تابع لمحاولاتي في الاجابة على أسئلة في مجال الذكاء الصناعي التي طرحها الاستاذ فهد العييري بالتحديد فلسفة الذكاء الصناعي.
هل يمكن للآلة أن تحل كل المشاكل التي تواجه الإنسان؟ هل ستحلها بالمنطق فقط؟
سؤال صعب كبقية الأسئلة طبعا. والسؤال يفترض أن مشاكل الانسان لديها رقم مثلا يمكن حلها واحد بعد الأخرى لكن الأمر ليس كذلك. من المعروف تاريخيا وحسب التطور الاجتماعي والتكنولوجي ان المشاكل تتولد ولا نهاية لها. لذلك فيمكن اعادة صياغة السؤال كالتالي (هل يمكن لآلة ان تحل عددا لا متناهيا من المسائل). الجواب ان كانت الالة هي الة تورينغ الكونية الافتراضية (في حال تمكن عبقري من صناعتها بطريقة ما) فيمكنها ذلك فقط إن كانت تلك المسائل قابلة للمعالجة الحوسبية. وضع تحت هذا الشرط سطرا او اكثر.
الجواب اذن او المحاولة عليه يمكن للالة ان تحل مشاكل الانسان فقط ان كانت هذه المشاكل من الممكن صياغتها بشكل منطقي. وينتقل الان السؤال إلى سؤال فرعي يقول: هل يمكن صياغة اي مشكلة بشكل رياضي منطقي لا لبس فيه؟ للأسف قضى العزيز الأمجد كورت غودل على هذا الأمل كليا -وبالمنطق والرياضيات- بمبرهنته في عدم الاكتمال. نقتبس كدليل على ذلك:
Gödel’s incompleteness theorem shows that no consistent, recursively enumerable theory (that is, one whose theorems form a recursively enumerable set) in which the concept of natural numbers can be expressed, can include all true statements about them. As a result, some domains of knowledge cannot be formalized, accurately and completely, as mathematical theories. (التشديد والتسطير من عندي، المصدر)
كخلاصة الجواب على السؤال لا من ناحيتين:
- لان الالات لا تفكر –راجع اجوبتنا السابقة– بل تعالج حوسبيا
- لا يمكن صياغة كل المشاكل البشرية والمتعلقة بها بشكل رياضي قابل للحوسبة
- لا يمكن للالات حاليا حل المشاكل غير القابلة للحوسبة
وحتى ان ذهبنا بعيدا وقلنا ان الالات اصبحت تفكر فهي لن تحل كل المشاكل لان قدرتها التفكيرية ستكون مماثلة للانسان (لا نتحدث عن السرعة في التفكير بل نتحدث ان الالات لما تصبح تفكر ستواجه نفس التحديات الابستمولوجية (يعني امكانية المعرفة-مداها- وقدرة التحقق منها…) التي تقيد تفكير الإنسان حالياً) وعدد المشاكل لا نهائي فهي قد تحل عددا مهولا من المشاكل لكن لن تتوصل الى حلها جميعاً.
ماذا عن المشاعر والعاطفة والتي هي جزء لا يتجزأ من عملية تفكير الانسان في حل مشاكله؟ هل ستكون للآلة مشاعر؟ هل يمكن برمجة المشاعر؟ هل يمكن تثبيت المشاعر في الأجهزة كتطبيقات أو برمجيات؟
يجب الفصل بين (الإحساس بالمشاعر) وبين القدرة على التقاطها وتحليلها. لا شك ان الميزة الاخيرة ستبرع فيها الالات جدا. لكن هل يمكن ان تحس الالات بالمشاعر ، امر صعب لان الاحساس بالمشاعر لدى البشر يشبه تجارب الفيزياء بالكوانتم، المجرّب نفسه يؤثر على التجربة. وهنا ستواجه المبرمجين ومالكي الروبوتات مشكلة حقيقة. لان السماح للمشاعر بدخول تركيبة البرمجية الاصيلة للروبوت تجعلنا لا ندري ما الذي سيحدث او ما الذي سيفعله الروبوت في خطوته القادمة.
لنوضح الامر لتتخيل معي هذا السناريو: روبوت بشري فائق القدرات يجلس على الاريكة مع مالكه لمشاهدة فلم حزين جدا. مالكه او مالكته (بمناسبة عيد المرأة) يبكي لبعض المشاهد ..قد يتحرك لروبوت وفقا لذلك لاحتضان المالك او المالكة للتخفيف عنه او ابداء التعاطف او يطلق نكتة سمجة لتخفيف جو الحزن الخ. لكنه في كل ذلك لا يسمح بالمشاعر ان تتدخل في تركيبة برمجيته الاصلية (الكود المصدري الجيني له).
لكن لو قلنا ان المشاعر مسموح لها بالدخول، وتعديل الكود المصدري وفقا لذلك، فنحن لا ندري ما الذي سيفعله في الخطوة القادمة (رسالة غاضبة الكترونية للشركة او الممثل لانهم اثاروا حزن مالكه في وقت هو مش ناقص فيه – شراء هدية بعد اختراق حساب منتج الفلم لاسعاد مالكه دون علمه – تصرفات تلقائية غير محددة وغير معروفة ولا نستطيع توقعها) هناك احتمالات كثيرة كما لا يمكننا ايضا منع مشاعر الغضب من التدخل لتتسبب في عنف يوجه ضد البيئة او الاشخاص المحيطين (على الرغم من قانون لا تؤذي بشريا المشهور لاسحاق عظيموف).
قد يكون مثال الفلم الحزين بسيطا لان الروبوت الواعي قد يحلله كالاتي في ذهنه (فلم خيالي -غير واقعي – لا تقم باي فعل للبشر لان الفلم افتراضي فحسب) لكننا لا ندري ما الذي ستفعله مجموعة من الروبوتات -المتصلة- لما يرون خبرا لظلم كاسح ينزل على رؤوس بعض البشر من بعض الجهات ولا يستطيعون فعل شيء وفي نفس الوقت المشاعر مسموح لها بالتسرب للروبوتات. قد نرى وقتها والله اعلم روبوت تشي غيفارا جديد. لنواصل الاجابة على ما تبقى من هذا السؤال:
هل ستكون للآلة مشاعر؟ هل يمكن برمجة المشاعر؟ هل يمكن تثبيت المشاعر في الأجهزة كتطبيقات أو برمجيات؟
يمكن للالة ان تلتقط المشاعر وتمثلها كما قلنا لكن ان (تحس) بها شيء يتطلب الوعي الذي اعتقد ان الالات لن تصله، راجع ما سبق من الاجابات للتعرف على السبب، اما ان كنت تعتبر ان الالات ستصل للوعي وان الوعي ما هو الا معالجة بيانات بشكل رهيب التطور فقط. فمن الممكن ان تمتلك الالات مشاعر حقيقة اصيلة لكن حتى ان كانت فكرتك عن الوعي هي انه معالجة البيانات بشكل بالغ التعقيد والتطور يبقى امتلاك الالات للمشاعر يواجه هذه القضية: هل يمكن صياغة كل المشاعر البشرية حوسبيا ومنطقيا يعني هل يمكن صياغة او تهيئة المشاعر في صيغ منطقية قابلة للمعالجة؟ ان كان الجواب لا فلن يمكن للالات ان تحوز على المشاعر ان كان نعم فيمكنها ان تمتلك المشاعر. لكن مسألة المشاعر بحد ذاتها ليست امرا بسيطا.
مرة سمعت صلاح الراشد يذكر في قناته على التلغرام (وانصح بها) واسمها سمارتس واي، ان للانسان اكثر من 400 شعور وان الذي لا يعرف الا اربعة فقط مثلا يعيش حياة عاطفية او وجدانية فقيرة جدا.
هذا يجعلنا نفكر ما هي المشاعر اولا؟ هل هي مرتبطة بما نستقبله من معلومات؟ يعني هل هناك شعور اذا وضع انسان او عقل او جهاز تفكير في فراغ مطلق لا يوجد فيه شيء؟ وما هو ذلك الشعور؟ هل مشاعر الانسان كانت ثابتة منذ الانسان الاول وحتى الان ام انها تزداد او تنقص وكم عددها ؟ هل هو ثابت ام لانهائي؟
كما ترون هذه الاسئلة والمحاولة في الاجابة عنها تستدعي اسئلة اخرى تثير الذهن لانه ببساطة ادعاء الاجابة الكاملة عليها ما هو الا فخر معرفيّ لشخص لا يعرف الابستمولوجيا جيدا.
أراكم في المقال التالي باذنه تعالى كونوا بخير.
3 رأي حول “محاولة الاجابة على أسئلة فهد العييري في الذكاء الصناعي (الجزء 2)”