لماذا البرمجيات أكثر ربحيةً من المحتوى؟

نزّل المقال بهيئة PDF من هنا:

في إحدى سلاسل التغريدات الحديثة ذكر أحد المغرّدين مجموعةً من الأشياء التي تمنى أن لو كان يعلمها في سنٍّ أبكر. وإليك بعض الأمثلة من نصائحه:

• اِقرأ كل يوم. لا يهم ما تقرأ، ولا يهم أن “تنهي كتابك”. اقرأ فحسب.

• اِتّبع القاعدة الذهبية. سوف تتعامل مع الناس مرارًا وتكرارًا طوال حياتك، اِحرص على أن يثنوا عليك لاحقًا.

• اِستثمر في العلاقات. شبكة علاقاتك أهم مما تعتقد.

كانت سلسلة التغريدات جميلةً، وأشجعك على قضاء بعض الوقت في تصفحها.

ومع ذلك فما أثار انتباهي ليس محتوى التغريدات، وفي الواقع فإننا نصادف هذا النوع من سلاسل التغريدات كل أسبوعٍ. ما أثار انتباهي هو التعليقات. وعلى وجه التحديد، التعليقات التي تنصح بالقراءة المتمعنة أو بحفظ السلسلة لوقتٍ آخر.

لا أعرف نوايا المعلقين، ومع ذلك فقد كنت مثلهم في السابق لذا يمكنني تخمين نواياهم. كانوا على الأرجح يقرأون التغريدة هازّين رؤوسهم علامةَ الموافقة. وقاموا بربط النصائح بتجاربهم الشخصية. تمنوا لو أنهم طبقوا بعض النصائح، فيما قرروا تطبيق البعض الآخر مستقبلًا. لذلك قاموا بحفظ السلسلة كي يتمكنوا من إخراجها في وقتٍ مناسبٍ مستقبلًا.

وقد فعلت ذلك ما لا يعدُّ من المرات. كنت أفترض أن كلامًا أو فكرةً ما ستشغل حيزًا مخصصًا لها في دماغي، مثلما يرتبط القابس بالمقبس. لكن عقول البشر لا تشتغل بهذه الطريقة.

نحن بحاجةٍ إلى التذكير، ونحتاج إلى تلقي المعلومات في سياقاتٍ مناسبةٍ. لعلني سمعت العديد من النصائح المتضمنة في سلسلة التغريدات سابقًا، لكن قيمة السلسلة لا تزال محفوظةً لأن الصياغة كانت مختلفةً. وإعادة صياغة المعلومات في السياق المناسب هو ما تتمحور حوله وسائل الإعلام.

وكل هذا تمهيدٌ للإجابة عن السؤال الذي شغل تأملاتي لأشهر: ما الفرق بين الأنشطة التجارية الخاصة بالمحتوى وتلك المتعلقة بالبرمجيات؟

التشابه بين المحتوى والبرمجيات

للوهلة الأولى سنرى العديد من التشابهات بين المحتوى والبرمجيات.

التوزيع

لا توجد قيود على توزيع المحتوى أو البرمجيات. حيث يُسلّم كلا المنتجين عبر الإنترنت ولا يحتاجان إلى حراسٍ على البوابات (وسطاء) سواءً أكانت الحراسة ماديةً أو رقميةً. وهذا أمرٌ مفيدٌ لاعتبارين: إذ لا يستغرق المنتج وقتًا طويلًا ليُنشر على نطاقٍ واسعٍ، ولا توجد أي تكاليف زائدةٍ تقريبًا لإيصال المنتج إلى عملاء أكثر.

ومرةً أخرى ليكن في حسبانك أن العكس هو الصحيح بالنسبة للسلع المادية. حتى إذا تم بيع المنتجات المادية عبر الإنترنت -شركة أغذيةٍ موجهةٍ للاستهلاك المباشر مثلًا- فلا يمكن أن تنتشر بنفس الطريقة التي ينتشر بها المحتوى أو البرمجيات. وبالرغم من إمكانية الانتشار الأسي السريع لعلامة تجاريةٍ ما، لا يمكن أن يحدث هذا للمنتج بحد ذاته. فتوزيع السلع المادية يتطلب وقتًا وتكاليف عالية.

ونفس الأمر ينطبق على الشركات الخدمية. تنتج شركات الخدمات منتجاتٍ غير ملموسةٍ (بمساعدة البشر غالبًا، وهي غير قابلة للتوسع على نطاقٍ كبير) وبسبب هذا التنسيق يكون التوزيع محدودًا.

الاستثمار

يملك كلًّا من المحتوى والبرنامج ملمحًا استثماريًّا واحدًا: الكثير من التكاليف الثابتة لإنشاء شيءٍ ما، ثم لا توجد تكاليف لإعادة استخدامه مراتٍ عديدة. يمكنك كتابة البرنامج مرة واحدة وسيؤدي نفس الوظيفة بنفس الطريقة كل مرةٍ، بغض النظر عن عدد المرات التي يتم فيها تشغيله. وبالمثل، يمكنك كتابة مقالٍ واحدٍ وسيُقرأ بنفس الطريقة تمامًا، بغض النظر عن عدد مرات قرائته.

يتقاسم المحتوى والبرمجيات هذه الميزة مع العديد من المنتجات الأخرى (مثل العقارات والسلع المعمِّرة)، على النقيض من الشركات الخدمية حيث تتكرر هيكلية التكاليف بأكملها عند كل معاملةٍ.

مرونة التعديل

يستفيد كل من البرامج والمحتوى من سرعة الحصول على انطباعات العملاء. حيث يمكن تعديل كلاهما في لمح البصر، ويمكن كذلك تجربة وتعديل الأفكار في كليهما بسرعةٍ. من السهل إخبار الناس عن خدمتك، ولذا فمن السهل عليهم تجربتها. ويمكن لصناع المحتوى أو المبرمجين معرفة مدى إعجاب المستهلكين بمنتجاتهم. بالنسبة للبرنامج يعني الإعجاب تزايد الاستخدام. وبالنسبة للمحتوى فالإعجاب يعني المزيد من المشاركات.

وفي المقابل، فكٍّر في شركة عتاد حواسيب. هناك العديد من الطرق للحصول على الانطباعات، لكن لا يتم استقبالها كثيرًا لأنه يستحيل عليهم تغيير المنتج بسرعةٍ. حتى لو افترضنا أن الأمر يستغرق نفس القدر من الوقت الهندسي، فبالنسبة للأجهزة هناك الكثير من الخطوات الإضافية قبل البدء في البيع الفعلي للمنتج (منها النموذج الأولي، والتصنيع، والتجميع، ثم التغليف والتسليم). لكن المحتوى والبرمجيات يتجاوزان كل تلك الخطوات.

لماذا تملك البرمجيات هامش ربحٍ أعلى؟

لا شك أن المحتوى والبرمجيات متشابهان جدًا. لكن هناك فرقٌ مهم بينهما: إذ تتميز شركات البرمجيات عادةً بهامش ربحِ أعلى واستنزافٍ أقل للعملاء. فما سبب ذلك؟

للإجابة على السؤال، أود التفريق بين المنتجات والشركات. حيث يتقاسم المحتوى مع البرمجيات نفس الخصائص المذكورة أعلاه: حلقات ردود أفعال سريعة، لا قيود على التوزيع، وسمات استثمارية جذابة. يبدو كل شيءٍ متطابقًا.

ومع ذلك فإن الأمور تصبح مختلفة حين نتحدث عن الشركات. من الشائع أن تمتلك شركات البرمجيات هامشًا ربحيًّا أعلى واستنزافًا أقل للعملاء من الشركات الإعلامية. وقد تتساءل: إذا كانت منتجاتهم تمتلك نفس الخصائص أليس من المفترض أن تمتلك الشركات نفس الخصائص أيضًا؟ لماذا تعد صناعة البرمجيات أكثر جاذبية من الشركات الإعلامية؟

نجد إحدى الإجابات في تدوينةٍ كتبها المُستثمر الجريء فِرْد ولسون عام 2012. واحتج بأن الفرق يتمحور حول المنفعة مقابل الترفيه. تنتج شركات التكنولوجيا أدواتٍ نافعةٍ يحتمل أنها تستمر طويلًا، في حين أن تطبيقات التواصل الاجتماعي أو ألعاب الفيديو سريعة الإضمحلال:

كنت أتناول الغداء مع أحد المخضرمين في مجال الترفيه وألعاب الفيديو الأسبوع الماضي. خضنا دردشةً مثيرةً للاهتمام في مجالاتٍ عدة. ومما رسخ في ذهني مما ناقشناه هو فكرة أن تطبيقات الويب والهواتف قد تكون مشابهةً للبرامج التلفزيونية أكثر من تطبيقات البرمجيات التقليدية.

لقد لاحظت تحول أطفالي من “ماي سبيس” إلى “فيسبوك” ثم “إنستغرام” على مدى السنوات السبع الماضية. ومن يدري أي تطبيق تواصلٍ اجتماعي سيجذبهم خلال الخمس سنوات القادمة. وقد كان الحال مشابهًا دومًا في ألعاب الفيديو. تحولوا من فارمفيل إلى سيتيفيل ثم إلى شيءٍ آخر. مجرد كلماتٍ بين الأصدقاء تحولهم من الاعتماد على شيءٍ إلى آخر.

فِرْد ولسون

وبالرغم من أني معجبٌ بإطار “المنفعة مقابل الترفيه”، فإني لا أعتقد أنه شاملٌ لكل الفروقات. فحتى المحتوى الذي يعتبره أغلب الناس منفعيًا -مثل المعلومات حول سبل إتخاذ القرارات التجارية، أو المعلومات التي تبقي الناس على اطلاع بماجريات الواقع- لا يملك في العادة هامشًا ربحيًّا عاليًا مثل شركات البرمجيات. هكذا يبدو أن هامش الربح لشركات المحتوى الهادف لا يختلف عن شركات المحتوى الترفيهي.

وبدلاً من ذلك، أُحدّد الفرق على النحو التالي: منتجات صناع المحتوى تضمحل، فيما لا تضمحل البرمجيات.

إنك تستخدم نفس محرك البحث، ولكنك لا تطرح نفس الأسئلة.

أنت تستخدم نفس برنامج إدارة علاقات العملاء (CRM)، لكنك لا تستهدف نفس الزبائن.

أنت تستخدم نفس خدمة البث، لكنك لا تشاهد نفس الأفلام.

وهذا ما يعيدني إلى مقدمة المقالة: أن المحتوى موجودٌ لمساعدة الناس على فهم الوضع الحالي لعالمهم، أو لتذكيرهم بالحقائق المهمة، أو لتحفيز شعورهم بشيءٍ ما.

والهدف الأول سريع الزوال لأن العالم يتغير باستمرار. والأخيران سريعا الزوال أيضًا لأنه بمجرد استهلاك جزءٍ من المحتوى، ننتقل لغيره. لدينا دافع فطري للبحث عن كل ما هو جديد. ونحن البشر نشعر بالملل من سهولة التوقع. ولذا يجب تذكير البشر بما يجب عليهم فعله ولماذا يتوجب عليهم ذلك. إننا بحاجةٍ للسياق.

ولحد الساعة ليس بإمكان الحواسيب إنشاء هذا السياق، لذا يتوجب على شركات المحتوى توظيف بشرٍ للقيام بهذه المهمة من أجل زبائنهم. إذ لو كان من الممكن صناعة المحتوى بواسطة الحواسيب، فسنسميها شركة برمجياتٍ بدلاً من شركة محتوى.

تتواصل شركات المحتوى مع البشر، فيما تتواصل شركات البرمجيات مع الحواسيب. وهذا هو السبب في كون قيمة المحتوى تضمحلُّ بشكلٍ أسرع من قيمة البرمجيات. وهذا هو السبب الذي يجعل البرمجيات هي النشاط التجاري الأمثل.


رابط المقال الأصلي

تُرجمت هذه القطعة من المحتوى بإذن كاتبها الأصلي: آدم كاسيلينغ.

ترجمها للعربية: مصطفى بوشن.

نُشرت لأول مرة بالعربية في مدونة يونس بن عمارة.


حقوق الصورة البارزة: Photo by Precondo CA on Unsplash

رأي واحد حول “لماذا البرمجيات أكثر ربحيةً من المحتوى؟

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s