تمرينان عقليان يُثبتان أنك لا تفهم شيئًا!

عساكم بخير وعافية

قرأت هذا المقال بعنوان وهم الفهم للكاتب ديفيد تشابمان وأعجبني، وفيه تمرينان أو تجربتان يمكنك القيام بهما بنفسك، ومن ثم ستعرف أنك لم تكن “تفهم” شيئًا.

عندما تفهم أحد الأشياء، ستشعر أنك تستطيع التحكم فيه. وقد أظهرت التجارب النفسية أن الناس يشعرون بأنهم يستطيعون التحكم في أحداث يفهمونها لكنهم في الواقع لا يستطيعون قطعًا التحكم فيها، إذ أنهم يحسون أن ما يمكن فهمه، يمكن التحكم فيه.
وقد بيّن ليونيد روزنبليت وفرانك كايل في ورقة بحثية مؤثّرة نُشرت العام 2002، أن الناس يعتقدون أنهم يفهمون الأغراض اليومية المألوفة (مثل فَتّاحة العُلَب) والظواهر الطبيعية (مثل المد والجزر) أفضلَ بكثير من قدر فهمهم الفعليّ لها. ولأغراض دراستهم، جعل الباحثيْن المشاركين يقيّمون مدى فهمهم لمختلف الأغراض والظواهر، وبعد ذلك يطلبون منهم أن يقدموا تفسيرًا لكيفية عمل هذه الأغراض أو تلك الظواهر. بعد ذلك، يطلبون من المشاركين أن يقيّموا مدى فهمهم مرة أخرى. وقد أسفرت النتائج على أن التقييم الثاني أقلّ بكثير من التقييم الأول.

وقد فُوجئ معظم المشاركين في الدراسة عندما اكتشفوا، بعد أن حاولوا شرح كيفية عمل بعض الأغراض والظواهر وفشلوا في ذلك، أن مدى فهمهم لما سئلوا عنه أقلّ بكثير مما كانوا يعتقدون من قبل.

وإليك هذه التجربة التي يمكنك أن تقوم بها بنفسك قبل متابعة قراءة المقال:

على مقياس من 1 إلى 7، إلى أي مدى تعتقد أن تفهم مبدأ عمل فتّاحة العلب؟ صحيح أنك تعرف أنها غرضٌ لفتح العلب والحديث ليس عن هذا.

1 يعني أنه ليست لديك أدنى فكرة عن مبدأ عمل فتّاحة العلب.

7 يعني أنك تعرف جيدًا كل ما يمكن أن يُعرف عن فتاحة العلب عدا ما يعرفه مُصممو فتاحات العلب أنفسهم.

والآن، بعد تقييمك الأولي، اشرح مبدأ عمل فتاحة العلب. بإمكانك أن تشرح الأمر بالكتابة، أو برسم فتاحة علب مستعينا بذهنك فقط.

الآن سمِّ كل جزء من أجزاء فتاحة العلب مع المهمة التي يقوم بها. (بطبيعة الحال غير مسموح أن تستخدم محرك البحث غوغل أو غيره لرؤية ما تبدو عليه فتاحة العلب -لا سيما إن كنت استخدمتها من قبل- المطلوب أن تقوم بشرح مبدأ عملها رسمًا أو كتابة انطلاقًا من ذهنك فقط).

عندما تنهي المهمة اسأل نفسك هل تغيّر تقديرك لمدى عمق فهمك لفتاحة العلب؟

الآن اُنظر إلى فتاحة علب حقيقية، ومن المستحسن أن تضعها أمام علبة كما لو كنت توشك على فتحها بها. الآن أدر مقبض الفتّاحة وراقب آلية عملها عن كثب. بعدئذ، قيّم شرحك المكتوب أو المرسوم لآلية عمل فتاحة العلب. الآن كيف هو مدى فهمك لآلية عمل فتاحة العلب، بعد أن تفحصت آلية عملها في الواقع؟

قمت بهذه التجربة (أي ديفيد تشابمان) بنفسي بعد قراءة ورقة روزنبليت البحثية، واندهشت عندما وجدت أن شرحي لآلية عمل فتاحة العلب يضم تفاصيل خاطئة، وينقصه أجزاء هامة لعمل الفتاحة. اكتشفتُ أيضًا، بعد تجربة نوعين عاديين يدويين من فتاحات العلب، أن مبدأ عمل الأولى مختلف تمامًا عن مبدأ عمل الثانية. صحيح أني استخدمت كلا النوعين كثيرًا جدًا، لكن لم ألاحظ هذا قط من قبل (أي أن مبدأ عملهما مختلف كليًا) لأنني كنت استخدمهما بنفس الطريقة.

هكذا انحدر تقييمي الأولي لمدى فهمي لآلية عمل فتاحة العلب من 6 إلى 3. وبعد مراقبة آلية عمل فتاحة العلب عن كثب، أقيّم الآن مدى فهمي لها بـ6، لكني أخشى أني لا زلت مُفرط الثقة بمدى فهمي!

هكذا تبين أن لدينا نحن البشر صورة ذهنية ضبابية عن معظم الأغراض اليومية التي ألفنا استخدامها، لكننا في الواقع لا نملك فهمًا سببيًا حقيقيًا لها. ونقتبس من ورقة روزنبليت البحثية:

يشعر معظم الناس أنهم يفهمون العالم بتفصيل وتماسك وعمق أكبر مما يفهمونه حقًا. وهكذا يعتقد معظم الناس على نحو خاطئ أن تمثيلاتهم العقلية للأغراض والظواهر تتمتع بقدر كبير جدًا (مبالغ فيه) من الدقة والتفاصيل، وهذا الاعتقاد سببه أن تصوراتهم الضئيلة والقاصرة في واقع الأمر لها بعض الفعالية في العالم الحقيقي وتمدّهم بدفقة إدراك مُتسرّعة.

روزنبليت

إننا نعتقد أننا نفهم “فتاحة العلب” أو غيرها من الأغراض لأنه بمقدورنا تشغيل فلم في أذهاننا نتصور فيه أننا نستخدم ذلك الغرض. وهذا الفلم الخيالي يبدو جيدًا إلى حد بعيد كما لو أننا نشاهد بالفعل من يستخدم ذلك الغرض أمامنا. لكن:

هذا الفلم الذهني أقرب إلى كونه فلمًا هوليووديًا مما يبدو عليه الأمر في الحياة الواقعية، فكلاهما يفشلان في احترام قيود الواقع.

وعندما ندرك مدى قصور تمثيلاتنا الذهنية للأغراض والأشياء نندهش، ولعل هذا سبب تعجّب المشاركين في الدراسة آنفة الذكر.

وهذا متوقع فما لم تكن مهندس أدوات مطبخية، ما من سبب يجعلك على دراية حقيقية وواقعية بمبدأ عمل فتاحات العلب. أما ما يحتاجه الجميع من غير مهندسي ومصممي الأغراض المنزلية فهو

1) أن يعرفوا لأي غاية يستخدم هذا الغرض و

2) كيفية استخدامه.

هكذا ندرك أن ما نسميه “فهمًا” في أغلب الأحيان ما هو في الحقيقة إلا “اعتياد على” والاعتياد على استخدام أحد الأغراض يعني أنك تعرف كيف تتفاعل معه جيدًا بما يقضي حاجتك منه، مع حس بالاطمئنان بأنه لن ينفجر بين يديك دون سابق إنذار.

وهذا الاعتياد يأتي أساسًا من الألفة لكن ليس من الفهم.
وهذه النتيجة تؤكدها دراسة ريبيكا لاوسون عن مدى فهم الناس للدراجات الهوائية. حيث وجدت ريبيكا أن معظم الناس ليس لديها أدنى فكرة عن كيف تبدو الدراجات الهوائية، ناهيك عن مبدأ عملها، حتى لو كانوا يملكون دراجة هوائية بالفعل. (أعلم أن هذا غريب جدًا ويكاد لا يُصدق، لكن نتائج الدراسة الموثقة لافتة جدًا).

صحيح أن جميعنا له ذكرى عن رؤيته لدراجة هوائية، وعلى هذا الأساس نظن أننا نعرف كيف تبدو الدراجة الهوائية في الواقع، لكن ليس هناك إلا قلة فقط من الناس القادرين على رسم شيء يقترب مما تبدو عليه الدراجة في الواقع حتى على وجه التقريب. في تلك الدراسة، أسفرت النتائج أن الأشياء التي تشبه الدراجات والتي رسمها المشاركون لو صنعت في الواقع لن تعمل.

يمكنك أن تجرّب بنفسك ثم تتابع القراءة إن شئت. ليس المطلوب أن تكون رسامًا محترفًا، فقط ارسم صورة تضم الأجزاء الرئيسية للدراجة الهوائية (المقود، الإطار، المقعد والدواسات والسلسلة والعجلات) مرتبطةً بعضها ببعض طبعًا.

وبهذا الصدد، وجدت الباحثة لاوسون أن المشاركين يستطيعون بسهولة أن يفهموا آلية عمل الدراجة الهوائية ويرسموا واحدة بدقة في حال كان أمامهم واحدة بالفعل. وبهذا الصدد كتبت لاوسون:

لعلنا نحن البشر نستخدم العالم بمثابة “ذاكرة خارجية” توفّر علينا تخزين كميات هائلة من المعلومات. لأنه ونظرًا لأن الكثير من المعلومات التي نحتاجها في الحياة اليومية يمكن العثور عليها بسهولة بإجالة أعيننا هنا وهناك، لسنا بحاجة إلى تخزينها في ذاكرتنا ومن ثَم استعادتها.

ريبيكا لاوسون
رسم يمثل دراجة هوائية
هذه صورة دراجة رسمها شخص يقود واحدة بصورة شبه يومية

هذه الدراجة كما ترى لا تعمل لو صُنع منها نموذج واقعيّ.

فضلًا على هذا قد نفهم فتّاحة العلب والدراجة بعد التفحّص عن كثب لكن هذا الفهم الإدراكي غير متاح لجميع الأجهزة، لا سيما إن كانت هذه الأجهزة تحتوي على أجزاء متوارية عن العيان، أو تضم آليات معقدة جدًا، أو تعمل بإمداد قوى لا مرئية مثل الكهرباء. (اهـ)

أعجبتك الترجمة؟ اُطلب خدماتي في الترجمة من هذه الصفحة.


تطبيق أجرّبه حاليًا: نالا، مساعد طبي باللغة العربية. التحدث إلى نالا هو أسهل و أفضل طريقة للحصول على الرعاية الطبية الخاصة. هي دائمًا معك، جاهزة للمساعدة طوال اليوم. تمتع بحياة صحية ودع نالا تتابع احتياجاتك الطبية لحظة بلحظة. [متوفر أندرويد وآب ستور]

فرصة للمترجمين والمترجمات: الزوج اللغوي صيني عربي


حقوق الصورة البارزة: Photo by Stanislav Kondratiev on Unsplash

5 رأي حول “تمرينان عقليان يُثبتان أنك لا تفهم شيئًا!

  1. هذه الدراسة هي من أوااائل قرائاتي في عالم الانترنت، أو من أوائل قرائاتي الثقافية في عالم المواقع.
    جميلة هذه الذكريات وشكراً لترجمتك.

    Liked by 1 person

شاركني أفكارك!