كلام البنات السريّ

حيّاكم الله، عساكم بخير وعافية،

إليكم روابط اليوم:

حلقة جديدة من بودكاست إبصار بعنوان لحظات للذاكرة: (أنصح بمتابعة البودكاست)

يا ترى كيف كان يومك.. وبناء على أي تجربة سوف تصفه ؟ 

أفضل محتوى استهلكتُه حول فيروس كورونا:

حلقة من برنامج لاست ويك تونايت من تقديم جون أوليفر – شبكة إتش بي أو

وأرسل لي أحد الأصدقاء:

للمرء قدرة على التعلّم من أيّ شيء، ومن كلّ شيء، وقدرة على اكتساب المعرفة من أيّ مكان، وفي كلّ مكان. ومن الممتع أن يتعلّم المرء من أمور لا يخطر ببال أحد أنها قادرة على أن تقوم بدور مرشد اجتماعيّ أو روحيّ. ولا يحتاج المرء للتعلّم إلى أكثر من أن يطلق لحواسّه عنان التعلّم وشغف الاكتساب. أليست الحواسّ التي أنعم الله بها علينا بمثابة أبواب المعرفة؟

كنت أتجوّل في عالم الحكايات الفاتن والعاطر فوقعت عيني على حكاية طريفة أبطالها خليط من عالم الناس وعالم الأشياء. حكاية تتحوّل فيها جزرة إلى أمثولة، وبيضة إلى درس في صلابة الشخصيّة، وحبّة قهوة تفتنك لما تتمتّع به من كاريزما لا تنكرها أغلب الأفواه.

هذا ما ذكرته الكاتبة الكندية جوزاي فوغلز Josey Vogels في كتابها الطريف:” كلام البنات السرّي Le langage secret des filles”.

قالت الأمّ: حين نتأمل كلاًّ من الجزر والبيض والقهوة سنجد شيئاً واحداً مشتركاً بين الجميع، أليس كذلك يا ابنتي؟ لا تختلف مياه الطناجر، فكلّها في درجة غليان واحدة. فلنفترض أنّ المياه المغلية هي الظروف. ومن لا تحرقه الظروف، أحياناً، يا ابنتي؟ ومن تنجو حياته من لسعة حارقة؟ ولكن لنتأمّل ردود أفعال هذه الأشياء البسيطة ونرى تفاعلها مع المياه. هل هو تفاعل واحد؟ الظروف التي مرّت على الجميع هي نفسها. ولكنّ كلّ واحدة من هذه الأشياء واجهت الظروف بطريقة مغايرة. دخلت الجزرات إلى المياه وهي قاسية صلبة، ولكنّ الظروف جعلتها رخوة ضعيفة متهالكة الكيان. تكوينها لم يسمح لها أن تقاوم هذه المياه التي امتصّت صلابتها فاستسلمت لرعونة المياه الساخنة. البيضة كانت صلبة من الخارج ورخوة من الداخل ولكنّ الظروف لم تغيّر من طبيعة البيضة الخارجية، وقدّ يظنّ من يرى البيضة أنّ المياه لم تغيّر فيها شيئاً. لا تسمح لنا عيوننا أن نرى كلّ التغيّرات، ثمّة تغيّرات خفيّة وفعّالة. ليس من السهل على النظر أن يميّز بين بيضة مسلوقة وأخرى غير مسلوقة. الحواسّ على قيمتها وحنكتها تسقط في الفخّ فيخدعنا سقوطها المراوغ. ولكن حين نكسر قشرتها نكتشف أفاعيل الماء في صلب البيضة الخفيّ، انتقل من حيّز الضعف واللزاجة إلى حيّز التماسك والصلابة. أمّا القهوة فلم يتغيّر فيها شيء، بقيت على ما هي عليه، بل استثمرت الظروف لصالحها فغيّرت من طبيعة الظروف، صارت الظروف امتداداً لها، لم تعد المياه المغلية مياها عاديّة بل صارت لذّة للشاربين، الظروف التي لا تحتمل قد تتحوّل بحنكة حبّة قهوة إلى ظروف ذات نكهة تتلمّظ لها الشفاه.
وعليك يا ابنتي أن تختاري بين أن تكوني على شاكلة جزرة تضعف أمام الظروف، أو بيضة تكون قاسية الظاهر ولينة القلب ولكنّها تقسو حين تهجم عليها الظروف ويفقد قلبها ليونته، والقلب القاسي أعمى ويفتقد للبصيرة! أم عليك أن تكوني على شاكلة القهوة التي لسعتها النار وأحرقت جلدها وقلبها حتّى قبل أن تسلقها المياه الساخنة ولكنّها عرفت أن تؤثّر في ظروفها، وأن تغيّرها، وتطوّعها وفق مشتهاها، فصارت كلّ ذرّة من ذرّات ظروفها تحمل بصماتها ونكهتها ومذاقها.

وأرسل أيضًا: (يبدو أنه نشط هذه الأيام)

ارعَ واحدة من هذه اليوميات بشراء نسخة أو أكثر من روايتي إيفيانا بسكال. أو اِدعمني بطرق أخرى من هنا.

ثمّة عبارة أستعملها في ما يخصّ كل ما أقوله أو أكتبه أو أنجزه في عملي. وهي اعتراف منّي لا يقبل النكران، وهي التالية: ” كلّ نصّ أو عمل تتوّسطه قاف [ ن(ق)ص] “، وأقصد بها أن النقص سنّة النصوص والأعمال وسنّة البشر. كل من لا يعترف بنقصه يكون عنده فائض في النقص. ولقد خطرت ببالي هذ العبارة من أول سنة عملي المصرفي إذ بدأت العمل الاحترافي بمسؤولية جميلة جدّا هي ” التسويق والتطوير ” سنوات 2010 – 2012. والدليل أني ما كتبت جملة بمشاريعي إلا غيرتها في اليوم التالي. فكل مخططاتي غير ثابتة، مع كل فرصة لقاء جديد معها تطل القاف برأسها، فاكتشف نقصا هنا، أو شائبة هناك، أو ما يستحق الحذف هنالك. ولعل هذا ما أفهمه من عبارة “النص أو المشروع المفتوح”.

حين أنهيت مهامي من هذه المسؤولية، وتكليفي بمهام لم أرغب بمزاولتها آنذاك، فلم أجد أفضل من نصّ عماد الدين الأصفهاني اِبتدأت به مهامي الجديدة وكرد على من انتقدني في أداء مهامي السابقة، ونصّه يقول:

” إني رأيتُ أنه لا يكتبُ إنسانٌ كتاباً في يومِهِ إلاّ قال في غَدِهِ :
لو غُيِّرَ هذا لكان أحسنُ،
ولو زِيدَ كذا لكان يستحسنُ،
ولو قُدِمَ هذا لكان أفضَلُ،
ولو تُرِكَ هذا لكان أجملُ.
وهذا من أعظم العِبَر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر”.

والنقص نعمة من الله لا يعرفها الا الحالمون العاملون. كلّ ما يقدمه الإنسان ليس أكثر من مسوّدة لا يتيح له العمر القصير تبييضها كاملة، البعض يبيض كلمة، والبعض الآخر يبيض جملة، والبعض الثالث لا يسمح له عمره إلا بتصحيح صفحة واحدة. وثمّة أناس لا يسمح لهم وقتهم الرخيص بتبييض ما دونوه بمخططاتهم.
كل الناس أهلّة لا تصل إلى مرحلة البلوغ أو البدور.
وكنت قد كتبت عبارة على دفتر يومياتي سنة 2012 قد يكون المكان هنا يليق بدلالتها، وهي: “لا أعرف ما أعرف، ويلذّني أن أعرف أنني لا أعرف ما أعرف”. الجملة وليدة ما صادفني وفاجأني من عراقيل وصعوبات ببيئة العمل، والسفسطة والهرطقة التي لا حدود لها فالكل يقيم عمل الكل، والكل يعرف ما لا يعرفه الكل. لكني اكتشفت وأنا أتجول في هذا الركن المجهول أني لا أعرف من العلوم والتجارب المعرفية التي أعرفها إلا شعرة من فروة رأس الزخم المعرفي.
هذا عمّا أعرف فما بالك عمّا لا أعرف؟

على ذكر النقص؛ طالع هذه القصيدة كيف تغدو كاملًا؟


حقوق الصورة البارزة: Photo by Jon Tyson on Unsplash

رأي واحد حول “كلام البنات السريّ

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s