ما الداعي للاستمرار في الحياة؟ (حجة تدعم الإنجاب)

إلى نظام الملك -مرحبا بكم في العالم!-

أهلا بكم، وتتمة لما سبق قوله عن حجج عقلية ضد اللاتناسل، وبعد تأمل ومناقشات مطولة وقراءات كثيرة (كثيرة جدا جدا) في مختلف فروع الفلسفة والعلوم، وملاحظة راصدة للمحيطين بي، استخلصت حجة عقلية تهدف الآن إلى تبرير (الاستمرار) دون الاستناد إلى أدلة دينية أو الاتكاء على الميتافيزيقا والماورائيات.

وبداية نذكر أن سؤال (ما الداعي للاستمرار في الحياة؟) هو سؤال في الحقيقة ذو نوعين وهذا المقال أو (المحاولة الفكرية) بعبارة أدق لا يتحدث عن النوع الأول بل يجيب فقط النوع الثاني.

أما أنواعه فهو أن لديه مستوى سطحي ومستوى عميق.

إن معظم أسئلة الشباب وحديثي السن والبلوغ حول تحدي استمرارية الحياة سطحية وليست عميقة هم يسألون ما جدوى الاستمرار لدى فشل في تقدم لوظيفة أو دراسة أو هجران صاحبة أو عراك مع الوالدين -الأصول- أو نضال ضد حكومة ظالمة. وهنا لا أجيب عن هذا السؤال لأن هذا السؤال ما هو إلا زخرف لمشكل آخر. ويجدر بالشباب اكتشاف ذلك فعلياً ومعرفة ما هو السؤال الحقيقي قبل محاولة الاجابة عليه.

ودليل أنه زخرف واضح لأنه لا يثبت مع الزمن فترى ذلك الشخص نفسه لما يحصل على وظيفة وينضغط في عمل لا يعود يسأل ذلك السؤال أبداً بل تراه بعد سنوات بأولاد مع أنه لم يبرر عقليا اجابة واضحة عن سؤال (ما الداعي للاستمرار).

اضف الى أن السؤال سطحي وليس عميقا وهو احالة اخرى لسؤال اخر لا علاقة له بالاستمرارية فالتخلف والتربية والمحيط السيء وظلم الشركات وما إليه كلها قضايا أخرى تتطلب تحليلا عقليا وتفكيرا وتفكرا اخر لحلها ولن نطرحها هنا، فإن هذا السؤال عندما ينجم عن المراهقين والمفتقرين إلى إحاطة عقلانية بالموضوع (وهذا ليس اهانة انما توصيفا دقيقا) لا يصبح له معنى. وسنشرح ذلك كيف بالضبط.

إن عدم الاحاطة العقلانية بالموضوع نقصد بها عدم الحضور الذاتي في وضعية مشابهة لاتخاذ قرار صحيح بشأن موضوع ما. ولنشرح ذلك بشكل يُفهم لنقل أنك مبرمج جيد لديك منتج فيه خمس خصائص فقط ويحقق لك دخلا انت مرتاح له ويحقق لك رضا ذاتيا عمليا عن نفسك ويعجبك ما تقوم به من تطوير وفق خطتك الخاصة. إن تلك الرسائل التي تأتيك سواء واقعية أو الكترونية وتقول لك أن ما تفعله غير مجد ولو فعلت كذا لكان كذا أحسن ولو طورت شركتك او منتجك لمستوى اخر (بلغة طفولية لان هناك نقدا بناء كما هو معروف وانت تعرفه لما تقرأه) او لو بعتها لحوت تكنولوجي عملاق واشتريت فيللا لكان أحسن الخ كل هذا نسميه هنا (عدم الاحاطة العقلانية بالوضع) ومن الجيد فعلا ان تخطط وتطور بنفسك أفضل من اتباع كل رأي متسرع.

في قضية مثلا لماذا ننجب يكون عدم الاحاطة العقلانية بالوضع في الافتقار إلى ما يلي:

  • عدم توفر القدرة المادية على توفير بيئة ملائمة للانجاب
  • عدم الوصول إلى السن العقلاني المناسب لذلك
  • عدم توفر الشريك المناسب.

وهذا ليس تهربا للاجابة عن سؤال من يتميز باحد هذه الافتقارات لانه عقليا لما تتوفر له يبدل هو رأيه والمؤسف أنه يبدله دون استناد عقليّ بل عاطفيا فقط. وهذا دليل على أن سؤاله من الأساس سطحي وكما قلنا ان هذه المحاولة الفكرية لا تعتزم الاجابة على هذا النوع من السؤال.

أما السؤال العميق فهو لما يكون لديك القدرة والامكانيات واحيانا متزوج ويتوفر لك كل شيء جيد مناسب وكاف بالنسبة لك ومع ذلك السؤال يتردد بشكل مزعج وهو (ما الجدوى من الاستمرار) وهذا هو موضوع محاولة الفكرية للاجابة وباختصار مبنية بالكامل على جواب بسيط لكنه عقلاني وهو كالتالي:

  • إن الجدوى من الاستمرار في الحياة عن طريق الإنجاب هو الايفاء بالواجب الأخلاقي لاعطاء نموذج حسن.

ونستكشف هنا الاعتراضات العقلية عليه ونحيلكم الى ان الاعتراضات التقليدية قد رددت عليها من قبل في هذا المقال بشكل واف.

يسأل المعترض العقلاني (لأننا لن نرد على الحجج العاطفية)

  • أي واجب أخلاقي علينا ؟ الا يكفي اننا موجودون في عالم رديء؟
  • الاجابة: أيا يكن مذهبك فأي ايدولوجية تتبعها (حتى لو كنت شيوعيا او ماركسيا بالنسخة التروتسكية أو اللينيية أو غيرهما) لديها نظام أخلاقي تعتقد أنه يجب أن يتبع. فإن كنت لا أدريا ولا تتبع أي ايديولوجية ولا تؤمن بشيء مطلقا وبشكل نهائي فحياتك حقيقة في مهب الريح فإن كنت لا تؤمن بأي شيء مطلقا لماذا تزعج نفسك بالبحث عن اجابة سؤال تفصيلي ضمن وجود بلا معنى فكل شيء أيا يكن بلا أي معنى. اما ان كنت لا ادريا لكنك تناصر ايديولوجية ما او على الاقل تعتقد انها افضل ما اخترعه عقل البشر او افضل ما هو متاح الان فهذا الجواب ينطبق عليك لانه مهما تكن تلك الايديولوجية فلها كما قلنا نظام اخلاقي ما.
  • المعترض: لدي ايديولوجية بالفعل ولديها نظام اخلاقي لكنها لا تعتبر الانجاب واجبا اخلاقيا بل هو اختيار.
  • الجواب: فهي اذن ايديولوجية ضعيفة اخلاقيا وفاشلة ولن تدوم. لان الواجب الاخلاقي للانجاب في تلك الايدولوجية هو ان تحفز أعضائها المعتقدين بها على اعطاء نماذج حسنة فان لم يكن هذا واجبا او على الاقل فرض كفاية بالمصطلح الاسلامي ذهبت الى الانقراض كنموذج حسن للبشرية (كما تتصوره عن نفسها طبعا لان الايديولوجيات الاخرى ستقول عكس ذلك) لكن حجتنا هو ان ايديولوجية ايا كانت ينطبق عليها هذا الواجب الاخلاقي.
  • المعترض: إني يا عزيزي اؤمن بايديولوجية حقا لكنها ايديولوجية فناء البشر وانقراضهم للتمتع بخيرات العدم.
  • الجواب: ان هذا اعتراض جيد لكن ان انقطع نسلك وازدادت الايديولوجيات الاخرى عددا وسكانا فلن تصل الى هذا الهدف الايديولوجي فلا بد على ايديولوجية انقراض البشرية ان تستمر -ولو مؤقتا- في تربية اعضاء يؤمنون بها على الدوام حتى تنجز مهتمها في جعل (جميع البشر ) يؤمنون بهذا المعتقد ويقومون طوعيا بالاستسلام اللذيذ للعدم المجيد. (والخبر السيء هو أن هذا غير ممكن لسبب عقلي فصلناه في هذا المقال).
  • المعترض: حسنا لقد تقبلت هذا الواجب الاخلاقي لكن لماذا هو متعلق باعطاء نموذج حسن.
  • الجواب: كما قلنا كل انسان لديه ايديولوجية ما حتى لو كانت ايديولوجية فكرية له هو فحسب. وكما قلنا ايضا كل ايديولوجية لا تخلو من نظام اخلاقي مطلقا وابدا. ومن هذا المنطلق ينجم لدينا ان هدف اي ايديولوجية هو تحقيق اهدافها (وهذا ينطبق حتى على الايديولوجيات الانانية التي لا تهدف لخيرية البشرية قاطبة انما فرديا او لجزء فقط من البشر) ومن هنا تنبع ضرورة أنه ولاستمرار هذه الايديولوجية لا بد من توفير اطار بيولوجي واقعي لدوامها والمتمثل في الانجاب -ويتمثل جزء قولنا إعطاء نموذج حسن في -التربية على طريقة هذه الايديولوجية. وبتامل بسيط سترى ذلك متبعا في كل الطوائف وأنظمة الدول الحديثة وتقاليد المؤسسات العريقة وكل شيء يمكننا ان نطلق عليه نظاما فكريا.

إن الجواب على السؤال ما داعي للاستمرار يجابه للاسف مجتمعيا بكلمة فضفاضة غامضة تدعى (سنة الحياة) والتي يرفضها الشباب (عاطفيا) وبتسرع ودون اساس عقلي وهم محقون لو رفضوها على اساس عقلي لان العقل سيرشدهم في نهاية المطاف لما فيه صلاحهم بلا شك لكنهم يرفضونها عاطفياً فتجده رفض نقطة الف وباء وتاء من المجتمع والحكومة لكن ليس على اساس عقلي بل عاطفي. لذلك لن تراه ينجح حتى في بلاد توفر له تلك النقاط بشكل مميز جدا. لماذا؟ لان اساس رفضه عاطفي وكان الواجب ان يعالجه نفسياً (والعلاج النفسي لدي ليس عيبا او وصمة عار بل هو نتاج حضاري متميز جدا) لا عقليا وكي تعرف ان اي حجج شاب عقلية او عاطفية انظر الى حياته التي يتوفر فيها على خيارات له وحده. هل قام فعلا بخيارات عقلانية لما كان ذلك بيديه ام لا. وستعرف هل رفض ما سبق عاطفيا او عقليا؟.

فيما يقول التطوريون ما يشبه كلمة سنة الحياة أي ان التناسل حاجة تطورية وهي في جيناتنا وهي ضرورية للبقاء لكنهم ايضا لا يعطوننا اي تبرير عقلي مقبول لماذا التكاثر الجنسي مثلا بدل اللاجنسي ولماذا هكذا بدل ذلك. ولتطلع على التفاصيل التطورية البيولوجية انصح بكتاب (ثلاثة عشر شيئا غير مفهوم: اكثر الامور الغامضة المحيرة لعصرنا) فصل الجنس. 

سؤال ما الفائدة ما النفع ليسَ الاعتراض الصحيح هنا.

لماذا؟ لأن فلسفة ان تسير فقط او تفعل شيئا له نفع عاجلا او اجلا يجعلك براغماتيا لذلك اذهب لفلاسفتهم واتبع ايضا اطارهم الاخلاقي وانظر ماذا يقولون في قضية الانجاب. لانك نفعيّ براغماتي (وهو ليس سبة على فكرة لكنه يجعلك في مأزق فكري ان كنت تتبع اطارهم الفكري وتخالف حججهم للانجاب فما هي حججك انت التي ركبتها على المذهب النفعي؟ مأزق فلسفي فعلا!!) لكن في نظري النفعية (صحة وصدق اي شيء هو مدى فائدته ونفعه) الاعتراض عليها بسيط وبشيء قوي وموجود في العالم ألا وهو (الصداقة الحقة).

تحديث بتاريخ 12 أغسطس 2019: الصداقة ليست موضوعاً هامشياً، وإليكم الدليل: 22 بالمئة من جيل الألفية (من تتراوح أعمارهم بين الـ23 والـ38) يقولون أنهم “لا يملكون أيّ أصدقاء”. 

ان الصداقة ظهرت في التوجه الفكري العالمي الحديث وبرزت بقوة حديثا في شبكات التواصل الاجتماعي (التي تقول انها للعائلة وللاصدقاء لكن معظمنا لديه حساب ليس في فرد من العائلة وفقط فيه اصدقاء) وهذا ايضا من اسباب نجاحها الهائلة. وهي مثال فقط على تجليات الصداقة الحقة في عالمنا اما ان قرأت قصص النجاح فستخرج بأشياء مذهلة فيها ولا داعي للقول ان مسلسل الاصدقاء الهم الملايين وان صداقة لوفي وصحبه وصداقة ناروتو قيم يدور حولها كل قصصهم الاسطورية الرائعة لانها تحمل قيمة مهمة جدا للانسان وهي علاقة صافية خالية من المنافع.

والان ما هو اهم ميزة او على الاقل من اهم ميزات الصداقة الحقة؟ بالضبط خلوها من الاستغلال والغرض النفعي. وهو بالضبط ما يحطم الفلسفة البراغماتية التي تنص على (معيار صحة الشيء هو نفعه). حتى لو كان صديقك الحميم اكثر من استفدت منه في حياتك، ان الاستفادة العظمى من الصداقة موجودة لكنها لا تُذكر وذلك ما يجعل الصداقة الحقة في تناقض فكري جميل غير مسمى بعد. انت تستفيد من صديقك حقا لكن بينكما شيء اكثر من ذلك لا علاقة له بالنفع لانه لو ذهب النفع يبقى ودلائل وجود هذا الشيء كثيرة جدا تلخصها عبارة ‘صديق حقّ’.

وبما اننا وجدنا شيئا واحدا وهو الصداقة الحقة يخرج من تعميم البراغماتية المطلق فهذا يسقط شمولية فلسفتها ونسأل لماذا تزعج نفسك بتطبيقها في كل حياتك صحيح ان البراغماتية مفيدة في نواح كثيرة في النجاح الوظيفي وفي العمل وفي التصميم الاداري وفي كثير جدا من الامور لكننا نقول هنا انها لا يمكن ان تصبح منهج حياة وبما اننا فتحنا ثغرة يمكن للمفاهيم ان تخرج من عبرها من قبضة البراغماتية الصلبة فنحن نقول ان هذه الحجة الأخلاقية للانجاب وللاستمرار تنتمي الى تلك الثغرة ايضا وسؤال ما الفائدة؟ لا ينسحب عليها أبدا تماما مثل الصداقة. ولربما ان اتيح لي كتابة مقال طويل كهذا ساستكشف ان شاء الله جوانب الصداقة في علاقة الزواج من ناحيتين الصداقة بين الشريكين والصداقة مع الابناء وفي الحقيقة عادة ما توصف اروع العلاقات بين الاب وابنه او ابنته او الام وابنها او ابنتها بانها علاقة صداقة!

اقرأ عن الصداقة: قيمة الصداقة (أن تكون فاضلاً أنّى تبدلت الأحوال)- أبو علي أحمد بن محمد مسكويه – (مجلة الإستغراب) تحميل.

إن كلامنا عن الواجب الاخلاقي لا يفتح الباب امام بطريركية المجتمع والوالدين غير المسؤولين والمستهترين والجهلة المركبين لقول (ارايتم نحن محقون وهذا دليل عقلي من يونس على جدوى الانجاب) بالطبع لا لانه كلمة باطلة للاستشهاد بشيء حقيقي صحيح لذلك ولهؤلاء وللتطوريين الذين اخالفهم في كثير من الامور الاخلاقية وضعت معايير لقولي الاخلاقي العقلاني الذي يدعم الانجاب وهو كالتالي:

إن القضية التي كتبتها وصغتها حول جدوى الانجاب كالتالي:

إن الجدوى من الاستمرار في الحياة عن طريق الإنجاب هو الايفاء بالواجب الأخلاقي لاعطاء نموذج حسن.

صحيحة وصحيحة فقط إذا توفرت هذه الشروط:

الحيادية: 

  • بمعنى أنها لا تتبع دينا او ايديولوجية ما لكنها تنطبق على كل ايديولوجية ودين. هذا يعني ان استعمال هذه الحجة لحفظ بيضة الدين (بتعبير المسلمين) او لتعزيز دين المحبة (المسيحيين) او للحفاظ على نسل احباب الله الوحيدين (اليهود) غير مجدٍ ويمكن رفضه عقليا ببساطة. ان هذه الحجة تصلح لمن هو في هذه القضية بالذات في حياد عقلاني مفيد ووعي تام.

الاختيارية: 

  • هذه الحجة ايضا لا تصلح ان لم تكن مختاراً فلما تتزوج غصبا مثلا ذكرا كنت او انثى لا يكون الاستشهاد بها صحيحا فانا شخصيا اقبل جدا ان يرفض انسان ما الانجاب من اخر ان كان زواجه غير اختياري وطوعي ولا ادعم حجة الانجاب هذه. ان الاختيار ضرورة لهذه الحجة وطبعا لا بد ان تتوفر القدرة كما اسلفنا فكونك لا تستطيع الانجاب ينقلك لخيارات اخرى قد لا تصلح لها هذه الحجة فنحن لا ندرس بها اخلاقيا قضايا مختلفة تماما مثل جدوى التبني او استعمال حلول الهندسة الجينية او تجميد البويضات او استئجار الارحام.

وضوح المعايير: 

  • هذه الحجة أيضا لن تصلح لمن ليس لديه معايير واضحة على الأقل في مواضيع متعلقة بالحجة التي قلناها فمثلا إن كان احدهم يرى ان العملية الحميمة بحد ذاتها قذارة أو بيولوجيا متعبة وغير مجدية أو أن الزواج بذاته نظام اخلاقي غير مجد وقديم او ان الدولة -كما يقول افلاطون ويوافقه راسل- هي التي يجب ان تكون مسؤولة عن الاطفال (لان كل شيء مشاع فيا مرحى لنا) كل هذا تشوش في المعايير لن يساعدك في تقبل الحجة فإن كانت لديك معايير ما فانت لن تحتاج اليها لانه ببساطة يمكنك الاجابة حسب نظامك الاخلاقي في فكرك المخصص الذي تعبت عليه وطورته منذ سنوات عبر قراءات كثيرة وبحوث عظيمة. اما ان لم تكن لك معايير اصلا فكلامك المعترض عليها لن يجديك نفعا لان معاييرك غير واضحة اصلا في مئات القضايا التي قبلها فانت فقط تهذي بمصطلحات وكلام لا تعرف له تعريفا دقيقا. ان هذا لا يعني انها حجة معصومة طبعا بل قد تكون خاطئة تماما لكن المهم والمفيد في الموضوع هو قبل ان تعترض عليها بحجة جدلية ما لا بد ان تكون معاييرك واضحة ويكون مواضيع مثل (النظام الاخلاقي المتعلق بموضوع العلاقات الحميمية- سن الزواج- الاختيار- البيئة المناسبة- التربية المثالية) واضحة تماما او على الاقل لديك خطوط عريضة عنها كي تبني عليها اعتراضك على هذه الحجة ويكون الاعتراض منطقي وعقلاني ومؤهل لمناقشته بجدية.

واخيرا وهو الشرط الاخير لتطبيق هذه الحجة هو :

  • بذل ما في الوسع: فامكانية سفرك لبلد جيد لك ولاولادك ورفضك دون سبب عقلاني مقنع مثلا يجعل حجة انجابك ان اعتمدت على الحجة اعلاه خاطئا ولا ينجح ولا ينطبق على حالتك لانه من شروط هذه الحجة هو بذل ما في وسعك لفعل الافضل لك ولغيرك. فان لم تفعل ذلك فالحجة ليست لك ولا تدعم رؤاك ان اعتراضك مثلا على ابنك الذي لا يريد ان ينجب ولا يتزوج مع توفر كل شيء واستخدامك لهذه الحجة لاقناعه لن يفيدك لان بذل الوسع في هذه الحالة مثلا هو (ان تترك له حريته الشخصية).

ان العدميين يقولون أنه لا ضمان للتحسن ان اخذنا بهذه الحجة لمختلف الايديولوجيات ونسوا أنه لا ضمان للأسوأ مهما اعتمدوا على الإحصاءات العالمية بل إن هذه الأخيرة بالذات ضدهم من ناحية الأمن والغذاء والدخل بل إن هذه المؤشرات الاقتصادية ليست قوانين كونية فيزيائية لأن إحدى الدول الآسيوية مثلا تعتمد مؤشر السعادة الفردية بدل ناتج المحلي للفرد.

فحتى لو فرضنا أن مؤشرات الاقتصاد بإجمالي العالم تسير نحو الأسوأ لا يعتبر ذلك حجة لا تدحض للانقراض الطوعي فما بالك إن كان العكس هو الواقع.

وباستعمل قانون الاحتمالات وبتبسيط شديد لكل العوامل يكون المضي نحو الأسوأ أو نحو الأفضل احتمالا متعادلاً ونقول لهم:

أليس من الخسارة ألا ياتي للعالم رجل مثل هانس رودولف هيرين الذي أنقذ جزءا من افريقيا من المجاعة أو غيره من العلماء ذوي الأفضال الجليلة على العالم؟

قد يقول البعض وأليس من السيء ان ياتي ادولف هتلر وستالين وغيرهما؟ نقول لهم مجددا ان الاحصاءات تغلبهم وبالاحتمالات يترجح الخير على الشر.

أسمع هنا احدهم يقول: واليس العدم أفضل من دخول لعبة الاحتمالات أساساً فيمكن الا يكون من الافضل ان ندخل في اختيارات أساسا بين الشر والخير والحسن والقبيح؟

لكن المشكلة في اعتراض هذا المعترض هو أمران هو اننا لا نعرف فيزيائيا ما هو العدم لنعرف هل الجو هناك أفضل ام لا. كما اننا لسنا متاكدين تماما بشكل قاطع ان الاديان تكذب. فلربما لما تُخلق لا يوجد سبيل للعودة الى العدم وهناك فقط محرقة او حديقة ساحرة. فها انت عدت الى الاحتمالات وتبقى فقط ان الاحتمالات الدنيوية اقل خسارة لان التزامك بالاخلاق مهما كانت ايديولوجيتك وفعلك الخير سيجعل هذا العالم (السيء) في نظرهم أكثر جودة وخيرية (أو خيرورة حسب تعبير أبو الحسن محمد بن يوسف العامري النيسابوري في رسالته «الأمد على الأبد» )

قد يتشبث العدميون بضيق مساحة الأرض وكثرة السكان: والرد:

tunisia

وحتى لو كانت حجة الازدحام السكاني صحيحة تماما وهي خاطئة بالحجة الموضحة في الصورة أعلاه فإن تحول الانسان الى كائن بينجمي (بين النجوم رحالة ومقيما) ضرورة حتمية يتجه لها العالم بعقلانية الآن:

كلنا يعلم أن بقاء الجنس البشري على المدى الطويل يعتمد على أن نُحَلِّق إلى كواكب وأنظمةٍ شمسيَّة أخرى ونستوطنها. المسألة ليست ”إن“ كان كوكبنا سيصير غير قابلٍ للحياة ذات يوم، بل ”متى“ سيأتي هذا اليوم. لكن بالنظر إلى المسافات التي يجب أن نقطعها كي تتمَّ عمليَّة الاستيطان هذه، بالإضافة إلى عامل الزمن، فمن الواضح أن بمجرَّد أن نبدأ تلك العمليَّة سنبدأ بدورنا -كبشر- في النزوح وينفصل بعضنا عن بعض.

ستكون البداية مع اللُّغة والثقافة، وستبدأ المستوطنات الموجودة على الكواكب الأخرى، التي تفصلها ملايين الأميال وساعات الإرسال، في تطوير لهجاتها ولُغاتها العاميَّة الخاصَّة. مجرَّد النظر إلى التنوَّعات العديدة في اللُّغة الإنجليزيَّة وحدها -من السكوتلنديِّين ساكني التلال، إلى المتزلِّجين على الأمواج في كاليفورنيا، إلى الإفريقيِّين ذوي الأصول الهولنديَّة في جنوب إفريقيا (البور)، إلى الأمريكيِّين من أصل أوروپي في الكاريبي (الكرِيول)- يُعطيك فكرةً بسيطةً للغاية عن الشتات الثقافي الذي سنشهده.

تياجو فورت

ما تعلَّمته عن المستقبل بعد قراءة 100 رواية خيال علمي – صفحة المترجم: هشام فهمي.

عندما تجد شريكا مناسبا وتعتبره نموذجا إنسانيا جيدا فمن هدر الجينات الا تستنسخ منه نسخة إنسانية افضل لأنه يجعل هذا العالم الذي يعيبه العدميون بالشرور اقل شرا وان كانت قدرتك على جعل العالم مكانا افضل ولو بنسبة ضئيلة جدا متوفرة لكنك لا تفعل فذلك خلل في ميزانك الأخلاقي لانك لا تساهم في التحسن بشيء عدا الشكوى.

8 رأي حول “ما الداعي للاستمرار في الحياة؟ (حجة تدعم الإنجاب)

  1. أعجبتني الزاوية التي تحدثت بها عن الموضوع والطريقة التي استخلصت بها هذه الحجة وكيف تضمن موضوعك العديد من فروع العلوم، مقال أتى في وقته وأتمنى يصل للعديد من الناس.
    لا زالت سعة علمك واطلاعك تبهرني كل يوم.

    Liked by 1 person

  2. لا نريد ان نروج لفكرة عدم الانجاب فنحن نكتفي بأن نعبر عن الفكرة فقط لا غير … الاستمرارية ليست هدفا لنا لكن الفكرة ستظل سائده بعد وفاتنا … مهما ظهرت التبريرات والحجج الفلسفية ستبقى فكرة الانجاب هي فكرة لا اخلاقيه لانك ستجبر شخصا على ان يقاسي من جديد من اجل هدف قد يكون لا يكترث لاجله المولود الجديد لانك في النهاية ستفنى وستكون رقما مر على البشرية لا غير يبنما هو سيبقى يقاسي حياته مثلما قاسيتها انت وستظل تدور في دائرة مغلقة الى الابد دون جدوى
    .

    Liked by 1 person

    1. حقك محترم وطبيعي كما قلت في مقالي ولا مشكلة في الايمان به والالتزام به بشكل شخصي. لكن منا ناحية منطقة فلسفية أنت بقولك (تجبر شخصا على الوجود) تتكلم عن وجود متعالي -عدم يحتوي جميع الممكنات- وعن قدرة الانسان من خلال فعل بيولوجي ان يخرج ببساطة انسانا اخر من العدم للوجود بملء ارادته. ان كنت عقلانيا سترى عدة امور غير عقلانية في هذه الفكرة فهي تستلزم الكثير من البديهيات التي لا نوافقك عليها ولا يوافقك عليها معظم الفلاسفة اللهم الا ابن عربي في الفتوحات المكية ومن آمن بفكره واعتقد ان اللاانجابيين لا يؤمنون بفكره. لا بد من اثبات العدم -وهذا تناقض ثم اثبات ان الاشياء هناك فيه تنتظر من يخرجها ثم اثبات بشكل قاطع ان الانسان من خلال عملية بيولوجية يمكن ان يخرج -ان اراد- انسان اخر من دائرة العدم للوجود. تأمل جيدا في هذه الاسئلة المثارة وارحب بك في مدونتي.

      إعجاب

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s