كيف أحفز شخصًا يعيش بمنطقة حروب، أو مهجر ليهتم بالتغير المناخي؟

شكرًا أستاذة تسنيم حمادة (Tasnim Hemmade) على طلب الإجابة؛ يذكرني سؤالك بما قرأته ذات مرة على موقع الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية (سراج)، وهو نصًا:

بالنسبة إلى صحافي عربي يعيش في أوروبا ويغطي المنطقة العربية والصراع في سوريا، قد يكون من الترف الحديث عن صحافة الروبوت أو الحديث عن التغير المناخي وتلوث البحار، في حين تشهد سوريا والمنطقة حروباً طاحنة، لم تدع مجالاً لهذا النوع من الصحافة حتى يتنفس وينمو. فالصحافيون لا يزالون غير قادرين بعد على امتلاك أدوات الكتابة في هذه المجالات إلا بشكل محدود، لذلك تشعر أحياناً بأن هناك فجوة تفصلنا عن العالم الآخر، فمعظم البلدان العربية ليست فيها قوانين للنفاذ إلى المعلومات، ولا تضمن حرية الصحافيين واستقلالهم، وهنا أساس المعاناة وجذر المشكلة[1]

كما ترين الذي قاله محمد بسيكي أعلاه واضح ومعبّر، والمشكلة لها عدّة أبعاد ولا تقتصر فقط على الطرف المُتلقي بل تطال حتى الطرف المُرسِل الذي يُكلف ببث رسائل حماية البيئة والتوعية بشأن التغير المناخي.

من المنطقي تمامًا أن يفكر المرء بنفسه وعائلته حال مرور بلده بحروب طاحنة، وأن يفكر المهاجر بسلامة من تركهم هناك بدل الاهتمام بعدد حيوانات وحيد القرن البيضاء في العالم. هذه بنظري أول خطوة لدعوة هذه الفئة للاهتمام بالبيئة والتغير المناخي: أنه من المنطقي تمامًا ومن الفطرة وشيء طبيعي ألا ينشغلوا كبداية ومن تلقاء أنفسهم بهكذا مواضيع، ولماذا نطلب منهم ذلك ورؤساء دول كبرى تسحب توقيعها من اتفاقيات المناخ المُلزمة بحد انبعاثات الكربون، ومن أجل ماذا؟ من أجل حفنة مشاريع نفطية ذات ربح ضئيل (أمريكا واتفاقية باريس نموذجًا).

لنجعل الأمر على شقين لكل شق نقاط.

من ناحية مُرسل المعلومة (الشخص المكلف برفع التوعية بشأن هذه المواضيع) عليه:

  1. أن يكون متفهمًا ومتعاطفًا مع هذه الفئة وألا يقلل من شأنهم لأنهم لا يهتمون بهكذا مواضيع وأن يؤمن بذلك حقًا وليس يتفهم فقط. يعني كما قلنا أعلاه هذه الفئة لها كامل الحق و(أصلًا عيب أن نقول لهم حق لأن الحق متأصل لديهم وليس لنا أن نمنحه -نحن- لهم) في عدم اهتمامهم بها.
  2. أن يطور المكلف برفع التوعية مهاراته من ناحية الإقناع، والكاريزما والحديث للعموم والكتابة والتسويق ومتابعة أحدث التطورات في الميدان. وبهذا الصدد عليه:
    1. ألا يأخذ الأمور بديهية فكثير من الناس و(بعضهم غربيون وتحدثتُ بنفسي مع بعضهم بالفعل) يرون أن التغير المناخي شيء طبيعي (مثل الحمى) يمر به كوكب الأرض والإنسان أحقر (من ناحية الأدوات والقوة) أن يؤثر في كوكب بهذا الحجم. إذًا على المكلف بالتوعية فهم واستيعاب حجج هؤلاء ومعرفة كافة الردود عليها ومتابعتها جيدًا.
    2. يتابع عن كثب المواضيع المنوط به التوعية بشأنها فيشترك في النشرات البريدية والمدونات الصوتية والقنوات المرئية للمواقع ذات الصلة. فيكون دائمًا سباقًا لمعرفة الجديد في هذا الميدان.

من ناحية الفئة المستهدفة (والمتمثلة هنا في المعذبين في الأرض العائشين في ظل الحروب وفي المتغربين من أهل المهجر)

  1. عدم تقديم الحملات والمبادرات المختصة بالبيئة منفردة، على سبيل المثال لو هناك حملة تشجير اِرفقها بحملة تبرع لضحايا قضية ما، لو هناك ندوة عن التغير المناخي ارفقها بحفلة تبرع لصالح أيتام الحرب مثلًا وهكذا. لا للحملات المنفردة لإنقاذ السلمون المرقط مثلًا.
  2. هذه ملاحظة شخصية لكني لاحظت أن كثير من ضحايا الحروب يؤمنون بنظرية المؤامرة ومن ثم أن التغير المناخي خدعة (تُلهي) عن شيء أعظم. وحلها للمكلف بالتوعية تكلمنا عنه في نقطة 2.1 أعلاه.
  3. انتهج سياسةَ تحرير تتحدث عن المدى البعيد. صحيح أن الحروب أمور مزعجة وفظيعة للغاية ومدمرة إلا أنها لا تدوم أبد الدهر. ومن هنا نتكلم في حملات التوعية عن المستقبل، عن المدى البعيد، عن إعادة الإعمار (على سبيل المثال اعتبار ما حدث فرصة للبناء من جديد بصورة صحيحة هذه المرة وبالمرة مراعاة للبيئة)، عن الأماكن المستقبلية التي سيلعب فيها أطفالنا إلخ.
  4. استغل الهوايات. في العادة الكثير من الناس وفئة ضحايا الحروب والمغتربين في المهجر منهم، يملكون هوايات ما (بستنة، نسيج، صنع أطباق وسلال من السعف والألياف النباتية، صناعة الخزف إلخ) وهذه الهوايات لحسن الحظ صديقة للبيئة جدًا وغير مكلفة مثلًا لما نحكي عن حملة للقضاء على البلاستيك لماذا لا نساعد أيضًا ذلك الكهل الذي يبيع القفاف المصنوعة يدويًا والتي تعدّ بكل المقاييس صديقة للبيئة؟ وهنا نؤكد على النقطة 1 أعلاه بشأن عدم إطلاق حملات توعية بالبيئة منفردة.

آمل أن هذه المقترحات أفادتك

أمسية سعيدة!

الهوامش

[1] عن الحاجة العربية إلى صحافة سلام استقصائية


حقوق الصورة البارزة: Photo by Laurentiu Iordache on Unsplash

3 رأي حول “كيف أحفز شخصًا يعيش بمنطقة حروب، أو مهجر ليهتم بالتغير المناخي؟

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s