصد بالناطق النطق كما تفضلت لكن أيضًا لا يقصد به الكلام المبين. المقصود بالناطق في قول الفلاسفة الإنسان حيوان ناطق هو أنه حيوان ذو نفس ناطقة وما معنى ناطقة هنا هي أن له فهمًا للكليات أي المفاهيم المجردة فكل من يفهم ما معنى إنسان وهو مفهوم كلي ومعنى شجرة وهو مفهوم كلي ومعنى رجولة ومعنى أمومة هو ناطق. وحتى لو سلمنا بأن معنى ناطق ما تعنيه بالكلام المبين فمن أبين الكلام كلام الهدهد في القرآن وكلام النملة وغيرهما. فالموضوع ليس بسيطا كي تقول بتميز الإنسان بناء على ملكاته
إعجابLiked by 2 people
كلام جميل.. وفعلا كلامك هو المقصود بالناطق..
لكن أليس حديث النملة والهدهد (أو في الحقيقة فهم كلامهما) من المعجزات/الخوارق التي لا يبنى عليها علم تجريبي؟.. وكذلك بعض معجزات الرسول بحديثه للجذع أو الإبل الذي اشتكى له أو غيرها من الحوادث..
إعجابLiked by 1 person
هي معجزة لمن سمعها بالفعل لكن حديثهما وكلامهما مستمر حتى دون سماع لهذا قال المفسرون ومنهم الشعراوي أن معجزة تسبيح الحجر ليست في تسبيحه بل في سماع النبي عليه السلام ومن حوله تسبيحه وإلا فالحجر يسبح في كف أبي جهل وأي شخص آخر. بالمثل الحيوانات وفق الوصف القرآني أمم أمثالنا وما الأمة إن أنكرت أنها بلا لغات؟ فإذا ثبت أن لها لغة وكلاما خاصًا بها فما ميزة الإنسان؟ برأيي إن أردت أن تبحث عن الميزة أقرب شيء ستجده هو النفخة الإلهية. فهذه ميزة تفرد بها البشر فعلا لكنها تتطلب الإيمان الديني.
كما أن الكرامات مستمرة ليوم الدين قرأت في كتاب لسعيد الدين النورسي وهو حديث أنه سمع القطة تسبح وتقول يا حليم.
بخصوص كلامك مع التجريبين كلامنا هنا كله لن ينفعهم لأنه بالفعل معظمهم يؤمنون بالتطور. فالتطور هو النظرية الغالبة عليهم. ومن هنا نورد عليهم هذا الإشكال ما السبب التطوري الذي دعا الإنسان ليتزاوج في الخفاء على خلاف غيره من المملكة الحيوانية؟
إعجابLiked by 1 person