نحتاج نحن البشر حتى مع معرفتنا حقائق ثابتة مثل الإيمان والأخلاق وأن الله حقّ مثلًا والقتل جريمة وكلام الناس فينا لا يعنينا. إلى من يذكرنا -أو نذكّر أنفسنا- بهذه الحقائق كل حين.
وما سميّ الإنسان إلا لنسيه *** وما أول ناسٍ إلا أول الناس
بيت شعر حفظته من علي جمعة ولم ينسبه لقائلٍ
ولتذكير أنفسهم يحمل الناس السبحة ويعلقون الآيات والأحاديث والأقوال المأثورة على الجدران. لكن الأهم هنا أن يذكر قلبك. وقلبك يذكر عندما تتيقن ولا يدخلك شكّ وهذا يحدث بكثرة الذكر.
وهذا المقال تذكير وتحفيز لك. احفظه في العلامات المرجعية أو اطبعه حتى، واقرأه كلما انخفضت معنوياتك.
أعلم أن صناعة المحتوى صعبة. والكتابة صعبة والعمل صعب.
أعلم أن قطعة المحتوى التي تنشرها دون أن يأبه لها أحد مؤلمة للقلب.
أعلم أن تعليقات الحمقى والمتنمرين -حتى وإن قلتَ أنها لا تؤثر فيك- تؤثر فيك فعلًا وسلبيًا.
وأعلم أن الظروف العصيبة والضوائق الشديدة وقلة المال وضيق ذات اليد والأمراض والمشاكل العائلية تحول بينك وبين ما تبغيه.
أعلم أن اصيطاد الأفكار في مفاوز الإبداع أمر مؤلم لأعصاب الدماغ.
أعلم أنك تجاهد في تنظيم وقتك وتفشل في ذلك مرارًا.
وأعلم أن المواعيد النهائية لتسليم الأعمال تُعذّبك بسياطها التي لا ترحم.
وأعلم أنك تمر بشهور فيها أعمال كثيرة تضغطك وتسحقك تحت وطأتها وشهور تمرّ دون أن يتصل بك عميل أو يصلك طلب في حلقة متكررة من الضغط والفراغ المتتابعان حتى أنك كرهت هذه الحلقة أصلًا من كثرة تكرارها.
وأعلم أنك تجاهد كي تقوّي إيمانك وذاكرتك والمضيّ قُدُمًا بما تبقى لك من طاقة.
أعلم أنك تقارن سرًا بين نفسك وبين آخرين أمضوا سنوات وبذلوا جهودًا عظيمة ليصلوا إلى ما وصلوا إليه. وأعلم أنك تعرف أن المقارنة خطأ مع ذلك تستمر فيها.
وأعلم أنك في خضم ذلك تريد أن تنشيء حياة اجتماعية لنفسك وتعرف أصدقاء جددًا وتخفّض من وزنك وتجلس مستقيمًا مشدود الظهر والأكتاف وتلبس جيدًا وتأكل طعامًا صحيًا وتتخلّ عن العادات الرديئة. وتفشل مرة في ذلك وتنجح أخرى.
وأعلم أنك مصاب بالهوس بالكمال لذا لا تُنتج بوتيرة ترضاها لنفسك.
وأعلم أنك تتحسر على انتشار محتوى لا يستحق وتتعجب أيما عجبٍ من عدم دعم المحتوى النافع.
وأعلم أنك تلوم نفسك على أشياء تستحق اللوم وأخرى كثيرة لا تستحق أن تلوم عليها نفسك.
وأنا أعلم هذا لأني مثلك صانع محتوى وأمرّ بما تمرّ به.
ما الذي يعنيه هذا؟
يعني أنك صانع محتوى طبيعيّ. وإنسان.
الآن ماذا تفعل للحصول على ما تريد؟
وأنت تحدو بقافلتك نحو كعبة النجاح، ستنبح الكلاب، وتُرمى إبلك -أعمالك- بالحجارة وستهطل المطر، وستجتاز مستنقعات وقد تعلق في بعضها لفترة، تقبل ذلك وامضِ قدمًا.
ستفشل مرارًا، ودرب التعلّم واليقين لا بد من مروره على الفشل. لا تخشَ الفشل فهو أفضل مُعلّم للبشرية، افشل ثم افشل مرة أخرى ثم ثالثة. افشل بطريقة أحسن هذه المرة.
سيأتي نصيبك من حظ ونجاح وبلوغ المقاصد وقت ما حدده الحق تعالى لا أنت، هو يفعل ما يشاء ويختار، سبحانه، تقبّل ذلك لكن ليس على مضض. بل بمحبة وفهم وحتى إن لم تفهم ارض بقلبك. فهذا سيجعل الانتظار فرحة وبلوغ المقاصد، فتنال وأنت كنت مشتاقًا لمثقال من فرحة: فرحتان كاملتان لا واحدة.
لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء – موجبا ليأسك؛ فهو ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك لا فما تختار لنفسك وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد
ابن عطاء الله السكندري
أقصر طريق لضخّ السعادة لقلبك هو ضخّها في قلب كائن حيّ آخر. إن تأمل أنك لست وحدك في الحياة وأن هناك أحياء غيرك لهو نعمة عظيمة، استغلها لصالحك.
كل عمل يوميّ دنيوي تراه لا شأن له مثل شرب الماءـ والقهوة والقدرة على المشي أضف له الحمد والشكر وسيضخ في قلبك سعادة أكثر من تناول شكولاتة فاخرة غالية الثمن وركوب سيارة لا يوجد مثلها اثنان في هذا العالم.
حتى تلك الشكولاتة لما يمنحك الحقّ تعالى إياها بمناسبة ما، إن أردت مضاعفة لذّتها في فمك. اُشكر واحمد عليها وانظرها بعين أنها نعمة. تزدد حلاوتها وعذوبتها ولذتك بها.
النعمة + الشكر عليها = تمنحك لذة من الجنة
حكيمٌ إفريقي (ليس من واكاندا وليس عنده تلك المادة النادرة)
حتى ألم الانتظار جعل له الحق أجرًا فورد في الأثر: انتظار الفرج عبادة. فتنال الأجر وأنت تنتظر وتنال الفرحة بعد حصول المطلوب.
حتى لو حصّلت المطلوب في الدنيا فهي في حقيقتها دار عبور فلا تغتر بها.
الرحلة نحو ما تبغي هي المقصود لا المحطة ذاتها فاستمتع بالرحلة.
أحبّ نفسك لأنك مخلوق من ربّ جميل والصنعة تدلّ على الصانع. أحبّ نفسك من جهة أنك مخلوق من رب له من الصفات الحسنة والأخلاق العالية ما يفوق المنتهى والتصوّر.
أولى الجهات بالرحمة نفسك فارحمها.
رحمتك نفسك لا تمنعك من إطلاق العنان لكامل ما أودعه الحقّ فيك من قُدرات.
العلم هو الشيء الوحيد الذي ينبغي أن توجّه له طلبك للزيادة. كل ما يأتي بعد العلم يأتي بسهولة بعد تحصيل العلم. العلم كما قال سيدنا علي رضي الله عنه خير من المال لأن العلم يحرسك والمال أنت تحرسه. كما أضيفُ أنه بالعلم الآن تأتي بالمال وتنفقه في وجوهه الصائبة.
اقتدِ بالنبي إبراهيم عليه السلام، الذي هو أبوك، وكسِّر الأصنام التي في قلبك. لا أحد له مزاج يوميًا كي يؤدي ما يؤديه من عملٍ. حتى كتابة مقال تحفيزي كهذا بحاجة إلى تحفيز كي تكتبه؛ هناك ضعفاء هُم نُهبة للأمزجة والطقس والأخبار وهناك أقوياء يعملون ما يعملون على الرغم من الأمزجة والطقس والهراء. كن مؤمنًا قويًا.
حلّ الإحباط في القضاء على التوقعات. وتخفيضها. فإنها إن انخفضت صار كل إنجاز فرحة. ماذا عن تغريدة حصلت على إعجاب واحد؟ إنه لأمر رائع! ماذا عن مقال قرأته نفسان؟ إنه لأمر جدير بالاحتفاء! ماذا لو لم تحصل لا على إعجاب ولا رؤية؟ ستفرح لأنك غلبت نفسك هذه المرة وضغطت زر “النشر”!
من طبيعة البشر عضُّ اليد التي تقدم لهم الخير، وغرز الخناجر في ظهر المُحسن، ومقابل إحسانه بالإساءة. ولن يتغيروا قريبًا.
لذا إن عملت للبشر تعذّبت لأن هذا ما سيحدث. تُحسن ويسيئون، وتفعل الخير ويفعلونك فيك الشرّ. فانو كل أعمالك المدفوعة والمجانية لله تعالى تنل السعادة والراحة والطمأنينة.
الله جمهورُ الكلِّ. أخرجه من معادلة حياتك وستصبح ظلامًا دامسًا. الله يتابع كل ما تفعله، حرفًا فحرفًا. استشعر متابعته ومراقبته وستكون سعيدًا.
لا أستطيع أنا ولا غيري أن نكتب مقالًا تحفيزيًا أو تذكيريًا دون ذكر الله تعالى والسبب أن كل ما سواه نابع منه. الله تعالى مصدر لا نهائيّ للتحفيز والطاقة والعمل. وأحسن ما سيوصيك به مقال تحفيزي أن يرشدك لذلك المصدر. وإليه يرجع الأمر كله.
لا أحد سيفهمك على حقيقتك سوى الحقّ تعالى لأنه يعرف تمامًا ما مررت به.
لا تطلب من المخلوقين أن يفهموك لأنهم لا يستطيعون ذلك ولا أقرب المقربين إليك. كل علاقةٍ الله ليس محورها هي مجرد مصالح دنيوية فلا تأتيني فيما بعد وتقول لي: ظننت فلان كذا وطلع كذا. لأنه مؤكد سيطلع خلاف ما تظنّ.
والله يعاملك كما تعامل عبيده. إن أردت ضمان ألا يغضب منك أبدًا لا تغضب. ولهذا حدد الرسول العظيم عليه السلام اللا غضب طريقًا مباشرًا للجنة وقال العارفون أنها طريق لجنة المعرفة والسكينة والراحة هنا والجنة الحقيقية هناك. بالتالي: لا تغضب ولك الجنة. راحة وسكينة هنا ومُتع وفردوس هناك. ما أجمل العالم الذي خلقه ربّ الإنسان! ولعمري لقد صدق سيد الكونين عليه الصلاة والسلام لما قال: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ.
وهو فعلًا أمر يقتضي التعجب. لكن ليس التعجب فحسب.
بل الفرحة لأنك مؤمن. تتقلب في الخير ولا ينفكّ عنك الخير وأمرك كلّه خير.
تمّ المقال بعون الله.
قد هيئوك لأمر لو فطنت له *** فأربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
الطغرائي
أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر
يونس يسأل: ما مصادر تحفيزك ورفع معنوياتك؟
حقوق الصورة البارزة: Photo by Maja Ilijeva on Unsplash
رائع حقًا ما كتبته اليوم أستاذي الكريم لقد لخصت آلاف الآهات وبعض الخسائر وحفنة من التعجب والكثير الكثير من الإيمان في كلمات ظلت حبيسة عوالمنا الداخلية ونحسب أنفسنا بها أغراب عن ما يدور في عوالم الإنسان
إعجابإعجاب
شكرا لك هيام أعطاك المولى ما تريدين وزادك من فضله ❤️
إعجابإعجاب
رائع حديث النفس هذا. تذكرة في محلها ربنا ينفعنا بها. قال تعالى: «وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين».
إعجابLiked by 1 person
صدق الله العظيم
إعجابإعجاب
هذا المقال اعتبره علاج نفسي، أو بلسم للشفاء من الإحباط والفشل الذي يعيشه كاتب المحتوى نتيجةعدم التجاوب مع ما يكتبه ويكرس وقته وجهده لذلك، شكرا
إعجابLiked by 1 person
شكرًا أنيسة بارك الله فيك
إعجابإعجاب
مصدر تحفيزي يونس بن عمارة والكثير من المبدعين الذين اخلصوا نواياهم وصدق توجههم.
شكراً نحن بحاجة هذه الكلمات بشدة ✨
الحمدلله اننا عباد لرب رحيم كريم 🌷
إعجابإعجاب