فنطازستك!

حسب المجلس البريطاني ستجد في هذا الرابط أجمل 70 كلمة في اللغة الإنجليزية. وقد وجدتها فرصة لأكتب خواطري حول العشرة الكلمات الأولى الأفضل في اللغة الإنجليزية.

تناولنا أمس كلمة الأبدية، واليوم ستنتاول كلمة “رائع” أو “خيالي” Fantastic

حسب موقع etymonline فإن تاريخ الكلمة في اللغة الإنجليزية كما يلي:

يعود أصل الكلمة إلى أواخر العام 14 ميلادي، حيث كانت تعني وقتئذ “شيئاً يوجد فقط في الخيال”، ومصدرها من اللغة الفرنسية الوسيطة، والتي استمدتها من الكلمة اللاتينية القروسطية فانتاستيكوس”fantasticus”، والتي استمدتها من الكلمة التي تعود إلى اللغة اللاتينية المتأخرة، حيث كانت تعني “خيالي”، وهذه الأخيرة استمدتها من الكلمة اليونانية فانتاستيكوس “phantastikos” التي تعني “القادر على التخيل” أو “القابل للتخيل”، والمستمدة من كلمة فانتازاين phantazein والتي تعني “جعل الشيء مرئياً”. لكن المعنى الشائع الآن لكلمة فانتاستيك والذي يعني “رائع، مذهل” يبدأ تاريخياً من سنة 1938م. فيما تمتلك الفرنسية القديمة صفة مختلفة من هذه اللفظة وهي “فانتاسيوز” (fantasieus) والتي تعني “غريب، مجنون، واهم” من ناحية أخرى، تستخدم اللغة اللاتينية القروسطية كلمة فانتاستيكوس (fantasticus) كاسم بمعنى “مجنون”، ونجد في الأدب أن شكسبير ومعاصروه استخدموا الكلمة في شكلها الإيطالي “فانتاستيكو” بمعنى “الشخص الذي يتصرف بشكل يبعث على السخرية والضحك”. (ترجمتي بتصرف طفيف).

من هنا ندرك أن الترجمة الأدق لكلمة فانتازيا هي “فانتازيا” أو “الوهم” وليس الخيال، لأن الخيال بمعناه الحالي لم يكن معروفا بنفس المعنى فيما سبق، يعني مثلا لما نقول رواية خيالية في الحقيقة المفترض أن نقول وهمية، والدليل على ذلك كتاب مهم من أول الكتب الخيالية (الوهمية) في الأدب العربي -بغض النظر عن طبيعته التصوفية- وهو “كتاب التوهم” للحارث المحاسبي. (أوجه أنظار النقاد الاكارم لتفحص هذه اللفظتين جيدا الوهم-الخيال وتطورهما عبر الثقافة العربية على مر الزمن).

كما أني لا أدري أين قرأت بالضبط (للاسف ضاع لي المرجع*) أن الفيلسوف الكندي (ت 256 هـ) استخدم كلمة فنطاسيا في كتاباته ولذلك أشار المترجم في هامش له في المرجع الذي نسيته أن استخدامنا لكلمة فنتازيا بهذه الكتابة (فنظازيا أو فنتازيا) صحيح لغوي اعتمادا على تراثنا واستمرارية فيه وبالنظر أيضا لأنها مفهومة بشكلها الحالي لدى معظم الناس.

من هنا ندرك أن كلمة فانتاستيك تعني “رائع بدرجة خيالية” أو “خيالي” اختصاراً، وكما يقول بابلو بيكاسو “كل ما يمكن تخيله هو حقيقيّ”، انفتحت في عصرنا أبواب الخيال وفي الحقيقة منذ كتب ابن عربي مؤلفاته والخيال يستحكم ويأخذ حصة كبيرة من الواقع يوما بعد الآخر ولم يعد شيئا مبتذلا أي لم نعد نطلق كما قراتم اعلاه في تاريخ الكلمة كلمة “واهم ” أو “مجنون” على ذي الخيال الحيّ المتأجج -أو على الاقل لم نعد نطلق ذلك في جزء معين من عالم اليوم وفي الغالب يكون في نصف الكرة الاعلى-

بقول هذا اعتقد أن الوهم (هو اعتقاد ما يخالف الواقع مع استحالة وقوعه في العالم الحقيقيّ) فعلى سبيل المثال ام مات ابنها وجنت ثم توهمت انه حيّ فهذا ليس خيالا وهو وهم. فيما الخيال (هو اعتقاد ما لم يوجد في الواقع بعد لكن يمكن تحقيقه حتى لو نظريا وبصعوبات جمة)، وهذا الخيال يتجلى على سبيل المثال في طموحات أيلون ماسك باستعمار المريخ. (استعماراً بمعناه الحقيقي وليس استدمارا).

إن من البؤس في نظري أن تكون في دولة محدودة أو بيئة محددة بأطر معينة وتعمد إلى اكثر الاشياء الحرية التي لديك وهي “الخيال” أو “الوهم” بالعربية التراثية فتقيده. اطلق العنان لخيالك وهناك قنوات لفعل ذلك منها: الأدب (كتابة في مختلف الأصناف من الهايكو والشعر والشذرات والقصة القصيرة جدا والومضة إلى النوفلات والقصص القصيرة والروايات) والفنون (بمختلف أنواعها من الرسم إلى الموسيقى إلى فن ترتيب الزهور الياباني إلخ).

——-

* وجدت الآن بتاريخ 8 يناير 2020 مرجعًا آخر يوثق الأمر لكن ليس هو المرجع المقصود في المتن أعلاه مع ذلك من المفيد ذكر المرجع الآخر وهو رسالة أبو يوسف بن اسحاق الكندي الموسومة ب”في العقل” تحقيق عبد الرحمن بدوي ص 3. من كتاب رسائل فلسفية للكندي والفارابي وابن باجة وابن عدي.

والشاهد هنا قول الكندي: “أعني الصور التي لا هيولى لها ولا فنطاسيا

رأيان حول “فنطازستك!

شاركني أفكارك!