مسيرتك للعثور على تخصّصك في صناعة المحتوى

لـ روب هاردي

فنّ اكتشاف جدواك التجارية كصانع محتوى، وإرساء أسس نشاط تجاري سيروق لك.

أنت على استعداد لبناء نشاط تجاري يتمحور حول عملك الإبداعي، وقد قررت أن تتخصّص… ضربة معلّم!

يدور العمل التجاري – في جوهره – حول تحديد مجموعة من الأشخاص ذوي احتياجات مشتركة، فتلبيتها، وهذا ما يعنيه “إيجاد تخصّصكم“. يتعلق الأمر بتحديد شريحة ضيّقة من السّوق لا يمكن لسواك تقديمها بالشكل المميّز.

سيعرض هذا الدليل، بتفاصيله المملّة، كيفية تحديد الأسواق المتخصصة التي تتوق لعملك الإبداعي. سنركّز أيضًا على العثور على السّوق المناسب لك وكذا الثقافة الفرعية، فلن يهمّ أيٌّ من هذا إذا لم يكن عملك مُرضيًا بشكل إبداعي، أو إذا كنت محاطًا بأشخاص لا يروقون لك.

أوّلاً، إخلاء سريع للمسؤولية… إذا كنت في المراحل الأولى من رحلتك كصانع محتوى، فقد لا تكون مستعدًا لهذا بعد. من خلال محاولتك تحديد مكانة في وقت مبكر جدًا، فإنك تخاطر بعدم وجود بيانات كافية حول اهتماماتك ومهاراتك الإبداعيّة لتحقيق أقصى استفادة من هذه العمليّة، لذا ما لم تكن بحاجة إلى بناء مشروع تجاري بشكلٍ سريع، فكّر في قضاء بعض الوقت لمتابعة فضولك، وصقل حرفتك، وما إلى ذلك… وكما يقول جاك بوتشر، “عمّم قبل أن تتخصّص.”

أمّا إن كنت صانع محتوى متوسّطً الخبرة أو متمرسًا ومستعدًا للعمل وبناء نشاط تجاري فعّال، فأنا مرشدك.

إليك خارطة طريق سريعة للرحلة التي سنشقّها مع بعض:

  • قم بعصفٍ ذهنيٍّ للأفكار المتخصّصة المرتبطة بهويّتك وشغفك.
  • تحقق من صحة تلك الأفكار لمعرفة ما إذا كانت تتوافق مع الأسواق الموجودة.
  • ابني قاعدة بيانات (خريطة سوق) للاعبين الرئيسيين في هذا المجال.
  • انغمس في تخصّصك لضمان أكبر ملاءمة إبداعية وشخصية ممكن.
  • التزم بالظهور وخدمة جمهورك بسخاء.

إنّها نفس العملية التي أستخدمها منذ سنوات، وهي نفس العملية التي أقوم بتدريسها في الدورة التدريبية الخاصة بي، ابحثوا عن تخصّصكم، ولا تقلق، فهذه ليست نسخة مخففة بل هي عبارة عن عرض ترويجي للمبيعات مغطى بشكل خفيف. هذا هو الـ 80/20 من العملية، وهو أكثر من كافٍ حتى تعثر على  جدواك التجارية كصانع محتوى دون أن تدفع أيّ سنت.

مناسب؟ هيّا بنا.

1- راجعوا أنفسكم

رأيت مرارًا وتكرارًا أنّ معادلة التخصّص تنهار بأكملها أثناء العمل وجهًا لوجه مع صانعي المحتوى، ما لم تكن قائمة على عملٍ مجزٍ بشكل إبداعي. وممّا لا شكّ فيه أنّه يمكنك الدّخول في مجال تخصّصي لأنكم تعتقدون أنه سيكون مربحًا، ولكن إذا لم تستمتعوا بالعمل أو بالثقافة التي أنتم فيها فسوف تنفجرون وسيصبح عملكم بلا متعة.

ولهذا السبب يجب أن تستمدّوا مكانتكم من هويتكم وشغفكم وفضولكم الموجودين مسبقًا، فعندما يكون مكان بدايتك متجذرًا في ما تحبّونه عن حقيقة، فإنّ ذلك سيؤدي إلى عمل أكثر فاعلية وحياة أكثر متعة بلا ريب. إنّ هذا هو المقصود بـ  اكتشاف جدواك التجارية كصانع محتوى.”

لذا، وفي هذه الخطوة الأولى، أوصي بإجراء “تدقيقٍ ذاتي” شامل للكشف عن أكبر قدرٍ ممكن من الأفكار المتخصّصة الرنّانة ذات الوقع الجذّاب على مبتغاك. يكمن الهدف في العثور على عددٍ قليلٍ من الموضوعات التي تشعر بارتباط عاطفي تجاهها وغيرها من الأفكار والأسباب والمجموعات وما إلى ذلك.

ولغرض القيام بهذا، لستُ بمحيطٍ بتقنيّة تعمل أفضل من الكتابة الحرّة، وإليكم كيف تشتغل.

أولاً، جهّزوا أنفسكم بسؤال سريع أو مفتوح واضبطوا عدّاد الوقت، ثم اكتبوا في تيّارٍ من الوعي الخالص، ولا تتوقّفوا للتعديل أو لتخمّنوا، ولا يهم ما إذا كانت كتابتك للأفكار بلغة غير مفهومة، أو إذا كانت شيئًا لم تخبر به روحًا حيّة أخرى أبدًا، بل استمر في كتابة كل ما يخطر ببالك حتى يتوقف المؤقِّت.

لست أدري السّبب، وغير أنّ هذه التقنية لها سجل حافل في إنتاج رؤى قيمة، وفي كثير من الأحيان، بمجرّد أن تتخطى الأفكار الواضحة، سيكتشف عقلك كلّ أنواع الحكايات المثيرة للاهتمام وغير المنطقيّة من أعماق عقلك الباطن، إنّ الأمر يشبه السّحر إلى حدٍّ ما.

(وبالنسبة إلى أي من معجبي المدرّسة والكاتبة جوليا كاميرون هنا، فالأمر مشابهٌ لعمليّة “صفحات الصباح” (morning pages) إلى حدٍّ ما، ولكن الأولى أكثر استهدافًا.)

في المقرّر الدراسي الخاص بي، يمرّ الطلبة بعدة طبقات مختلفة من المراجعة الذاتية، وإليكم بعضًا من محفّزاتي المفضلة للبدء بها:

  • أكثر ما يميّزني هو…
  • أشعر بالانتماء عندما أكون مع…
  • يُفطر قلبي عندما أرى…
  • أشعر بفضول لا نهاية له حيال…
  • أكثر المشاكل التي أنا فخور بالتغلب عليها هي…

اقضوا ما لا يقل عن 20 إلى 30 دقيقة في الكتابة الحرّة بمساعدة هذه المحفّزات، واعدكم أنّه سيكون لديكم أفكار متخصّصة أكثر مما تتخيّلون.

2- كوّنوا فرضيّة تخصّصكم

فلنكن صرحاء: لن يحضر التخصّص فقط لأنك تريد ذلك.

“إنّ مجال التخصّص هو مجموعة من الأشخاص اجتمعوا حول خاصّية مشتركة أو أكثر. إنها ثقافة فرعية ملموسة يمكن ملاحظتها، ولها نظامها البيئي الخاص بالمجتمع ووسائل الإعلام والتجارة. ومن خلال البحث، يمكنكم تمييز ما إذا كانت فكرتكم المتخصّصة تحمل أي تشابه مع الواقع.”

ولهذا السبب تجدنا نتعامل مع الأفكار المتخصصة كفرضيات، فهي تمثّل مخاطرة بطبيعتها حتى وقت اجتياز عملية التحقق. لقد رأيت العديد من صانعي المحتوى يتعلّقون بأفكارهم المتخصّصة، ويقضون شهورًا أو سنوات في محاولة إنجاحها، ليدركوا في نهاية المطاف أنه لم يكن هناك سوق لها أصلاً: يا إلهي!

أفضّل أن تستغرق أسبوعًا أو أسبوعين للبحث في أفكارك لتجنب هذا النوع من الحسرة، وسوف نصل إلى كيفية القيام بذلك في لحظة.

لكن في الوقت الحالي، تعدّ هذه الخطوة بسيطة للغاية.

عندما تنظر إلى كلّ الأفكار التي طرحتها في الخطوة الأولى، فأي واحدة تثير اهتمامك على الفور؟ أيها يجعل قلبك يرفرف؟ أيٌّ منها يجذبك أكثر، كما لو كان من خلال مغناطيس؟

بشكل عام، كلما زاد الانجذاب العاطفي الذي نشعر به تجاه شيء ما، كلما قال اللاوعي لدينا أنّه من المهم الاستكشاف، ولعلّ الشّيء نفسه ينطبق غالبًا على الأفكار التي لا يمكننا تحديد ما إذا كنا متحمسين أو قلقين حيالها كذلك.

ثق بحدسك هنا، واختر الموضوع أو المجموعة أو المشكلة التي تضرب على وتر حساس. هذه، يا صديقي، هي فرضيّة تخصّصك الأولى ونأمل أن تكون الأخيرة.

3- التحقّق من صحّة فرضيّة تخصّصكم

يوجد نوعان من البحوث في التخصّص في صناعة المحتوى: المستوى العالي والعميق، وكلاهما ضروري للعثور على جدوى صانع المحتوى التجاريّة.

يدور البحث عالي المستوى حول رؤية التخصّص من مسافة 20.000 قدم، ويتعلق الأمر كذلك بالكشف عن السوق بالكامل، بحيث يمكنك التحقّق من صحّته وفهم معالمه وتحوّلاته العديدة. إنه أيضًا الجزء الأكثر تقنيًّة وتحليلًا في العمليّة.

أمّا البحث العميق فيدور حول الانغماس في المكانة والمشاركة في الثقافة، والهدف هو تمييز الملاءمة الشخصيّة الذي يصبوا إلى معرفة ما إذا كنتم ستستمتعون بإنشاء أشياء حول هذه الموضوعات أم لا، وقضاء وقتكم مع هؤلاء الأشخص أو لا. لذلك فهو أكثر حدسية وعاطفية من البحث عالي المستوى.

باستخدام منهجيتي البحث هاتين بالتعاقب، فإنكم ستحصلون على أفضل ما يوجد، فستخرجون بمكانة تعتبر أرضًا خصبة للأعمال التجارية الناجحة، وستضمنون أنّ كونكم جزءًا من هذا المكان المناسب سيجعل حياتكم أكثر بهجة… وهذا يا صديقي هو ما نطلق عليه الجدوى التجارية من صناعة المحتوى.”

لنتحدث الآن عن تفاصيل كيفية تحقيق تلك الجدوى.

كيفية إجراء بحث عالي المستوى

يفترض الآن أن يكون لديكم فرضية تخصّص، والمرحلة الأولى للتحقق من صحّتها هي البحث عالي المستوى.

هناك ثلاثة أسئلة تحتاجون الإجابة عليها في هذه المرحلة.

  • هل هذا التخصّص موجود بالفعل؟ (هل يوجد سوق لهذه الفكرة؟)
  • إذا كان الأمر كذلك، فهل هذا السّوق كبير بما يكفي لدعم عملي / أهدافي المالية؟
  • هل هو نشط وبه تفاعل؟ (على سبيل المثال، هل يستهلكه الناس ويتحدثون عنه بالفعل؟)

إذا كان بإمكانكم، بعد إجراء البحث، الإجابة بـ “نعم” على كلّ من هذه الأسئلة، فأنت على ما يرام. لديك سوق قابل للتطبيق، ويمكنك الانتقال إلى البحث العميق.

وإذا كانت الإجابة بـ “لا” لأي من هذه الأسئلة، فقد تحتاجون إلى تحسين فرضيّتكم (جرّبوا كلمات مفتاحيّة مختلفة، أو ابحثوا في أماكن مختلفة). وبعد ذلك، إذا كنتم لا تزالون غير قادرين على العثور على أي شيء، فستحتاجون إلى العودة إلى المسودّة، وبدء العملية من جديد بفرضية جديدة.

قد يبدو هذا محبطًا بعض الشّيء، لكنه ليس كذلك، فمن خلال التخلّص من الأفكار المتخصّصة التي لا تصلح في وقت مبكر، فإنكم توفّرون لـ “مستقبلكم” وقتًا ثمينًا، وتمنعون قدرًا كبيرًا من الحسرة فيه.

لا بدّ أنّكم تتسألون عن كيفيّة حصولكم على إجابات لهذه الأسئلة بأي طريقة منهجية الآن… ها هي العملية؟

الكشف عن تخصّصك بواسطة “روليت الكلمة المفتاحيّة”

أود أن أقدم إليكم عمليّة تسمى بـ “روليت الكلمة المفتاحيّة”. إنها الطريقة الأكثر فاعلية لاكتشاف كل أثر موجود لموضع معين عبر الإنترنت، وهي تعمل على النحو التالي.

  • قوموا بعصفٍ ذهني للكلمات المفتاحيّة التي تصف تخصّصكم، ما هي التسميّات التي يستخدموها أصحاب ذلك التخصّص لوصف أنفسهم؟ وما هي الموضوعات التي يهتمون بها أكثر؟
  • ادمجوا تلك الكلمات الرئيسيّة مع هذه القائمة العملاقة لمعدِّلات البحث.
  • قوموا بتشغيل مجموعات الكلمات المفتاحيّة هذه والمعدِّلات عبر مجموعة متنوعة من محركات البحث (Google، YouTube، Facebook،Twitter ،Amazon ،Reddit، إلخ)
  • ابحثوا عبر هذه التوليفات حتى تتوقفوا عن العثور على أشياء جديدة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإذا كنتم مهووسين بالقهوة (مثلي)، فستبدؤون بالعصف الذهني للكلمات المفتاحيّة والعبارات المتعلقة بها. لذلك، فمن المحتمل أن ينتهي بكم الأمر مع نتائج كـ “القهوة المميزة” و “قهوة الموجة الثالثة” و “القهوة أحادية المنشأ” وربما “متذوّق القهوة” ككلمات مفتاحيّة.

بعد ذلك، يمكنكم التوجه إلى “العم جوجل” كمّا أسميه، والبدء في إدخال هذه الكلمات جنبًا إلى جنب مع مُعدِّلٍ من القائمة.

يمكنكم تجربة “مدونة + قهوة مميزة”، مرّوا على بضع صفحات من نتائج البحث وشاهدوا ما ستجدونه، ثمّ وثّقوا مصادركم واتبعوا أيّة أماكن مثيرة للاهتمام. وبمجرد ان تستفيدوا من هذا البحث، ستفعلون الشّيء نفسه مع ” القهوة أحادية المنشأ + بودكاست” و “قهوة الموجة الثالثة + مجتمع”.

وهلم جرا.

يعدّ Google مكانًا رائعًا للبدء في رحلة بحثكم، ولكنه ليس المكان الوحيد للبحث. إنّ كل منصة رئيسية هي محرك بحث خاص بها، فابحثوا عن مصطلحاتكم بشكل أصلي في أماكن مثل YouTube، و Amazon، و Reddit، و Facebook، وما إلى ذلك، وستجدون المزيد من الأشياء.

إذا كنتم تفكّرون في أنفسكم، “يا صاح، هذا يبدو مملًا وسيستغرق وقتًا طويلاً”، فأنتم على صواب، لكنها الطريقة الأقوى والأكثر شمولاً التي وجدتها للتحقق من وجود تخصّص. وإذا حدث ذلك، فستكشف هذه العملية عن كيفية انتشار مجسّات هذا السّوق في جميع أنحاء العالم الرقمي، فهذه معلومات مفيدة بشكل لا يصدق لمساعيكم التجارية.

أمّا إذا كنتم على استعداد لإنفاق القليل من المال، فيمكنكم اختصار هذه العملية قليلاً باستخدام SparkToro (المذهل)، ولكن حتى ذلك الحين، فإن البيانات من أداة كهذه هي مجرّد نقطة انطلاق، فسيتعيّن عليكم القيام بمعظم أعمال التنقيب والتوثيق يدويًا. لكن يمكن لـ SparkToro أن يختصر ساعات من العمليّة بالفعل إذا كنتم ستدفعون بعض المال.

كيفية بناء “خريطة سوقكم” على طول الطريق

سوف تكتشفون الكثير من الأشياء أثناء عملكم من خلال عملية روليت الكلمات المفتاحيّة، ويكاد يكون من المؤكد أنها ستكون فوق طاقة استيعابكم. لحسن الحظ، لدينا أداة لذلك.

إنّ خريطة السوق هي قاعدة بيانات تساعدكم على تتبع كل شيء وفهمه. أستخدم تطبيقًا يسمى Notion لهذا الغرض (وتأتي الدورة التدريبية مع نموذج يمكنكم نسخه)، ولكن يمكنك دائمًا استخدام Airtable أو Google Sheets أو أي أداة أخرى.

ما يبدو عليه نشاطي التجاريين الحاليين اللذين أعمل عليهما في مجال صنع المحتوى قبل النّقطة الرّابعة في الموقع الأصلي.

في كلّ مرة تلتقون فيها بموقع ويب ذي صلة أو مجتمع أو ملف تعريف اجتماعي أو بودكاست أو قناة YouTube أو أي شخص / أي شيء مؤثر، قوموا بإضافتها إلى خريطة السوق الخاصة بكم. وبشكل أكثر تحديدًا، سترغبون في…

  • إضافة عناوين URL إلى مواقعها الرئيسية وقنواتها الاجتماعية.
  • صنّفوها…. ما نوع الوسائط التي ينشئونها (مقاطع فيديو، كتب، بودكاست، رسائل بريد إلكتروني، إلخ)، وما هي الموضوعات التي يغطونها؟
  • قوموا بتقدير حجمها / مدى وصولها من خلال النظر في أعداد المشتركين / المتابعين، وتقدير حركة مرور موقع الويب الخاص بهم باستخدام أدوات مثل SimilarWeb أو Vstat. عندما تضيف ما يكفي من هذه المصادر إلى قاعدة البيانات الخاصة بك، يجب أن تكون قادرًا على عمل تقدير تقريبي لمدى حجم التخصّص.
  • أضيفوا أيّة ملاحظات إضافية تعتقدون أنها قد تكون مفيدة لك في المستقبل، فأحب أن أتتبع ما إذا كان بإمكاني النشر مباشرة (لمشاركة المحتوى) وما إذا كان بإمكاني أن أكون ضيفًا (عادةً ملفات البودكاست وعروض المقابلات على YouTube) مثلًا. وإذا كان بإمكانكم العثور على معلومات الاتصال للشخص / المصدر، فسيكون من الجيّد إضافتها.

أما بالنسبة لمقدار روليت الكلمات المفتاحيّة والتوثيق الذي يجب القيام به، فإن ردّي غير المرضي هو أنكم تحتاجون إلى القيام بكل ما يلزم للإجابة على الأسئلة الثلاثة للبحث عالي المستوى. هل هذا السوق حقيقي، كبير بما فيه الكفاية، ومليء بالمشاركين؟ وبشكل عام، يكفي مقدار من 2-3 ساعات لمعرفة ذلك، ولكن قد يستغرق الأمر أقل قليلاً، أو أكثر بكثير.

أوصي عمومًا بقضاء وقت إضافي في عمل خرائط للسوق بشكل صحيح، وشريطة الالتزام بتخصّصكم، ستكون قاعدة البيانات الخاصة بكم في متناول أيديكم وبكل أنواع الطرق أثناء تنمية عملكم. إنّها في الأساس قائمة بالأشخاص المؤثّرين الذين يجب أن تتواصلوا معهم، وقائمة بالمنتديات التي يمكنكم أن تكونوا أعضاءً فيها لمشاركة أعمالكم.

ثقوا بي في هذا الأمر، فإذا قمتم بإنشاء خريطة سوق قوية، فستشكرون أنفسكم في المستقبل.

4- البحث العميق

يجب ألا تكون فرضيّة تخصّصكم مجرّد فرضيّة في هذه المرحلة، فمن خلال العمل بعملية البحث عالية المستوى، وجدتم سوقًا نشطًا ومتفاعلًا مليئًا بالأشخاص الذين يتجمّعون حول موضوع أو فكرة تحبّونها، وذلك في حد ذاته عظيم، أمّا الآن، لنأخذ الخطوة الأخيرة وننقلكم إلى اكتشاف جدواكم التجارية كصنّاع محتوى.

إنّ الهدف من هذه المرحلة النهائيّة هو التأكد من أنّ هذا المكان هو المناسب – أو على الأقل جزء منه – والذي يناسبك مثل خفّيك. تريدون أن تكونوا متأكّدين بشكل معقول من أنكم إذا التزمتم بهذا السوق، وبدأتم في إنشاء أشياء لهؤلاء الأشخاص، فسوف تستمتعون حقًا.

وهنا يأتي دور البحث العميق.

فنّ الانغماس

لو كان البحث عالي المستوى يدور حول رؤية التخصّص من ارتفاع 20.000 قدم، فإن البحث العميق يستدعي منكم النزول إلى الوحل واللّعب فيه.

إنّ هدفكم هو الانغماس التام، فأنتم تريدون أن تعرفوا كيف يبدو الأمر أن تكونوا أعضاءً نشطين ومتفاعلين في هذه الثقافة الفرعيّة على أساسٍ يومي.

وبعبارة أصح، لا يمكنكم التفكير في طريقكم إلى ايجاد جدواكم التجاريّة كصنّاع للمحتوى، إذ عليكم الغوص في ذلك النظام البيئي وتجربته بشكل مباشر.

إذن هذا ما يبدو عليه الأمر في المستوى العملي.

هل تعرفون قاعدة البيانات الكبيرة الرّائعة تلك التي قمتم بتجميعها للتو؟ إنّ مهمّتكم الآن هي تفقّد كلّ شيء ومتابعته (نعم، كل شيء).

انضموا إلى المجتمعات والمجموعات واشتركوا في النشرات الإخباريّة وقنوات اليوتيوب. تابعوا كلّ الأشخاص المعنيين على مواقع التواصل الاجتماعي. كونوا استباقيّين وابحثوا عن أكبر قدرٍ ممكن من الطرق لتنغمسوا في مشروعكم.

وللأسبوعين أو الثلاثة القادمة، أريدكم أن تعيشوا في هذا المكان المناسب، أريدكم أن تأكلوا فيه وتناموا فيه وتتنفّسوا منه: محتواه ومجتمعه وتجارته… كونوا مهووسين.

لا تكتفوا بالاشتراك فقط واستهلاك الأشياء بشكل سلبي، بل فكّروا في هذا على أنه اختبار قيادة، حيث يمكنكم “تجربة” حياة جديدة على الإنترنت لفترة. لذا تأكّدوا من الانتقال إلى – أو حتى بدء – المحادثات مع الأشخاص في ذلك الفضاء. وحتى لو كنتم مخادعين خجولين (مثلي)، فستحصلون على المزيد من الأفكار المفيدة من هذه العملية لو تشاركتم وتحدّثتم بصدق مع الناس.

عن ماذا تبحث أثناء الانغماس؟

أولاً، إنّ هذا ليس شيئًا يعتمد على البيانات، بل يتعلّق الأمر على الحدس والعاطفة، ويتعلق بما إذا كنتم تستمتعون بهذه الثقافة الفرعية وبكونكم جزءًا منها.

لذا إليكم بعض الأسئلة التي يجب وضعها في الاعتبار أثناء الانغماس.

  • هل المواضيع التي يتحدث عنها الناس ممتعة بالنسبة لك؟ هو تثير فضولك؟
  • هل تستمتع بالمحادثات التي تشارك فيها؟ هل تشعر أنه يمكنك تكوين صداقات؟
  • هل تستمتع باستهلاك عمل المبدعين الآخرين في هذا الفضاء؟ هل تريد التعاون معهم؟
  • هل التعليقات التي تركت على هذا العمل داعمة أم هدّام؟ هل هذه المساحة صديقة للمبدعين؟
  • هل تشعر بالحماس لإنشاء عملك الخاص في هذه المساحة؟ هل لديك ما تقوله؟

بالإضافة إلى كل ذلك، فإن البصيرة العاطفية الكبيرة التي تحاولون الكشف عنها هنا هي ما إذا كان بإمكانكم الانتماء.

إنّ هذا ما يجعل اكتشاف جدواكم التجارية كصنّاع محتوى أمرًا ناجحًا، فالانتماء هو المكوّن السرّي. عندما تشعرون بأنّكم مقبولون كأعضاء في هذه الثقافة الفرعيّة، فسيكون من الأسهل كثيرًا اللّعب والفوز بلعبة الأعمال الإبداعية الطويلة.

هناك احتمال ألا تشعروا بإحساس عميق بالانتماء على الفور، فقد يستغرق الأمر وقتا طويلا ولكن يجب أن يكون لديكم فكرة عما إذا كانت بذور الانتماء هذه موجودة في الأساس. هل يمكن أن تنتمي؟ هل يمكنكم الاستمتاع بوقتكم في صناعة المحتوى لهؤلاء الأشخاص، وأن تكونوا أصدقاء لهم عبر الإنترنت؟

إنّ توصيتي هي بالتركيز على 80٪ من اليقين حول هذه الأسئلة، فإذا كنتم تشعرون بهذا المستوى من التأكيد على أنّ هذه المكانة المتخصّصة مناسبة تمامًا، فأنتم عندها على استعداد للانتقال إلى المرحلة الأخيرة من هذه العملية.

ماذا لو كان تخصّصكم فاشلًا؟

وهذه حقيقة صعبٌ هضمها قد تستغرق وقتًا طويلاً للتعلم منها وقبولها.

لن يكون أي مكان مناسبًا بنسبة 100٪، وفي كلّ وقت. في الواقع، يجب أن تتوقعوا أن تتعثّروا في الأفكار والأشخاص الذين يدعونكم بطريقة خاطئة. هذه هي طبيعة الإنترنت، ولا يجب أن تعتبروها علامة للتخلي عن هذا المجال.

صدّقوني، هناك تخصّصات مثل “المخرج المستقل” و “المبدع” أجدها مشدّدة كـ الجحيم، وبالنسبة لمشروعي الجانبي “مواطن من الداخل” (Citizen Within)، هناك مساحات شاسعة من “الإنترنت السياسي” التي احسبها ألسنة لهب من النفايات السامّة.

لكن على الرغم من تلك المضايقات، ما زلت أجد جمهوري في جميع هذه المنافذ الثلاثة، لقد قمت بنحت مساحة صغيرة خاصة بي حيث أحيط بها أشخاص مشابهين لي في الفكر.

“وهذا جزء كبير مما تحاولون القيام به أثناء البحث العميق، فأنتم تبحثون عن تلك الزوايا من المكانة المليئة بالأشخاص الذين يشاركونكم اهتماماتكم وقيمكم ورؤيتكم للعالم. وهذا ما يعنيه “البحث عن بذور الانتماء”.

لمجرّد أن التخصّص ليس خليطًا من أشعّة الشّمس الدافئة ورائحة الورود الفوّاحة، فهذا لا يعني أنه لا يمكنكم جعله مناسبًا لكم تمامًا. ابحثوا عن بذور الانتماء. ابحثوا عن الآخرين. ثم لنتحدث عن كيفية زراعة تلك البذور وتغذيتها بمرور الوقت.

5- التزموا

قد تبدو هذه الخطوة الأخيرة واضحة جدًا بحيث لا تتطلب جزءًا خاصًا بها.

لكن هذا هو الشّيء الذي نتحدّث عنه، إذ يشعر كل صانع محتوى عملت معه تقريبًا بالخوف قبل الالتزام بمجال متخصص. هناك دائمًا – وأعني دائمًا – صوت مزعج في رأسك يقول، “ماذا لو لم يكن هذا هو المكان المناسب لي؟” “ماذا لو مللت؟” “ماذا لو أردت إنشاء أشياء لا تناسب هذا المكان؟”

إنّه لمن الممكن الوصول إلى هذا الحدّ في العملية، ثم شلّ أنفسكم، فقد يقنعكم هذا الصّوت في رأسكم بالحاجة إلى مزيد من البحث، أو القفز من على السفينة والعثور على فكرة متخصّصة أخرى.

إليكم هذا السرّ الصّغير: إذا كنتم قد أنجزتم العمل أعلاه، فإن التخصّص الذي وصلتم إليه سيكون جيّدًا كفاية. إذا كنتم تشعرون أنّكم متأكّدون من ذلك بنسبة 80٪ على الأقل، فليس هناك الكثير من الذي يمكنكم القيام به لملء تلك الـ 20٪ الأخرى، بخلاف الالتزام والانغماس.

إنّ تشبيهي المفضل لهذه الحالة هو العلاقات الحميميّة طويلة الأمد، فالكثير منا يمضي في حياته، في انتظار “الشخص المناسب” ونذهب نفرض في سبيل ذلك مجموعة مستحيلة من التوقعات على أي شريك محتمل نلتقي به.

تحدث إلى أحد الأزواج القدامى الذين امضوا معًا مدة 50 عامًا، والذين يحبّون بعضهم البعض أكثر من أي وقت مضى، وستجد السرّ. يكمن السر في الالتزام، والعمل على حبّ الشّخص الآخر يومًا بعد يوم، ليس الأمر سهلاً دائمًا، لكنه يستحق ذلك.

“ينطبق الأمر نفسه على المجالات المتخصّصة، فلا يوجد “مكان مثالي”، ولكن هناك على الأرجح العشرات من المجالات التي يمكن أن تحبّوها – وتكون ذات خدمة حقيقية للناس – إذا التزمتم و عملتم عليها”.

لذا كونوا على يقين بنسبة 80٪، ثم قدّموا أدنى قدرٍ ممكن من الالتزام لتلك المساحة.

تقديم أدنى قدرٍ ممكن من الالتزام

هذا ما أريدكم أن تفعلوه، بمجرد أن تكونوا متأكدين بنسبة 80٪ من أنكم وجدتم جدواكم التجارية كصنّاع محتوى، أريدكم أن تلتزموا بهذا المجال المناسب لمدة عام… هذا صحيح، عام كامل. وفي تلك السنة، أريدك أن تركّزوا على شيئين محددين.

أولاً، التزموا بالحد الأدنى من جدول إنشاء قابل للتطبيق.

ما هو الشيء الذي يمكن أن تبتكروه بشكل موثوق والذي من شأنه أن يسعد الناس في هذا المجال؟ هل هي رسالة إخبارية أو مقالة قصيرة أم بودكاستًا أو فيديو تيك توك؟ وما هو جدول النشر الخالي نسبيًا من الإجهاد الذي تثقون في أنه يمكنكم الالتزام به لمدة عام كامل؟

قد تميلون إلى المبالغة في هذه الأيام المبكرة، حيث قد تقومون بالنشر مرتين في الأسبوع، ومشاركة مجموعة من المنشورات الاجتماعية، والنشرات الإخبارية، وأشياء أخرى، لكن من فضلكم لا تفعلوا أكثر مما يمكنكم تحمّلّه، فسيقودكم ذلك إلى الشّعور بالذنب عندما لا تستطيعون أن ترتقوا إلى مستوى توقعاتكم غير الواقعية لأنفسكم، ومن شأن هذا الطّبق السام أن يعرقل زخمكم بطرق متعدّدة.

بالنسبة إلى موقعي الجديد Citizen Within، فإن الحد الأدنى من التزامي القابل للتطبيق هو رسالة إخبارية أسبوعية قصيرة، حيث أشارك ثلاث قصص منظمة، ولا يستغرق الأمر أكثر من ساعة أو ساعتين في الأسبوع، فأنا أفعل ذلك في صباح يوم السبت.

وقد أكتب مقالات أصلية أو مقالات صغيرة في بعض الأسابيع، وقد أبدأ ببودكاستٍ في وقت ما هذا العام، لكن لا شيء من هذا إلزامي، فطالما أنني أحضر وأشحن رسالة إخبارية واحدة بسيطة كل أسبوع، فأنا أفي بالتزامي.

إذن، فإنّ هذه هي خطوتكم الأولى. ما هو الشيء الإبداعي الذي يمكنكم الالتزام به لمدة عام؟ اكتشفوه، ثم التزموا به. ابحثوا عن الوقت الذي ستفعلون فيه ذلك كل أسبوع، ثم ثبّتوه في تقويمكم، واجعلوه أولوية.

والشيء الثاني الذي أريدكم أن تلتزموا به خلال هذا العام هو محاولة ايجاد شغفٍ بذلك التخصّص.

إنّه لمن شبه المؤكد أنه ستكون هناك أجزاء لا تحبّونها، وسيكون هناك أشخاص سيثيرون غضبكم، وموضوعاتٌ قد لا تهتمّون بها والعديد من الآراء التي قد تعارضونها بشدّة. إنّ هذا أمر متوقع في أي تخصّص متنوّع ونابضٍ بالحياة.

غير أنّني على استعداد للمراهنة على أنه ستكون هناك أيضًا نقاط مضيئة، مثل المجتمعات التي يبدو أنّها تجري محادثات رائعة دائمًا والمدونات الصوتيّة التي تجلب الضيوف الذين تحبّون أن تسمعوا منهم، والأهم من ذلك كله، الأشخاص الذين تقابلونهم والذين تحبّون التحدث معهم، والذين يشعرونكم بأنهم أصدقاء لكم مدى الحياة.

“لذا فإن التحدّي الذي ستواجهونه لهذا العام هو الاستجابة لنداء سيث غودين، والقيام بأقصى ما في وسعكم “للعثور على الآخرين”، لأنه بمجرّد أن تشعروا أنّكم وجدتم الأشخاص الذين يشبهونكم، وبمجرّد أن تطرحوا محتوى يحبّه هؤلاء الأشخاص بشكل موثوق، فإنّ نسبة الـ 20٪ المتبقية في فجوة اليقين التي ستغلق عاجلًا أم آجلًا”.

ومن هنا، يتحوّل الأمر إلى سباقٍ مع الوقت لإثبات تخصّصاتكم وأعمالكن الإبداعيّة.

الخطوات التالية لمُكتشفي التخصّصات

إنّ هذه هي عمليّتي لإيجاد جدواكم التجاريّة في صناعة المحتوى، باختصار، وبوضوح تام.

إذا كنتم من النوع الذي يحب الأشياء المقسمة إلى تمارين خطوة بخطوة، وتريدون بعض قوالب الأفكار المعدة مسبقًا لتخطيط السوق والجمهور، انضموّا إلى الدورة التدريبية.

لكنكم بالتأكيد لستم مضطرّين لذلك، فلديكم الآن كل ما تحتاجونه لتحديد التخصّص التي سيدعم عملكم الإبداعي، وتجعل حياتكم أكثر إمتاعًا.

بالتوفيق.

– روب هاردي


رابط المقال الأصلي

تُرجمت هذه القطعة من المحتوى بإذن كاتبها الأصلي: روب هاردي.

ترجمها للعربية: عبد القادر علي خوجة.

نُشرت لأول مرة بالعربية في مدونة يونس بن عمارة.


حقوق الصورة البارزة: Photo by Rob Hampson on Unsplash

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s