مفهوم الكفاية وضرورة تطبيقه في حياتك

فلنتكف بهذا، لأنه كفاية.

غمرتُ جسدي في رياضةِ الرّكض قبل عدة سنوات وكنتُ قد احتجت ذلك لأن عقلي قام بالمطالبة بها بشكل غيرِ مباشر وذلك ببثه فيّ جميع أنواع المشاعر السلبية. قمت باستخدام تطبيق ما ووضعت هدفا لنفسي (أحدها كان أن أجري لمدة لا تفوق العشرين دقيقة للوصول إلى خمس كيلومترات؛ استطعت فعل ذلك في غضون عشرين دقيقة وثلاث وعشرين ثانية). انضممت أيضًا إلى مجموعة من الأشخاص في العمل يقومون بممارسة الجري آناء الغداء، وقمت أيضا بالمشاركة في مسابقة لقطع نصف ماراثون (ما يقارب مسافة الواحد والعشرين كيلومتر) في أكثر أيام السنة حرّا أين يمكنك المرور بجانب أشخاص فقدوا وعيهم أو ألقوا جل ما بجوف معدتهم.

بعد نصف ماراثون، سعيت للمشاركة بماراثون كامل ففكرت في برلين كوجهة مثالية لتحقيق ذلك؛ برلين، تلك المدينة الأسطورية التي تُعتبر وجهة لتكديس الأرقام القياسية في الجري بسبب تضاريسها المستوية. تصادفت هذه الرغبة مع تركي لوظيفتي وزيارة برلين لمدة شهر، لكن عند عودتي لم أكن أشعر بأني أود خوض غمار ماراثون، ولأني لم أكن أود ذلك، شعرتُ بأني لا أريد الجري مطلقا. ففي غياب هدف كبير يقع تحت مظلة ما أفعل، لم تكن هناك أي فائدة ترجى من كل ذلك.

بحثت عن قاعَة رياضة، كنت قد احتجت ذلك لأن جسدي لم يكن متيقظا كما يجب واحتجت إلى مكان ما لإيقاظه؛ لكني لا أُحب قاعات الرياضة ولا أحب من يرتادونها. القاعات التي كانت تبدو مناسبة جعلتني أشعر ، إلى حد صغير ما، بأني مسجون. اجتاحتني المشاعر السلبية حيال نفسي بعد ذلك لأن كل ما بدى لي بأني فاعله هو اختلاق الأعذار، فلم تكن المشكلة في المال أو الوقت أو أن قاعات الرياضة مروعة، مروعة جدا، بل أدركتُ أن مشكلتي تكمن في دافعيتي؛ ذلك الحافز الذي ينبعث من الداخل فينير ما هو قابع خارجاً.

عندما بدأَت معالم الحجر الصحي بالاتضاح وتأكدت بأني سأقضي معظم وقتي محاطا بجدران منزلي، قمت بسحب حصيرة اليوغا التي ابتعتها لسبب لا أزال أجهله وأتممت خمسين تمرينا من تمارين الضغط وشد البطن، لكني لم أقم بفعل هذا فرادةً بل قمت بإتمام عشر حركات ثم سبعة ثم اثنا عشر، ثم اثنان إلى أن وصلت إلى الرقم الأساسي. وفي اليوم الذي تلى ذلك قمت بوضع حزام حول مقبض كرة الحديد خاصتي، والتي كنت أستعملها كحاجز للباب، فأضفت لها وتدا خشبيا لا زلت أحتفظ به من تلك الأيام التي كُسرت فيها يدي وشرعت في القيام بِتمارين التمدد وكذا رفع الأثقال (باستخدام كرة الحديد). أطلقت على هذه التمارين اسم “تمارين السجن خاصتي” (لا علم لي إذا كان من الواضح أن هذه التسمية ليست عدائية، أو إلى حد ما بليدة. دعوني أعلم إذا كان بحوزتكم اسم أفضل).

أي شيء هو أفضل من لا شيء؛ ومع أن هذا المبدأ لن يسري على كل شيء بالطبع، إلا أنه صحيح بالنسبة لمعظم الأشياء. فسطور قليلة من الكتابة أحسن من ورقة بيضاء إذا كنت تحاول كِتابة شيء ما. يقول لي جايسون كوتكِ أن هذا المبدأ يعرف (في ميدان رفع الأثقال بالذات) باسم “Greasing the Groove”، أي ممارسة التمارين متى تشعر بأنك تريد ذلك. تعتبر هذه الطريقة أقل إنهاكاً وأكثر مرحا من تسطير أهداف كبيرة سينتهي بها المطاف على الأغلب في سلة مهملات اللاوعي. إنها مسلية، أتتذكر اللعب؟ وبما أننا حبيسو بيوتنا فما يبدو لي الأقرب إلى المنطق هو أننا ننجز متى يتبدى لنا ذلك.

بعشرِ تمارين ضغط هنا وخمس تمارين قرفصاء هناك يستمر الجسم بالتحرك والشعور بشطحات من اليقظة والتمدد والرفع والشد.

وقبل أن أدري، وجدت نفسي عائدا لممارسة الجري بدون تطبيقات وبدون أهداف، فكلّ ما أفعله هو وضع السماعات على بودكاست معين والجري بحسب الوقت الذي يستغرقه البودكاست. فعندما أشعر بأني أملك نصف ساعة، سيقع اختياري على Hello From the Magic Tavern وعندما أشعر بأن لديّ ساعة كاملة فسأتجه إلى Strong Songs أو Do By Friday.

إن هذا يتسلل ليجتاح جل الأنشطة التي أقوم بها يوميا؛ أنا أرسم الآن عندما أشعر بأن لي رغبة في الرسم. في هذه الأحيان بالذات، أنا مستغرق في رسم خلفيات لألبومات، أقوم أيضا بكتابة أغنية إذا كانت هناك كلمات تصول وتجول في عقلي وآكل عندما أجوع وهذا لا يعني بالضرورة أني آكل على الثامنة صباحا ومنتصف النهار والسادسة مساءً، لا بل أنا آكل على 11:32 صباحا و 3:45 مساءً؛ يختلف عدد الوجبات، فتارة ألتهم وجبة واحدة في اليوم وتارة ألتهم ستّة. يجب أن يتبين للعيان الآن أن حياتنا ليست محاكاة مثالية للرأسمالية بل هما عبارة عن خطان متوازيان لا يلتقيان (هل من الممكن أن أتوقف عن إلقاء هذه الخطبة الآن؟)

إن الأهداف جيدة، فهي تعطيك شيئاً تسعى نحوه لكن هذا لا يعني أن كل شيء سيحتاج إلى هدف، فبعض الأشياء تبقى جيدة مثلما هي وبالمدة التي تأخذها. تتميز معظم النشاطات بقيمة متأصلة وجوهرية حتى في ظل أكثر نتائجها قلة وضعفا. وإذا كان هذا البوستر بوسترا تحفيزا لقلت لكم أن ما يهم هو الرحلة لا الوجهة النهائية.

لكن البوستر التحفيزي للمُعْتَلين اجتِماعيًّا فقط.

لذا، وبدل ذلك سأنصحك أنه كلما أردت انجاز المزيد مما تريده ولم تستطع الوصول إلى ذلك فكل ما عليك القيام به هو إنجاز شيء قليل منه فقط لكي لا يضمحل ويحافظ على طَبيعته.

(أو، لأقل لك، فهذا شيء أود التشديد عليه مرارا وتكرارا: قم بالتخلص من القيام بكل شيء إذا احتجت لذلك وعش بتلقائيةِ طبيعة شخصيتك التي تكونها الآن، في هذا الوقت بالذات، وبكل بساطة).

(أتستطيع تذكر تلك العبارات سريعة النسيان التي يقولها لك شخص ما مثل: “ارخِ كتفيك” وكنت تشك في نجاعة ما يقوله لك وتفكر في نفسك “ما الذي يقوله هذا؟”، ثم قمت بفعل نفس الشيء وأُصبت بدهشة عارمة وتهاطلْت على نفسك بأسئلة من نوع “لما تبقى كتفاي منتصبتان عاليا طوال الوقت؟” أو عندما أخبرك شخص آخر بإراحة فكك وتبينت لك نفس النتيجة عند قيامك بذلك؟).

(نعم، الأمر يشبه ذلك كثيرا).

الذي سيوصلك إلى الجانب الآخر هو القارب (ويقصد هنا جسدك)، فاعتنِ به جيدا فهو الذي سيرافقك ويحافظ عليك عند حلول العواصف وسأكون أنا على الضفة الأخرى، أنتظرك وأؤمّن لك الطريق.


رابط المقال الأصلي.

تُرجم المقال ونُشر بإذن كاتبه الأصلي: ثوم وونغ

نقل المقال للغة العربية: رقية بن زرقة

ظهرت النسخة العربية لهذا المقال لأول مرة على مدونة يونس بن عمارة.


حقوق الصورة البارزة: Photo by Scott Webb on Unsplash

5 رأي حول “مفهوم الكفاية وضرورة تطبيقه في حياتك

  1. لطالما كان التريث في الأشياء ذو نفع كبير… أتذكر أستاذا درسني في الثانوية كان يطرح علينا هذه الفكرة طوال الوقت… و أتذكر أيضا عندما ضرب لنا مثالا عن ذلك بالأكل، فطهي الطعام على نار هادئة يجعله ألذ بكثير..
    فتمهل و خذ نفسا عميقا و افعل ما يأمرك به عقلك في اللحظة المعطاة
    شكرا على الترجمة 🖤

    Liked by 1 person

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s