يونسيات: أحيانًا تنهض من النوم ليكون شعورك ما مفاده
“لقد سقمتُ من الناس المزيفين”
وسقمت أفضل من مرضت لأنها قريبة النطق من اللفظة الإنجليزية المعبرة عن الموضوع وهي sick، أما الناس المزيفون فهم بشر يفتقرون للأصالة ولأنهم كذلك يتكئون على عكاكيز أخرى لم يكن لهم يد في إنجازها، مثل الثروة والنسب والمكانة والظروف. وهم يزعجونك من ناحية أن ما يفعلونه شيء يستفز فيك مشاعر لا ترغب باستثارتها.
بالنسبة لي كل شعور غير مرغوب يتطلب فحصًا داخليًا تمامًا عندما تشتبه في بوادر مرض ما فتتفقد جسدك أو تجري فحصًا لحاسوبك.
وأول كود (عفوًا) سؤال في الفحص هو: لماذا يزعجني ما يفعله بعض الناس أصلًا؟
إن كان للمزيفين فائدة فهي أنهم يحثونك على معرفة نفسك أكثر، من بينها ما هي “الأوتار الحساسة” التي لا ترغب أن يعزف عليها “من هبّ ودبّ”؛ إذًا لما نطرح السؤال: لماذا يزعجني ما يفعله فلان؟ ربما نخلُص إلى إجابة ما مفادها: فعله الأمر الفلاني. وهنا فيه قسمان.
لنفترض مثلًا أن طريقة مضغ معينة تثير فيك الجنون، (وتر الجنون في وجدانك)، وشخص (لا فكاك منه مثل قريب أو أخ أو زوج) يفعلها، من الواضح أن هذه الطريقة من المضغ (معظم الناس لا يلاحظونها في أنفسهم أصلًا) ليست أصيلة فيه بل مكتسبة -مع أنك قد تقول بغضب: ما هو تربية وسخة لا أكثر ولا أقل لكننا لن نجيبك ولا نشجعك على استعمال هذه الحجج لدفعه للتوقف عن العزف على وتر الجنون فيك- المغزى هنا أن هذا الأمر الذي سيتفزك يمكن التعامل معه بطرق معينة موجودة في الإنترنت ضمن الحديث عن العلاقات لذلك لن نتناولها هنا.
النوع الآخر أو القسم الآخر هو شيء أصلي في الفرد يصعب جدًا التخلي عنه؛ لنفترض مجددًا أن من أوتار الاستفزاز لديك الاستماع لشخص أَخَنّ (ذي صوت أنفيّ) من غير المعقول أن تطلب منه أن يجري عملية جراحية فقط لأن حضرتك لا تحب هذا الصوت. وفي هذا القسم هناك شيء يخفف عليك وفي ذات الوقت يطور من نفسك: الإخفاء أي تخفي انزعاجك، والتحمّل.
في حياتك الشخصية -وفق نظري- يجب عليك أن تخفي “أوتارك الحساسة” التي إن عُزف عليها استفزتك. بمعنى أنه لا ينبغي عليك أبدًا أن تكشف عما يثير استفزازك لأقصى حد إلا لشخص مقرب جدًا جدًا (وهم في حكم العدم من ناحية عددهم).
لماذا يجب عليك أن تخفيها؟ لأن كثير من الناس يحاربون الآخرين بطرق “وسخة” فطبعًا أي جدال أو عراك افتراضي أو حقيقي سيعزف فيه الخصم سيمفونية تعذّبك على أوتارك الحساسة. من ثم اخفائها خيار استراتيجي هام للغاية.
الأمر الآخر لنفترض أنك في طائرة وجلس قربك رجل أخن وأجرى محادثة طويلة عريضة أبدع فيها باخراج كل ما لديه من أصوات أنفية مع الذي يجلس معكم، تأوهك أو إصدارك علامات إنزعاج لن يفيد في شيء إلا إعطاء صورة غير محببة عنك، الشيء الآخر لن تنفعك لو.. “أود لو أنني حجزت في درجة رجال الأعمال… سحقًا”؛ الحل المثالي هنا: أن تتحمل.. في خضم تحملك تراقب نفسك. لو تتحمل تلك الساعات مع شيء لا ترغبه أعدك وعدًا صادقًا لو توجه التأمل نحو نفسك لا نحو الخارج أنك ستخرج بمعلومات وافرة جمة عن نفسك. ويصبح لديك ضبط نفسٍ أكثر. والمعلومات عن النفس والضبط الذاتي كنوز حقيقية لتطوير المرء ونقله للمستوى التالي.
قد يقول قائل: لكن لماذا لا نقطع الأوتار الحساسة أصلًا ونرتاح؟
الجواب: غير ممكن. كل بشري له أوتار حساسة، ونصحنا هنا أن تخفيها عن الجميع إلا عن صديق لك إن كانت تنطبق عليه صفة “الصديق الصدوق هو شخص آخر إلا أنه أنت”؛ صحيح أن البشر يتفاوتون في عدد الأوتار الحساسة (فهناك من له كثير وهناك من له قليل) لكنها موجودة دائمًا لا يخلو منها بشريّ.
قد يسأل سائل لما يقرأ عن الصديق الصدوق: كيف نجده؟
الجواب: أفضل طريقة لإيجاده هو أن تكون أنت صديقًا صدوقًا لآخر. قد تعترض: لكن أنا أريد من يعرض عليّ ذلك لوحده ولا أبادر. الجواب: إذن غالبًا لن تجده. قد تقول أنك صديق “ممتاز” للكثيرين. لكن أنبهك إلى أن الصداقة الحقة تكاليفها ومسؤولياتها كبيرة جدًا وليست لعبة لذلك أنت صديق “لا بأس به” ربما للكثير لكنك لست صديقًا صدوقًا لهم. الصداقة الحقة في بعض جوانبها أثقل من أعباء الأبوة أو الأمومة؛ والأبوة أو الأمومة تفوقان الصداقة الحقة من ناحية الأعباء في حالة واحدة فقط: عندما تتخذ الأبوة أو الأمومة شكل الصداقة الحقة.
فالصديق الصدوق مثلًا أكثر أعباء ومسؤولية من أب وأم عاديين.
لكن الأب والأم الذين يصادقون أبنائهم صداقة حقةً أكثر أعباء ومسؤولية من صديق صدوق فحسب.
دمنا أصدقاءً.
فرصة لصنّاع المحتوى
فرصة كتابة تقنية بمقابل مادّي
لكل المهتمين بمجال لينكس والبرمجيات مفتوحة المصدر، يمكنكم الآن إرسال التدوينات إلى FOSS Post بمقابل مادي.
كافّة التفاصيل تجدونها على الرابط: https://fosspost.org/submit-an-article
ارعَ واحدة من هذه اليوميات بشراء نسخة أو أكثر من روايتي إيفيانا بسكال
لو كنتَ جزائري أو جزائرية -ولا تملك طرقَ دفعٍ إلكترونية- راسلني على
me@youdo.blog
روابط
أعجبني:
وقد لا يخطئُنا الصوابُ إذ نقول إنَّ الفيلسوف مُروِّض ثعابين بالدرجة الأولى(ثعابين المفاهيم والعقائد المتطرفة والأخيلة والانماط العنيفة والأفعال الكبرى). إنَّه يخرجها من أدغال الثقافة والسياسة والأحداث مترقباً شراستها وتحولها وكيف تعيش. ويعرفنا أيضاً- وسط هذه الظروف- كيف تلدغ وخطورة السموم التي تحملها. هناك سموم تدمر الأعصاب، وهناك سموم تحدث شللاً، وأخرى تسمم الدم، وغيرها تسبب عماءً لا مهرب منه، وهناك سموم تقتل على الفور.
ما أكثر ثعابين التخلَّف والفوضى والعنف والإرهاب والاستعباد والقهر والديكتاتورية التي تلدغ مجتمعاتنا في لحمها الحي. أشياءٌ تضرب بأذيالها أنسجة الحياة وتتمدد حيث لا نلتفت إلى جذورها وأبنيتها الغريبة. الفلسفة تدربنا حثيثاً: كيف نفكر بهذا الكل الذي يتكون، وبأية صورة نلتقط تعقيده وانفكاكه. التفكير هنا كالإحساس الغريزي( للأحياء) بحركة الحياة والموت في دورانهما الأقصى. أي العيش وفق الكل كما كان اللوغوس logos لدى هيراقليطس يطلق العنان لحياة الحكمة ومعرفة الفيزيس( الطاقة النامية physis) في جميع الكائنات.
سامي عبد العال
وهذا مقال جدير بالاطلاع: أهم 4 أسباب للفساد المالي في دول الخليج
روابط من الضفة الأخرى
كتاب مهتم بالاطلاع عليه: سحقًا للسعادة: انتقادات امرأة نسوية على مُخرجات علم النفس الإيجابي.
على ذكر علم النفس الإيجابي ننصح بكتاب مصطفى حجازي: إطلاق طاقات الحياة: قراءات في علم النفس الإيجابي
لا يكفي أن تكون على صوابٍ فحسب، بل ينبغي عليك كذلك أن تتحلى باللطف والطيبة
أدمغتنا (غير متوافقة) تمامًا مع تقانتنا
حقوق الصورة البارزة: Photo by Happy Films on Unsplash
في زاوية يونسيات أبدعت في الوصف،ورسمت حدودا لتأليف الناس والصبر على سلوكهم.وتلك هي مفاتيح فهم النفوس.
مواضيع جميلة.
إعجابLiked by 1 person
شكرا أخي أحمد
إعجابإعجاب